19 ديسمبر، 2024 4:42 ص

العدالة عند إمانويل كانط – 4 / الأخلاق والمعرفة وحرية الإرادة

العدالة عند إمانويل كانط – 4 / الأخلاق والمعرفة وحرية الإرادة

خاص : كتبت – رشا العشري :
العدالة من منطلق الحرية
استناد إمانويل كانط لأفكار العدالة إلي المنفعة، يوضح إن مجال الاهتمام الحقيقي في عمله يكمن في البديل الذي طرحه عن تلك الأفكار، حيث يري كانط، أن الأساس الصحيح للتفكير في الأخلاق والعدالة هو الحرية (freedom) وليس السعادة، لغرض فهم تصوره للحرية والدلائل الضمنية علي العدالة التي يعتقد أنها تنبثق من ذلك.
قدم رولز فكر مغاير لمفهوم العدالة اختلفت عن المذهب النفعي عند كانط، حيث نظر رولز إلى الحقوق والحريات السياسية وأسبقيتها على ماعداها باعتبارها تضمن للمواطنين الشروط الاجتماعية الأساسية لتطورهم والممارسة الكاملة للمملكتين الأخلاقيتيتن أي القدرة على فهم العدالة والقدرة على تصور الخير ضمن مايطلق عليه القضيتين الأساسيتين: القضية الأساسية الأولى، وهي تطبيق مبادئ العدالة على البنية الأساس للمجتمع من خلال ممارسة المواطنين لفهمهم للعدالة، والقضية الأساس الثانية، وهي تطبيق المواطنين لملكة عقلهم العملي ولفكرهم في تشكيل وتمحيص ومتابعة عقلانية لتصور الخير؛ حيث يقول رولز في ذلك ” إن الحريات السياسية المتساوية بما فيها إدراك قيمتها المشروعة وحرية الفكر وحرية الوعي واستقلال التجمع من شأنها أن تضمن ممارسة الملكات الأخلاقية بشكل حر وفعال وعن دراية تامة في الحالتين معاً، إن التغيرات التي مست تعليل الحرية يمكن أن تتلائم جيداً، على ما اعتقد، مع إطار العدالة باعتبارها إنصافاً كما هي موجودة في النص المُعدل”.
بالتالي ينظر رولز إلى الأشخاص على إنهم يتمعتعون بملكتين أخلاقيتين وباعتبارهم يملكون مصالح من الدرجة الأولى في تطوير وممارسة هاتين الملكتين، حيث يقول في هذا الشأن ” لقد أصبحت الحاجات الأولية الآن تشير إلى كل ما يحتاجه الأشخاص في وضعهم كمواطنين أحرار ومتساوين وباعتبارهم أعضاء في المجتمع أسوياء ومتعاونين بشكل كامل مدى حياتهم “.
من ثم فإن رولز إذا كان بصدد كتابة نظرية في العدالة فإنه يهتم بأمرين إثنين وهما: الأول يتعلق بكيفية بسط الحجة انطلاقاً من الوضع الأصل بالنسبة لمبدأي العدالة ويستحسن أن يقدما من خلال مقارنتين؛ في المقارنة الأولى يقوم الطرفان أو الأطراف بالفصل فيما بين مبدئي العدالة مأخوذين كوحدة وبين مبدأ المنفعة باعتباره المبدأ الوحيد للعدالة؛ وفي المقارنة الثانية يقوم الطرفان أو الأطراف بالفصل فيما بين مبدئي العدالة والمبادئ الأخرى مع تعويض مبدأ المنفعة بمبدأ الاختلاف، كما يضيف تعديلاً أخر ليميز ديمقراطية الملكية الخاصة عن دولة الرفاه، ليقر بفرق كبير بينهما، وهو أن الخلفية الدستورية لديمقراطية الملكية الخاصة ونظام السوق التنافسية تحاول أن توزع ملكية المال والثراء وتحرم جزء صغيرا من المجتمع من مراقبة الاقتصاد وبطريقة مباشرة من الحياة السياسية ذاتها، لينتهي رولز إلى ان النظام الليبرالي الاشتراكي يدفعه إلى القول بأن العدالة كإنصاف تترك الباب مفتوحاً أمام مسألة ما إذا كان مبادئها تتحقق بشكل جيد في نظام ديمقراطية الملكية الخاصة أو في نظام ليبرالي اشتراكي .
العدالة والأخلاق من منطلق الارادة الخيرة عند كانط
فالإرادة الخيرة، هي المعيار الذي يجعل الفضيلة نفسها خيراً؛ بحسب ما تقتضيه تلك الإرادة، باعتبارها خيرا مطلقا غير مشروط أو مقيد. من هنا تتحول الإرادة الخيرة إلى هدف مقصود من الفعل الأخلاقي. حيث لا دخالة لآثار هذا الفعل في تحديد قيمته. فالإرادة الخيرة، غاية في ذاتها، سواء أتحققت أم لا، لأن مصدر خيريتها، هي النية وبالتالي، الإخلاص ونقاء السريرة. فليس المعول عليه في الفعل الأخلاقي محض أداء الواجب، على نحو الالتزام الشرعي أو القانوني، بل أن يكون الباعث على الالتزام بأداء الواجب هو تقدير واحترام الواجب. فالذي يميز الفعل الأخلاقي عن الانقياد للقانون، هو هذه الإرادة الخيرة، التي تجعل البعض يؤدي الواجب بدافع الإرادة الخيرة واحترام الواجب نفسه.
كما تجعل البعض الآخر يؤدي الواجب تحت طائلة الخوف أو اللذة أو المصلحة. إن القانون الأخلاقي الكانطي هو بخلاف القانون الطبيعي لا يقوم على أساس الإكراه. بل إن الفعل الأخلاقي الإرادي هو نفسه ضد الطبيعة، وبه يسمو الكائن إلى المعقولية. ليس برسم تجردها، بل المعقولية هنا بما هي مقوم لماهية الفعل الأخلاقي. بهذا يستطيع الإنسان احتلال مملكته بوصفها مملكة حرة وليست طبيعية محكومة بالضرورة؛ ولكي يصبح الفعل الأخلاقي في مقام أرقى من كونه مجرد فعل تتحقق به اللذة وطلب السعادة ودفع الألم واستبعاد الشقاوة، عمل كانط على التمييز بين الأوامر -من حيث هي قوانين العقل العملي- ما هو شرطي منها وما هو مطلق (الأمر المطلق). فالأمر الشرطي ليست قيمته في ذاته، بل بما هو وسيلة إلى شيء ما تحدده المصلحة أو المنفعة (المقاصد). في حين أن الأمر المطلق، هو ذو طبيعة كلية.
• نقد الحجة
ارتقى إمانويل كانط بالأخلاق إلى ذروة الفعل الإرادي المستقل -وهذا هو الشاهد- أنه جعل الفعل الأخلاقي مستنداً إلى فكرة الواجب والإرادة الخيرة ، وبذلك ينبغي أن يكون للأخلاق مصدر خارجي. على أن منبع هذه الأخلاق، هو «الواجب » الذي يجعل الكائن الأخلاقي الحر في وضع متعال إزاء منطق الطبيعة الحسي. فهذه الحرية ذاتها مستمدة من العقل المتعالي على الطبيعة.
ولذا، يرى كانط، أن الإنسان حر ومضطر في آن واحد، إلا أنه إذا كانت الذات المعقولة المحددة في المطلق العقلي المتعالي على الزمن والعلية، هي من يضع التصميم النهائي لما سيتحقق بذاتنا التجريبية المحسة، فهذا ما يجعلها أفعالاً غير حرة، خاضعة للعلية والضرورة. إن كل ما يتحدد في الذات العالية المطلقة، يتميز بالحرية. وكل ما يتم في الذات التجريبية المحسة، خاضع للضرورة. فإذا كانت فكرة الواجب تقوم على الحرية، باعتبار أن المبدأ الطبيعي يقوم على التسلسل العلي – causal – وعلى منطق الضرورة، فإن الحرية بوصفها متعالية، لا تتحدد إلا صورياً. فلا تتحدد الحرية على أساس الضرورة، لأنها غير خاضعة للتجربة المحسة. من هنا، لم يكن مجال الإرادة الأخلاقية هو ما هو كائن، بل مجالها هو ما يجب أن يكون. لم يكن ذلك هو التناقض الوحيد الذي حاول كانط تبريره عبر فعل الهروب إلى منطق التعالي بالذات العقلية المطلقة. وباختراع فكرة الحرية ذات المدلول المتعالي والغامض.
المعرفة وحرية الإرادة كأساس لنظرية العدالة
في كتاب”نقد العقل المجرد، “يري إمانويل كانط أن نطاق المعرفة البشرية محدود نسبيا نتيجة للطرق التي يستطيع البشر من خلالها (أو لا يستطيعون) الحصول علي المعرفة، في سياق تلك الحجة-يميز تدريجيا بين طريقتين أساسيتين مختلفتين من طرق المعرفة. الأولي تتضمن نوع المعرفة التي بإمكاننا الحصول عليها عن الأشياء، أو أشياء ممكنة الوجود، مثلما تبدو لنا، أو يمكن أن تكون قد بدت لنا. يمكن أن نسمي نوع المعرفة التي نستطيع الحصول عليها بهذه الطريقة “المعرفة الظاهراتية” (phenomenal knowledge) (تطابق المعرفة الظاهراتية إلي حد ما المعرفة التجريبية: أي ذلك النوع من المعرفة التي نحصل عليها عن طريق مراقبة ظواهر العالم واختباره). الطريقة الثانية للمعرفة التي طرحها إمانويل كانط هي معرفة الأشياء كما هي بذاتها ، أو بمعني آخر ، مثلما يمكننا أن نعرفها إذا تجردت من خصائصها الظاهراتية، يطلق إمانويل كانط علي هذه الطريقة في المعرفة مصطلح “نومنية” noumenal، وهو مستمد من الاسم في اللغة اليونانية nous ، الذي يعني “الذكاء، والفكر، أو العقل “، والفعل الذي له علاقة بهذا المعني noesis ، الذي يستعمله أفلاطون للإشارة إلي أسمى وأصدق أشكال المعرفة.
يعطي أفلاطون قراءه انطباعا واضحا بأن بإمكان البشر التوصل إلي أسمى أشكال المعرفة noesis ، علي الرغم من أن ذلك لا يتيسر إلا لأشخاص قلائل يتمتعون بطبيعة فلسفية يكونون قد صقلوها إلي أقصي الحدود. أما إمانويل كانط فهو يرى أن معرفة الأشياء كما هي بذاتها – معرفة نومنية – غير متاحة للبشر. وفقا لرأي إمانويل كانط ، يهتم البشر عمليا وبشكل مكثف بالتفكير في ثلاثة اشياء وهي: حرية الإرادة، وخلود الروح ، ووجود الإله. يعتبر الأمر الأول هو الأساسي في نظرية إمانويل كانط في العدالة.
من وجهة نظر إمانويل كانط، لا نستطيع إثبات ولا الحصول علي معرفة مؤكده بأن البشر يمتلكون حرية الإراده . ولكن ليس بإمكاننا إثبات أن الأخلاق لها معني إلا إذا كان البشر أحرارا. على هذا الأساس، يمكننا “الافتراض” عقليا أن البشر أحرار . كذلك، بناء علي هذه الفرضية ، يمكننا ممارسة الاستدلال العقلي بشكل مكثف للتعرف علي فحوي الأخلاق والعدالة. بإمكاننا من خلال هذا الاستدلال اكتشاف”قوانين الحرية” كما يسميها إمانويل كانط، ومن ثم استنتاج فرضية منطقية مفادها أن البشر ذوات عاقلة، وإن الحرية والعقلانية هما الخاصيتان اللتان تشكلان أساس كل تفكير أخلاقي، فلا يكون للتفكير الأخلاقي، في غيابهما، أي معني، إذن تعتمد نظرية إمانويل كانط في العدالة علي الثنائية نفسها التي تدعم فكره الميتافيزيقي كله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
كتب
1. إيمانويل كانط، ترجمة: د. عثمان أمين، مشروع للسلام الدائم (القاهرة: مطبعة الأنجلو المصرية، ط1، 1952).

2. إيمانويل كانط، ترجمة: د. عبد الغفار مكاوي، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق (كولونيا: منشورات الجمل، 2002).

3. إدريس هاني، في المتاهة الكانطية : محاولة في نقد القانون الأخلاقي الكانطي (بيروت: مجلة الكلمة – منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، عدد 62 ، 2009).

4. أمارتيا سن، ترجمة: مازن جندلي، فكرة العدالة (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2010).
5. ديفيد جونستون، ترجمة: مصطفى ناصر، مختصر تاريخ العدالة (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2012).

6. يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة( القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر، 2012).

دوريات
1. عمرو أمين الشريف، نقد نيتشه لكانط وتأثيره على ما بعد الحداثة (الرباط: مجلة الملتقى، عدد 16، 2007).

2. مشروحي، الذهبي، “فلسفة الحق بين كانط وجون رولز”، أوراق فلسفية (القاهرة: مجلة أوراق فلسفية، العدد 21، 2009).

مواقع الكترونية
1. موقع مكتوب،
http://bit.ly/2qAL26f
2. موقع عالم المعرفة
http://www.marefa.org/%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%90%D9%84_%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%B7

مراجع أجنبية
B00ks
1. John rawls , Atheory Of justice (Cambridge: the belknap press of Harvard university press, 1971).
2. David Johnston, A Brief History of Justice (Washington: wiley Online library & Sons Ltd, 20 APR 2011).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة