11 فبراير، 2025 8:53 م

العزلة والكتابة (2): ما بين التعايش والاحساس بالعجز والسفر بالخيال من خلال الكتب 

العزلة والكتابة (2): ما بين التعايش والاحساس بالعجز والسفر بالخيال من خلال الكتب 

 

خاص: إعداد- سماح عادل

لمدة عام ونصف، عاني العالم ومازال يعاني من رعب فيروس دقيق لا يرى بالعين المجردة، لكنه مع ذلك يشعر الناس بالعجز أمامه، منهم من افترسه الاكتئاب والإحساس باللاجدوي، ومنهم من حاول الهروب من خلال ممارسة أفعال كثيرة متاحة، مثل القراءة والسفر عبرها بالخيال، وقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ذات أهمية كبيرة في ذلك الوقت، كما ظهرت قيمة الكتب الإلكترونية. كما تذكر الناس روايات قديمة تناولت أجواء الأوبئة، ونشأت الحاجة إلى الكتابة عن ذلك الفيروس اللعين.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:

– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

– ما هي البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل والتفاعل في مجال الثقافة؟.

أدب الأوبئة..

يقول الشاعر والكاتب اليمني “صالح سالم عمير”: “أعتقد  لم يتوقف المثقف كل مثقف في البلاد عن الكتابة والإبداع، رغم محاصرة الوباء وما يفرضه على الجميع من أوجاع ومخاوف وفقد الكثير من الأحبة. ظل المثقف  مسلحا  بالتفاؤل والأمل والعمل.على أنه دون شك بسبب الحروب العربية العربية وبسبب هذه الجائحة الكونية تأثر الأدب والأدب الرائد والمُشرّف والمُستشرف بشقيه (النثر والشعر). ولكن كما أتصور ليس بسبب هذا الوباء الشامل. أو هذه المعاناة الكونية التي مستّ العالم بأسره وحصدت آلاف الأرواح وحسب.

أتصور لم تؤثر علينا  الجائحة وحدها (في عموم البلاد وليس في المدينة التي أعيش بها بحضرموت وحدها) بقدر تأثير المواجع والكوارث والمآسي الأخرى التي تمر بها البلاد، وأولها الحرب”.

وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يضيف: “لاريب تأثَر الحراك الثقافي  في الوقت الراهن تأثرا ملحوظا، على مستوى كل المحافظات اليمنية  وربما بدرجات متفاوتة، وتوقفتْ فعاليات أغلب المنتديات الثقافية. على سبيل المثال توقُّف (منتدى الجمعة الأسبوعي) الذي يُعقَد بمنزلي. ومثل فعاليات ومناشط بعض المؤسسات الثقافية الرسمية. وأما مناشط وفعاليات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فقد توقفت قبل جائحة كورونا بسبب الحرب.

لقد توقفت العديد من المناشط الثقافية لأسباب عِدّة في مقدَّمتها الحرب كما أشرت، فضلا عن الجائحة. في الواقع  الحروب العربية- العربية التي لم تتوقف في بعض أقطار الوطن العربي ومنها اليمن، أثرت كثيرا على الحياة الثقافية العربية ولهذا فهذه الأقطار العربية تمر بمحنة تتعاظم مع استمرار الحروب التي لا  تتوقف أبدا  مع الأسف الشديد”.

وعن البدائل للتواصل يقول: “من المعلوم أن السوشيل ميديا يعود لها الفضل الكبير في انتعاش المشهد الثقافي على المستوى الكوني، ولهذا ظل الأدب موجودا وحيّا ومنتعشا، وقد تحدّث الأدباء والمفكرون والباحثون عن الحصاد الأدبي ما بعد كورونا، حيث يرى بعضهم أننا ننتظر في المستقبل (سرديات كورونا)  و(أشعار كورونا) قد نجد قريباً أكثر من كتاب يضم قصائد في هذا الموضوع، وباء كورونا وتداعياته، لشعراء من مختلف أصقاع العالم، بتعبير الباحثة الأكاديمية نادية العشيري.

وقد (طرحتْ الجائحة أسئلة حول العلم وحول المستقبل، وأسئلة حول مختلف ما يرتبط بها حيث نواجه أسئلة أخرى عن الحب والجمال والموت والحياة، وهذه الأسئلة مجتمعة كما نتصوَّر هي روح الفكر والعلم والأدب. روح الوعي المكلوم الذي ينشأ اليوم بيننا، روح الوعي المتفائل الذي يدفعنا إلى الغناء في قلب التراجيديا، إننا ننتظر ما ستنتجه الجائحة اليوم، من حِكمة ومن ملاحم تغذّي وجداننا، وتحفّز عقولنا على البحث عن المخارج المناسبة وبأقل الخسائر والأضرار)، حسب الباحث المغربي كمال عبد اللطيف، صاحب كتاب “أسئلة الحداثة في الفكر العربي”. ومن يدري . ربما ينتعش ما يُسمّى ب (أدب الأوبئة) مثل رواية “غابرييل غارثيا ماركيز” (الحب في زمن الكوليرا) ورواية (الطاعون) ل “ألبير كامو”، والجدير بالإشارة أخيرا.

صدور طبعة جديدة من رواية (الطاعون) قبل أسابيع، رواية الكاتب الفرنسي “ألبير كامو” عن منشورات دار الجمل، بتقديم وترجمة جديدة للكاتب الجزائري المرموق (واسيني الأعرج) وهذه الرواية كما هو معلوم نُشرت عام 1947، وتروي قصة طاعون يكتسح مدينة وهران الجزائرية. وتطرح العديد من الأسئلة. وتتناول فيما تتناول عظمة الأطباء ومعركتهم ضد الوباء.. إلخ.. إلخ كلنا أمل في أن يستعيد الأدب عافيته بعد هذا الوباء المُرعب والمُخيف”.

 

التعايش مع العزلة..

وتقول الشاعرة العراقية “سلامة الصالحي”: “كانت عزلة كوفيد فرصة كبيرة لطبع وتنضيد خمس دواوين، وفرصة للتأمل وإعادة التفكير بأمور الحياة والوجود، وأهمية العلم والمعرفة للإنسانية، وكانت منصات التواصل الاجتماعي البديل اللائق للندوات والأمسيات التي وفرت الفرصة الجميلة للقاء كثير من المبدعين والاطلاع على أفكارهم وآرائهم. العزلة ضرورية للكاتب ولكنها حين تكون إجبارية لابد وأن يتم التعايش معها والانتصار عليها والخروج منها بمنجز”.

عُزل أمام الفيروس..

وتقول الكاتبة المصرية “شيرين شحاته”: “لا ننكر أننا استيقظنا ذات صباح مصطدمين بحياة تأزمت بفعل كوفيد ١٩، لنهاب بعدها التلامس،  والاقتراب، من فكرة  أن يصل لرئتينا هواء مشبع بكوفيد ١٩ وبذلك جُمدت كل السبل التي من شأنها أن تمنح الصغير والكبير، الموظف وربة المنزل حياة طبيعية، وإن كان الكاتب نال النصيب الأكبر من حياة الجمود.

عام ونصف أغلقت داخلهم معظم المؤسسات الثقافية في جميع أنحاء العالم مع إلغاء المعارض أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى، وبالتالي فإن نتائج هذا الغلق كانت مدمرة على إيرادات المنظمات والمؤسسات الثقافية التي تعتمد على فاعلية الحشود البشرية”.

وتؤكد: “ككاتبة لحق بي الاكتئاب كما فعل مع الجميع، عُزل جميعاً أمام فيروس قاتل عجز العالم برمته عن القضاء عليه، سلاحنا كمامة صغيرة تختبئ أحلامنا وراءها، يخطو الكاتب داخلي بأقدام حزينة، يرثي المعارض المغلقة والمكتبات الخاوية من القارئ، ولذلك لم يكن أمام الكاتب غير الطرق على أبواب وسائل التواصل الاجتماعي من فيس بوك، تويتر وغيره عل وعسى أن يلتقي مرة أخرى بقارئ متفهم لطبيعة حياة فرضها واقع كوفيد-١٩”.

 

السفر عبر القراءة..

يقول الكاتب الكردي العراقي “أريان صابر الداوودي”: “الكتابة لا تحتاج إلى عزلة، ولا اختلاط، أو إن صح القول لكل كاتب طقوسه الخاصة، أما أنا شخصياً لم أكتب إلا رواية واحدة خلال تلك الفترة، وقرأت عشرات الكتب، قرأت كثيراً واستمتعت بالقراءة أكثر من الكتابة، كان الملل، أو ربما قضاء وقت أكثر من اللازم بين جدران الغرفة (إجباراً) خلق لي الكثير من المشاكل النفسية، فالتجأت إلى القراءة وسافرت عبر الكتب إلى دول، ومحطات… تعرفت على شعوب و قبائل… كانت القراءة المتنفس الوحيد، الصديق القريب، قرأت… حتى تمنيت أن يستمر حظر التجوال؛ كي أستمتع بقراءة كتب أخرى، بعد أن اندمجت مع سراء الفيروس وضرائه”.

ويضيف عن تأثير الفيروس: “فيروس كورونا أثر سلباً على كل ما موجود في هذا الكون، وبالطبع الحركة الثقافية لا تتجزأ من المكونات الرئيسية في هذه الكرة التي تشرق الشمس فيها وتغرب معلنة عن انتهاء اليوم… والأفراد ينتظرون انتهاء هذا الوباء. وكان للفيروس التأثير الكبير على الحركة الأدبية، فأكثر من معرض دولي للكتاب تأجل بسببه، والكثير من الكتب المطبوعة لم تصل إلى مؤلفيها؛ بسبب توقف الحركة وإغلاق أبواب الدول”.

أما عن البدائل فيقول: “البدائل كثيرة، من أهمها نعمة مواقع التواصل الاجتماعي وتواصل الكاتب مع زملائه الكُتّاب، أو القرّاء، فكانت لمواقع التواصل الاجتماعي الدور المهم لتغطية الملل الذي لاحق بالشعوب عامة، والشخصيات الأدبية خاصة. ولا بد أن نذكر دور الكتب الالكترونية، لاسيما بعد غلق المكتبات، ومنع الاختلاط، فكانت الكتب الالكترونية خير أنيس لنا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة