27 ديسمبر، 2024 9:31 ص

العرب وإيران،مراجعة في التاريخ والسياسة

العرب وإيران،مراجعة في التاريخ والسياسة

عرض: رلى العلواني
لحق كثير من اللغط والجدل في العلاقة الحتمية تاريخيًا وجغرافيًا وثقافيًا ودينيًا التي تجمع بين العرب وإيران، هذه العلاقة التي انقسم الناس فيها بين مؤيد لوجودها لمبررات جغرافية وسياسية وجيوسياسية واقتصادية من جهة، ومعارض لإقامة أيّ علاقة مع هذا الجار استرجاعًا لحوادث التاريخ الماضية وتعقيداتها، ولاختلاف الطابع المذهبي بين العرب وجارتهم إيران من جهةٍ أخرى. يضمّ الكتاب مجموعة من الأبحاث والمساهمات التي تتناول هذا الموضوع، أعدّها مجموعة من الباحثين من بلدان مختلفة، بغية تكوين صورة متكاملة لهذه العلاقة الجدلية المستعرة بين العرب وجارتهم إيران.

ففي البحث الأول يتناول عزمي بشارة عدة استبانات واستطلاعات للرأي، تدل في مجملها على أن شعوب المنطقة العربية لا تعدّ إيران خطرًا داهمًا، ولا تخشى من البرنامج النووي الإيراني الذي شغل العالم عقوداّ. ففي “استطلاع للرأي العام أجرته جامعة ميرلاند بالتعاون مع معهد زغبي في عدد من الدول العربية كمصر والسعودية والإمارات والمغرب ولبنان والأردن، تبيّن لدى السؤال عن النتائج التي من الممكن أن يتركها البرنامج النووي الإيراني على منطقة الشرق الأوسط أن 65 في المئة، تعدّ أنه سيكون له نتائج أكثر إيجابية” ليصل بشارة إلى أن هناك فرقًا شاسعًا بين الفكر الجمعي للجماهير العربية، والسياسات التي تنتهجها الدول والحكومات، لذلك كان من واجب الحكومات بناءً على هذه الاستطلاعات أن تقدم رؤية للمنطقة العربية التي يمكن أن يبنى عليها أمن عربي مشترك.

ويحاول الكاتب جاهدًا تحديد ملامح للعلاقة العربية الإيرانية الشائكة، تبدأ بتصوير الواقع الإيراني سياسيًا وجيوسياسيًا واقتصاديًا. ما زالت إيران تحاول أن تستغل كل فرصة لتزيد قوتها ووجودها في المنطقة، لكن على الرغم من سعي إيران الدؤوب لتحقيق تلك المكاسب على حساب جيرانها العرب، إلّا أنه “لا يجوز أن يستخدم نقد الحالة العربية، لغرض تقديم مبررات ومسوغات لدولة أخرى أن تستغل هذا الوضع العربي لإنقاذ مصالحها”.

لكن وفي الوقت نفسه لا يجوز لنا أن نفكر ومن خلال الواقعية السياسية أن إيران عملت على إيجاد إستراتيجيات لتعزيز وجودها في المنطقة، في حين لم يكن للدول العربية أي خطة مشتركة أو منفردة في العمل. ففي الحالة العراقية، وإبّان الحرب على العراق من جانب قوات التحالف، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، عملت إيران جاهدة لنجاح المهمة الأميركية في العراق، للتخلص من النظام البعثي القائم، ولكن بقدر لا يضر بالطموحات الإيرانية، ثم عملت إيران على زرع أدواتها، واستغلال الرموز الدينية، والاصطفاف الطائفي العنيف، وتزويد الميليشيات الشيعية بالسلاح، لمنع نشوء عراق قوي، مع كل هذا نجد الدول العربية سواء القريبة من العراق أم البعيدة عنه، غارقة في سبات عميق، معبّرةً عن فقدان البوصلة العربية، للعمل إزاء أي تطورات أو حوادث.

ثم يحاول الكاتب نقد الذريعة التاريخية، لحالة العداء بين العرب وجارتهم إيران، فيقول “حتى لو أخذنا الخصومة التاريخية على أساس النموذج الذي يجري حاليًا إسقاط تفسيراته السياسية المعاصرة على التاريخ، وهو الصراع الصفوي العثماني؛ فإن علاقة تركيا الحالية بإيران، تمتاز بكونها أكثر توازنًا من علاقة العرب بإيران، وهذا ليس بسبب الحبّ والكره، فتركيا وإيران كانتا على خصومة تاريخية تتجاوز الصراع الفرنسي- الألماني الذي تحول إلى تعاون، وانقلب فيه سفك الدماء السابق إلى مبرر للتعاون، بل لأن لدينا مشاريع دول جوار تفكر في مصالحها وتقاطعها وتنافرها بشكل عقلاني، وما ينطبق على العلاقة التركية- الإيرانية ينطبق أيضًا وإن بدرجة أقل على العلاقة الإيرانية- الباكستانية. فالتاريخ نفسه يستخدم إذًا لتفسير الأمر وعكسه”.

ويحاول وجيه كوثراني سبر أغوار الذاكرة التاريخية العربية الإيرانية من خلال وقوفه أمام محطات بارزة تاريخيًا، فمعركة القادسية في نظره ليست صراعًا بين قوميتين، بل “كانت تعبيرًا عن تجليات صراع مرحلي بين إمبراطوريات آخذة بالتفكك والضعف بعد جملها واحتضانها لحضارات كبرى أخذت بدورها تتراجع وتتجمد”.

ويؤكد الأستاذ وجيه أنه لا صحة للصورة التي تتكرر في الذاكرة العربية أو الإيرانية من أن التشيع المبكر في إيران كان يتماهى مع موقف قومي فارسي، والدليل على ذلك أن التشيع والتسنن في إيران لم يصطدما، بل كما قال “لقد كان ثمة عناصر مشتركة تجمع بين التسنن والتشيع على مستوى اعتناق العامة للإسلام في إيران، وهي الصوفية المتحررة نسبيًا من قيود النظرة الفقهية والكلامية للأمور”.

وبعد ذلك يبدأ كوثراني برسم صورة للأسباب الكامنة خلف الصراع الصفوي العثماني، وأن من الخطأ وسم هذا الصراع بأنه شيعي، وأنه لا بد من تناول الخلفية الإستراتيجية والاقتصادية لتلك المرحلة التاريخية لتفسير واقع هذا الصراع، وأن هذا الصراع هو صراع الأرض المهمة إستراتيجيًا واقتصاديًا، للسيطرة على الطرق الحيوية في العراق وتبريز وأرضروم.

لكن الحقيقة خلاف ما قاله الكاتب، فالصفويون بقيادة إسماعيل الصفوي، فكّروا في إنهاء الخلافة السنية في بلاد الأناضول، في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية منشغلة بالفتوحات في أوروبا، ففي الوقت الذي حاصر فيه العثمانيون فيينا عاصمة النمسا، أخذ الصفويون يعدون العدّة للسيطرة على العراق وبغداد تحت شعارات صفوية شيعية تاريخية.

وأخيرًا يحاول الكاتب -بتكلف- إيجاد مقاربة بين ما يسمى بنظرية ولاية الفقيه، وغيرها من النظريات التي طرحها بعض الكتاب السنّة كنظرية الحاكمية الإلهية، ونظرية الخلافة حيث “تمتلك جميعها خصائص وقواسم مشتركة، وكما تثير عند الشيعة وفقهائهم، فإنها تثير عند أهل السنة وفقهائهم تعددًا في الرأي وتأييدًا أو معارضة”. فكثيرًا ما انتقدت هذه النظرية الشيعية السياسية، فرأى الشيخ مغنية أن ولاية الفقيه هي ولاية جزئية ومحددة، بينما يعدّ الشيخ محمد مهدي شمس الدين عن إعادة نظر في هذه النظرية أساسًا، وليطرح بديلًا من ولاية الفقيه وهو “ولاية الأمة على نفسها”.

ويستمر محجوب الزويري من خلال البحث المعنون بـ (إيران والعرب في ظل الدين والسياسة والتاريخ) في تلمّس أفق العلاقة بين القوميتين العربية والفارسية، منذ عهد التاريخ وحتى اليوم، فيبدأ بسرد تاريخي يوضح العلاقات القديمة التي تربط العرب بالفرس في مرحلة تاريخية قديمة، “الجدارية الموجودة في مدينة شيراز الإيرانية وتحديدًا في تخن جمشيد، والتي تظهر عربًا على الجمال يقدمون الهدايا إلى الإمبراطور الإخميني، هذه الجدارية التي تعود إلى تاريخ السلالة الإخمينية الإيرانية (550-335 ق.م)”.

واستمرت هذه العلاقات في عصر اتساع الدولة الإسلامية، ثم بدأت مع عهد هارون الرشيد المرحلة الشعوبية، بمعنى إنهاء أفضلية العرب، ثم نشأ الصراع بين الأمين بعصبويته العربية، والمأمون بعصبويته الخراسانية الفارسية، وانتهى الأمر بمقتل الأمين وانتصار المأمون، ما يعني انتصار فارس، ثم تأسّست الدولة الصفوية في إيران خارج الخريطة السُّنِّية للعالم الإسلامي، ما أسس لعلاقات جديدة بين العرب وإيران ما زالت مؤثرة حتى الساعة.

وفي واقعية اتسمت بها نظرته إلى الحوادث التاريخية، لم يجد الكاتب بُدًّا من الاعتراف أن الدين هو العامل الأساس اليوم في تكوين العلاقة العربية الإيرانية، فيقول “يبدو من الصعب تجاوز عامل الدين والمذهب في فهم العلاقة بين العرب وإيران”.

ويتابع محجوب من خلال نظرة فاحصة للحوادث إظهار واقع السياسة الإيرانية تجاه العرب والتي شكلت تفاعلات القضية الفلسطينية أحد أهم مفاصل الخلاف بين العرب وإيران، فبعد أن كان الشاه طفل إسرائيل وأميركا المدلل، وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بزعامة الخميني سنة 1979، تحولت السياسة الإيرانية من سياسة موالية لمحور إسرائيل وأميركا إلى الاتجاه المعاكس، حيث وصف ساسة إيران الجدد إسرائيل بأنها “غدة سرطانية” ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اتّهمت إيران الدول العربية، وأنظمتها السياسية، بأنّها مصدر حماية إسرائيل، لذلك “فهم العرب وخصوصًا المحور القلق إزاء ايران أن الحديث الإيراني عن فلسطين والدفاع عنها، ما هو إلا نوع من الحرب الإعلامية، لتشويه سمعة تلك الأنظمة”.

لا يمكن للمنصف أن يفهم سياسة إيران في المنطقة بغير هذا المنحى أو الاتجاه، أليس الساسة الإيرانيون اليوم الذين يرفعون شعارات “الشيطان الأكبر” هم أنفسهم الذين ساعدوا أميركا على احتلال العراق؟ أليس حلفاء إيران في المنطقة هم الأعلى صوتًا ضدّ إسرائيل علنًا، والأكثر تقرّبًا إليها، وقد تحولوا إلى قتلة لشعوبهم؟ أليس ما قتله المليشيات الشيعية اليوم في العراق والحوثيون في اليمن وحزب الله في سوريّة هم أضعاف ما قتل عدوّهم الأوحد كما ادعت شعاراتهم؟

أما محمد حامد الأحمري فينتهج نهجًا آخر في بحثه “الأوهام والحقائق في العلاقات العربية الإيرانية” حيث يحمل العرب وساستها وقادتها ومفكّريها عبء تدهور العلاقة مع جاراتهم إيران. فبعد مروره على الحوادث التاريخية وقراءة عمق العلاقات العربية الإيرانية، وفهمه طبيعة هذا التداخل بين القوميتين والأمّتين بفعل التجاور الجغرافي، فإنه يطرح سؤالًا مهمًّا وهو “هل هناك علاقات عربيّة إيرانية؟” لكن الجواب كان مفاجئًا عندما قرر أن التوتر العربي الظاهر ضد إيران إنما هو صدى لتوتر غربيّ “فالسبب في التوتر المستمر بين الحكومات العربية والإيرانية، يرجع إلى دوافع تبعية غربية، وتملك وترويع متواصل لهذه المنطقة حكامًا وشعوبًا”.

ويرى طلال عتريسي في بحثه (العرب وإيران مصالح مشتركة وعلاقات غير مستقرة) أن فقدان الموقف العربي الموحد من القضايا الأساسية انسحب على العلاقة مع الجارة إيران. أخذ الكاتب منحى دراسة العلاقات العربية الإيرانية كل على حدة، لأن العلاقة الإيرانية العربية “شديدة التفاوت، فمن الإستراتيجية مع سورية إلى الطبيعية مع لبنان والأردن وعمان والجزائر ودول أخرى، إلى الباردة حينًا والمتوترة حينًا أخر مع السعودية، إلى المقطوعة مع مصر”.

فمع لبنان اتسمت العلاقات الإيرانية بالمد والجزر، فقد اتسمت علاقة إيران بلبنان في مرحلتها الأولى بين    1980 و1990، بأمرين أساسيين: الأول: غلبة الطابع غير الرسمي عليها، والثاني: غلبة البعد الأيديولوجي على نظرة المسؤولين الإيرانيين إلى لبنان، ففي عام 1983، ونتيجة للاتفاق التي وقعته لبنان مع إسرائيل، ونتيجة رفض طهران له، ساءت العلاقات اللبنانية الإيرانية، وفي المرحلة الثانية بين 1990 و2000، التي شهدت توقيع اتفاق الطائف ونهاية الحرب العراقية الإيرانية، بدأت العلاقات الرسمية تعود حرارتها بين البلدين وخاصة مع صعود نجم الإصلاحيين في إيران بزعامة خاتمي، واستمرت هذه العلاقات الذهبية بين لبنان وإيران حتى عام 2005، عقب اغتيال رفيق الحريري، وانسحاب القوات السورية من لبنان، وبالتالي تغير المزاج العام عند كثير من السياسيين اللبنانيين، ووقفوا ضد إيران، واتهموها بمحاولة السيطرة والتمدّد من خلال ذراعها في لبنان المتمثل بمليشيا حزب الله، الذي بقيت علاقات إيران به وطيدة من خلال الدعم المستمر له.

وأما عن سورية فعلاقات إيران بها هي (الأكثر ثباتًا) كما يقول الكاتب، فهي لم تشهد تراجعًا ولا برودة لافتة، حيث وقفت القيادة السورية إلى جانب إيران في حربها مع العراق، كما لم يبدل التباين في وجهات النظر بين سورية وإيران تجاه بعض القضايا في لبنان أو العراق من ثبات تحالفهما الإستراتيجي، أما المستوى الآخر في علاقة التحالف السوري الإيراني، فيتصل بدعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وعليه “لا يبدو أن العلاقة الإستراتيجية السورية الإيرانية مرشحة للتراجع بل يبدو أن تواصل أزمات المنطقة، وخصوصًا في لبنان والعراق، وعدم التقدم في عملية التسوية في فلسطين، سيجعلان هذه العلاقة أكثر رسوخًا واستقرارًا في المستقبل”.

وفي الحالة العراقية يبدأ الكاتب كذلك بمواصلة شرح طبيعة العلاقة بين البلدين، منذ نشوء الدولة الصفوية، مرورًا بالخلاف الحدودي 1975، ثم الحرب العراقية الإيرانية، إلى أن حدث التغيير الإستراتيجي الكبير عام 2003، حيث أسقطت الولايات المتحدة الأميركية النظام العراقي البعثي، وحيث عملت إيران على الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي، ثم دعم القوى الشيعية المرتبطة بها أيديولوجيًا.

ثم أفرد الكاتب صفحات لعلاقة إيران بالخليج العربي عامة، وبالمملكة العربية السعودية خاصة، حيث لم تشهد علاقات المملكة مع إيران أي استقرار منذ انتصار الثورة إلى اليوم، وكذلك حال غيرها من دول الخليج مع الجار اللدود ولكن بنسب متفاوتة، هذا وقد شكل البرنامج النووي الإيراني مشكلة كبرى للعلاقة مع إيران، حيث تتخوف دول الخليج العربية من تحول هذا البرنامج إلى برنامج عسكري، يجعل من إيران أهم قوة في منطقة الخليج والشرق الأوسط.

وعلى الرغم من هذا السرد الموضوعي والتاريخي المختصر لطبيعة العلاقة بين إيران وبعض الدول العربية، إلا أن الكاتب لم يتطرق إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء توتر العلاقات الإيرانية مع دول عربية، أو تيارات معينة، في الوقت الذي تعد هذه العلاقات إستراتيجية مع دول وتيارات عربية أخرى، ولعل السبب هو تلك النظرة الطائفية الضيقة التي ينتهجها النظام في إيران، والناظر في السياسة الإيرانية منذ الثورة الإسلامية بزعامة الخميني يلحظ هذا التوجه الطائفي في سياسة إيران الداخلية والخارجية، وما تطور علاقاتها مع دول كالعراق اليوم، وسوريّة، ولبنان ممثلًا بحزب الله الذي هو ذراع إيران في المنطقة، إلا أصدق تعبير عن هذه السياسة الطائفية.

وتسعى فاطمة الصمادي في بحثها (إيران والمقاومة) إلى توصيف علاقة إيران بحركات المقاومة العربية، وخاصة حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، من وجهة نظر الدولة في إيران، ومن وجهة نظر ساسة حركات المقاومة العربية في طبيعة علاقتهم بإيران. ففي لبنان تبرز علاقة إيران الفريدة بحزب الله الذي حملته مجموعة من العوامل على التأثير في الثورة الإسلامية في إيران، منها النموذج الشيعي، حيث شكل لبنان محورًا أصليًا من محاور التشيع، وكذلك تبنيه لمبدأ ولاية الفقيه، “حيث تحول فكر الخميني إلى مصدر الحاكمية في الحزب”.

وفي فلسطين تبرز حركة الجهاد الإسلامي الحليف التقليدي لطهران، الذي عمل مؤسسها فتحي الشقاقي في كتابه “الخميني والحل الإسلامي البديل” على مزاوجة فكر حسن البنا الإصلاحي، مع فكر الخميني الثوري، وكذلك علاقة إيران بحماس الفلسطينية التي لا تنكر وجود مصالح مشتركة مع الجمهورية الإسلامية. ثم تحاول الصمادي أن تظهر الاختلاف الشديد الذي يعيشه المجتمع في إيران، نتيجة دعم المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، فمثلًا “موسوي سيوقف نهب الإيرانيين ومنحه لآخرين في الخارج، لأن المصباح الذي يحتاج إليه البيت يحرم على الجامع”.

بل وصل الأمر في الجمهورية الإيرانية إلى اتهام حزب الله وحماس بإرسال قوات مهربة، قامت بقمع المحتجين في شوارع طهران إبان الانتخابات الرئاسية في عهد أحمدي نجاد، كما تنتقد الحركة الخضراء ما تسميه استغلال الحكومة الإيرانية قضية فلسطين والمقاومة، وترى أنه غطاء للاستبداد الداخلي، إذًا، فالشعب الإيراني ليس كما تحاول حكوماته تصويره يدعو لنصرة المقاومة في لبنان وفلسطين، بل هناك فئة تعتقد أن هذا الدعم هو لسرقة ثروات ايران التي يعيش 45 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، ومحاولة لتصدير المشاكل الداخلية وتعليقها على مسمار الصمود والتصدي، و مقاومة الامبريالية العالمية التي طالما سرقت من خلالها الشعوب العربية تحت الذريعة نفسها، وهذا ما تفعله القيادات الإيرانية  -كما يسمى في علم السياسة- “الهروب نحو الأمام”

وفي البحث المعنون بـ (النفوذ الإيراني في العراق.. التحديات والأبعاد) يحاول عبد الوهاب قصاب أن يسلّط الضوء على علاقة إيران بالعراق خلال القرون الخمسة المنصرمة، بدءًا من التشيع الصفوي لإيران مرورًا بمعركة جالديران 1514، والتي تعد المعركة الفاصلة التي أدّت إلى إيقاف الشاه إسماعيل الصفوي من جهة، ورسخت وجود الدولة العثمانية زعيمةً للعالم الإسلامي من جهة أخرى.

ويستمر قصاب في السرد التاريخي حتى يصل إلى الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر 1980، حيث يوضح الكاتب ما خلفته هذه الحرب على الصعيد الداخلي والخارجي فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وحيث “لم يقف الانقسام العربي في الموقف عند المفكرين والأفراد والرأي العام فحسب، بل انتقل إلى الدول أيضًا”.

ثم كان للمعارضة العراقية في إيران الأثر الأكبر في تأزيم الموقف بين إيران والعراق، وهذه المعارضة “الساقطة” وريثة خيانة الأمة منذ عهد ابن العلقمي الذي سلم مفاتيح بغداد لهمجية جيوش المغول، هي ذاتها المعارضة التي سلمت مفاتيح العراق لأميركا ومن ثم لإيران، ليهلكوا فيها الحرث والنسل والحضارة من خلال ميليشيا قمعية، جمعت رعاع الناس تحت راية الثأر للحسين وآل البيت، وبدعم مباشر من أصحاب العمائم السود في إيران.  ويقرر الكاتب أخيرًا بعد سرد تاريخي طويل “إلى أن الخلاف العراقي -الإيراني ليس خلافًا حدوديًا، فلو كان كذلك لكانت اتفاقية 1975 تكلفت بحلّه”.

أرادت إيران أن تجعل من العراق جسرًا للعبور إلى غيرها من الدول، وذلك عبر السيطرة على المرجعية الدينية النجفية التي يكثر أتباعها في دول الخليج العربي، وبالتالي تكون السيطرة على هذه المرجعية طريقًا للسيطرة على شعوب المنطقة، ثم ينتهي قصاب إلى حقيقة يجب أن يعيها العرب جميعًا وخاصة النخب العربية القائمة، أو المتآمرة، أن المطلوب للتعامل مع التهديد الإيراني هو اتباع سياسة الحزم المبني على الردع، فهو السبيل الوحيد للوقوف في وجه الأطماع الفارسية الإيرانية في المنطقة العربية، والتي لن تقف عند حدّ، فالسياسة و الدبلوماسية لن تجدي نفعًا مع دولة كإيران التي يحاول ملاليها وقادتها تصدير ثورتهم الطائفية الدموية إلى جوارهم العربي، فإيران لا تفهم إلّا لغة السلاح، وهذا ما بدا واضحًا من انكفاء ايران عند تدخل قوات درع الجزيرة في الوقت المناسب في مملكة البحرين، وكذلك عند تدخل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، ولولا هذا الحزم لوقف هذه التدخلات لكانت البحرين واليمن محافظات إيرانية جديدة تضم إلى خريطة التمدد الإيراني.

وفي بحث موسى الغريري (العلاقات العربية الإيرانية- السورية الإيرانية نموذجًا) نجد هذا النمط الذي اعتدناه من بعض المثقفين العرب الذين تنطلي عليهم ألاعيب التّقية السياسية الفارسية لإيران، حيث يبدون انبهارهم وإعجابهم بكل حركة تصدر عن نظام الملالي في إيران، ولو كان ذلك على حساب أوطانهم وبلادهم.

فبعد سرد لإمكانات إيران البشرية والجغرافية والاقتصادية، والخوض في نظامها الاقتصادي والسياسي قبل ما يسمى بالثورة الإسلامية وبعدها، وإلقاء الضوء على الهيئات الدستورية فيها ابتداءً من ولاية الفقيه التي هي عين الدكتاتورية المموهة بالاجتهاد الديني، ومرورًا بمجلس الخبراء ومجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، وانتهاء بالسلطة القضائية؛ يقول الكاتب “إن النظام السياسي في إيران يتميز بالتعدد والتنوع”.

ليس من المعقول أن يوصف نظام دولة يتبنى فكر المذهب الواحد في دستورها الذي ينص على أن المذهب الإمامي والاثني عشري هو دين الدولة ومذهبها. بمثل هذه المقولة العجيبة أنه تعددي ومتنوع، فنحو ثلث سكان إيران يمنعون من المشاركة الحقيقة والفاعلة، لأنهم لا ينتمون إلى دين الدولة ومذهبها الإمامي.

ثم يتطرق الكاتب بعد ذلك إلى مسار العلاقات السورية الإيرانية، التي لم تتطور إلا في عهد حافظ الأسد الذي كانت تربطه علاقات جيدة مع الخميني. سعى الكاتب لإبراز الوجه الإيجابي لهذا التحالف بين القيادتين السورية والإيرانية، مطلقًا الاحكام على من وقف في وجه هذه العلاقات الإستراتيجية بالتآمر والزيف والتضليل، وأن حجة الهلال الشيعي التي يطرحها المعارضون لهذه العلاقات المتميزة ما هي إلا حجج واهية، على الرغم من أن ما ينكره الكاتب يعترف به أكبر القيادات الإيرانية والعسكرية، حيث يفاخر بعضهم أنهم يحتلون أربع عواصم عربية.

ويستمر الكاتب بسوق الادعاءات، فيدعي “أن تشديد الثورة الإيرانية منذ أيامها الأولى لقيامها سنة 1979، على عنصرية الكيان الصهيوني، وعلى سمته العدوانية تجاه العالم عامة والإسلام خاصة، وعلى ضرورة مقاومته، ينقلها إلى موقع متقدم في الرؤية الحصيفة لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، ويجعل العلاقات السورية الإيرانية مطلبًا تفرضه تطلعات الشعوب”.

ويذهب الحسين الزواري، إلى سبر العلاقات بين إيران والمغرب العربي، ساعيًا إلى إفراد علاقة إيران مع كل دولة من دول المغرب العربي في بحث منفرد، ليتمكن من تكوين صورة متكاملة -نوعًا ما- لطبيعة العلاقة الإيرانية مع إقليم المغرب العربي.

فمع الجزائر اتسمت العلاقات بالتحول من الوساطة بين العراق وإيران التي انتهت بتوقيع اتفاق الجزائر سنة 1975، بشأن الحدود. مرورًا بالتوتر الذي وصل إلى حد قطع العلاقات معها عام  1993، على خلفية إلغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، انتهاء بالتحالف والتنسيق إلى حد طلب وزير الخارجية البريطاني من الجزائر إقناع إيران بضرورة التخلي عن برنامجها النووي، وعلى الرغم من كل ذلك “فإن إيران لا تحتل موقعًا متميزًا في الذاكرة الجزائرية، بل إن الاطروحات المشرقية المتشددة ضد إيران كثيرًا ما تجد صداها لدى الأوساط الشعبية المتأثرة بالتيار الديني السلفي. وعلاوة على ذلك، فإن الجزائر لا تتساهل من جانبها في المسائل المتعلقة بمحاولة نشر المذهب الشيعي”.

أما بالنسبة إلى المغرب؛ فإن علاقاته مع إيران اليوم قد وصلت إلى طريق مسدود؛ حيث أعلنت الممكلة المغربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية، وقد قدمت لذلك مسوغاتٍ عدّة أهمها التصريحات التي أطلقها رئيس البرلمان الإيراني بحق مملكة البحرين، وكذلك محاولة نشر المذهب الشيعي في المملكة، إلا أن هذه الأسباب ليست كافية لقطع العلاقات عند كثير من المراقبين الذين يرون أن تطور علاقات إيران مع جارة المملكة الجزائر، وتبني إيران جبهة البوليساريو، وعدم قدرة المملكة المغربية على المحافظة على علاقات طبيعية مع إيران، في الوقت الذي تشهد علاقات إيران كثيرًا من التوتر مع حلفاء المملكة وكذلك شهدت العلاقات بين ليبيا وإيران مدًا وجزرًا، حيث وقفت ليبيا إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، بل وأمدّتها بالأسلحة التي طالت بها بغداد الرشيد، ثم “بدأ القذافي يتبرم من الخيارات المتصلبة للخميني بشأن العراق”.

وكعادة القذافي في ردود أفعاله غير المحسوبة وغير العقلانية، ونتيجة لسوء علاقته مع المملكة العربية السعودية، أشاع القذافي فكرة الدولة الفاطمية الثانية، وظلت هذه العلاقات متأرجحة تبعًا لأهواء القذافي وأفكاره غير المسؤولة.

وفي المنحى ذاته حاول عبد العلي حامي الدين أن يرصد أفق العلاقات المغاربية مع إيران، من خلال سرد تاريخي لإرهاصات هذه العلاقة تاريخيًا، حتّى وصلت إلى مرحلة القطيعة بعد قيام الثورة الخمينية في إيران، حيث وقفت المملكة المغربية موقف المناقض لهذا النظام الجديد. ويستمر حامي الدين في السرد التاريخي لمجمل علاقة المملكة المغربية مع إيران، إلى أن وصلت اليوم إلى حد القطيعة الدبلوماسية، ثم يحاول الكاتب إيجاد عوامل وأسباب للتقارب بين المملكة المغربية وإيران، فيسرد لذلك عوامل هشة ككون “الأسرة الحاكمة في المغرب تعود جذورها إلى شجرة الإمام الحسين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسليل آل البيت الكرام”. ثم يصل الكاتب في نهاية بحثه إلى نتيجة يدّعي فيها “أن هناك أطرافًا دولية عملت منذ قيام الثورة الإسلامية على قطع الوشائج بين العرب وإيران، للاستفراد بكل منها”.

ويصل طاهر عمارة الأدغم في بحثه إلى ما وصل إليه سابقه من تحميل العرب تبعية سوء العلاقات مع إيران، حيث يقول “وختام القول: إن العلاقات المغاربية الإيرانية ستظل بعيدة عن عمليات التجاذب السياسي والمذهبي التي تعرفها دول المشرق العربي المجاورة لإيران، أكثر من ذلك تستغرق هذه العلاقات تطورات أكثر جدية وخصوصًا إذا تغيرت المعطيات السياسية في البلاد المغاربية، ووصلت إلى سدة الحكم أنظمة جديدة أقرب إلى شعوبها، وأكثر تحررًا من الإملاءات الأجنبية”.

إن الحلّ الوحيد لعلاقات عربية إيرانية واضحة ومحددة المسارات، تتمثل في تبنّي نهج عربي موحّد، يتّفق فيه الجميع على أن إيران بسياساتها الحالية، تشكل عدوًّا يتعاظم خطره، ثم وضع إستراتيجية تعتمد التدرج في المواجهة، انطلاقا من بتر أذرع إيران في المنطقة العربية، متمثلة في المليشيا المدعومة من جانبها، وإلا فإننا سنشهد مزيدًا من التدخل في شؤوننا وتماديًا في إراقة دمائنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب
الكتاب: العرب وإيران (مراجعة في التاريخ والسياسة)

تأليف: مجموعة مؤلفين

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مكان النشر: بيروت. تاريخ النشر: 2012.

مراجعة: رلى العلواني

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة