دراسة / رشا العشري
العدالة هي المحور الرئيسي والشغل الشاغل عند كثير من المفكرين والفلاسفة بداية من العصور القديمة حتى يومنا هذا، فما مرت به الإنسانية على مر التاريخ من أحداث صاعدة تمحورت حول الإنسان وقدراته وفاعليته، والتي أعطت نمطاً في العلاقات بين البشر بعضها قائم على المصلحة والأخر على الاتجاه نحو الخيرية، لما تركته تفاعلات البشرية من حروب وشرور، قد انعكست على حقوقه وواجباته، ووضعه الوجودي، فالحديث عن حقوق الإنسان وضرورة اكتسابه للقيم العالمية القائمة على الحرية والعدالة والأخلاق وغيرها من القيم، كانت المرتكز الأساسي التي دعى إليها العديد من الفلاسفة والمفكرين سواء القدامى أو الحداثيين. كان على رأس هؤلاء الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، والذي كانت له العديد من الرؤى الفلسفية حول العديد من القيم الأخلاقية. منها على سبيل المثال لا الحصر رؤاه عن العدالة والتي نفرد لها جانباً لاستعراض رؤاه الفلسفية حولها.
إمانويل كانط (22 أبريل 1724 – 12 فبراير 1804) فيلسوف وعالم ألماني، برز في المجالات التالية: (فيزياء فلكية، رياضيات، جغرافية، علم الإنسان)، اعتبرَ عموماً أحد أكثر المفكّرين المؤثرينِ في المجتمع الغربي والأوروبي الحديث والفيلسوفِ الرئيسيِ الأخيرِ لعصر التنوير.
عاش كل حياته في مدينة كونغسبرغ في مملكة بروسيا. نشأ إمانويل كانط “1724- 1804م” في بيئة متدينة إذ كان والداه ينتميان إلى شيعة بروتستانتية تستمسك بالعقيدة اللوثرية، وتؤمن بأن موضع الدين الإرادة لا العقل، وأنه لابد من أن يؤيد الإيمان بواسطة الأعمال، وتنظر إلى المسيحية إلى أنها تقوى ومحبة لله بينما ترى في اللاهوت “علم الكلام المسيحي” تفسيرًا مصطنعًا أقحم على المسيحية، وقد تأثر كانط بهذه العقيدة في فلسفته، وقال في فلسفته “أردت أن أهدم العلم بما بعد الطبيعة لأقيم الإيمان” .
كان أحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. وكان كانط آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم. أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه نقد العقل المجرد الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره. يبحث كانط في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتا افيزياء التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهمات كانط كانط في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته.
حيث يعتبر كانط من أهم المفكرين والفلاسفة الذين أسهموا بشدة في وضع الأسس الفكرية والفلسفية لحقوق الإنسان، من خلال العديد من الكتب والرؤى الفلسفية التي تحدثت عن الأخلاق والواجب والعدالة والحرية والسلام، ودور العقل في استنباط الفعل الأخلاقي، وغيرها من القيم التي تبناها الفيلسوف في نظراته الفلسفية التي أسهمت بشكل كبير في إثراء الحياة الفكرية.
حيث يقول الأمر الأخلاقي عند كانط ” إفعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك، وفي شخص كل إنسان سواك باعتبارها دائماً وفي الوقت نفسه غاية في ذاتها، ولا تعاملها أبداً كما لو كانط مجرد وسيلة”، وهو ما يوضح كيف يصبح الأمر الأخلاقي ممكناً، خاصة عندما يرى أن الإنسان حر بقدر ما يخضع للقانون الذي يضعه هو نفسه لنفسه. ومن ثم كانط فكرة الحرية التي استمدها من العقل، والتي تجعله عضواً في العالم المعقول هي الشرط الوحيد الذي يجعل الأمر الأخلاقي المطلق ممكناً.
كما تعتبر رؤاه النظرية حول السلام من أهم الرؤى الأخلاقية، التي أثرت إسهاماته في حقوق الإنسان، وكان من أهم إسهاماته في هذا الشأن، وهو كتيب مشهور نشره عام 1795 بعنوان ” مشروع السلام الدائم” أعلن فيه أن إنشاء “حلف بين الشعوب” هو السبيل الوحيد للقضاء على شرور الحرب وويلاتها، وأن أكبر شر يصيب الشعوب المتمدنة ناشئ عن الحرب، ودوام الاستعداد لها، كما يرى كانط أيضاً أن حالة السلام بين أناس يعيشون جنبا إلى جنب هي ليست حالة فطرية، ومن ثم فهناك تهديد دائم بالعدوان، وبالتالي ينبغي إقرار حالة السلام.
أما عن العدالة عند كانط،
فقد اهتم بهذه القيمة باعتباره كان من أحد المطالبين بحقوق الإنسان، وأكد على المساواة بين الناس. وقد تأثر في هذا الجانب تأثرا عميقا بالمفكر والسياسي الفرنسي جان جاك روسو. الذي كان يطرح في كتاباته تساؤلات عميقة عن طبيعة الأخلاق وطبيعة المجتمعات ومشكلة الافراد وفلسفة الفردية. لقانون -حسب تعريف كانط- هو الفعل العادل “الذي يسمح بتعايش حرية كل فرد مع حرية الفرد الآخر حسب قانون كلي، بحيث تسمح قاعدته المعيارية بهذا التعايش”. من هذا المنظور يؤدي دور الدعامة الاجتماعية الحية للقيم الأخلاقية, بإخراج سؤال الواجب من الضمير الأخلاقي الذاتي إلى الفعل المدني السياسي، ومن هنا تأتي العلاقة العضوية بين الحالة الأخلاقية (فكرة العدالة مقابل الخير)، وبالتالي يرى ضرورة خروج القانون من إطار الدولة، من ثم تمديد حقوق الإنسان الجوهرية (التي تدور حول قيمتي الحرية والمساواة) إلى الدائرة الإنسانية الرحبة .
في البدء تطورت الفكرة الأساسية لمفهوم العدالة من العصور القديمة إلى الوقت الحالي، حيث ظهرت بوادرها الأولى لدى البابليين والعبريين واليونانيين والرومان، وصولاً إلى المفكرين المعاصرين أمثال جون رولز، حيث تبلور مفهوم العدالة على يد أفلاطون وأرسطو وتوماس هوبز مروراً بأراء أدم سميث وبيكاريا وبينثام وجون استيوارت ميل وهوبز ومفكري مذهب المنفعة وعلى رأسهم إمانويل كانط. فقد عرفها أمارتيا سن أن متطلبات نظرية العدالة تشتمل “على إعمال العقل في تحليل العدل والظلم.
من ثم نتناول نظرية العدالة عند كانط من اتجاهات متعددة في العديد من التقارير القادمة بعون الله ، والتي تحوي العديد من العناوين التالية وهي:
الثاني: نقد المنفعة كأساس لنظرية العدالة
الثالث: العدالة من منطلق الحرية
الرابع: الأخلاق والمعرفة وحرية الإرادة
الخامس: نظرية العدالة انطلاقاً من مبدأ الحتمية المطلقة
ملحوظة: جميع التقارير القادمة شاملة نفس المراجع التي تم الرجوع اليها لكافة الموضوعات الخاصة بنظرية العدالة عند كانط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
كتب
1. إيمانويل كانط، ترجمة: د. عثمان أمين، مشروع للسلام الدائم (القاهرة: مطبعة الأنجلو المصرية، ط1، 1952).
2. إيمانويل كانط، ترجمة: د. عبد الغفار مكاوي، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق (كولونيا: منشورات الجمل، 2002).
3. إدريس هاني، في المتاهة الكانطية : محاولة في نقد القانون الأخلاقي الكانطي (بيروت: مجلة الكلمة – منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، عدد 62 ، 2009).
4. أمارتيا سن، ترجمة: مازن جندلي، فكرة العدالة (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2010).
5. ديفيد جونستون، ترجمة: مصطفى ناصر، مختصر تاريخ العدالة (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2012).
6. يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة( القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر، 2012).
دوريات
1. عمرو أمين الشريف، نقد نيتشه لكانط وتأثيره على ما بعد الحداثة (الرباط: مجلة الملتقى، عدد 16، 2007).
2. مشروحي، الذهبي، “فلسفة الحق بين كانط وجون رولز”، أوراق فلسفية (القاهرة: مجلة أوراق فلسفية، العدد 21، 2009).
مواقع الكترونية
1. موقع مكتوب، http://bit.ly/2qAL26f
2. موقع عالم المعرفة
http://www.marefa.org/%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%90%D9%84_%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%B7
مراجع أجنبية
B00ks
1. John rawls , Atheory Of justice (Cambridge: the belknap press of Harvard university press, 1971).
2. David Johnston, A Brief History of Justice (Washington: wiley Online library & Sons Ltd, 20 APR 2011).
1