13 أبريل، 2024 6:23 ص
Search
Close this search box.

العزلة والكتابة (17): العزلة تتيح سماع صوتك لكن تكرهه حين تكون إجبارية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هل اختلف التعامل مع فيروس “كوفيد 19” في البلدان الغربية المتقدمة عنما حدث في بلدان العالم الثالث، سؤال ربما الإجابة عنه ليست سهلة، فالرعب والخوف والترقب شمل الجميع، لا نتحدث عن التعامل الطبي وتوفير الخدمات إنما على مستوى الثقافة والتعامل بين الأفراد، لكن من خلال قراءة الشهادات يتضح أن التعامل في الدول الغربية اتسم بالهدوء والثقة، زادت نسبة القراءة والاطلاع ونشطت حركة بيع الكتب الالكترونية، في بلدان العالم الثالث كان تفاعل الناس لا يخلو من ايجابيات أيضا ومواقف تنم عن قوة وتحدى ومرونة.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:

– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

حياة ثقافية ل”ما بعد الكورونا”..

يقول الكاتب والمترجم والأكاديمي المصري “د. طلعت شاهين”: “أي حدث كبير، ووباء الكورونا، أحد تلك الأحداث التاريخية الكبرى ليس فقط بتأثيره الممتد جغرافيا بل بتأثيره النفسي على البشرية لا بد وأن يكون هذا التأثير ضخما، ويجعلنا نقف أمام ظاهرة تبدو لنا غير مفهومة وإن كانت مفهومة لدى قلة من العلماء الذين يتعاملون مع الأوبئة، بل إن بعضهم كانوا يتوقعون حدوثه، بالطبع مع عدم قدرتهم على تحديد التوقيت، وأنا واحد من الجمع الكبير من البشر الذين لم يتوقعوا حدوث مثل هذا الوباء في القرن الواحد والعشرين، خاصة أن معظمنا كان في غيبوبة فرضها التقدم العلمي والتقني الذي جعلنا ننظر إلى مثل تلك الظواهر كأساطير نادرة الحدوث.

بالنسبة لي فقد غير اتجاه اهتماماتي وبدأت في توجيه قراءاتي نحو الكتب التي تتحدث عن ظواهر مماثلة حدثت في التاريخ القديم، بعضها ليس قديما جدا، كوباء “الطاعون”، فأعدت على الفور قراءة رواية “الطاعون” وغيرها من الأعمال الأدبية التي توافرت بين يدي، وأيضا الاطلاع على كتب تاريخية كتلك التي تتحدث عن “الوباء الأسود” الذي وقع في القرن الثامن عشر في أوروبا، وعدت إلى قراءة كل ما هو مكتوب عن “الأنفلونزا الاسبانية” ومرحلة ظهورها وتطورها ودور الأطباء الأسبان في البحث عن علاج لتلك الأنفلونزا ثم التوصل للقاح حولها من “وباء” إلى مجرد مرض متوطن يتعايش الإنسان معه دون خوف”.

ويضيف: “أما العزلة التي فرضها ظهور وباء الكورونا فقد حاولت أن استغله في الإبداع إلى جوار القراءة والاطلاع، فقمت بترجمة كتاب كان يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين لا يتوفران إلا في حالة العزلة الإجبارية التي وفرها أو أجبرني عليها وباء الكورونا، وعدت أيضا إلى الشعر الذي كنت مقلا في كتابته، فأنجزت من وحي التجربة ديوان “الأشجار تتعرى من عصافيرها”، تحت الطبع حاليا. إضافة إلى العودة إلى الأرشيف الفني من أفلام ومسرحيات المتوفر على الشبكة العنكبوتية لمشاهدة أفلام ومسرحيات لم يتوفر لي الوقت لمشاهدتها من قبل نظرا لإقامتي الطويلة في خرج مصر”.

وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يقول: “بالطبع أثرت تلك العزلة على حركة الثقافة من ندوات ومهرجانات أدبية، فقد توقفت معظم تلك الفعاليات إن لم نقل كلها عن الانعقاد، ولكن التقنيات الحديثة وفرت البدائل لعقدها، وأتحدث هنا عن المكان الجغرافي الذي عشت وأعيش فيه عزلة وباء الكورونا، فأنا أقيم في إسبانيا بشكل دائم، فقد شاركت في العديد من الندوات والمهرجانات الأدبية بل وشاركت في مهرجان مسرحي عقد بالمكسيك “أون لاين” وأنا في مكاني في مدينة أليكانتي الإسبانية من خلال استخدام تقنيات النقل المباشر ب”الفيسبوك” أو باستخدام “الفيديو كنفورانس” وغيرها من التقنيات الحديثة، وكانت كلها تجارب استخدمها المبدعون وجمهور الثقافة للاستمرار في تغذية الحياة الثقافية واستمرارها.

النشر تحول من النشر الورقي إلى النشر الرقمي، ونجحت بعض شركات التوزيع في تطويع أدواتها في توزيع الكتب باستخدام التقنيات الحديثة أيضا فأمكنني الحصول على الكتب والمراجع التي كنت في حاجة إليها من خلال منصات مثل  “أمازون” دون أن أتحرك من بيتي، بل أن “أمازون” وفر إمكانية نشر الكتب أيضا، ويمكنني هنا أن أقول أن التأثير كان إيجابيا، فقد فرضت العزلة الإجبارية على الناس البحث عن وسائل لتقضية الوقت فاتجه الكثيرون نحو الاطلاع كعادة لتزجية الوقت فنشطت عادة القراءة، وحسب اتحاد الناشرين والمكتبات في إسبانيا زادت نسبة توزيع الكتب بأكثر من 23 في المائة خلال فترة العزل الإجباري، رغم أن المكتبات كانت مغلقة”.

أما عن البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل يقول: “كأفراد كان التواصل بيننا سهلا ورخيصا بل يكاد يكون مجانيا بفضل أدوات التواصل الاجتماعي وتقنيات مثل “الواتس والفايبر”، فكنا نتحادث بشكل شبه يومي، بل كنا نتواصل كمجموعات بديلا عن تجمعنا المعتاد في مقهى أو كافيتريا.

وتواصل النشاط الثقافي من خلال التقنيات الحديثة بإقامة الفعاليات الثقافية عبر تلك التقنيات ومعظم المهرجانات الأدبية بشكل عامة والشعرية بشكل خاص أقيمت في مواعيدها من خلال تلك التقنيات، وشاركت في مهرجانات شعرية بالمكسيك، ولدي دعوات للمشاركة في مهرجانات أخرى في الفترة المقبلة في كوستاريكا والهندوراس والمكسيك، سوف تكون على هذا النمط ما لم يتغير الحال وينتهي هذا الوباء.

من يريد أن يشارك في صنع الثقافة لن تقف أمامه أية عقبات، ورغم كل ما حدث فإن تأثير الكورونا سوف يمتد لسنوات طويلة قادمة، وعلينا أن نستعد لحياة ثقافية “ما بعد الكورونا”، لأن “ما بعد” لن يكون مثل “ما قبل””.

العزلة طقس يومي..

ويقول الكاتب والروائي العراقي “حسين السكاف”: “”المشي وحيداً لمسافات طويلة”، هكذا، أختار عزلتي وأمارسُها بمتعةٍ خاصة لا تنقصها الدهشة، فهناك ما يلفت انتباهي من تفاصيل الطريق الزراعي، كالطيور والأشجار والحيوانات والساقية وحتى نقيق الضفادع، تفاصيل الطبيعة غاباً ما تدغدغ المخيلة وتبهجها… هذه “العزلة المنفتحة” كما أسميها، تكاد تكون طقساً يومياً، أرتب خلالها أفكاري وأحاول إيجاد الحلول لما أواجه من عقد ومشاكل يومية…

أما “عزلة الكتابة”، فأمارسها يومياً مستغلاً كل الوقت المتاح لي، حسب الظرف اليومي… “العزلة طقس يومي لا يمكن لكاتب الاستغناء عنها” وهو يدرك أن بإمكانه قطع عزلته متى شاء… لكن، أن تأتي العزلة بكل وقاحة وفجاجة فارضةً نفسها عليك كأمر واقع لا فكاك منه وتكون مجبراً على ممارسته، والعيش داخل فضاءها القسري، فذلك أمر لم يكن بالحسبان، بل لم يعتد عليه إلّا السجناء…

فالعزلة التي فرضها علينا “الفايروس” الشرس لفترة طويلة، أدخلتنا عالم متناقض، بين استغلال الوقت المتاح بالكتابة والقراءة، والشعور بالإحباط ومحاولة تعليب الروح البشرية بين أربعة جدران، وذلك ما أربك الذهن وشتت المخيلة، كونها ليست عزلة شخصية مختارة، وليست عزلة مكان فقط، بل عزلة روح، عزلة عن البشر، عن الأصدقاء، عن المقهى والسوق، وحتى الحبيبات والمتاحف والأماكن العامة… هذه العزلة ضَعُفَ العقل بسببها، ووهنَ الجسد، وصار الخوف سمتها الأساسية، وكأن وحش الإصابة والمرض ومن ثم الموت يقف خلف الأبواب… ذلك الرعب من شأنه شلّ التفكير، وتحجيم الأفق والرؤيا…  لذا صرنا نتلمس هشاشة المنتوج الأدبي تحت سماء العزلة القهرية”.

“ترى هل عرفتني الطيور وأنا أمارس عزلتي اليومية بين الحقول مرتدياً “الكمامة”؟”.

ويواصل: “هناك من اقتنع بضرورة عيش العزلة، وفعَلَها، وهناك من استخف بها وانتصر عليها تحت الرغبة بالمشاكسة والتمرد، وكلا الطرفين أنتجوا أعمالاً لا تنتمي للعزلة المفروضة فقد هربوا منها صوب الخيال وخصوبته، أو العودة إلى الماضي، أو تصور المستقبل… قلة قليلة من كتب عن عزلته، فظهرت في الغالب نصوص واهية كون التجربة لم تكتمل بعد…

صحيح أن العزلة توطد علاقتك بالمكان، لكنها تضعف علاقتك بالآخر، ومن ثم علاقتك بالطبيعة والعالم الخارجي، بمصدر إلهامك وتصوراتك وخصوبة المخيلة، العالم الخارجي له أهميته وسحره وتأثيره على الكاتب…

في العزلة المختارة سلام، وفي العزلة الجبرية ظلام…

ويضيف: “في هذه العزلة اِكتشفتُ أهمية وسحر المقهى وتأثيرها على المخيلة، لم أكن أتصور أن يمر أسبوع دون لقاء الأصدقاء حيث المقهى، لكن في غياب المقهى والأصدقاء لفترة طويلة صارت العزلة منفى”..

إن طالت العزلة، وقلَّ الاختلاط مع الناس والأصدقاء، وقلَّ الحديث وتبادل الأفكار، ستضيع المفردة…

يقول عن تأثير العزلة: “لقد أثرت هذه العزلة على حركة الأدب والفن بشكل عام، فقد ألغيت معارض الكتاب التي تعد متنفساً حقيقياً للكاتب، والمناسبة الأمثل للقاء الأصدقاء والزملاء وحتى وسائل الإعلام. وأُلغيت المهرجانات ومعارض الفنون التشكيلية والعروض المسرحية، حتى مهرجانات الجوائز صارت افتراضية عبر الشاشات، وتعلَّبَ العالم حين دخل الشاشات الصغيرة “الموبيل والكومبيوتر” وتحول البشر إلى ما يشبه سمك السردين داخل العلب،… فصارت اللقاءات عبر “سكايب” والـ “زووم” ووسائل التواصل الأخرى… لقاءات وندوات ضاع منها طعم اللقاء وحلاوته، وبهتت حميمية التواصل المعتادة بين البشر…

في الوقت الذي كنت أشتاق فيه إلى كرسيي الخاص في بيتي أمام الكومبيوتر وأنا في عملي، كرهت ذلك الكرسي لطول فترة العزلة، وفي أول فرصة تتاح لي، سأشتري كرسياً جديداً عله ينسيني مكابدات عزلتي القسرية.. سأرمي الكرسي القديم في القمامة كثوبٍ بالٍ لمريضٍ تماثلَ للشفاء…

صحيح أن العزلة تتيح لك سماع صوتك وأفكارك بوضوح، لكننا كرهنا أصواتنا حين طالت العزلة المجبرين عليها”…

خبرات نفسية وعاطفية جديدة..

وتقول الكاتبة والأكاديمية العراقية “إشراق سامي”: “مرتْ هذه السنة وكما جملة اعتراضية في نص مرتب، جملة توقفتْ فيها إيقاع أيامنا الراكضة اللاهثة في عجلة مصممة على السير في عجلة تدور في إيقاع محدد، الصبح في أوله توصيل الأطفال إلى المدارس ونكمل أعمالنا اليومية في الجامعة، أيام محملة بالكثير من الأحاديث والخطط والمفاجئات واللغط الكثير من التفاصيل الإنسانية، مشاكل العمل المعتادة، طلباته الكثيرة، ثم وفي لحظة مهدورة من عمر الزمن يتوقف كل شيء ليحل الصمت..

الصمت وحده عوضاً عن ذاك الضجيج، ثم أخبار متواترة من العالم نتابعها برعب حقيقي عبر الشاشات، كم وصل العدد: ألف… اثنان.. وفيات… مراسلون.. فحص….. أطباء… لم تكن هذه السكتة المفاجئة التي أصابت حركة الأيام في البداية واضحة، إنما اتخذت شكل إجازة مرحب بها لم نحسب أنها ستلتهم الأشهر دون رحمة… توقف مفاجئ بدرجة حرارة الحياة ثم بدأت وتيرته تطول لتتحول إلى كابوس ثقيل يمرر على أيامنا سؤال واحد كبير؟ كيف ننجو؟. تحولت كل تلك الطموحات الأفكار المشاريع إلى خيط دخان ليحل بدلا عنها هذا السؤال الذي يواجهنا مثل ضيف غير متوقع يمارس ثقله بكثافة ودون تحفظ” .

وتواصل: “الكتابة فعل عزلة كما هو معروف يحتاج إلى نوع خاص من الطقوس اليومية التي تدور حول اتخاذ الوقت المناسب للدخول في غيبوبتها، لكنها مع ذلك تحتاج إلى نوع خاص من المزاج، أو الروتين، أو لنسمه الاستعداد النفسي، الذي هبط جدا مع هطول هذه الأزمة بكثافتها علينا، ومع ذلك كنت في مواصلة تامة مع الكتابة عبر إعداد الدراسات والمقالات النقدية للصحف والمجلات، هذه الدراسات التي تتطلب في العادة نوعا خاصا من القراءة والمتابعة.

لم يكن الحصول على الكتب موضوعا عسيرا كما هو معروف، ثمة مكتبات الكترونية تحتاج إلى عمر كامل فقط لمتابعة عناوينها ناهيك عن القراءة، هذا بعيدا عن توفر الكتب الورقية التي لم يتح لنا الوقت الكافي لمطالعتها في أيام الدوام ودراسة الأولاد. أظن أن مهنة الكتابة كانت هي الأوفر حظا في ظل أزمة كوفيد، ليس فقط لأنها تعتاش على نوع خاص من العزلة والصمت، وإنما لأنها تحتاج باستمرار إلى أفكار جديدة ومادة إنسانية قابلة للتأمل، وبالتأكيد فإن دخول العالم باجمه ضمن وضع طارئ موحد ضمن إيقاع درامي عال، كان أحد أهم وسائل الكتاب للدخول إلى عوالم نفسية وعاطفية وإنسانية جديدة تختبر لأول مرة مشاعر الخوف والعزلة والتوجس”.

وتؤكد: “لأول مرة في زمننا المعاصر، فكما هو معروف أن أدب الأوبئة لم يكن جديدا عبر استثماره لمحن كثيرة مرت على الشعوب والأمم. بالنسبة لي بالإضافة إلى القراءة والكتابة، اتخذت من الفيسبوك بوصفه منصة تواصلية، وسيلة تفاعل إنساني وثقافي عالم عبر قراءة من ينشر الكتاب وأيضا في الدخول في أحاديث يومية وحوارات مع الأصدقاء حول آخر مستجدات الوضع الصحي . بالنسبة لي كانت سنة الفيسبوك بامتياز”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب