16 نوفمبر، 2024 5:41 م
Search
Close this search box.

 العشق بين ثنايا الموت في رواية حكاية حب

 العشق بين ثنايا الموت في رواية حكاية حب

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية حكاية حب للكاتب السعودي “غازي عبد الرحمن القصيبي” رواية رومانسية هادئة، لا تتناول فقط فكرة العشق وإنما تتناول العشق بين براثن الموت، حيث يعطي الاحتضار معنا مأساويا للعشق.

تتميز الرواية أنها تناولت علاقة عشق محرمة اجتماعيا ودينيا بطريقة مغايرة عن المألوف، فالكاتب ركز على جماليات العشق دون التطرق إلى الحكم على هذه العلاقة سواء أخلاقيا أو اجتماعيا.

الشخصيات..

يعقوب عريان: البطل، يعمل محاميا ويكتب الروايات، يقضي آخر شهر في حياته نتيجة إصابته بمرض خطير، دخل في علاقة عشق مع سيدة في عمر ابنه.

روضة: تدير محل لبيع المجوهرات، تعرفت على “يعقوب عريان” بالصدفة،  بعد أن قرأت رواية له، ودخلت معه في علاقة عشق رغم أنها متزوجة ولديها طفلة.

الممرضة هيلين: ممرضة خفيفة الظل تتعامل مع “يعقوب” بحنان أمومي وتجاوب على أسئلته برحابة صدر.

الممرضة جانيت: ترعي “يعقوب” هي أيضا وتجيبه على أسئلته المحيرة.

البروفيسور “أنتوني ميدلاند”، الطبيبة النفسية “ماري هيلارد”، الأسقف “جورج مالوني”، والسير “هنري ماكدونالد”، أصدقاء ل”يعقوب” في مصحة في لندن، توفر العلاج للمرضى الذين يعانون من مرض خطير وينتظرون الموت، فالمصحة تستقبلهم ليقضوا فترات احتضارهم بهدوء وبدون ألم.

الراوي..

الراوي هو البطل “يعقوب عريان”، يحكي عن أحلامه وعن ذكرياته، وعن حبيبته، لا يحكي للقارئ وإنما يحكي للممرضتان “هيلين” و”جانيت” وكذلك للطبيبة النفسية ماري، بالأحرى يوجه إليهم أسئلة كثيرة بخصوص عشقه ل”روضة”.

السرد..

إيقاع السرد هادئ.. واللغة مكثفة وموجزة، يتنقل السرد ما بين الوقت الحاضر، وقت احتضار “يعقوب”، وما بين الماضي مع بداية علاقة العشق وتفاصيلها، كما يستعين الكاتب بنصوص من راويات أخرى للبطل  يتبين أنها من خيال الكاتب.

خيالات العشق وقت الاحتضار..

الرواية قصيرة حيث تبلغ 122 صفحة من القطع المتوسط، بدأت  بالبطل وهو في مصحة العلاج، وما بين إغفاءة وأخرى يحلم بحبيبته “روضة”، ثم يسأل من حوله عن أشياء كثيرة تخص علاقة العشق خاصته، نكتشف بالتدريج أن حبيبته متزوجة، وأنها ترفض الحديث عن زوجها تماما أثناء المقابلات الغرامية معه، كما أنها ترفض أخذ هدايا منه، وترفض أن تناديه بحبيبي خوفا من المستقبل، فهي تعتقد أنها إذا اعترفت بالحب بينهما فذلك يعني أن هذا العشق سينتهي بالفراق.

يذكر البطل أنه قابل زوجها مصادفة في متجر الجواهر، وأنه رجل عجوز ولا يذكره مرة أخرى، ومع ذلك يتساءل لما عشقها بهذه الطريقة، وهل هناك عشق يجمع ما بين الأرواح، ربما يبدو البطل متشككا في قصة عشقه لذلك يتساءل كثيرا حوله، كما يبدو متشككا في “روضة” نفسها فيلح في أسئلته للممرضتين وللطبيبة النفسية حول “روضة” وأفعالها، وحول إمكانية أن تنجب منه، فقد أنجبت “روضة” طفلة وقالت له أنها ابنته.

عشق محرم إنساني..

رغم ذلك يؤكد البطل طوال الوقت على عمق هذا العشق وسموه، ولا يدينه بأية طريقة سوى مرة واحدة حين أعترف أنه يرتكب الذنوب لأحد أصدقاءه في المصحة، لكنه طوال الرواية يصور هذا العشق بأنه عشق بين الأرواح، حدث منذ النظرة الأولى، كما يذكر أن “روضة” حلمت به في اليوم السابق لمقابلته أول مرة، وكأن القدر قرر أن يجمعهما سويا، وأنها علاقة عشق قدرية، كما يذكر الكاتب على لسان الطبيبة النفسية حديث عن علاقة العشق التي تجمع بين الأرواح الشاردة التي انفصلت في قديم الزمان.

تكتسب علاقة العشق هذه ثقلها من مجاورتها للموت، فالبطل والحبيب يحتضر ولن يعود قادرا على الاستمرار فيها، ورغم أنه أخفى عن “روضة” تدهور حالته الصحية واشتداد مرضه إلا أنها تعرف، من خلال حلم تراه، أنه سيموت، وتودعه في آخر لقاء بالبكاء.

تكمن ميزة الرواية في أنها تناولت علاقة عشق محرمة دينيا واجتماعيا، بدون إدانة للبطل أو البطلة، رغم أن عقوبة علاقة من هذا النوع في مجتمع الكاتب الموت، مما يعني أن الكاتب امتلك جرأة مخالفة المجتمع دون خوف من الهجوم عليه، أو إثارة الغضب ضده، ورغم أن هذه الرواية هوجمت من بعض النقاد الذين لم يعجبهم كيفية التناول لموضوع حرام بهذا التسامح، إلا أن كثير من القراء تقبلوها دون هجوم، فالرواية تتعامل مع العشق كحالة إنسانية خارج الأعراف والتقاليد، وخارج حسابات الموت والحياة.

الكاتب..

“غازي عبد الرحمن القصيبي” (2 مارس 1940 – 15 أغسطس 2010) ، شاعر وأديب وسفير دبلوماسي ووزير سعودي، قضى في الإحساء سنوات عمره الأولى، ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم، حصل على درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا.

كان “للقصيبي” ميول أدبية ترجمها عبر دواوين شعر كثيرة وروايات أكثر وربما يعد بسببها أحد أشهر الأدباء في السعودية،  من دواوينه الشعرية “صوت من الخليج” و”الأشج” و”اللون عن الأوراد” و”أشعار من جزائر اللؤلؤ” و”سحيم” و”للشهداء”، ومن رواياته “شقة الحرية” و”العصفورية”، و”سعادة السفير” و”أبو شلاخ البرمائي” وآخر إصداراته “الجنية”، وفي المجال الفكري له من المؤلفات: “الأسئلة الكبرى والغزو الثفافي” و”أمريكا والسعودية وثورة في السنة النبوية”، وكذلك كتاب “الوزير المرافق” الذي وثق فيه سيرته كمسئول في وزارة من خلال بعثات الوفود الرسمية ومرافقته للضيوف الرسميين.

أحدثت معظم مؤلفات “القصيبي” ضجة كبرى حال طبعها، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية لاسيما الروايات، ولا يزال فيها ما هو ممنوع حتى الآن. وعلى المستوى الروائي يكاد يُجمع المهتمين بأن روايتي “شقة الحرية” و”العصفورية” هما أفضل ما كتب “القصيبي”، في حين احتفظ ديوان “معركة بلا راية” بمرتبته المتقدمة بين دواوين الشعر الأخرى.

توفي عن عمر يناهز السبعين عامًا في 15 أغسطس 2010 بعد معاناة طويلة مع المرض.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة