خاص: قراءة- سماح عادل
الطبقة الوسطى في مصر نظرا لتكونها، وشروط تواجدها مع احتلال أجنبي كانت تعاني من غياب الوعي الاجتماعي، والاهتمام الضيق بمصالحها الخاصة.
سوف نعرض دراسة بعنوان (الطبقة الوسطى المصریة بین الوعي الطبقي والوعي الاجتماعي) للدكتور”رءوف عباس” نشرت في مجلة الهلال سبتمبر 1992 يبدأ فيها الحديث عن الوعي الطبقي.
الوعي الطبقي..
توضح الدراسة أن: “یتطلب الوعي الطبقي عند طبقة ما إحساسا وإدراكا جمعیا لمصالحها یدفعها إلى التضامن للدفاع عن تلك المصالح، في مواجهة الطبقات الأخرى التي تنازعها تلك المصالح، أو حمایة لمصالحها تلك وحرصا على تنمیتها على حساب غیرها من الطبقات. أما الوعي الاجتماعي فنقصد به إدراك الطبقة لأهمیة الاستقرار الاجتماعي للحفاظ على بنیة المجتمع التي حققت من خلاله وجودها ومصالحها، حتى تتجنب تعریض تلك المصالح للخطر.
ولعل الطبقة الوسطى المصریة عبر تاریخها الذي قارب القرنین من الزمان، كانت من الطبقات الاجتماعیة التي انفردت بوعي طبقي غريزي ولكنها افتقرت، على نحو ما سنرى، إلى الوعي الاجتماعي”.
تكون الطبقة الوسطى..
وتنتقل الدراسة للحديث عن تكون الطبقة الوسطى في مصر: “وقد تكونت الطبقة الوسطى المصریة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نتیجة تطور الملكیة الزراعیة تدریجا حتى استقرت الملكیة الفردیة قبیل نهایة القرن، فكانت زراعیة أساسا تستمد مصالحها من الملكیات التي حصلت علیها في ظروف التطور السياسي والاقتصادي الذي شهدته مصر في تلك الحقبة، وتمتعت بنفوذ كبیر على الفلاحین بحكم امتلاكها لأداة الإنتاج الزراعي (الأرض)، وإن سكنت المدن إلى جوار الأرستقراطیة الحاكمة ممثلة في أسرة محمد على، ومن لاذ بها من كبار الموظفین ذوى الأصول التركیة والشركسیة.
وانضمت إلى تلك الطبقة شریحة أخرى تمثلت في أولئك الذین أتیحت لهم فرصة التعلیم الحدیث في مدارس محمد على وإسماعيل. والذین جاءوا من بین صفوف الفلاحین، حیث كان التعلیم مجانا حتى بدایة عصر إسماعیل، والذین دعت الحاجة إلى تعلیمهم لتوفیر الكوادر اللازمة للإدارة المصریة، فاتسع التعلیم حینا وانكمش حینا آخر في حدود حاجة دواوین الحكومة إلى الموظفین، وهى سیاسة استمرت تحت حكم الاحتلال البريطاني وإن فقد التعلیم مجانیته عندئذ، فسد الطریق أمام فرصة الحراك الاجتماعي لأبناء الفلاحین.
على كل أصبح المتعلمون من موظفي الحكومة، كبارهم وصغارهم، یعبرون عن الطبقة الوسطى المصریة، واستطاع بعضهم أن یدخل شرائحها العلیا عن طریق هبات الأراضي التي منحها إسماعیل على وجه الخصوص للبارزین منهم، وعن طریق المصاهرة، وغیر ذلك من روابط جعلت شریحة المتعلمین أو الأفندیة تلتصق بالطبقة الوسطى وتتنكر لأصولها الفلاحیة.
الھیمنة الأجنبیة..
وعن دور تلك الطبقة في مواجهة الهيمنة الأجنبية تتابع الدراسة: “ولما كانت الطبقة الوسطى المصریة قد تكونت في مرحلة تاریخیة اتسمت بالهیمنة الأجنبیة على الاقتصاد المصري، وربطه بالاقتصاد الأوروبي بروابط التبعیة، فقد برز وعیها الطبقي في وقت مبكر، عندما كونت الجبهة الوطنیة التي تصدت للتدخل الأجنبي في النصف الثاني من سبعینات القرن الماضي، تلك الجبهة التي ساندت ثورة 1881 التي عرفت بالثورة العرابیة.
