25 ديسمبر، 2024 7:08 م

الطريق إلى 2019: تحديات ما بعد الاستفتاء في تركيا

الطريق إلى 2019: تحديات ما بعد الاستفتاء في تركيا

مثَّل استفتاء 16 أبريل/نيسان 2017، حول التعديلات الدستورية المتعلقة بالنظام الرئاسي، نجاحًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم وصدمة في الآن نفسه.

نجاح العدالة والتنمية في إقرار التحول إلى النظام الرئاسي، المسألة الأكثر أهمية على أجندته السياسية منذ سنوات، لا يعني أن الطريق إلى انتخابات 2019، الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، ممهد. ففيما عدا الحقل الاقتصادي، الذي تدعو مؤشراته الراهنة، والراهنة فقط، إلى التفاؤل، تحيط الصعوبات بأغلب ملفات السياسة الداخلية والخارجية الملحَّة.

يراهن العدالة والتنمية، مهما كانت ملفات الداخل والخارج صعبة، على قوة الدفع التي اكتسبها من نجاحاته السابقة، من جهة، وعجز المعارضة السياسية عن تقدم بديل فعَّال للحكم الحالي، ومنافس ذي مصداقية للرئيس أردوغان، من جهة أخرى.

مقدمة

مثَّل استفتاء 16 أبريل/نيسان 2017، حول التعديلات الدستورية المتعلقة بالنظام الرئاسي، نجاحًا للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم وصدمة في الآن نفسه. كان الاستفتاء نجاحًا؛ لأنه انتهى إلى إقرار تحول نظام الحكم في البلاد إلى الرئاسي، وهو التوجه الذي نادى به الطيب أردوغان منذ كان رئيسًا للحكومة في 2010، واعتبره النهج الوحيد للحفاظ على درجة عالية من الاستقرار السياسي. ولكن الاستفتاء كان صدمة، أيضًا؛ لأن نتائجه، التي تجلَّت في فوز أنصار نعم بفارق ضئيل (51.4% من الأصوات)، كشفت عن انقسام شعبي حاد حول التعديلات، وفشل معسكر مؤيدي النظام الرئاسي في إقناع قطاعات واسعة من المصوِّتين بجدواه.

طبقًا للتعديلات الدستورية، ثمة صلاحيات وحقوق ستنتقل فورًا، أو بصورة تدريجية، إلى رئيس الجمهورية. ولكن التحول الكامل إلى النظام الرئاسي لن يتحقق إلا بعد عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتزامنة في النصف الثاني من 2019.

هذا يطرح أسئلة عن السياسات والإنجازات التي يحتاح الرئيس وحزبه تحقيقها لضمان نجاح أكثر أمانًا في انتخابات 2019، سيما بعد أن رفعت نتائج الاستفتاء من معنويات المعارضة، وبدا واضحًا أن علاقات أنقرة بالاتحاد الأوروبي، من جهة، والولايات المتحدة وروسيا، من جهة أخرى، تمر بفترة امتحان بالغة التعقيد؟

خيارات إعادة بناء الحزب والحكومة

يتعلق أحد أبرز التحديات التي تواجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية بإعادة بناء صورة الحزب الحاكم وفعاليته وعلاقته بعموم الشعب.

ليس من الواضح حتى الآن حجم الخلافات التي أدَّت إلى الإطاحة بأحمد داود أوغلو من قيادة الحزب، ولكن الواضح أن الإطاحة به شملت ما يمكن وصفه بجيل كامل من القيادات والنشطين السياسيين، الذي كان يؤمَّل منه أن يعمل على تقديم تصور جديد لرؤية العدالة والتنمية لمستقبل البلاد وعلاقاته بالشعب، وضخ دماء جديدة في عروق الحزب. ولكن العطب في صورة الحزب، الذي نجم عن الإطاحة السريعة بداود أوغلو، سرعان ما تم احتواؤه بالمواجهة التي خاضتها قواعد الحزب وأنصاره، كما أردوغان ورئيس حكومته، مع الانقلابيين ليلة 15 يوليو/تموز 2016. لكن خلال الأسابيع القليلة السابقة على استفتاء النظام الرئاسي، والتالية على عقد الاستفتاء، عادت أجواء الانقسام في الحزب من جديد.

ثمة من يعتقد أن هناك كتلة إسلامية التوجه في الحزب لم تقم بواجبها في دعوة الشعب للتصويت لصالح التعديلات الدستورية، وأن انتقاداتها الخافتة للتعديلات هي المسؤولة عن النتائج غير المُرضية تمامًا للاستفتاء. هذه الاختلافات داخل الحزب ستكون الملف الأبرز أمام أردوغان ليعيد ترتيب البيت الداخلي.

سيتبع عودة أردوغان لعضوية الحزب في مطلع مايو/أيار عقد مؤتمر طارئ للحزب في 21 من الشهر نفسه. والمتوقع أن يكلَّل هذا المؤتمر بانتخاب أردوغان رئيسًا للحزب. وسيشهد الحزب بالتأكيد إعادة تشكيل للجنته التنفيذية، التي تضم خمسين عضوًا؛ كما سيكون هناك تعديل حكومي، على الأرجح. تمثِّل عودة أردوغان لقيادة الحزب، بعد انقطاع صلاته المباشرة بكوادره طوال السنوات الثلاث الماضية، منعطفًا بارزًا في مسيرة العدالة والتنمية ومناسبة لإعادة بناء صورة الحزب واستعادة ديناميته؛ فأي طريق سيختار الرئيس لتحقيق هذه الأهداف؟ هل سيختار طريق توحيد أجنحته المختلفة، أم الإطاحة بأحدها وتحويل العدالة والتنمية إلى حزب أكثر تجانسًا؟

النمو الاقتصادي: ضروري لكن غير كاف

ثمة اعتقاد راسخ في أوساط العدالة والتنمية بأن الاقتصاد سيعود من جديد ليكون الورقة الأقوى في استعادة رصيد الحزب الجماهيري. نسبة النمو الاقتصادي في الربع الأخير من 2016 كانت أعلى من التوقعات؛ أرقام التصدير في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان ارتفعت بأكثر من 10 بالمئة عن مثيلاتها في العام السابق، دافعة العجز التجاري إلى أدنى مستويات له منذ سنوات؛ كما أن الاتحاد الأوروبي أعلن في 12 مايو/أيار مراجعة توقعاته لنسبة النمو الاقتصادي في تركيا في العام الحالي إلى 3 بالمئة.

ليس ثمة شك في أن مؤشرات الاقتصاد التركي في منتصف 2017 تبدو أفضل بكثير مما كانت عليه في منتصف العام السابق؛ ولكن أحدًا لا يمكنه توقع المدى الذي يمكن أن يتحسن به الاقتصاد خلال العامين المقبلين. فتركيا تعيش في محيط بالغ الاضطراب من الحروب والأزمات، لا تستطيع أن تعزل نفسها عنه. ويكفي تذكر أن التدهور الكبير في علاقات تركيا الاقتصادية مع روسيا نجم عن الصدام بين البلدين في الساحة السورية وإسقاط تركيا الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وبالنظر إلى أن ما يقارب نصف تجارة تركيا الخارجية يتم مع دول الاتحاد الأوروبي، فإن توتر العلاقات مع الاتحاد قد لا يصب في صالح تركيا. هناك دعوات، بالطبع، إلى أن تتقدم تركيا لعضوية مجموعة شنغهاي، قابلتها الصين بالإعلان، 12 مايو/أيار، عن الاستعداد لبحث هذا الطلب التركي بصورة إيجابية، ولكن المؤكد أن خيار مجموعة شنغهاي لا يمكن أن يعوِّض علاقات تركيا الأوروبية وعضوية الاتحاد الجمركي الأوروبي.

هل تحقيق نجاح اقتصادي ما خلال العامين المقبلين سيكون كافيًا لاستعادة مواقع الحزب والالتفاف الشعبي حوله؟ ما توحي به نتائج انتخابات يونيو/حزيران 2015 البرلمانية غير الحاسمة، ونتائج استفتاء 16 أبريل/نيسان، التي خاضها العدالة والتنمية، في الحالتين، بتركيز كبير على إنجازاته الاقتصادية، أن الملف الاقتصادي لم يعد كافيًا لحشد الأصوات.

المُشكِل السياسي: التناقض الكردي القومي

بُنيت حسابات الاستفتاء على أساس أن دعم حزب الحركة القومية وتبنِّيه للنظام الرئاسي يعني أن أغلبية تركية قاطعة ستؤيد التعديلات الدستورية. في القياس التقليدي للرأي العام، تمثِّل كتلة القوميين والمحافظين والإسلاميين ما يفوق 60 بالمئة من الناخبين الأتراك، وهي الكتلة التي تجد في حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بيتها الطبيعي.

كشفت نتائج الاستفتاء، سيما في المقاطعات التي يتمتع بها الحزب القومي بدعم شعبي ملموس، أن الصوت القومي لم يُضفْ كثيرًا إلى معسكر المؤيدين للتعديلات الدستورية، وأن هذه الإضافة لم تكن كافية لتعويض معارضة قطاع ملموس من مؤيدي العدالة والتنمية، سيما من أبناء الطبقة الوسطى، للنظام الرئاسي. ما ساعد على تمرير التعديلات الدستورية في الحقيقة كان الزيادة الملموسة في تأييد الصوت الكردي للتعديلات عن مستويات التأييد التي سُجِّلت للعدالة والتنمية في مناطق الأغلبية الكردية في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 البرلمانية.

هذا الدور الذي لعبه التصويت الكردي قد يشجع أردوغان على إحياء مسار السلام مجددًا لكنه يواجه رفض حليفه الحزب القومي. فبالرغم من مساهمة الصوت القومي الضئيلة في استفتاء التعديلات الدستورية، ترى قيادة العدالة والتنمية أن من الضروري المحافظة على العلاقة التحالفية مع حزب الحركة القومية خلال العامين المقبلين، ليس فقط للمراهنة على دعم قطاع ملموس من القوميين في انتخابات 2019 الرئاسية، ولكن أيضًا لما يوفره هذا التحالف من تعزيز لشرعية السياسات والإجراءات الحكومية، بما في ذلك تعديل عشرات القوانين خلال العامين المقبلين لتتلاءم مع النظام الرئاسي.

علاقات خارجية شائكة

نجحت الحكومة التركية، وبصورة حثيثة، في توسيع نطاق علاقاتها الخارجية، بما في ذلك الاقتصادية منها، إلى الدوائر البعيدة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. كما نجحت في وضع علاقاتها مع دول الخليج العربية على سكة التقدم، وإن كان بطيئًا. وبالرغم من أن تركيا باتت، بإرادتها أو غير إرادتها، طرفًا مباشرًا في الصراع بالغ التعقيد ومتعدد الأطراف على سوريا والعراق، فقد تجنَّبت تحمل خسائر كبيرة من تدخلها في هاتين الساحتين. في حالات قليلة، حققت تركيا مكاسب ملموسة، مثل تأسيس علاقة تحالفية وثيقة مع البرزاني وحكومة إقليم كردستان في شمال العراق، وفرض وجود عسكري تركي في منطقة الشريط الحدودي السوري كأمر واقع وبدون توفر غطاء قانوني دولي.

بيد أن السياسة الخارجية التركية تواجه ثلاثة ملفات شائكة في علاقات البلاد الخارجية مع ثلاث من القوى الكبرى: الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، تنعكس بصورة لا يمكن تلافيها على الوضعين الداخلي والإقليمي.

1- المشكلة الرئيسة في علاقات أنقرة وواشنطن تتمثل في موقف الأخيرة من الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري وقوات حماية الشعب التابعة له، التي تعتبر في أنقرة مجرد تسميات أخرى لحزب العمال الكردستاني.

2- بدأت عملية تطبيع العلاقات التركية-الروسية منذ يونيو/حزيران 2016، بوساطة من الرئيس الكازاخستاني؛ وساعد الموقف الروسي الرافض للمحاولة الانقلابية في الشهر التالي على إعطاء عملية التطبيع دفعة كبيرة. ولكن الخلافات التركية-الروسية حول مستقبل نظام الأسد لم تزل على ما هي عليه. الأخطر على العلاقات بين البلدين، كانت التحركات الروسية لدعم قوات حماية الشعب الكردية، في موازاة الدعم الذي تقدمه القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط للمسلحين الأكراد.

3- بدأت علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي في التدهور، وبدون وعي كامل من الجانبين أحيانًا، مباشرة بعد توقيع اتفاقية اللاجئين في ربيع 2016، التي نصَّت على فرض قيود تركية صارمة على حركة اللاجئين السوريين إلى أوروبا، مقابل تقديم الاتحاد الأوروبي لعدة مليارات من اليورو للمساعدة في رعاية الملايين الثلاثة من اللاجئين السوريين في تركيا. وقد وصل التوتر في علاقات الجانبين ذروته خلال الحملة الانتخابية التي سبقت استفتاء التعديلات الدستورية في أبريل/نيسان 2017.

هاجم مسؤولون أوروبيون التعديلات الدستورية التركية بصورة حادة، ومنعت دول أوروبية مسؤولين أتراكًا من اللقاء بمواطنيهم في هولندا وألمانيا لشرح مدلولات التعديلات المزمعة. سمحت دول أوروبية بمظاهرات مناهضة للحكومة التركية، نظَّم أغلبها ناشطون من حزب العمال الكردستاني، المصنَّف إرهابيًّا من الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، وفَّرت دول أوروبية، سيما ألمانيا، ملاذًا آمنًا للعشرات من أعضاء جماعة غولن، الذين فرُّوا من الملاحقة القضائية في بلادهم، أو هجروا مواقعهم في البعثات الدبلوماسية التركية في الدول الأوروبية. في المقابل، وصف الرئيس أردوغان موقف دول أوروبية من تركيا بالنازية، وهدَّد بوقف طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي كلية. وبالرغم من سعي الطرفين إلى التهدئة عقب استفتاء أبريل/نيسان في تركيا، إلا أن المجلس الأوروبي، المعني بالتحول الديمقراطي في القارة، أدرج تركيا للمرة الأولى منذ التسعينات على لائحة المراقبة في 25 أبريل/نيسان 2017.

الطريق إلى انتخابات 2019

نجاح العدالة والتنمية في إقرار التحول إلى النظام الرئاسي، المسألة الأكثر أهمية على أجندته السياسية من سنوات، لا يعني أن الطريق إلى انتخابات 2019 الرئاسية والبرلمانية المتزامنة ممهد. ففيما عدا الحقل الاقتصادي، الذي تدعو مؤشراته الراهنة، والراهنة فقط، إلى التفاؤل، تحيط الصعوبات بأغلب ملفات السياسة الداخلية والخارجية الملحَّة.

على مستوى إعادة بناء صورة ودور حزب العدالة والتنمية وحوكمته، يوجد هامش كبير أمام حركة الرئيس أردوغان بعد عودته إلى رئاسة الحزب في 21 مايو/أيار. ولكن ليس هناك ما هو متيقن بعد حول نوايا الرئيس في هذا الصدد. ما هو متيقن، أن التدافع بين ما يُعرف أحيانًا بالكتلة الإسلامية وكتلة يمين الوسط في الحزب يزداد حدة، وأن مؤتمر الحزب الطارئ قد لا يكون محطة النهاية لهذا التدافع.

الأصعب، سيكون التعامل مع ملفات السياسة الخارجية الشائكة؛ فمن الواضح أن المسائل محل الخلاف في العلاقات التركية مع أميركا وروسيا، سيما ما يتصل بالوضع السوري ومسألة قوات حماية الشعب، تهدد الأمن القومي التركي بصورة مباشرة. ليس ثمة ما يوحي بأن السياسة الروسية في سوريا وتجاه أكرادها يمكن أن تتغير في المستقبل القريب، أو بفعل ضغوط تركية.

في المقابل، المتوقع أن تحاول واشنطن امتصاص غضب تركيا بتقديم وعود مثل تطوير نشاطات المركز الاستخباراتي المشترك في أنقرة، ومراقبة السلاح النوعي الذي سيقدم لوحدات حماية الشعب، وخروج الوحدات من الرقة بمجرد تحريرها من تنظيم الدولة.

كما أن استمرار التدهور في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي قد يمثِّل تهديدًا لأمن تركيا ولوضعها الاقتصادي والمالي، ولملايين الأتراك والمسلمين المقيمين في دول الاتحاد، كما لأمن العديد من دول الاتحاد. في المدى القصير، قد يجد الجانبان وسيلة لتهدئة التوتر بينهما، سيما إن عادت أنغيلا ميركل للحكم بعد الانتخابات الألمانية في نهاية العام. في المدى الأبعد، ربما لابد من إعادة رسم مجمل علاقة تركيا مع الاتحاد على أسس واضحة، مثل حسم الاتحاد موقفه بصورة قاطعة من عضوية تركيا في الاتحاد، والبحث عن مجالات أخرى لتنظيم العلاقات بين الجانبين.

في النهاية، يراهن العدالة والتنمية، مهما كان تأثير ملفات الداخل والخارج الملحَّة، على قوة الاستمرارية، من جهة، وعجز المعارضة السياسية عن تقدم بديل فعَّال للحكم الحالي، ومنافس ذي مصداقية للرئيس أردوغان، من جهة أخرى. ولكن ثمة من يقول: إن الطريق إلى انتخابات 2019 لم يزل طويلًا، وإن أحدًا لا يمكنه التيقن من تقلبات السياسة في عامين كاملين.
المصدر/ الجزية للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة