11 فبراير، 2025 8:50 م

العزلة والكتابة (1).. ما بين غزارة في الكتابة وبين احباطات الفقد والخوف والترقب

العزلة والكتابة (1).. ما بين غزارة في الكتابة وبين احباطات الفقد والخوف والترقب

 

خاص: إعداد- سماح عادل

في 2020 انتشر الفيروس العالمي “كوفيد 19” وأجبر العالم على عزلة لم يسبق لها مثيل، حيث انحبس الناس بين الجدران، وأصبح السير في الشوارع أمرا محفوفا بالمخاطر، وأصبحت البيوت بمثابة ملاجئ، مع انتشار هوس جماعي من اقتراب نهاية العالم، ومخاوف أخرى من موت أعداد كبيرة من الناس، ومن الأزمة الاقتصادية الطاحنة، كل هذه الظروف والعزلة الإجبارية والتي استمرت حتى الآن لحوالي عام ونصف، لابد كان لها تأثيرا كبيرا على الأدب والثقافة.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:

– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

– ما هي البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل والتفاعل في مجال الثقافة؟.

الفيروس وبنية الثقافة..

يقول الكاتب والباحث العراقي “محمد يونس”: “من الطبيعي إذا كانت هناك مقومات للثقافة يمكنها مواجهة الظروف المضادة، لكن ثقافتنا العربية مرت بمنعطف حساس  بعد تلاشي أطر الحداثة والانجذاب لتحولات ما بعد الحداثة الحساسة، ومن الصعب التحول من نظام هرمي للثقافة إلى نظام أفقي متعدد، حيث مثلما ستكون هناك مقومات إيجابية في السياقات الفردية، ستكون هناك نتائج معاكسة ذات تأثير على البنية العامة للثقافة، حيث انهيار الهرم الثقافي ليس بالأمر الهين، وتحول ثقافتنا من المسؤوليات العامة إلى المسؤوليات الذاتية هو بدوره سيخلق حدة تنمو أوصال الجدل فيها، ويمكن أن يكون هناك صراعات فردية, وصراحة صعد إيقاع عدم التفاعل العام, وتحول الثقافة إلى أطر فردية رغم وجود مؤسسات راعية له سيعني بدوره فقدان الموقف العام, والصدفة التي جعلت الوباء اللعين يواجه البشرية مباشرة دون وجود استعدادات، وقلبت الحياة العامة رأسا على عقب، وتقريبا شلت أغلب مناحي الحياة، وطبيعي يطول ذلك المحافل الثقافية التي أصبحت تعيش صمت رهيب”.

ويواصل عن الوباء الوحشي: “شكل تأثر البنية الاجتماعية وكيان الدولة الإداري والبنية الثقافية التعددية بالوباء الوحشي المتسلح بسرية وعدم انكشاف ولا هناك علاج أو مضادات له، حتى كأن الحياة العامة تعيش في الماضي السحيق الذي قتل فيه وباء الطاعون الملايين من البشر، فحولت الوباء الحياة إلى رعب تام, وفرض العزلة الطوعية والمفروضة وأوصدت الأبواب.

لكن سرعان ما تجرأ البشر على الوباء بعدما صنعت شركات عالمية مضادات حيوية، فأنبعث الأمل من جديد, وقد نشط حتى الخطاب الأدبي في مواجهة الوباء, بعد فترة ارتباك وقلق, وقد أنتج المغربي “حسن برطال” مجموعة قصص قصيرة جدا بعنوان “كرونيات”, وأسهمت بعض الصحف بدعم الخطاب الواعي والمعارض للمرض.

وأنا قد استفدت بشكل مباشر من العزلة المفروضة، كان هناك بعض الكتب التي أعمل عليها خصوصا في المعرفة اللسانية التي تحتاج إلى مناخ خاص, فانشغلت بالكتابة وتواصلت متجنبا في ذات الوقت الخروج إلى الأماكن العامة, وكنت سرعان ما أعود بعد التسوق, وكان استغلالي للزمن الذي يسبق ظروف الوباء قد ازداد نشاطا, لكن لا يمكن لأحد منا إنكار عدم تأثرنا نفسيا, وأنا شخصيا رغم سعي لطرد تلك الفكرة وجدت نفسي عاجزا, وبقي ظل الوباء يلوح بنسب متفاوتة, لكن تواصلي في الكتابة قلل من أثر تلك الفكرة”.

تاريخ ما قبل وما بعد كورونا..

ويقول الكاتب الكردي السوري “إبراهيم يوسف”: ” لقد كنت أحد هؤلاء الذين  رأوا- في بداية انتشار فيروس كوفيد 19- أن حالة الاستنفار القصوى التي نمربها، لن يكون عمرها أكثر من أسابيع فحسب، أو حتى أشهر، على أبعد تقدير، ولعل ذلك يعود إلى ثقتي بما حققه علماء العصر ومراكز الدراسات في عالم الطب، ووفق ذلك رتبت أمري، ورحت أحاول أتكيف مع هذه اليوميات الأكثر صعوبة في حياة المواطن الكوني، كما يخيل إلي، إذ إنني في البداية صرت أستغرب إقبال جيراننا ومحيطنا على شراء وتخزين احتياطيهم من المؤنة، والأدوية، والمعقمات، وتوابعها، وهكذا بالنسبة إلى وسائل الوقاية: الكمامات- القفازات، إلا إنني صرت أكتشف أن تقديراتي خاطئة.

رغم أنني كنت مطمئنا أنني في بلد أوربي وأن احتياطيه من كل ذلك يكفي لعقد زمني- وفق تخميناتي- غير الدقيق- عادة- فيما يخص عالم التخطيط والاقتصاد، وإن كنت سأصيب- هنا- إلا إن قلقاً بات يتسرب إلى ذاتي وأنا أتذكر الأهل، تحت أكثر من حصار وحرب، وماذا سيحل بهم أمام هذه الجائحة التي باتت ملامحها تتضح على نحو يومي كلما مر الوقت، لاسيما بعد معاينتي لحالة الذعر التي انتابت الحكام والرؤساء في البلدان التي تخاف على شعوبها، مقابل خوف قادة عالما على كراسيهم، لا أكثر!”.

أول ما فعلته، في هذا المجال، ومع المشاهد الأكثر ألما التي كانت ترد من- أووهان- الصينية، ومع بارومتر اندياحها، في جهات ذلك المكان، قبل اختراق كوفيد التاسع عشر سور الصين العظيم أنني رحت أقرأ ما يقال في عالم الطب، ومن ثم الدراسات المتنوعة التي راحت تشخص حالة العالم في ظل الجائحة، لأجدني محكوماً بالعزلة المفروضة بعد أن نقر كوفيد أبواب القارة العجوز”.

ويضيف بخصوص الكتابة في ظل العزلة: “كانت العزلة جد صعبة، ما جعلني أكتب يومياتي في مجموعة شعرية سميتها- أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت2020- كي أكتب سرديات هذه اليوميات في كتاب منفصل عنونته ب “خارج سور الصين العظيم من الفكاهة إلى المأساة2020″  ولأواصل الكتابة، وأنشر ما يشبه مجموعة مقالات- دراساتية- في كتاب آخر وسمته ب” جماليات العزلة في أسئلة الرعب والبقاء 2020″، وأنا أكتب إلى جانب كل ذلك فصول عمل سردي لما ينشر بعد،  له عالم آخر، بعكس الكتب الثلاثة المشار إليها”.

وعن التواصل يقول:”لم  أر كل ما سبق، وسواه، كافيين، لأن أكون قد فعلت أمراً ما، في مواجهة الجائحة، كمجرد مواطن كوني لا يقبل أن يكون هامشياً، لذلك فقد كانت انطلاقتي من محيط بيتي، إذ أسست للتواصل الافتراضي مع أولادي وأحفادي، لاسيما إن أطفالنا الصغار صاروا بحاجة- في أصعب أيام العزلة- إلى ملء أوقاتهم التي كانت الروضة أو المدرسة أو الجامعة تفعل ذلك، لذلك فقد وضعت برنامجاً للتواصل اليومي معهم طال مجالات كثيرة: الحكاية – الرسم- الموسيقا- إلى جانب الحديث عن الجائحة وسبل الوقاية، وكنت أحد الذين أسسوا لنشاط أوسع وذلك من خلال القيام بنقل فعاليات الأنشطة الثقافية- الفيزيائية- إلى افتراضية، عبر الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، لنطلق- قناة بث ديجيتالي- في مجالات الأدب والفن والثقافة، ناهيك عن مجال التوعية الصحية، لاسيما مع بدايات الجائحة”.

وعن كون تلك العزلة حدثا تاريخيا يقول: “ثمة أمر مهم أريد قوله وهو أنني لا أنكر  تأثير هذه الجائحة على الكثير من خطط المشاريع التي وضعتها، على صعد عدة: بيتية اجتماعية من جهة وثقافية إبداعية من جهة أخرى، إذ رأيت أنه من الضروري أن أدلي بدلوي لأن الحدث لم يكن عابراً كما استخف بعضهم في تقويمه، وإنما تاريخي، وقلت في مقال لي أن كورونا قسمت تاريخنا إلى ما قبل وما بعد كورونا، وثمة أجيال قادمة ستسأل:

كيف تعامل الكتاب مع الجائحة؟

وإذا كنت قد أنجزت  أربعة كتب في كورونا خلال السنة الأولى، فإن هناك من أنجز سبعة كتب خلال شهرين: ثمة معجزة، هنا، برأيي، وأعني  هنا معجزة المفكر إبراهيم محمود، أحد أوائل من استشعروا الخطر وكتبوا في الجائحة، ومن دون أن تنبه وسائل الإعلام إلى ما قدم!

أجل، ما تم كان مفصلاً تاريخياً. محطة تاريخية سيكون لها أثرها الكبير على حيواتنا وتاريخنا وحضارتنا وعلاقاتنا، فليس هينا البتة: غلق بوابة العالم. ليس أمراً عادياً إغلاق المطارات عالمياً، أو إلغاء اجتماعات الأمم المتحدة. مجلس الأمن. إلغاء الحج. إلغاء المهرجانات الثقافية والرياضية  ومعارض الكتب الدولية، وبدأ التأسيس لمرحلة افتراضية إلى الدرجة التي صار مواطن ما بعد كورونا يدفن موتاه إلى مثاويهم الأخيرة افتراضياً، وهو ما عزز كل ما هو افتراضي: ثقافة وفناً وتواصلاً وعلاقات”.

ويؤكد: “ثمة أمر مهم حدث، إذ إن مرحلة العزلة وفرت هامشاً للقراءة. للكتابة، كما أنها أثرت في الحياة الاجتماعية، إذ ألتم شمل الأسرة من جهة، كما وزادت المشاكل الاجتماعية، من جهة أخرى”.

شكرا كوفيد..

ويقول الكاتب اليمني “الغربي عمران” : “قد ينقسم الأمر إلى قسمين: تأثيره على الصعيد الشخصي، فبالنسبة لي كان جيدا، حيث توفر الوقت الكافي للكتابة والقراءة، ومتابعة أنشطة الكتاب في مختلف وطننا العربي ومشاهدة المزيد من الأفلام. ونتمنى أن يزول الفيروس وتبقى لنا الأوقات والعزلة بدون مبرر إلا أن نكتب ونقرأ. والحقيقة أننا لسنا في عزلة فحين نبقى شهر أو أكثر في بيت لا نخرج نكون عبر وسائط التواصل مع من نريد في تواصل دائم”.

 

ويضيف: “شكرا أيها الفيروس فقد وفرت علي وقتا كبيرا وأنجزت خلال السنة الماضية مسودة رواية وقرأت الكثير وشاهدت الأكثر. فقط ما هو سلبي بالنسبة لي لم أسافر خلال السنة الماضية وهذه مشكلة بالنسبة لي إذ حرمت من حضور عدة معارض. أما على صعيد المجتمع خاصة رواد المقاهي وعندنا في اليمن رواد المقايل ومضغ القات فقد كان الفيروس مشكلة، حيث حولهم إلى كائنات بائسة. لنعلكم أن لكل شيء عدة أوجه فلا يوجد المطلق بل هناك النسبي وكوفيد بقدر ماهو مضر وسلبي هو مفيد، فشكرا كوفيد”.

احباطات الفقد والخوف والترقب..

ويقول الكاتب المصري “فتحي إسماعيل”: “بالنسبة للكتابة لدي، لم يكن تأثير الوباء ماديا، بقدر ما كان نفسيا، رغم عدم انقطاعي عن الكتابة خلال العام والنصف الفائتين إلا أنه كان هناك هاجس من اللا جدوى بداخلي، وكأنه قيد على الحرية المعنوية، ويمثلها هنا الأمل.. قيود من احباطات الفقد والخوف والترقب.. فبالتالي وإن لم يؤثر ظهور الفيروس تأثيرا مباشرا على نمطية وجدول الكتابة. لكن تأثيره كان معنويا مما أفقد الكتابة ذاتها عمق الهدف،  ثمّ شيء ما ناقص، شيء معنوي.

وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يقول: “رغم أنني لست مسئولا ولا ناشطا ثقافيا، إلا أن أثره ملحوظ بالطبع على الحركة الثقافية،. أبرزها تأجيل معرض الكتاب هذا العام، وتأجيل أو إلغاء فعاليات كثيرة بسببه، ومن ثم عرقلة أو بطء حركة النشر والتوزيع في العامين الماضيين”.

 

وعن البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل يقول: “غير أن وسائل التفاعل الافتراضي انتشرت، رغم أني لا أحبذها، فلا شيء يعادل شيئا، وإن أشبهه فالبعض استعان بالمؤتمرات الالكترونية، ورغم عدم كلفتها المادية كذلك توفيرها للوقت إلا أنها من وجهة نظري الخاصة، لا تغني عن التواصل الحسي المادي.

وإن كان بعض الكتاب والمثقفين يكرس لهذا التواصل باعتباره لغة العصر ليس فقط لضرورة طارئة ألجأنا إليها (كوفيد ١٩)، ولكن إن العصر القادم هو عصر التفاعل الافتراضي، غير أنني أرفض ذلك بشدة وأحبذه ولا أمنعه للضرورة كنشاط تفاعلي إضافي ولكنه حتما ليس بديلا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة