خاص : كتبت – هانم التمساح :
أصبحت صورة “العراق” مرتبطة في أذهان العالم بالهجمات الانتحارية و(داعش) وتنظيم (القاعدة) والإرهاب وصراع الأديان.. وغير ذلك. لكن ماذا لو كان لـ”العراق” وجهًا آخر يستحق أن يُكتشف ؟.. فعلى إمتداد 7000 عام نشأت على أرض “العراق” مجموعة من الحضارات، هذه الحضارات كانت على يد السومريين، والبابليين، والأكاديين، والآشوريين، والعباسيين، التي إنبعثت منها بدايات الكتابة وعلوم الرياضيات والشرائع في تاريخ الإنسانية.. هذه الحضارة العريقة كانت سببًا في كون “العراق” واحدًا من أهم المناطق جذبًا للسياح لما تحمله الأرض من آثار عمرها آلاف السنين مازالت شاهدة على ما مرت به المنطقة من أحداث.
ورغم كل هذه السحابة السوداء التي تخيم على “العراق”، اليوم، وتخفي وجهه الجميل إلا أن الدولة العريقة صاحبة التاريخ الحضاري المتنوع انتصرت على كل ذلك، فقد فاز “العراق” مؤخرًا بعضوية لجنة البرامج والميزانية في “منظمة السياحة العالمية” ممثلًا عن دول الشرق الأوسط، في مدينة “بطرسبورغ” الروسية.
وقال مدير عام دائرة المجاميع السياحية في هيئة السياحة، “محمد العبيدي”، في بيان صحافي، إنه: “بناءً على مقررات وتوصيات اجتماع المكتب التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية، المنعقد في مدينة سانت بطرسبورغ، تم اختيار جمهورية العراق لعضوية لجنة البرامج والميزانية ممثلًا عن دول الشرق الأوسط”.
وأضاف “العبيدي”؛ أنه ترأس “هذه الاجتماعات مع مدير قسم العلاقات الدولية، علي ياسين”، مشيرًا إلى أن: “هذه اللجنة تُعد من أهم لجان منظمة السياحة العالمية، التي تتولى مهام رسم السياسات والاستراتيجيات المالية والفنية والإدارية للمنظمة الدولية”.
فشل فى الترويج السياحي وليس ندرة إمكانيات..
وعلى الرغم من ذلك الخبر السعيد؛ إلا أن الترويج للسياحة في “العراق” يشهد تراجعًا ملحوظًا، منذ الاحتلال الأميركي 2003، حتى أن الصور التي ينشرها مديرو صفحة (فيس بوك)، “Tourism in Iraq”، (السياحة في العراق)، تبدو قديمة من حقبة خلت، لكن معظمها ألتقط بين 2012 و2014. وتظهر على هذه الصور مشاهد أشبه بسلسلة بطاقات البريد لمواقع تاريخية مختلفة في البلد ومشاهد من الأعياد الشعبية مثل: “عيد نيروز”، في “كُردستان العراق”؛ أو “مهرجان بغداد”.
لقد كان “العراق” بلدًا سياحيًا في الماضي. وكان العديد من الغربيين يزورونه أيضًا من أجل التنقيبات الأثرية. غير أن معظم الفنادق التي تستضيف المسافرون لم تجدد منذ الثمانينيات من القرن الماضي.
ومن بين أشهر المواقع في “العراق”، نجد “أطلال بابل”؛ حيث كانت توجد “الحدائق المعلقة” التي تُعد من عجائب الدنيا السبع. و”مدينة أور” القديمة؛ حيث عاش “النبي إبراهيم”، (عليه السلام)، حسب ما جاء في الإنجيل، و”شجرة آدم” التي يقول الإنجيل إن “حواء” قطفت منها الثمرة المحرمة. رغم الظروف التي مر بها “العراق”؛ إلا أنه مازال قادرًا على جذب السياح إليه لكونه أرض غنية بالمؤهلات التي على الدولة أن تمتلكها لتكون دولة سياحية.
معالم وثروة سياحية..
ولعل في “بغداد” الكثير من المعالم التاريخية والحضارية، لعل أهمها المساجد الإسلامية القديمة، مسجد الإمامين “الكاظم” و”الجواد”، و”مسجد الشهيد” على الطراز الأندلسي، وهو من أحدث مساجد “بغداد”، و”مسجد الشيخ معروف الكرخي”، و”مسجد الخلفاء العباسيين” المعروف قديمًا، بـ”جامع القصر” أو “جامع الخليفة”، و”جامع الحيدر خانه”؛ وهو من أتقن جوامع “بغداد” من حيث التصميم ورعة البناء.
وفي “بغداد” أيضًا القصور الأثرية، والمتحف الوطني الذي يضم أهم الآثار العربية والبابلية والفارسية، وبها عدد من المقامات، أهمها مقاما الإمامين “موسى الكاظم” و”محمد الجواد”، بـ”الكاظمية”، من “بغداد”، ومقام “أبي حنيفة النعمان”، ومقام الشيخ “عمر بن حفص السهروردي”.
“أربيل” أيضًا تتميز بكونها أكثر المدن العراقية عصرية، وربما أكثرها أمنًا في الوقت الراهن، كما أنها تُعتبر، مركزًا ثقافيًا وحضاريًا موثرًا في شمال “العراق”، ومن أهم معالمها :
“قلعة أربيل”: التي تعود إلى 6000 سنة قبل الميلاد، وتقع على ارتفاع 432 مترًا فوق سطح البحر، ويوجد ثلاث مداخل رئيسة للقلعة، وهي الشمالية والجنوبية، وباب “الهريم”، كما تحتوي على “الحمام الشعبي” القديم، وأيضًا “مسجد القلعة”.
“مئذنة جولي”: بُنيت “مئذنة جولي” في عهد السطان، “مظفر الدين كوكبري”، (586 – 630) هجرية، وهي مزينة بالحلي والنقوش الرائعة، بالإضافة إلى تخطيطها بكلمات بالخط الكوفي.
ومن أجمل المناطق السياحية في “أربيل”: “شلال كلي علي بك”، وهي أجمل شلالات “العراق”، ويتميز بمياهه الغزيرة المتدفقة من الأعالي.
“شلالات بيخال”، وتتميز بمياه الشلالات الباردة الهادرة والأشجار على جانبي الشلالات.
وقد قالوا قديمًا: بلاد الدنيا العظام ثلاثة: “نيسابور، باب الشرق، ودمشق باب الغرب، والموصل”، وتُعتبر “الموصل”، المدينة القديمة، باب “العراق”، ومفتاح “خراسان”، ومنها كان يقصد إلى “أذربيغان”.
ومن أبرز معالم “الموصل”، “مئذنة الجامع النوري” المائلة، أقدم المآذن في العالم الإسلامي، وتُعرف باسم “الحدباء”.
وهناك أيضًا “سور نينوى القديم”، الذي تم ترميمه من جديد، وهي القليعات، وهو من بقايا مدينة “نينوى” الآشورية، و”باب السراي”، و”السرج خانه”، و”سوق الصغير”، و”دار التوتنجي”، وكذلك “قباب جامع النبي يوسف” المخروطية الشكل، و”الملاك المجنّح”، الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، و”معبد آلهة الشمس”؛ حيث الأعمدة والتماثيل الآشورية، وآثار “النمرود” وغيرها الكثير..
وفي “النجف”؛ يقع ضريح “الإمام علي بن أبي طالب”، (رضي الله عنه)، وهي تقع على مُقربة من “نهر الفرات”، و”النجف” مدينة كبيرة تجارية وثقافية، وفيها أكبر جامعة دينية إسلامية خرّجت كبار العلماء والفقهاء والمجتهدين. كما تضم المدينة الكثير من المكتبات التي تضم أنفس المخطوطات الإسلامية النادرة.
كما تُعتبر “البصرة” ثاني أكبر المدن العراقية، بعد العاصمة، “بغداد”، وتشتهر المدينة ببساتين النخيل فيها والتي تُقدر أشجارها بالملايين. كما فيها الكثير من معامل توضيب التمور وتعليبها.
المدن الواقعة بالقرب من “نهر الفرات”؛ أو التي حولها بحيرات في “العراق”، هي مدن غنية بالأراضي الخصبة الرائعة، وغنية بالمناظر الطبيعية الساحرة.. هي مدن تجمع ما بين الطبيعة الخلابة المناظر الطبيعية وبين الآثار التي تروي حكايات كثيرة لتخلق جوًا شرقيًا ساحرًا أشبه بحكايات (ألف ليلة وليلة).
العراق لم يمت رغم الحروب !
وبالرغم من الإرهاب والكوارث والصورة الذهنية السلبية عن “العراق”، التي تنقلها وسائل الإعلام العالمية وكأنه فوهة بركان، إلا أن البلد آمن في معظمه، وزيارة “بابا الفاتيكان” إلى جنوب “العراق”، في كانون أول/ديسمبر الماضي؛ كانت تلك فرصة للتذكير بثراء المواقع العراقية.
ولم يكن سياح مدينة “الفاتيكان” الوحيدين الذين زاروا البلد، فقد زاره نحو 500 سائح، خلال عام 2013، دون أن يتعرضوا لأي مخاطر. وما زالت تنظم في البلد تظاهرات فنيه، مثل مسابقة “ملكة جمال بغداد” و”كرنفال المدينة” و”دوري كرة القدم النسائية” وغير ذلك.
فرغم المخاطر، “العراق” لم يمت وأهله، رغم الجروح ما زالوا يعيشون ويستمتعون بالحياة. كم نود أن يأتي يوم نسمع فيه وسائل الإعلام الأجنبية تتحدث عن تظاهرة ثقافية أو تصوير فيلم في “العراق”؛ وليس القتلى والقنابل فقط.