23 سبتمبر، 2024 9:38 ص
Search
Close this search box.

“العاجز” .. تعكس موروثات العجز الكردي المتخلف من وحشية التعذيب في السجن التركي !

“العاجز” .. تعكس موروثات العجز الكردي المتخلف من وحشية التعذيب في السجن التركي !

خاص : قراءة – سماح عادل :

رواية (العاجز) للكاتب الكردي “صلاح الدين بولوت”، ترجمة “مروان علي”، تتميز بأنها تعبر عن جانب من واقع معيشة الأكراد في كردستان تركيا، وهي تصف التعذيب الوحشي الذي تعرض له أحد النشطاء السياسيين في السجن التركي.

الشخصيات..

البطل: “زيهات”، شاب في الخامسة والثلاثين من عمره.. سجن لمدة 10 سنوات بسبب نشاطه السياسي المعادي للسلطة بعد انقلاب 1980 في تركيا، قضى هذه السنوات بعيداً عن كل شيء، ثم يخرج من السجن ليكتشف أن مدينته تغيرت تماماً، لكنه لا يستطيع التأقلم مع أهله ويقرر السفر إلى إسطنبول.

“خليل بك”: أبو “زيهات”.. يستقبل خروجه من السجن بفرح شديد وحفاوة، ويهتم بإحضار أفضل أنواع الطعام له.

“برفه”: والدة “زيهات”، امرأة قوية.. تجادل زوجها دوماً، تفرح لخروج ابنها وتظل قلقة عليه وتحيطه برعاية شديدة وتلح عليه في الزواج، وينفطر قلبها حين تراه كسيراً مخذولاً وحين يترك المنزل إلى إسطنبول.

“بهاره”: فتاة من الجيران.. تعدها “برفة” بتزويجها من “زيهات” فور خروجه من السجن، ولأنها لديها حرق بسيط في وجهها، تعتبر هذه فرصتها الوحيدة للحياة، لكن “زيهات” لا يهتم لها بعد خروجه من السجن.

“أحمد”: رفيق لـ”زيهات”.. ينتمي لكيان سياسي يساري، لا يتبين أهو حزب أم تنظيم سري، يواصل العمل ضد السلطة، ويزور “زيهات” بعد خروجه ويدعوه لإستئناف نشاطه السياسي، لكن “زيهات” يخجل من أن يصرح له أنه سيترك العمل السياسي تماماً، حين يهاجم “أحمد” هؤلاء الرفاق الذين يتركون النضال أما بسبب سفرهم إلى أوروبا هرباً من وحشية السلطة أو بسبب إستسلامهم للقهر والتسلط.

“حسن”: صديق لـ”زيهات”.. تم سجنه بسبب نشاطه السياسي هو أيضاً، وحين خروجه اضطهده أحد الجيران ولفق له تهمة قتل اعتمادًا على أنه سجين سابق، وتسبب ذلك في حرق منزله من قبل الأهالي في قريته، ثم تغرب هو وأهله في إسطنبول، ومات أبوه وساءت حالة والدته النفسية، كما أصبح زواجه مهدداً بالفشل، لكنه رغم ذلك يعمل ويستأنف حياته، فهو يمتلك محل لغسل السجاجيد والمفروشات وقد أستضاف “زيهات” حين سافر إلى إسطنبول وساعده.

الشخصيات رغم ذلك لا يتم تناولها بعمق في الرواية، وإنما يتناولها الكاتب بشكل سريع في تقاطعها مع البطل “زيهات”، حتى “زيهات” نفسه لا يهتم الحكي بتفحص دواخله أو معرفة أفكاره ومشاعره إلا قليلاً عند النهاية.

السرد..

السرد هادئ، وسلس يركز على المشاهد التي تفيض بالحركة ويعتمد على الحوار بشكل كبير لتصوير طبيعة الشخصيات، الرواية قصيرة حوالي 100 صفحة من القطع المتوسط، تحكي في حياد تام عن مشاهد من حياة سجين يتعامل مع الحياة فور خروجه من السجن.

بعد السجن..

تبدأ الرواية بحدث خروج “زيهات” من السجن، وكيف اجتمع أهله وجيرانه ومعارفه، وكأنهم في حفل لإستقباله بعد عشر سنوات قاسية في السجن، وتصور حالة “زيهات” المتخبطة، فهو صامت وهادئ لا يأكل كثيراً، كما لا يتجاوب مع فرح أهله به، هو يحاول استرداد نفسه التي فقدها في سنوات السجن الطويلة، تلح عليه أمه في الزواج، وهو لا يهتم بما تطلب، وحين يضيق برعايتها الشديدة له يهرب إلى إسطنبول وسط حزن أهله.

العجز مصير..

لا نعرف لماذا يهرب “زيهات” من مدينته، التي أصبحت أكثر إزدحاماً في السنوات الأخيرة، حيث نشطت حركة السكان بعد حركة 1980 في تركيا، فهاجر كثير من القرى إليها، كما أن كثير من أهل المدن هربوا خوفاً من بطش السلطة، ثم قرب النهاية نكتشف سبب خذلانه وهروبه وعدم تفاعله مع أهله ومع الواقع الخارجي، وهو إصابته بالعجز الجنسي بعد تعرضه للتعذيب الشديد في السجن التركي، وهذا العجز أثر عليه وعلى حياته، لم يصارح أحد بما حدث له ولا حتى صديقه “حسن”، الذي استقبله بحفاوة في إسطنبول وعرض عليه أن يشاركه العمل في محله، يذهب إلى مستشفى، كان قد حكي له “حسن” عنها، ويعرض حالته على طبيب ليعرف أن التعذيب الشديد قد أضر جسده، وأنه لا أمل في شفاءه إلا بطريق طويل من المعالجات والعمليات.

وتنتهي الرواية بأن يتوه وسط الطرق والأزقة ويفقد الذاكرة ويضيع.. “أدار زيهات ظهره للمرأة، لبس ثيابه وخرج، توقف دماغه، لم يكن يعرف ماذا سيفعل، وأين سيذهب. لم تكن لديه الرغبة لا في الموت ولا في الحياة، دخل زقاقاً، ومنه إلى زقاق آخر وهكذا فقد ذاكرته. وضاع…”.

حكي بسيط..

تصور الرواية، دون قصد مباشر، وحشية السلطة في تركيا، والتي تتمثل في التعذيب الذي وقع على “زيهات”، ومدة سجنه الطويلة وبطشها بالنشطاء السياسيين الذين أما يسجنون أو يقتلون أو ينجحون في الهرب إلى أوروبا، كما تصور مدى اضطهاد الأكراد في مشهد بسيط، حين يركب “زيهات” و”حسن” إحدى عربات النقل المزدحمة بالناس، والتي أصبحت أحد مظاهر إزدحام مدينة إسطنبول، ويظهر في حوار “حسن” أن الناس ينظرون إليهم نظرات سيئة بسبب لغتهم الكردية؛ وبسبب أنهم يضحكون أيضاً مما يشي بمدى اضطهاد الأكراد من قبل باقي السكان في تركيا.

الرواية الكردية..

في العقدين الأخيرين أزدهرت الرواية الكردية، وبدأت تحقق ظهوراً، وذلك بسبب إنشاء مراكز ثقافية كردية في تركيا وفي العديد من دول العالم، وخصوصاً داخل أوروبا، كما ظهر عدد من المؤسسات ودور النشر التي تدعم الكتاب الأكراد الجدد وتتيح لهم طباعة أعمالهم، خلافاً لما كان يحدث في العقود السابقة، حيث كانت الأعمال الأدبية باللغة الكردية تظل حبيسة الأدراج أو تطبع طباعة يدوية وتوزع على حفنة قليلة من القراء والمهتمين.

تبنت الرواية الكردية أساليب وطرق سردية جديدة بعيداً عن الإنشاء الذي أتصفت به أغلب الروايات الكردية الكلاسيكية، والتي تأثرت  تأثيراً مباشراً بتيار الواقعية الإشتراكية في الأدب، وخصوصاً في القصة والرواية.

الكاتب..

“صلاح الدين بولوت”.. ولد في 1954 في قرية “ديريك” على أطراف مدينة “ماردين” التاريخية المعروفة، درس التربية في جامعة “ماردين”، وعمل في مجال التعليم لسنتين في القرى التابعة لقضاء “ماردين”، اعتقل بسبب نشاطه السياسي سنة 1981 بعد الانقلاب العسكري في تركيا سنة 1980، قضى مدة ثماني سنوات في سجن “دياربكر” العسكري، بعد إطلاق سراحه سنة 1989 دأب على نشر أعماله الأدبية، التي لفتت الأنظار إليها لجرأتها في نبش الواقع الكردي في تركيا.. من أهم أعماله: (الجنة الخرساء) مجموعة قصصية 2006، ورواية (العاجز)، التي قدمته وبقوة إلى المشهد الروائي والقصصي الكردي، وترجمت فور صدورها إلى اللغة التركية.

كما صدرت الترجمة العربية عن “هيئة التراث والثقافة” في أبوظبي ضمن مشروع “كلمة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة