كتبت – سماح عادل :
استطاع الروائي السوداني “الطيب صالح” أن يصبح بطلاً قومياً في بلده.. يقرأ أعماله معظم المثقفين السودانيين، إن لم يكن جميعهم، كما أستطاع أن ينقل خصوصية بلده “السودان” وتميزها إلى البلدان العربية والغربية، من خلال روايات وقصص آثره.
اسمه الكامل “الطيب محمد صالح أحمد”، ولد في 12 تموز/يوليو 1929 في إقليم مروي، شمال السودان، بقرية كَرمكول، إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها.. انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته، حصل على بكالوريوس في العلوم من جامعة الخرطوم، ثم سافر إلى إنكلترا لإكمال دراسته، وغيّر تخصصه من العلوم إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية، عاش حياته في بريطانيا وقطر وفرنسا.
عمل سنوات كثيرة في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية الـ”بي. بي. سي”، حتى ترقى إلى منصب مدير قسم الدراما، ثم استقال من الـ”بي. بي. سي” وقرر العودة إلى السودان وألتحق بالعمل في الإذاعة السودانية لفترة من الزمن، ثم هاجر إلى قطر وألتحق بالعمل في وزارة الإعلام هناك، ثم عمل بمنظمة “اليونيسكو” مدير إقليمي في باريس، وكان ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي، وواظب “الطيب صالح” خلال عشرة أعوام على كتابة عمود أسبوعي في “المجلة”، وهي صحيفة لندنية تصدر بالعربية.
رغم أن إنتاج “الطيب صالح” الأدبي لم يكن غزيراً، إلا أنه حقق نجاحاً مبهراً، حتى أنه اشتهر بين النقاد بلقب “عبقري الأدب العربي”، وترجم أدبه “روايات وقصص” إلى أكثر من ثلاثين لغة، وهي: “عرس الزين” و”موسم الهجرة إلى الشمال” و”مريود” و”ضو البيت” و”دومة ود حامد” و”منسى”، واعتبرت رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” من أفضل مائة رواية في العالم، وحازت العديد من الجوائز، وقد وصفته الأكاديمية العربية في دمشق على أنه صاحب “الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين”، في عام 2001.
أصدر “الطيب صالح” ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية، وتحولت روايته “عرس الزين” إلى مسلسل في ليبيا، وإلى فيلم سينمائي في أواخر السبعينيات، وقد فاز في “مهرجان كان السينمائي” الشهير في فرنسا، من إخراج المخرج الكويتي “خالد صديق”.
رواية “عرس الزين”..
صدرت عام 1962، كانت نقطة انطلاق لإبداع الروائي “الطيب صالح”.. تعمق فيها داخل الذات السودانية، تتميز بالمشاهد الحيّة والحقيقية، وباللغة السودانية اللطيفة والمحببة، تدور حول قرية سودانية لكنها ليست ذات اسم محدد، إنها قرية سودانية مثل باقي القرى.. فكرة الرواية المحورية، هي زواج “الزين”، الشخصية الرئيسة في الرواية، من ابنة عمه “نعمة” الجميلة، صور الكاتب الزين في صورة فتى دميم سئ الحظ، يعيش حياة غريبة، بدءاً من ميلاده وحتى شبابه، نتيجة لقبحه الشديد وغرابة شكله الخارجي، مع طيبته الشديدة وبساطته أصبح محبوباً من الجميع، حتى أنهم أصبحوا يعتبرونه ولي من أولياء الله، فأهل القرية بسيطون، تتداخل الصوفية مع معتقداتهم الدينية، ويؤمنون بالخرافات كذلك.
صدرت الرواية بعد مرور سنوات قليلة على استقلال السودان عام 1956، وحملها النقاد معاني كثيرة، اعتبرها البعض محاولة من “الطيب صالح” للتوفيق بين الأصالة وخصوصية المجتمع السوداني، وبين المرحلة الجديدة التي دخلت إليها البلاد بالاستقلال، والتي تتطلب تكاتف جميع الأعراق والقبائل في السودان، والوقوف جميعاً تحت راية المواطنة، والانتماء لدولة ذات راية موحدة، وترك التحزبات القبلية والعصبية القديمة، وتمثل ذلك في “عرس الزين” الذي حضرته جميع الأطياف بالقرية، أغنياء وفقراء، وعرب وغير عرب، جميع المتخاصمين والمختلفين، اجتمعوا في “عرس الزين”، وتعاملوا بمحبة وود وسلام، كهذا تمنى “الطيب صالح” أن يحدث لبلاده بعد حصولها على الاستقلال، كان مشهد “عرس الزين” أجمل ما رسمت الرواية من اللوحات التصويرية، كما أبدع في وصف القرية السودانية حيث صوّرها، تماماً كما هي، في واقعيتها وعاداتها، التعددية التي تتميز بها، ذلك النسيج الاجتماعي الذي يعد من صميم الواقع السوداني، فهي قرية بدائية لكن مع ذلك يعيش أهلها في سعادة ورضى وقناعة.
رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”..
صدرت لأول مرة في عام 1966، وحازت على شهرة واسعة، ليس فقط داخل البلدان العربية، وإنما في البلدان الغربية بعد ترجمتها، فقد انتقل “الطيب صالح” من التعمق داخل الذات السودانية إلى العالم الآخر، ذلك العالم الخارجي الذي اكتشفه بسفره إلى انكلترا، عالم الشمال، عالم متقدم صناعي حديث، لكنه ظالم ووحشي وقاسي، يعامل عالم الجنوب بتعالي، يمعن في استغلاله والتقليل من شأنه، وهذا شأنه مع الأفراد الذي يسافرون إليه، هؤلاء الجنوبيون الذين يشعرون بوطأة الاضطهاد حين يذهبون إلى عالم الشمال، يسحقون، أكثر من انسحاقهم في بلدانهم الفقيرة.
البطل الرئيس “مصطفى سعيد”، ذلك الشاب السوداني الذي سافر إلى انكلترا ليكمل تعليمه، ثم يصبح أستاذاً جامعياً ويتزوج من بريطانية، لكنه لا يتخلص من تأثير اضطهاده، بل يوجهه وجهة أخرى، يقرر أن يتحول من ضحية إلى جاني، من مسحوق إلى ساحق، يفرغ شحنات قهره إلى سيدات بيض، يقعن في غرامه، وينبهرن باختلاف لونه وملامحه وشخصيته، ويقعن ضحية لتسلطه وقهره ولامبالاته، فهو يغازلهن وحين يتأكد من امتلاك أرواحهن بعد أجسادهن يمعن في القسوة والهجر.
فالمرأة في “موسم الهجرة إلى الشمال” ضحية لرجل، بينما الرجل ضحية ـ لمجتمع الضحية الأنثى بشكل ما، وعلاقة “مصطفى سعيد” بالأنثى علاقة آخرها موت مدمر، إذ إنه ينتقم في شخص الأنثى الغربية البيضاء لسنوات القهر والذل والاستعمار لينتهي بها الأمر إلى قتل نفسها كمداً.
يقول “الطيب صالح” في الرواية “نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه.”، الراوي ليس البطل، وإنما شاب يحكي عنه، يتقابل مع “مصطفى سعيد” بعد رجوعه إلى بلاده، يؤكد “الطيب صالح” على قيمة الإنسان الجنوبي رغم قهره، والتقليل من شأنه، له قيمة لا يعرفها الماديون من أهل الشمال.
يقول أستاذ النقد والدراسات السودانية “د.مصطفى الصاوي”، عن “الطيب صالح” في صحيفة “الطريق” السودانية، أن “صالح تميز برؤية شمولية للكون، وإن أميز ما في رؤية صالح للعالم، هو تجلياتها على مستوى البناء الفني لأعماله، ولعل هذا ما وضعه في مكانة رفيعة من قبل النقاد”.
في عام 2009 قال الروائي السوداني “الطيب صالح”، في حفل توقيع لروايته “موسم الهجرة إلى الشمال” بمصر، أنه لم يحقق مكاسب مالية من الطبعات الكثيرة لروايته الشهيرة “موسم الهجرة إلى الشمال”، فهو من الذين يكتبون رغبة في الكتابة، على رغم أن الرواية نفسها جلبت له الكثير من المتاعب، كما جلبت له الكثير من الشهرة.
كتبه..
- موسم الهجرة إلى الشمال
- ضو البيت (بندر شاه): أحدوثة عن كون الأب ضحية لأبيه وابنه.
- دومة ود حامد
- عرس الزين
- مريود
- نخلة على الجدول
- منسي إنسان نادر على طريقته
- المضيئون كالنجوم من أعلام العرب والفرنجة
- للمدن تفرد وحديث – الشرق –
- للمدن تفرد وحديث – الغرب –
- في صحبة المتنبي ورفاقه
- في رحاب الجنادرية وأصيلة
- وطني السودان
- ذكريات المواسم
- خواطر الترحال
توفى “الطيب صالح” في إحدى مستشفيات لندن في 18 شباط/فبراير 2009، ولا زال إلى الآن محط اهتمام القراء والنقاد العرب.
لقاء مع الطيب صالح..
الفيلم السوداني عرس الزين..
https://www.youtube.com/watch?v=Y6Tiv0LsfZI