13 فبراير، 2025 8:14 م

الظروف التي مهدت لنشوء الحزب الشيوعي التونسي   ( ١٩١٤- ١٩١٩)

الظروف التي مهدت لنشوء الحزب الشيوعي التونسي   ( ١٩١٤- ١٩١٩)

بقلم / محمد مختار ( باحث وكاتب )

كان الإعلان الرسمي عن تأسيس الحزب الشيوعي التونسي في عام 1920 م، ولكن مع ذلك فقد كانت الفترة بين 1914 م و1919 م هى الفترة التي مهدت سياسيا واجتماعيا لنشوء الحزب الشيوعي التونسي.[1]

فقبل الإعلان الرسمي عن الحزب الشيوعي التونسي كان هناك بدايات للحركة الشيوعية التونسية، كما كانت هناك ظروف سياسية ومناخ سياسي مواتي لنشأة الحزب الشيوعي التونسي والذي بدأ في ذلك الوقت كامتداد للحركة الشيوعية الفرنسية[2].

ولكن لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نفصل نشأة الحزب الشيوعي التونسي عن الظروف السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية التي مرت بها تونس خلال فترة الدارسة من سنة 1914 م إلى سنة 1919 م، خاصة وأن هذه الفترة كانت بمثابة بداية للحراك الوطني في تونس بشكل عام بعد أن تخلصت تونس من إرثها العثماني. [3]

وكان من الطبيعي في ظل الاستعمار الاستيطاني الفرنسي للأراضي التونسية المستند للحماية الفرنسية التي أعطت فرنسا سيادة كاملة كمستعمر لتونس، وما ارتبط بهذا الاستعمار الاستيطاني من علاقة ثقافية وثيقة بين فرنسا وتونس في ذلك الوقت، أن تكون نشأة الحزب الشيوعي التونسي متأثرا بأفكار اليسار الفرنسي، خاصة مع ظهور بدايات واعدة لتأسيس الحركة العمالية والحركة الفلاحية في تونس في هذه الفترة،[4] وهى الحركة التي كانت جزء لا يتجزأ من المناخ العام والظروف التي سادت تونس في هذه الفترة ومهدت لظهور ونشأة الحزب الشيوعي التونسي، [5]وهي الظروف التي نتناولها من خلال هذه الدراسة.

تمهيد :

ارتبطت نشأة الحزب الشيوعي التونسي بالظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها تونس خلال الفترة من 1914 م إلى سنة 1919 والتي تعتبر فاصلة في تاريخ العالم العربي بشكل عام.[6] فخلال هذه الفترة التي تضمنت في إطارها الزمني بداية ونهاية الحرب العالمية الأولى وكانت الحرب العالمية الأولى هى بداية لعلاقات دولية جديدة.[7]

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تم انعقاد مؤتمر الصلح [8]، بدأت الحركة الوطنية التونسية في استنهاض هممها للمطالب باستقلال البلاد.[9]

وفي هذه الظروف كان الحراك الاجتماعي والسياسي في تونس على أشده، والرغبة في الاستقلال عن المحتل الفرنسي تتعاظم، في ظل قمع شديد من قوات الاحتلال الفرنسي المتواجدة في تونس، وإصرار من الجانب الفرنسي على الاستمرار في الطبيعة الاستيطانية لاستعمارها التي تفرض الهوية الفرنسية وثقافة ولغة المحتل فرضا قسريا على مواطني البلاد الأصليين، وفي نفس الوقت تصادر أراضيهم لصالح المستعمرين الفرنسيين القادمين للبلاد.[10]

وقد أدى ذلك الحراك لنمو الطبقة العاملة التونسية، وفي نفس الوقت زيادة الوعي بين صفوف الطبقة الفلاحية في البلاد، مع ظهور الأفكار التقدمية اليسارية التي ارتبطت بالفكر الشيوعي القادم من فرنسا، وهو ما مهد تربة تونس لأن يظهر فيها فيما بعد الحزب الشيوعي التونسي الذي استفاد من الحراك السياسي والظروف التي سبقت تأسيسه بين الفترة التي تمتد من عام 1914 م إلى 1919 م، ليعلن الحزب بعد ذلك بعام واحد عن قيامه رسميا، وليكون هذا الحزب المعادل الفكري والسياسي لحركة تونس الفتاة [11]التي كانت تبنى أفكارا عروبية وإسلامية تدعو لطرد الاحتلال الفرنسي والعودة لهوية تونس العربية وامتد نشاط هذه الحركة حتي ما بعد فترة الدراسة، وقام مؤسسوها والمنخرطين في صفوفها بجهد نضالي لصالح الاستقلال واستعادة هوية تونس العربية والإسلامية ضمن حركة عروبية بدأت في ذلك الوقت في العالم العربي.[12]

نشأة حركة الشباب التونسي (تونس الفتاة) بقيادة عبد العزيز الثعالبي[13] وزملاءه، اخذت حركة الشباب التونسي على عاتقها قيادة الحركة الوطنية وظلت في تجاوبها مع حركة تركيا الفتاة في الدولة العثمانية وتشارك الحركة في اتجاهاتها، وقد عبر علي باشا حانية عن ذلك بقوله: (كل التونسيين مع الوحدة الاسلامية ومحبين لتركيا) [14]، واستمرت تجاوبها مع الدولة العثمانية في خط الكفاح ضد الاستعمار الغربي في نطاق استراتيجية اسلامية محورها دعم السلطة العثمانية في الوقت الذي اضطرت فيها الجمعيات قبل اعلان الحرب العالمية الأولى عام 1914 الانفصال عن المعسكر العثماني”.[15]

ويذهب بعض المؤرخين إلى أن الاسم الحقيقي لحركة تونس الفتاة هو حركة شباب تونس، وأن اسم تونس الفتاة لم يكن دقيقا بل تم إطلاقه تماهيا مع حركات ماثلة ظهرت في مصر باسم مصر الفتاة وفي الجزائر باسم الجزائر الفتاة[16] وهو الارتباط الذي مثل فيما بعد إشكالية في هوية الدولة العربية الوطنية الحديثة، وهى إشكالية ظهرت في المشرق العربي والمغرب العربي على حد سواء،[17] وتركت أثرها على الظروف التي أحاطت بنشأة الأحزاب الأممية في هذه الدول، ومنها الحزب الشيوعي التونسي.[18]

اما الظروف التي أدت إلى ظهور حركة الشباب التونسي فتمثلت في سياسة الإجراءات القمعية التي اتخذتها السلطات الفرنسية ، وهو قمع اتسم بطابعه الوحشي.[19] مما دفع المناضلين من الشباب التونسي إلى  أن يتخذ لنفسه طريقا جديدا في النضال تمثل في العمل على محاولة التراث العربي والإسلامي الذي كان الاحتلال الفرنسي حريصا على أن يقضى ويحل محله الفكر والثقافة الفرنسية.[20]

وفي نفس الوقت تقاطعت أفكار الحزب الشيوعي التونسي مع ما كان يسود الأوساط الفكرية والثقافية التونسية في ذلك الوقت من أفكار قومية وعروبية تدعو لاستعادة الهوية العربية لتونس.[21] بينما كان الحزب الشيوعي التونسي يميل لتبني أفكار أممية، وهو خلق حالة من الجدل السياسي على مستوى النخبة السياسية والثقافية التونسية، وهو جدل صب في النهاية لصالح التكوين العام للحركة السياسية التونسية سواء القومية أو اليسارية ومهد الأرض لنشوء الأحزاب السياسية التونسية ومن بين هذه الأحزاب الحزب الشيوعي التونسي . [22]

اختصت الحركة الوطنية في تونس بخصائص مميزة لها في الفترة التي تدور بين بدايتها ونهايتها هذه الدراسة، وهى الفترة ما بين 1914م إلى 1919 م، وهى نفس الفترة التي تزامنت أو تقاربت مع بداية ونهاية الحرب العالمية الأولى[23]. وكان من الطبيعي أن تكون الحرب العالمية الأولى مرحلة بالغة الأهمية للحركة الوطني في المغرب العربي بشكل عام وفي تونس بشكل خاص، ذلك لأن الحرب العالمية الأولى ظهر معها مبادئ ولسون التي رسخت ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة فكرية وسياسية جديدة على المشهد العالمي.[24]

كما ساعدت الظروف التي صاحبت الحرب العالمية الأولى على ظهور تيارات سياسية وأحزاب عقائدية في أوربا، وخاصة فرنسا، مما كان له أثر ممتد لتونس في هذه الفترة

[1] الحبيب ثامر ، هذه تونس ، القاهرة ، مطبعة الرسالة ، دون تاریخ . تونس. ص 60

[2] جلال يحيى ، العالم العربي الحديث ، الفترة الواقعة بين الحربين ، القاهرة ، مطبعة دار المعارف ، الطبعة الأولى, القاهرة  .1966ص 121

[3] عبد الرحمان تشايجي. المسألة التونسية والدولة العثمانية . ترجمة عبد الجليل التميمي. دار الكتب الشرقية . الطبعة الأولى. 1973 . ص 29

[4] علي المحبوبي . انتصاب الحماية الفرنسية على تونس ، مطبعة دار سراس للنشر ، الطبعة الأولى 1986. تونس، ص214

[5] خليل علي مراد وآخرون ، دراسات في التأريخ الأوربي الحديث والمعاصر ، الموصل ، مطبعة مديرية الكتب للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى.  1988 . الموصل ص15

[6] جميل بيضون وآخرون ، تاريخ العرب الحديث ، مطبعة دار الأمل ،  الطبعة الأولى .1992. أربد. الأردن. ص 19

[7] علي شفيق، العلاقات الدولية في العصر الحديث ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى. دت . الرباط

[8] يعرف مؤتمر الصلح أيضا باسم مؤتمر باريس للسلام وعقد في عام 1919 م وشارك في هذا المؤتمر ممثلين ل 32 دولة وكيانا سياسيا وكان الأربع دول الكبار الذي عقد المؤتمر تحت رعايتهم هم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا، واتفقت هذه الدول على اقتسام أملاك الدولة العثمانية المهزومة، وفرضوا على تركيا وألمانيا والنمسا تعويضات باهظة بعد أن ألقى المنتصرون باللوم عليهم في نشوب الحرب العالمية الأولى: للمزيد انظر : محمد حمزة حسين الدليمي, ‏لبنى رياض عبد المجيد. تاريخ العالم المعاصر. دار المنهل للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 2015 . ص 60

[9]  إسماعيل أحمد ياغي. تاريخ العالم العربي المعاصر. العبيكان للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 2015 . الرياض. ص 341

[10] صلاح العقاد ، المغرب العربي من الاستعمار الفرنسي إلى التحير القومي ، ج2 ، القاهرة، دار الطباعة الحديثة . ص54

[11][11][11]  تأسست حركة تونس الفتاة في سنة 1907 م بقيادة علي باش حانبه والشيخ عبد العزيز الثعالبي.

محمد عبد الله عودة وإبراهيم ياسين الخطيب ، تاريخ العرب الحديث ، مطبعة الأهلية للنشر والتوزيع . الطبعة الأولى. 1989. بيروت. ص 54

هذا الحراك هو ما دفع سلطات الاحتلال الفرنسي لاعتقال كل من علي باش حانبه و عبد العزيز الثعالبي، ثم نفيهم خارج البلاد، وبعدها تولى أحد زعماء الحركة وهو سعيد بن عبد اللطيف زعامة الحركة وقاد ثورة مسلحة ضد الاحتلال الفرنسي استمر من عام 1915 م وحتى عام 1919 م . للمزيد انظر : مفيد الزيدي. موسوعة تاريخ العرب المعاصر والحديث. دار أسامة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 2005 . ص242

[12] محمد عبد الله عودة وإبراهيم ياسين الخطيب ، تاريخ العرب الحديث ، مطبعة الأهلية للنشر والتوزيع . الطبعة الأولى. 1989. بيروت. ص 54

[13] صالح الخرفي ، عبد العزيز الثعالبي من آثاره وأخباره في المشرق والمغرب،  مطبعة دار الغرب الإسلامي . الطبعة الأولى. 1994 . بيروت . ص 87

[14] ة نهاية محمد صالح الحمداني. الحركة الوطنية التونسية 1881 – 1920. دار المعتز للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 2016 . عمان. الأردن. ص 193

[15] أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي . تأريخ الأقطار العربية المعاصر. 1917- 1970 . دار التقدم . الطبعة الأولى. موسكو. ص 266

[16] . محمد العربي الزبيري ، تأريخ الجزائر المعاصر 1954 – 1962 ، ج2 ، دمشق ، مطبعة اتحاد الكتاب العرب ،  الطبعة الأولى 1999. الجزائر

[17] محمد رزوق ، دراسات في تاريخ المغرب ، ط1 ، مطبعة أفريقيا الشرق ، الطبعة الأولى 1990. الدار البيضاء. ص94

[18] نور الدين ثنيو. إشكالية الدولة في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية. إشكالية الدولة في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية. الطبعة الأولى. 2015 . الجزائر .ص 102

[19]  نيقولا زيادة ، تونس في عهد الحماية 1881 – 1962. ج2، دمشق ، مطبعة اتحاد الكتاب العرب . ص91

[20] احمد القصاب تاريخ تونس المعاصر . الشركة التونسية للتوزيع الطبعة: الأولى , 1986 . تونس. ص 104

[21] يقظان سعدون العامر، خصوصیات استعمار الجمهورية الفرنسية الثالثة 1870 – 1914، مجلة المؤرخ العربي ، العدد 51، 1994 . القاهرة ص 17

[22] خيرية عبد الصاحب وادي. الفكر القومي العربي في المغرب نشؤوه وتطوره من عام 1830 م إلى 1962 م . دار  الرشيد. بغداد. الطبعة الأولى. 1982 م . ص 146

[23] نشبت الحرب العالمية الأولى في الثامن والعشرين من يوليو عام 1914 م، واستمرت حتى الحادي عشر من نوفمير من عام 1918 م ، وأطلق عليها في ذلك الوقت اسم الحرب العظمى، وشارك فيها أكثر من 70 مليون جندي وكانت بين تحالف قوات الحلفاء وكان يطلق عليهم اسم تحالف الوفاق الثلاثي وضم المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا، ضد تحالف دول المركز وضم هذا التحالف الإمبراطورية الالمانية والأمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغايا، وأسفرت هذه الحرب عن مصرع أكثر من ستة عشر مليون إنسان بين مقاتل ومدني

[24] عبد العزيز سليمان. عبد المجيد نعنعي. تاريخ الولايات المتحدة الحديث. دار النهضة العربية . الطبعة الأولى. د.ت . ص 183 – ص184

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة