خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “1Q84″ للروائي الياباني”هاروكي موراكامي” رواية تدور في عالم من الخيال، تدور أحداثها في العام 1984 في ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يجري بين “أبريل ويونيو”، الجزء الثاني بين “يوليو وسبتمبر”، والجزء الثالث بين “أكتوبر وديسمبر”، ترجم إلى العربية الجزأين الأول والثاني فقط، الرواية تستلهم روح رواية 1984 للكاتب البريطاني “جورج أورويل” لكنها تختلف عنها اختلاف كلي.
رواية “1Q84” تتناول عالم خيالي يحدث في اليابان 1984، أو على الأدق عالم موازي للعالم الحقيقي، يبدأ هذا العالم الموازي في التشكل حين تبوح إحدى الفتيات بسر “الناس الصغار”، تكتب عنهم قصة ثم يتم نشرها وتحظى بشهرة واسعة.
الشخصيات..
أومامه: البطلة، سيدة في الثلاثينات، تعمل مدربة رياضية، تقوم على تدليك الناس وإصلاح أجسامهم وعضلاتهم، ثم تصبح قاتلة حين تنتحر صديقتها الوحيدة هربا من زوجها القاسي الذي كان يعذبها جسديا، فتقرر “أومامه” أن تقتله انتقاما لصديقتها، فتبتكر آلة صغيرة من كسارة الثلج لتصبح حقنة، تغرزها في نقطة معينة من رقبة الضحية وينتهي الأمر في دقائق معدودة دون ترك آثار، توجه “أومامه” عملها في القتل إلى الرجال الذين يعذبون زوجاتهم جسديا، والذين يظهرون القوة المفرطة والقسوة تجاههن.
تنغو: البطل، شاب في الثلاثين من عمره، يعمل مدرس رياضيات، بالإضافة إلى سعيه لأن يكون روائيا، ويعمل محررا لإحدى المجلات بشكل متقطع، يلجأ إليه المحرر ليعيد كتابة قصة جيدة تدعى “الشرنقة الهوائية”، ويوافق على مضض وبكتابته لهذه القصة يبدأ عالمه في التغير.
فوكا-إري: فتاة في ال17 من عمرها، كانت تعيش في إحدى التجمعات الشعبية، “ساكي جه”، وكان أبوها هو زعيم هذا التجمع، ثم تهرب منه بسبب مقابلتها ل”الناس الصغار” وتعيش مع صديق لوالدها وتكتب قصة “الشرنقة الهوائية”.
كوماتسو: محرر أدبي في إحدى شركات النشر الخاصة، يحث “تنغو” على إعادة كتابة رواية “الشرنقة الهوائية” طمعا في المال والشهرة.
فوكودا: أبو “فوكا-إري”، وزعيم “ساكي جه”، وفيما بعد سيصبح وسيط “الناس الصغار” إلى الناس، يموت على يد “أومامه” بعد أن يمل من خدمة “الناس الصغار” ومن الألم الجسدي الرهيب المصاحب لذلك.
البروفيسور إيبيسونو: صديق “فوكودا”، تلجأ إليه “فوكا-إري” وتعيش معه سبع سنوات هو وابنته هربا من “الناس الصغار”، لكنه لا يفهم منها شيء ويقرر البحث عن أبويها، ولأنه لا يستطيع معرفة أخبارهما بسبب سرية “ساكي جه”، وتحولها من منظمة اشتراكية إلى تنظيم ديني، وازدياد نفوذها في المجتمع، يقرر نشر قصة “فوكا-إري” متمنيا أن تحوز شهرة واسعة لكي يستطيع من خلال هذه الشهرة معرفة سر اختفاء والدا “فوكا-إري”.
الأرملة الغنية: سيدة غنية تنتحر ابنتها وهي حامل بسبب اعتداء زوجها المتكرر عليها بالضرب والتعذيب الجسدي الوحشي، وتقرر أن تنتقم منه، ثم تنشي ملجأ للسيدات المعنفات لتحميهم من قسوة الرجال المرضي الساديين، وتتولى أمورهم المادية والقانونية، وتلجأ في الحالات الصعبة إلى التخلص من الرجل الذي يضايق إحدى فتياتها، لذا أقنعت “أومامه” بعد أن عرفت سر قتلها لزوج صديقتها، أقنعتها أن تقتل هؤلاء الرجال لهدف نبيل، وهو إنقاذ السيدات من أزواجهن الساديين، وتوفير الوقت والمال لهن ليبدأن حياة جديدة بدلا من ضياع حياتهن داخل المحاكم.
الراوي ..
الراوي عليم يعرف كل الأشياء، ويحكي عن بطلين أساسيين تدور الأحداث من وجهة نظرهما ومن خلال رؤيتهما” أومامه” و”تنغو”.
السرد..
السرد يصل إلى حد البراعة، فهو مليء بالتشويق، يعتمد على التقطيع ما بين الجزء المخصص ل”أومامه” والجزء المخصص ل”تنغو”، ويتم التقطيع دوما في وقت ذروة حدث ما، مما يجعل القارئ متلهف لمعرفة ماذا حدث؟، رغم أن الكتاب الأول يبلغ 558 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب الثاني 497 صفحة من القطع المتوسط إلا أن القارئ لا يمل أبدا من القراءة، ويظل منتظرا تكشف الغموض والأحداث، لأن الكاتب يكشف أسرارا جديدة على الدوام، يتنقل السرد ما بين الماضي والحاضر بحرية وسلاسة، ويكتب بتفصيلية محببة.
ساكي جاكه..
في أوائل السبعينات تظهر حركة سياسية قوية في اليابان، متأثرة بالحركة الطلابية في فرنسا ودول أخرى في العالم، هذه الحركة السياسية تكون يسارية في أغلبها، وتهدف إلى عمل تغيير حقيقي في المجتمع لكنها تقمع من قبل السلطات، ويتم طرد أساتذة الجامعة والطلاب الذين تورطوا فيها، فيجمعوا أنفسهم ويذهبوا إلى منطقة زراعية ويعيشون في تجمع اشتراكي، مبني على أساس المساواة التامة بين الأفراد، ويقوم على العمل اليدوي وزراعة الأرض، ويستطيعون بالفعل تكوين تجمع “ساكي جه”، ويزرعون بمواد طبيعية وتلقى منتجاتهم رواجا في الخارج، خارج تجمعهم، ويصبح لديهم أموال كثيرة نتيجة لعملهم، لكن وبدون سبب واضح يتحول هذا التجمع الاشتراكي الذي يدعو للسلام والحياة الاجتماعية العادلة إلى تنظيم ديني رسمي، ويصبح منغلقا على نفسه، يكتسب نفوذا قويا، فيما بعد سنكتشف في الرواية أن سبب هذا التحول هم “الناس الصغار” الذين ظهروا ل “فوكا-إري” أول مرة، ثم استحوذوا على باقي التجمع من خلال الاستحواذ على زعيمهم.
العالم الموازي..
يبدأ “العالم الموازي” الذي يسميه الكاتب “”1Q84 في التشكل بمجرد أن تكشف “فوكا-إري” حكاية الناس الصغار، وبعد أن يعيد “تنغو” صياغة القصة لتصبح رواية شهيرة، وقتها يدخل “تنغو” و”أومامه” هذا “العالم الموازي” دون إرادتهما، ويريان قمران في السماء كعلامة مميزة لهذا العالم الموازي، كان دور “أومامه” في هذا العالم هو قتل الزعيم، وقد حاول “الناس الصغار” منع ذلك لكنهم فشلوا، وكان دور “تنغو” أن يصبح ضمن القوة المناوئة “للناس الصغار” والتي بدأت في تكوينها “فوكا-إري” حين هربت من “ساكي جه” وتركتهم، ورفضت العودة مرة أخرى.
الشرنقة الهوائية..
فيما بعد وقرب نهاية الكتاب الثاني سنتعرف على معنى “الشرنقة الهوائية”، وهي شيء يصنعه “الناس الصغار” من خيوط هوائية، نسيج أبيض يشبه في شكله حبة فول سوداني كبيرة، يكونون فيه شكل موازيا للناس الذين يختارونهم ليكونوا وسطاء لهم، صنعوا أول الأمر نموذج ل “فوكا-إري” يدعى “دوهتا” وتعني ظل القلب والعقل، جسد لفتاة يشبه تماما “فوكا-إري” وهذا ما أخافها وجعلها تهرب، فقد قالوا لها أنها “مازا” وأنها التجسد المادي ل”دوهتا”.
قصة حب أومامه وتنغو..
تعود قصة حب “اومامه” و”تانغو” إلى عشرون عاما من حاضر الرواية، حيث كانا في مدرسة واحدة وهما بعمر 10 سنوات، وحدث بينهما وفاق روحي ثم افترقا منذ ذلك الوقت، لكن ظل كل واحد في داخل روح الآخر، ظلت “أومامه” تحب “تنغو” وتتمنى مقابلته صدفة دون البحث عنه، وظل “تنغو” يحمل “أومامه” بداخله كأنثى وحيدة شعر بها قلبه لكنه أيضا لم يبحث عنها، وعندما تتكشف الأحداث يبدأ شغفهما ببعضهما يزداد ويفكر “تنغو” و”أومامه” في البحث عن بعضهما البعض لكنهم حتى الكتاب الثاني لن يتم بينهما لقاء.
الرواية..
“”1Q84 تقرأ باللغة اليابانية “إيتشي كيو هاتشي يون”، هي رواية من أعمال “هاروكي موراكامي” نشر جزئيها الأول والثاني للمرة الأولى في عام 2009 ونشر الجزء الثالث في عام 2010، حققت الرواية أعلى مبيعات للكتب في اليابان في عام 2009، صدرت الترجمة الإنجليزية في أواخر 2011، وقد صفتها صحيفة الغارديان بأنها “حدث عالمي بحد ذاتها”، وصحيفة “ذا جابان تايمز” اعتبرت أنه من الممكن أن تكون قراءتها ضرورية لأي شخص يريد أن يفهم الثقافة اليابانية، كما اعتبرتها أعظم أعمال “موراكامي”.
الكاتب..
“هاروكي موراكامي” مواليد 1949، هو كاتب ياباني من مدينة “كيوتو”. لاقت أعماله نجاح كبيرا حيث تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعا، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. حصل “موراكامي” أيضا على عدة جوائز أدبية عالمية، منها جائزة “عالم الفناتازيا” 2006، وجائزة “فرانك أوكونور” العالمية للقصة القصيرة 2006، وجائزة “فرانز كافكا” 2006، و جائزة القدس 2009.
من أبرز أعماله رواية مطاردة الخراف الجامحة (1982) والغابة النروجية (1987) وكافكا على الشاطئ (2002) وإيتشي كيو هاتشي يون (2009 – 2010). يظهر تأثر “موراكامي” بالكُتاب الغربيين، مثل “رايموند تشاندلر” و “كورت فونيجت”واضحا مما دفع بعض المؤسسات الأدبية اليابانية لانتقاد بعض أعماله لبُعدها على المنهج الأدبي الياباني.
تتسم أعمال “موراكامي” بالسريالية والسوداوية والقدرية، كما تتناول معظم رواياته موضوع الانسلاخ الاجتماعي والوحدة والأحلام، ويُعد “موراكامي” من أهم رموز أدب ما بعد الحداثة. كما وصفته مجلة الغارديان بأنه “أحد أعظم الروائيين في يومنا هذا” بسبب أعماله وإنجازاته.