18 ديسمبر، 2024 4:46 ص

العلاقات المصرية-الأميركية بعد فوز ترامب : لماذا احتفت القاهرة بالرئيس المنتخب؟

العلاقات المصرية-الأميركية بعد فوز ترامب : لماذا احتفت القاهرة بالرئيس المنتخب؟

إعداد/ شحاتة عوض
أنعش فوز دونالد ترامب آمال القاهرة في عودة الزخم إلى العلاقات المصرية الأمريكية، لاسيما في ضوء التقارب المعلن في المواقف بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وساكن البيت الأبيض الجديد.
أنعش فوز دونالد ترامب آمال القاهرة في عودة الزخم إلى العلاقات المصرية الأميركية، لاسيما في ضوء التقارب المعلن في المواقف بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وساكن البيت الأبيض الجديد (وكالة الأنباء الفرنسية)

ملخص
تأمل القاهرة أن يسهم وصول ترامب للبيت الأبيض في عودة الزخم إلى العلاقات مع واشنطن، بعد فترة من التوتر والفتور الذي اتسمت به في ظل إدارة الرئيس الحالي، باراك أوباما، لاسيما منذ أطاح الجيش بالرئيس السابق، محمد مرسي، وما تلا ذلك من خلافات بين البلدين، سواء بسبب الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، أو ملف الحريات وحقوق الإنسان الذي شهد تدهورًا كبيرًا في عهد السيسي، أو نتيجة وقف وتجميد بعض المساعدات العسكرية الأمريكية. فرغم أن واشنطن لم تعتبر ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 انقلابًا عسكريًّا، وحافظت على حدٍّ أدنى من العلاقات مع السُّلطة الجديدة، وأبدت مزيدًا من الانفتاح على القاهرة بعد تولي السيسي، إلا أن العلاقات بين البلدين ظلت محكومة بإكراهات الواقع، وبالأهمية الاستراتيجية لمصر في حسابات المصالح الأمريكية في المنطقة. كما أن هذه العلاقات انحصرت بشكل أساسي في التنسيق والتعاون الأمني ومكافحة ما يسمى بالإرهاب والجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة، فيما ظلت العلاقة باردة على الصعيدين السياسي والاقتصادي؛ فلم يُدْعَ السيسي لزيارة واشنطن منذ جاء للسلطة، كما لم تُظهر الإدارة الأمريكية الحالية الحماسة المنتظرة لمساندة مصر اقتصاديًّا في مواجهة الأزمة المالية التي تعصف بها. ومن هنا، فإن القيادة المصرية تراهن على حدوث تحول في الموقف الأميركي من كل هذه الملفات مع مجيء ترامب إلى السلطة بما يعزِّز شرعية النظام الداخلية والخارجية.

مقدمة

كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أول زعيم عربي يهنئ الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بفوزه في الانتخابات الرئاسية. وقد أعربت الرئاسة المصرية في بيان لها عن تطلعها لأن تشهد فترة رئاسته “ضَخَّ رُوح جديدة في مسار العلاقات المصرية-الأمريكية، ومزيدًا من التعاون والتنسيق بين البلدين(1). بموازاة ذلك قوبل فوز ترامب بحفاوة واحتفاء شديدين في الإعلام المصري، والذي رأى أنه يصب في مصلحة مصر، وفي صالح تعزيز العلاقات المصرية-الأمريكية. بينما لم يخف هذا الإعلام في المقابل رُوح الشماتة في خسارة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، التي تصفها الأوساط الاعلامية والسياسية، المؤيِّدة للنظام، بأنها كانت أحد الداعمين الرئيسيين لجماعة الإخوان المسلمين في إدارة باراك أوباما، وأنها ساعدت في صعودهم للسلطة في مصر عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

هذا الاحتفاء المصري رسميًّا وإعلاميًّا بفوز ترامب، كشف عن أن القاهرة، وإن لم تتخذ موقفًا معلنًا تجاه أيٍّ من المرشحين خلال الانتخابات، إلا أنها في واقع الأمر كانت تتمنى وصول المرشح الجمهوري للبيت الابيض باعتباره الأقرب إليها من هيلاري كلينتون، لاسيما في ظل التقارب المعلن في المواقف بينه وبين السيسي حيال الكثير من قضايا المنطقة. وقد ظهر ذلك جليًّا خلال لقاء السيسي مع كلا المرشحين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر سبتمبر/أيلول الماضي؛ فقد أثنى ترامب على الجهود التي يبذلها الرئيس المصري في حربه على الإرهاب، وتعهَّد، في حال انتخابه، بأن الولايات المتحدة ستكون صديقة لمصر وليست مجرد حليف لها. كما وعد بدعوة السيسي إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية، ووصف العلاقة بين البلدين بأنها محورية في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط في حين عبَّر الأخير عن ثقته في أن ترامب سيكون رئيسًا قويًّا للولايات المتحدة(2). في المقابل، حملت مواقف هيلاري كلينتون خلال حملتها الانتخابية انتقادات واضحة للنظام المصري، لاسيما فيما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان. كما أنها، وعلى عكس ترامب، أثارت خلال لقائها مع الرئيس المصري في نيويورك مسألة الحريات وحقوق الإنسان، وعبَّرت عن مخاوفها من التضييق على المنظمات الحقوقية والنشطاء(3) .

في ضوء ما سبق، لم يكن مستغربًا أن تحتفي القاهرة بفوز ترامب، وأن يكون ذلك خبرًا سارًّا للغاية للرئيس السيسي ونظامه، الذي يرى كثيرون أنه أحد أهم الرابحين الإقليميين من وصول ترامب للبيت الأبيض، سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، أو فيما يخص الموقف من ملفات المنطقة، والتي تبدو فيها مواقف ترامب قريبة للرؤية التي تتبناها القيادة المصرية.

فإلى أيِّ حدٍّ يصب فوز ترامب ووصوله للبيت الابيض في مصلحة النظام المصري الذي يعد أحد الرابحين من ذلك كما يذهب كثيرون؟ وما مدى صحة رهانات القاهرة على أن تشهد العلاقات مع واشنطن مزيدًا من الزخم في ظل الرئيس الأمريكي المنتخب بما يمنح السيسي مزيدًا من الاعتراف والتقدير الغربي بوصفه لاعبًا إقليميًّا لا يمكن تجاوزه؟ وما هي انعكاسات ذلك على مستقبل العلاقات المصرية-الأمريكية والقضايا التي تحكم هذه العلاقات؟

أولًا: على الصعيد الثنائي

أدى تأمل القاهرة أن يسهم وصول ترامب للبيت الأبيض في عودة الزخم إلى العلاقات مع واشنطن، بعد فترة من التوتر والفتور الذي اتسمت به في ظل إدارة الرئيس الحالي، باراك أوباما، لاسيما منذ أطاح الجيش بالرئيس السابق، محمد مرسي، وما تلا ذلك من خلافات بين البلدين، سواء بسبب الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، أو ملف الحريات وحقوق الإنسان الذي شهد تدهورًا كبيرًا في عهد السيسي، أو نتيجة وقف وتجميد بعض المساعدات العسكرية الأميركية. فرغم أن واشنطن لم تعتبر ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 انقلابًا عسكريًّا، وحافظت على حدٍّ أدني من العلاقات مع السلطة الجديدة، وأبدت مزيدًا من الانفتاح على القاهرة بعد تولِّي السيسي، إلا أن العلاقات بين البلدين ظلت محكومة بإكراهات الواقع، وبالأهمية الاستراتيجية لمصر في حسابات المصالح الأمريكية في المنطقة. كما أن هذه العلاقات انحصرت بشكل أساسي في التنسيق والتعاون الأمني ومكافحة ما يُسمَّى بالإرهاب والجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة، فيما ظلت العلاقة باردة على الصعيدين السياسي والاقتصادي؛ فلم يُدْعَ السيسي لزيارة واشنطن منذ جاء للسُّلطة، كما لم تُظهر الإدارة الأميركية الحالية الحماسة المنتظرة لمساندة مصر اقتصاديًّا في مواجهة الأزمة المالية التي تعصف بها. ومن هنا، فإن القيادة المصرية تراهن على حدوث تحول في الموقف الأمريكي من كل هذه الملفات مع مجيء ترامب إلى السلطة بما يعزِّز شرعية النظام الداخلية.

(1) ملف الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي

في هذا الملف، يلتقي الرئيس الأمريكي المنتخب مع الرئيس المصري في كثير من قناعاته وعلى رأسها عداؤه لحركات الإسلام السياسي وبينها جماعة “الإخوان المسلمين”. فقد وصف ترامب في خطاب له أثناء حملته الانتخابية جماعة الإخوان بالمتشددة، واتهم إدارة أوباما وهيلاري كلينتون بمساعدة الإخوان للوصول للحكم في مصر على حساب الرئيس الأسبق، مبارك، الذي قال إنه كان صديقًا للولايات المتحدة. ولا يرى ترامب أنَّ تدخُّل الجيش للإطاحة بمرسي انقلابًا عسكريًّا، بل كان محاولة لاسترداد السيطرة على الأوضاع بعد أن “فتحت كلينتون علبة الشرور الخاصة بالإسلام المتطرف”. كما يرفض ترامب التفريق بين الإخوان المسلمين وبقية الحركات الأصولية المتطرفة ويعتبرها جميعًا خطرًا يجب استئصاله، وهو في هذا يضع الإخوان المسلمين في نفس مرتبة العداء مع تنظيم الدولة الإسلامية. وفي تصريح له عقب إعلان النتائج قال وليد فارس، مستشار العلاقات الخارجية بحملة ترامب: إن الرئيس الجديد يؤيد مشروع قانون مطروح في الكونغرس بوضع جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب، وإنه سيمرر هذا القانون عقب تسلمه السلطة(4).

ولا شك أن هذا الموقف المتشدد لترامب يصب بالتأكيد في صالح النظام في مصر، الذي يصنِّف الإخوان كجماعة محظورة، ويخوض معركة تكسير عظام ضد أنصارها وكوادرها بهدف ضمان عدم عودتها للمشهد السياسي مجددًا. وفي حال أقدم ترامب على خطوة اعتبار الإخوان جماعة إرهابية أو حظرها في الولايات المتحدة، فإن ذلك سيكون انتصارًا سياسيًّا كبيرًا للسيسي. ورغم أن كثيرين يستبعدون حدوث هذه الخطوة، بالنظر لوجود الكثير من العقبات القانونية والسياسية، فإن ترامب في الحد الأدنى لن يمارس أي ضغوط على القاهرة، كما فعلت إدارة أوباما، بهدف إعادة إدماج الإخوان المسلمين في المشهد السياسي أو تخفيف حملات القمع التي يتعرضون لها، وهذا في حدِّ ذاته مكسب مهم للنظام المصري.

(2) ملف الحريات وحقوق الإنسان

يمكن النظر إلى موقف ترامب من الإخوان المسلمين باعتباره جزءًا من موقفه من ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان وأوضاع الحريات في مصر والمنطقة عمومًا، وهو موقف يصب في مصلحة القاهرة. فبينما كان هذا الملف أحد الملفات الخلافية الحاضرة في اللقاءات والمباحثات بين القاهرة وواشنطن في ظل إدارة أوباما، التي لم تُخْفِ انزعاجها من التراجع الفادح في أوضاع الحريات في مصر على ضوء المحاكمات والملاحقات بحق المعارضين والنشطاء والتضييق على منظمات المجتمع المدني، فإن هذا الملف لا يُتوقَّع أن يحظى باهتمام كبير من جانب إدارة ترامب، الذي لا يعكس برنامجه السياسي أو نظرته للعلاقة مع مصر اهتمامًا يُذكر سواء بقضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. فقد عارض ترامب محاولات التغيير في المنطقة وأعلن أنه يميل إلى دعم الاستقرار وإعاقة أي تحولات جذرية ويفضِّل الإبقاء على حكام أقوياء بدلًا مما قال عنه: “الفوضى”. وبهذا المعنى، فإن النظام المصري يبدو مستفيدًا من هذه الرؤية؛ إذ يستبعد أن يمارس ترامب ضغوطًا مماثلة لما قام به أوباما، أو لما كان يمكن أن تقوم به هيلاري كلينتون لو أنها فازت، على النظام المصري في سجل أوضاع الحريات وحقوق الإنسان(5).

(3) ملف التعاون العسكري والأمني

من المتوقع أن يؤدي التقارب الواضح بين مصر السيسي وأمريكا ترامب فيما يتعلق بالموقف من مكافحة خطر الجماعات المتشددة، كأولوية أساسية لدى الرجلين، إلى تعزيز التعاون والتنسيق العسكري والاستخباراتي والأمني بين البلدين في هذا المجال، كما أنه قد ينعكس على تعزيز حجم المساعدات والمعونات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة للجيش المصري لمساعدته في حربه الصعبة التي يخوضها ضد الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم الدولة في سيناء. وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تعيد الإدارة الأمريكية الجديدة النظر في قرار تعليق جانب من المساعدات العسكرية لمصر، والذي اتخذته إدارة أوباما 2013، قبل أن تعود وتستأنف هذه المساعدات بشكل جزئي 2015. وما يعزز هذا الاحتمال هو تعهدات ترامب للسيسي خلال لقائهما في نيويورك بتقديم كل الدعم لمصر في حربها ضد “الإرهاب” ولاسيما في سيناء.

ثانيًا: على الصعيد الإقليمي

على صعيد قضايا المنطقة، من المتوقع أن يؤدي فوز ترامب لمزيد من التقارب بين القاهرة وواشنطن حيال عدد من الملفات؛ فالرئيس الأمريكي المنتخب يعتمد رؤية تبدو أقرب للرؤية التي يتبناها الرئيس المصري من هذه الملفات. هذا التقارب في الرؤى قد يؤدي لمزيد من التنسيق بين القاهرة وواشنطن ويسهم في تعزيز مكانة السيسي إقليميًّا ودوليًّا.

الأزمة السورية

فبالنسبة للأزمة السورية يتبنى الرئيس الأمريكي المنتخب رؤية تقوم على أن تصفية والقضاء على خطر تنظيم الدولة والتنظيمات المتشددة الأخرى القريبة منها، مقدَّم على إسقاط نظام بشار الأسد أو رحيله؛ فترامب يعتبر أن تنظيم الدولة يشكِّل تهديدًا للمصالح الأمريكية أكبر بكثير من التهديد الذي يمثِّله الأسد في الوقت الراهن. كما أنه لا يُخفي قلقه إزاء ما سيأتي بعد سقوط بشار، وقد أعرب عن تشكيكه بموضوع تدريب المعتدلين السوريين وما إذا كان يمكن الوثوق بهم(6). وهو في ذلك يلتقي بشكل كبير مع الموقف الرسمي المصري من الأزمة في سوريا.

كما يؤيد ترامب التفاوض مع نظام الأسد باعتباره جزءًا من الحل، ويرى أن إدارة أوباما هي السبب الرئيس فيما يحدث في سوريا بسبب سياساتها الرامية لتغيير الأنظمة، والتي أدت إلى فراغ في المنطقة وزيادة توسع تنظيم الدولة، وهو ما يتفق لحدٍّ بعيد مع رؤية السيسي للأزمة والتي تؤكد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وأن يكون النظام السوري جزءًا من أية تسوية قادمة، وتنظر إلى كل جماعات المعارضة السورية المسلحة تقريبًا باعتبارها جماعات متشددة. كما أن ترامب يرفض التدخل العسكري الأميركي في سوريا ويفضِّل تركها لروسيا بما أنها تحارب تنظيم الدولة وهو ما يتفق أيضًا مع الرؤية المصرية التي تدعم الدور الروسي في سوريا.

التعاون في الحرب على “الإرهاب”

إذا كان الرئيس السيسي قد بنى شرعيته الداخلية على فكرة مكافحة ما يعتبره خطر “الإرهاب” الذي يمثِّله الإسلاميون وأنصارهم ومن يعتبرهم حلفاءهم في سيناء وغيرها، وسعى لتكريس هذه الشرعية خارجيًّا عبر تحذير وتخويف العالم من الخطر الداهم الذي باتت تمثله الجماعات الإسلامية الراديكالية، فإنه يلتقي في ذلك بقوة مع مواقف ترامب التي تُظهر أن رئيس الولايات المتحدة الجديد، سيضع الحرب على هذه الجماعات، وخصوصًا تنظيم الدولة، كأولوية أساسية تتقدم ما عداها من القضايا. بل إن مقاربته تجاه معظم قضايا الشرق الأوسط تستند إلى الحرب على هذه التنظيمات، فالمسألة الوحيدة التي أبدى فيها ترامب استعداده للتدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة، كانت الحرب على تنظيم الدولة والجماعات المماثلة بهدف حماية الأمن القومي والمصالح الأمريكية. ومن شأن هذه الرؤية أن تصب في صالح تعزيز علاقات التعاون بين القاهرة وواشنطن، لاسيما أن محاربة الإرهاب كانت محور محادثات السيسي وترامب خلال اجتماعهما في نيويورك، الذي أشرنا اليه سابقًا، والذي عبَّر خلاله الأخير عن استعداده للتعاون مع مصر ودعمه ومساندته للجهود المصرية في هذا الصدد. وأعاد ترامب التأكيد على هذا الموقف خلال الحملة الانتخابية؛ ففي خطاب له أمام عدد من مناصريه بولاية أوهايو، أعلن أنه سيتعاون مع الرئيس المصري وملك الأردن، عبد الله الثاني، من أجل مكافحة الإرهاب، وقال: إن “لديهما سياسة واضحة رافضة لثقافة الموت التي يتبناها تنظيم “الدولة الإسلامية”(7).

ومن شأن هذه الرؤية المتقاربة بين البلدين في هذا الملف أن يعطي العلاقات المصرية-الأميركية زخمًا، ويمنح نظام الرئيس السيسي مزيدًا من الدعم والنفوذ داخليًّا وإقليميًّا.

الأزمة الليبية

في ضوء ذلك، لا يُستبعد أن يمتد التعاون الأمني بين القاهرة وواشنطن إلى ملفات أخرى مثل الوضع في ليبيا، التي تشهد حضورًا لافتًا لعناصر تنظيم الدولة بشكل أصبح يشكِّل هاجسًا للولايات المتحدة والغرب، لاسيما في ظل حالة الفراغ الأمني والسياسي التي تعيشها البلاد منذ سقوط نظام القذافي. وفي هذه الحال قد يتم إطلاق يد القاهرة للعب دور أكبر في الملف الليبي تحت غطاء وتأييد أميركي، لاسيما من خلال دعم اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، قائد ما يُسمَّى بعملية الكرامة والمقرَّب من مصر. فنتائج الانتخابات الأميركية قد تسهم في تعزيز مكانة حفتر السياسية والعسكرية في ليبيا، وذلك بالنظر إلى انتقادات ترامب المتكررة لهيلاري كلينتون بسبب سياستها السابقة في ليبيا من ناحية، وموقفه المعادي للإسلاميين (بمن فيهم إسلاميو ليبيا، الخصم السياسي لحفتر) من ناحية أخرى ، وانفتاحه من ناحية ثالثة، على رؤية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للشرق الأوسط، وهي رؤية تركز على تمكين القادة العسكريين الأقوياء لفرض سيطرة الدولة(8).

وربما يتعزز هذا السيناريو في حال اتجهت الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا نحو مزيد من التدهور والانفلات، ولم تفلح إجراءات حكومة الوفاق الوطني في القضاء على خطر تنظيم الدولة على الأراضي الليبية، لاسيما أن الحرب على هذا التنظيم تحتل، كما أشرنا، مكانة كبيرة في اهتمامات الرئيس المنتخب وبصورة قد تُعيد إنتاج السياسات الأميركية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي اتخذت مواقف أكثر اعتمادًا على الوسائل العسكرية والأمنية في سياستها الخارجية، وهو ما سيتطلب منها مزيدًا من الاعتماد في هذه المعركة على حلفائها الأقوياء في المنطقة .

خاتمة

تشير المعطيات السابقة إلى أن فوز ترامب يصب في مصلحة تعزيز العلاقات بين واشنطن والقاهرة خلال الفترة القادمة ولاسيما في شِقِّها الأمني، وبما قد يعزِّز مكانة النظام المصري داخليًّا وخارجيًّا، وذلك بالنظر للرؤية التي يعتمدها الرئيس الأميركي المنتخب إزاء عدد من الملفات التي تدخل في صلب العلاقات المصرية-الأميركية، في بُعديها الثنائي والإقليمي. فوفقًا لهذه الرؤية من المرجح أن تشهد هذه العلاقات تعزيزًا أكبر للتعاون والتنسيق الأمني بين البلدين لاسيما فيما يتعلق بالحرب على ما يُسمَّى الإرهاب وخطر الجماعات المتشددة، والتي تحتل أولوية لدى الجانبين. وفي هذا الإطار ربما تحصل مصر على مزيد من الدعم والمساعدات العسكرية الأميركية، وقد تعتمد واشنطن على دور أكبر القاهرة في هذه الحرب، إلا أن السؤال الذي يبرز هنا هو حول ما إذا كان الزخم في العلاقات بين البلدين سيمتد إلى الجوانب السياسية والاقتصادية أم سيبقى أسيرًا للجانب الأمني والخدمات التي يمكن أن يقدمها النظام في مصر في هذا الشأن.

ويبقى في الختام التأكيد على أن القراءة السابقة لتداعيات فوز ترامب على العلاقات مع مصر تستند بالأساس إلى مواقف وتصريحات أعلنها الرجل خلال حملته الانتخابية ،ومن ثم فإنه إذا كانت هذه المواقف تجعل نظام الرئيس السيسي أحد المستفيدين الإقليميين من فوز ترامب، فإن تحديد نوع وحجم هذه الاستفادة، يتوقف إلى حدٍّ بعيد على ما إذا كانت هذه المواقف ستُترجم إلى سياسات معتمدة وقرارات نافذة عندما يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب منصبه رسميًّا في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل. وعندها فقط سيتضح الفارق بين خطاب ترامب المرشح وترامب الرئيس.

مراجع

(1) الرئاسة المصرية: نتطلع لضخ روح جديدة في العلاقات بفترة رئاسة دونالد ترامب لأميركا، موقع سي إن إن عربية نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016:

http://arabic.cnn.com/middleeast/2016/11/09/egyptian-presidency-congratulates-

(2)السيسي يستقبل دونالد ترامب بنيويورك، والمرشح الجمهوري: تحت إدارتي ستكون أميركا صديقةً وفيةً لمصر وليست حليفة فحسب، موقع سي إن إن عربية، 20 سبتمبر/أيلول 2016، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

http://arabic.cnn.com/world/2016/09/20/trump-egypt-fattah-el-sisi

(3) جورج ميخائيل، هل يتمني السيسي فوز “ترامب” في انتخابات الرئاسة الأميركية؟، موقع المونيتور الأميركي، 10 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/07/egypt-sisi-us-elections-clinton-trump-relations. html#ixzz4PVv610Y5

(4) وفد «شعبي» إلى أميركا لمطالبته بتنفيذ وعده.. مستشاره: ترامب يصنِّف الإخوان «جماعة إرهابية»، موقع المصريون، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

https://almesryoon.com/دفتر-أحوال-الوطن/965595-مستشاره-ترامب-يصنف-الإخوان-«جماعة-إرهابية»

(5) يُمنى سليمان، توجهات السياسة الخارجية عند دونالد ترامب، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 21 مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

http://www.eipss-eg.org/توجهات-السياس?%A-الخارجية-عند-دونالد-ترامب/2/0/746

(6) جون هوداك، ماذا تعني الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 بالنسبة للشرق الأوسط؟، مركز بروكنغز، 22 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

ماذا تعني الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 بالنسبة للشرق الأوسط؟

(7) السيسي وترامب، بداية صداقة جديدة أم مجرد التقاء مصالح؟، موقع دويتشه فيله العربي، 20 سبتمبر/أيلول 2016، (تاريخ الدخول: 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

http://m.dw.com/ar/السيسي-وترامب-بداية-صداقة-جديدة-أم-مجرد-إلتقاء-مصالح/a-19564251

(8) طارق المجريسي، جرعة زخم للواء حفتر في ليبيا، ملف عن تداعيات رئاسة ترامب على الشرق الأوسط، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016):

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة