المؤلف : عليان محمـــــــــــود عليـــــــــــــان
الطبعة الأولى “2017″ – كتاب “العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد النصف الثاني من القرن العشرين”
جميع حقوق الطبع محفوظة: للمركز الديمقراطي العربي ولا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو اي جزء منه أو تخزينه في نطاق إستعادة المعلومات أو نقله بأي شكل من الأشكال، دون إذن مسبق خطي من الناشر .
الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية
مقدمة:
لقد أتى النصف الثاني من القرن العشرين برياح هبت على العالم بأسره، فأحدثت تحولات جذرية في العلاقات الدولية في ظل عدة ثوابت أسهمت في تأطير عملية التحول، فأدت إلى صعود قوى دولية وأنذرت بأفول وانحطاط قوى أخرى.
وعلى الرغم من صعوبة وضع حدود زمنية لعملية نشوء وسقوط القوى الكبرى ، إلا أن هناك مقومات قد تكون فيها مكامن القوة والصعود أو إشارات تنبؤ بعملية السقوط.
وقد وصف المفكر العالمي المستشرق روجيه جارودي في كتابه – كيف صنعنا القرن العشرين- الحالة التي سادت تلك الفترة بقوله:” إن الأخطر أن يبدأ اليوم، من اجل المستقبل، تخطيط عملية تمزيق الكون بين غرب متحالف، من المحيط الهادي إلى الأورال، متجاوزا الخصومات الاستعمارية القديمة وتوازنات الرعب القديمة بين الشرق والغرب، من أجل استمرار هيمنة الشمال على الجنوب”، ويرى جارودي: “بأن ما يحدث ليس حروبا عالمية، حيث المستعمرات كانت مجرد مكونات إضافية في الآلات الحديدية لصراع الكبار، ولكنها حرب بين عالمين اثنين: حرب بين نادي الأغنياء الذي يريد الاحتفاظ بالاحتكار والسيطرة على كل ثروات الكون، ضد باقي دول العالم التي أصبح ينتظرها مصير من المجاعات على شاكلة هيروشيما”.
وقد كانت منطقة الشرق الأوسط ولقرون عديدة بمثابة حقل التجارب الذي أجريت فيه التفاعلات الدولية المختلفة، وما أفرزته من نتائج، وكانت قضايا الشعوب الشرق أوسطية المصيرية في أحيان كثيرة رهنا بتوازنات القوى العالمية.
ولا تذكر منطقة الشرق الأوسط إلا وذكرت إيران ضمن الدول التي سعت إلى قلب معادلة النظام الدولي، فتمردت كثيرا على تلك التفاعلات الدولية المختلفة التي عاشتها المنطقة، ولعبت أدوارا هامة في كل مرحلة من مراحل التغيير التي مرت بها المنطقة، لكنها نفسها – أي إيران- لم تبق في معزل عن هذا التحول، فقد شهدت الدولة الإيرانية طوال القرن العشرين حركات تغيير متعددة اصطبغت في كثير منها بالثورية، ففي الفترة ما بين عامي 1890 و1979 شهدت إيران سقوط أسرتين حاكمتين، إسقاطًا بالقوة أو نفي أربعة ملوك، كما شهدت الساحة السياسية الإيرانية عددا من الاغتيالات السياسية، وعددا من الحركات الاجتماعية والانتفاضات المدنية، والحركات الاجتماعية الإقليمية، خاصة في الشمال، وكثيرا ما حققت انتصارات مؤقتة، ويمكن القول إن إيران امتلكت سجلا حافلا لا يضاهيه سجل آخر ليس فقط في العالم الإسلامي بل النامي بأسره، إنه سجل أمة متمردة، مازالت لم تحسم أمرها بعد، وقد تباينت محطات هذا التغيير في الأسباب، والمطالب والأهداف وفى جماعة التغيير والجدل الفكري السائد في كل مرحلة، وفى النتائج المنبثقة عنها.
ولا يخفى على أي قارئ متأمل للمشهد السياسي الشرق أوسطي ما لعبته الولايات المتحدة الأمريكية من أدوار خطيرة شكلت بحد ذاتها منعطفات سياسية حاسمة في المنطقة وشعوبها، حتى أنها شملت إيران وغيرها من الدول المحيطة بالمنطقة العربية التي تشكل مركز الثقل في الشرق الأوسط، ويمكن أن نصف الفترة الممتدة من منتصف القرن العشرين إلى يومنا هذا بالعصر الأمريكي، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأمريكا تشكل القوة المؤثرة في عالمنا المعاصر، ومركز الثقل الدبلوماسي والسياسي للعالم أجمع، وهي في المقابل أكبر القوى الإمبريالية والاستغلالية في العالم، فقد شهد التاريخ المعاصر الممارسات الأمريكية في اضطهاد وقهر الشعوب وخصوصا شعوب العالم الثالث، إن عداء الولايات المتحدة للشعوب جزء متأصل في البنية الإمبريالية الأمريكية التي تستمد قوتها وحيويتها من القدرات العسكرية ومصانع الأسلحة الضخمة التي تنتج أنواعا وأعدادا هائلة من الأسلحة الجديدة والمتجددة.
ورغم تربع الولايات المتحدة على قمة النظام العالمي، بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أن هذا النظام قد شهد تحولات هيكلية في قمته تمثلت في محاولات القوى الإقليمية والدولية السعي للارتقاء إلى مستوى القوى العظمى لمنافسة الولايات المتحدة في تفردها بالزعامة والسيطرة على العالم بشكل عام، وعلى منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
وقد برزت القوة الإيرانية ضمن القوى الإقليمية التي فرضت نفسها على الساحة خلال القرن العشرين وتحديدا بعد النصف الثاني منه، فماذا كان من الولايات المتحدة الأمريكية أن تفعل؟ وكيف تعاملت في سياستها الخارجية مع الوجود الإيراني في منطقة الشرق الأوسط؟ وكيف اتسمت العلاقات الثنائية بين الدولتين؟ وكيف انعكست هذه العلاقات على واقع المنطقة العربية؟ خاصة في ظل التغيرات التي حدثت في قياداتهما السياسية والتي أسهمت خلال هذه الفترة في أحداث بارزة على صعيد الدولة نفسها، وعلى المستوى الإقليمي والدولي ، مع احتفاظ كل منهما بالمكانة والطبيعة الجغرافية وبقاء سياساتها وتطلعاتها الدولية دون تغيير ، بغض النظر عن التغيير في القيادة السياسية صاحبة القرار ، فاحتفظت وسعت إلى تطوير أدائها على كافة الأصعدة وفقا لأبعاد إستراتيجية، حتى تبقى كل منهما لاعباً مهماً في ساحة السياسة الدولية.
كل تلك التساؤلات وغيرها رسمت توجهات الباحث في هذا الكتاب ، في محاولة لإيجاد إجابات لها مبنية على الكثير من الوقائع والوثائق الرسمية المنشورة والسرية، والقراءات الخاصة حول التطورات السياسية والتغيرات في الساحة الإقليمية والدولية ودور كل من الدولتين في مساراتها وآثارها. وقد توزع الكتاب إلى جانب المقدمة والخاتمة في خمسة فصول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ المركز الديمقراطي العربي