غیر أن وقوع الاحتلال البريطاني وهزیمة الثورة عام 1882، جعلها تتراجع عن مواجهة الهیمنة الأجنبیة دفاعا عن مصالحها وحرصا علیها، وخاصة أنها بحكم كونها من كبار ملاك الأراضي، كانوا كبار منتجي القطن الذي لا تشتریه إلا بریطانیا وبعض الدول الأوروبیة الأخرى، ومن ثم مالوا إلى التعاون مع الاحتلال ما دامت سیاساته لا تمس مصالحهم وانٕما تعمل على تنمیتها من خلال سیاسة زراعیة وضعها الاحتلال لخدمة مصالحهم ورعایتها.
ولذلك صرفوا جهودهم في المجالس النیابیة التي أقامها الاحتلال إلى الدفاع عن مصالحهم الاقتصادیة والاجتماعیة في حدود الإطار الذي رسمه الاحتلال البريطاني. ولكن شریحة “الأفندیة” المتعلمین الذین تلقوا تعلیمهم في أواخر عهد إسماعیل ومطلع عهد الاحتلال، كانوا أكثر معارضة للاحتلال البريطاني، غیر أن هذه المعارضة لم تتخذ شكلا واضحا إلا في أعقاب أزمة 1907 الاقتصادیة التي أضرت بالشرائح الدنیا من الطبقة الوسطى، فأصبحت معارضة الأفندیة الذین التفوا حول الحزب الوطني بزعامة محمد فرید تتخذ طابعا احتجاجیا واضحا.
الظروف الاقتصادية..
وتواصل الدراسة عن الظروف الاقتصادية الجديدة: “وقد ترتب على نمو المدن المصریة، ونشوء مدن جدیدة بمنطقة قناة السویس، والتوسع النسبي في التعلیم بعد صدور دستور 1923، والظروف الاقتصادیة التي شهدتها مصر في الحربین العالمیتین التي أتاحت الفرصة أمام صغار التجار وبعض أصحاب الحرف لتحقیق قدرا محدودا من الثراء، أدى ذلك كله إلى اتساع قاعدة الشریحة الدنیا من الطبقة الوسطى.
وجاء الكساد العالمي الكبیر في مطلع الثلاثینیات، وما ترتب علیه من آثار أضرت بتلك الشریحة الاجتماعیة بقدر ما زادت من بؤس الطبقة الكادحة من العمال والفلاحین، لیقع التناقض الكبیر بین شریحة كبار الملاك المحدودة الذي استأثرت بجانب كبیر من الدخل القومي، وبین الشریحة الدنیا من الطبقة الوسطى ممثلة في الأفندیة وصغار التجار وصغار المنتجین الحرفیین (أصحاب الورش)، وأصبح هؤلاء دعامة حركات الرفض السياسي والاجتماعي التي عرفتها مصر منذ أواخر العشرینات.
فجاءت من بین صفوفهم كوادر الحركة الشیوعیة المصریة و(الإخوان المسلمون) ومصر الفتاة، كما خرجت من صفوفهم جماعة (الضباط الأحرار) التي أشعلت ثورة یولیو1952 ، وأدت سیاستها التعلیمیة والاجتماعیة إلى توسیع نطاق قاعدة الطبقة الوسطى المصریة وخاصة الشریحة الدنیا منها”.
التشريع والمصالح..
وعن استخدام الطبقة الوسطى للتشريع للدفاع عن مصالحها تضيف الدراسة: “وعلى مر تاریخ الطبقة الوسطى المصریة كانت تعبر عن وعیها الطبقي بالدفاع عن مصالحها عن طریق التشریع بحكم وجودها وسیطرتها على المجالس النیابیة وتربع ممثلیها على كراسي الحكم، كما أقامت الهیئات التي ترعى مصالحها مثل الجمعیة الزراعیة الخدیویة (السلطانیة ثم الملكیة فیما بعد) التي وقفت حارسا على مصالح كبار الملاك وراعیا للإنتاج الزراعي، ثم اتحاد الصناعات الذي تولى رعایة مصالح القطاع الصناعي. وتولى رئاسة الهیئتین بعض الشخصیات الهامة المعروفة بدفاعها عن مصالح ملاك أدوات الإنتاج سواء في الزراعة أو الصناعة”.
افتقار الوعي الاجتماعي..
لكن كانت الطبقة الوسطى تعاني من قلة الوعي الاجتماعي كما توضح الدراسة: “ورغم وعى الطبقة الوسطى بمصالحها وتصدیها للدفاع عنها، إلا أنها كانت تفتقر إلى الوعي الاجتماعي من حیث إیجاد الضوابط التي تكفل تحقیق الاستقرار الاجتماعي، الذي یضمن بالضرورة استمرار وجودها وتنمیة مصالحها، ویتجلى ذلك في عزوفها عن تبنى السیاسات الاجتماعیة التي تخفف من وطأة المسألة الاجتماعیة التي تمثلت في ثالوث: الفقر، والجهل، والمرض، والتي كانت ترجع إلى سوء توزیع الملكیة الزراعیة، وتدنى الأجور في قطاعي الزراعة والصناعة على السواء، وارتفاع إیجارات الأراضي الزراعیة وعدم الاهتمام بمحو الأمیة، وانتشار الأمراض المتوطنة وغیاب السیاسات الخاصة بالرعایة الصحیة، وانتشار البؤس والفاقة في الریف والمدن على السواء.
الاحتلال البريطاني..
وعن وعي الاحتلال البريطاني بخطورة سياساته: “ومن عجب أن سلطات الاحتلال البريطاني، وهى تتحمل جانب كبیر من مسئولیة صیاغة النظام الاقتصادي الذي استمر بصورة أو بأخرى حتى قیام ثورة یولیو 1952، كانت تعي تماما خطورة استمرار ظاهرة سوء توزیع الثروات بین المصریین من زاویة سیاسیة محضة، فقد كانت تنظر دائما بعین القلق إلى ما قد یترتب على استمرار تلك الظاهرة من قلاقل اجتماعیة، قد تتخذ طابع العمل السياسي المعادى للوجود البريطاني في مصر.
لذلك تبنت سیاسة ترمى إلى توسیع نطاق الملكیات المتوسطة وتشجیعها وتثبیت الملكیات الصغیرة والحیلولة دون استمرار تفتتها، فحاولت أن توفر مصادر الائتمان لصغار ومتوسطي الملاك، وتدخلت بالتشریع في محاولة لحل مشكلة دیون الفلاحین بإصدار قانون، وإذا كانت تلك المحاولات قد باءت بالفشل، فإن ذلك یرجع إلى عدم المساس بالبنیة الاقتصادیة التي أفرزت الظاهرة المطلوب علاجها.
وفیما عدا تلك المحاولة التي تمت على ید الاحتلال البريطاني لا نجد اهتماما من جانب السلطات الحاكمة برسم سیاسة اجتماعیة تهدف إلى تخفیف أعباء الحیاة عن عاتق الطبقة الكادحة الفقیرة، وبالتالي التخفیف من حدة التناقضات الاجتماعیة، فترك الحبل على الغارب لرأس المال الزراعي والصناعي دون ضابط أو رابط، فإذا تدخلت الحكومة بالتشریع كان ذلك لمصلحة الأغنیاء وحمایة لمصالحهم كما حدث بالنسبة لتدخل الحكومة لتنظیم تجارة القطن خلال الحربین العالمیتین التي أنقذت كبار المزارعین من خسائر محققة كانوا عرضة لها لولا تدخل الحكومة لحمایتهم.
ظلم الفقراء..
وتنتقل الدراسة إلى الحديث عن حال الفقراء: “أما بالنسبة للفقراء، فلا تتحرك الحكومة إلا إذا احتدمت الأمور وهددت بالانفجار أو كادت، عندئذ تضع النظم التي تفتقر إلى القوة الرادعة التي تضمن تنفیذها لصالح الفقراء، مثلما حدث بالنسبة للأوامر العسكریة التي صدرت خلال الحرب العالمیة الثانیة ووضعت حدودا لإیجارات الأراضي الزراعیة، ولكنها لم تنص على عقاب الملاك الذین یخالفونها، فلم یلتزم بها أحد.
ولعل لجان التوفیق والتحكیم التي شكلت عام 1919 لفض المنازعات بین العمال وأصحاب الأعمال تقدم نموذجا آخر للاستهانة بمصالح الطبقة الكادحة والاهتمام بمصالح رأس المال، فلم تكن تلك اللجان ملزمة لأحد. ولم تصدر التشریعات العمالیة التي صیغت على مدى النصف الأول من القرن العشرین إلا تحت ضغط الحركة العمالیة، وبصورة تقل كثیرا عما كان یطمح إلیه العمال.
وحتى هذه التشریعات الهزیلة تضمنت النص على عدم سریانها على عمال الزراعة زیادة في الحرص على مصالح كبار الملاك الذین یجلس ممثلوهم في سدة الحكم، ویشغلون مقاعد النیابة عن الشعب في البرلمان دون أن یعوا أن استمرار تفاقم التناقضات الاجتماعیة یهدد تلك المصالح بالخطر”.
السلطة الوطنية..
وعن السلطة الوطنية: “وقد یتبادر إلى أذهان البعض أن السلطة الوطنیة كانت عاجزة عن التدخل بالتشریع لوضع السیاسات الاجتماعیة الواجبة، بسبب الامتیازات الأجنبیة وضرورة تصدیق الجمعیة العمومیة للمحاكم المختلطة على التشریعات حتى تسرى على المؤسسات الأجنبیة والملاك الأجانب (وما أكثرهم !). ولكن ذلك لم یكن واردا عند صناع القرار في مصر، فهناك سیاسات اجتماعیة كان یمكن رسمها دون المساس بمصالح الأجانب، ودون حاجة إلى المرور عبر المحاذیر التي تمثلها الامتیازات مثل مشروع تزوید القرى بمیاه الشرب النقیة ونشر التعلیم الأساسي، وتوفیر الرعایة الصحیة للمواطنین، والاهتمام بالإسكان الصحي في الریف والمدن.
وكلها مطالب رفعتها فصائل مختلفة داخل الحركة السیاسیة ونادت بها أقلام الكتاب الذین كانوا ینشدون الإصلاح من أبناء الشریحة العلیا من الطبقة الوسطى مثل مریت غالى وإبراهيم مدكور وغیرهما.
ومن یتتبع المناقشات التي دارت في المؤتمر الزراعي الثالث الذي عقدته الجمعیة الزراعیة الملكیة بالقاهرة (مارس – ابریل 1949 ) یدرك مدى غیاب الوعي الاجتماعي عند نخبة الطبقة الوسطى المصریة. ففي محاضرة ألقاها حامد جوده بك رئیس مجلس النواب السعدي وأحد كبار الملاك، أمام المؤتمر، طالب زملاءه كبار الملاك بتحسین أحوال عمال الزراعة بإقامة مساكن صحیة لهم كتلك التي یعنون بإقامتها لمواشیهم، وأن یهتموا بعلاج الفلاح كما یهتمون بعلاج مواشیهم إذا أصابها المرض.
وطرح نفس الفكرة في مجلس النواب فلم یلق آذانا صاغیة، بل اتهموه بأنه یرید أن یفتح الطریق أمام أصحاب المبادئ الهدامة، ولم یستمعوا لتحذیره لهم من أن استمرار البؤس والشقاء في الریف هو الذي سیفتح الطریق أمام المبادئ الهدامة ولیس الإصلاح الاجتماعي.
وحدث نفس الشيء عندما تقدم بعض من توافر لدیهم الوعي الاجتماعي من أبناء الطبقة الوسطى، بمشروع تحدید الملكیة الزراعیة إلى البرلمان مثل محمد خطاب عضو مجلس الشیوخ عام 1944، وإبراهيم بيومي مدكور الذي تقدم لمجلس الشیوخ عام 1945 بمشروع قانون تنظیم الملكیة والإیجار والعمل في الزراعة، وإبراهيم شكري إلى تقدم لمجلس النواب عام 1950 بمشروع قانون للإصلاح الزراعي، فقد وجهت كل تلك المحاولات الإصلاحیة بموجه عارمة من المعارضة من جانب النواب والشیوخ وكان مصیرها الرفض.
وراح “مریت غالى” عضو مجلس النواب یدق ناقوس الخطر في كتابه “الإصلاح الزراعى” 1944 داعیا البرجوازیة المصریة إلى التضحیة من أجل وطنهم ومواطنیهم، وعدد تجارب الإصلاح الزراعي التي عرفتها الأمم الأخرى، وأشار إلى التجربة الروسیة التي رأى أن فیها نذیرا بالخطر “إذا أهملنا الإصلاح اللازم أو تغلبت علینا نظریات سیاسیة لا قبل لنا بها”.
التعليم خطر اجتماعي..
وتتسمر الدراسة في الدليل علي ما يشير إلى ضيق أفق الطبقة الوسطى: “ونظرة إلى المناقشات التي دارت بالبرلمان عند نظر مشروع قانون التعلیم الأولى مایو 1933، حیث اعتبر بعض النواب أن تعلیم أبناء الفقراء (خطر اجتماعي هائل لا یمكن تصور مداه، لأن ذلك لن یؤدى إلى زیادة عدد المتعلمین العاطلین، بل یؤدى إلى ثورات نفسیة). وطالبوا بأن یقتصر التعلیم على أبناء الموسرین من أهل الریف، وعبر نائب آخر عن خشیته من أن یفسد التعلیم أبناء الفلاحین ویجعلهم یعتادون حیاة المدینة، ویخرجون إلى حقولهم بالبلاطى والأحذیة ویركبون الدراجات ویتطلعون إلى ركوب
السیارات.
وعندما طرح قانون التعلیم الإلزامي للمناقشة بالبرلمان في عام 1937-1938 تجدد الحدیث حول خشیة إفساد التعلیم للفلاح، وعدم جدوى تعلیم أبناء الفلاح الجغرافیا والتاریخ، وأبدي أحد النواب مخاوفه من أن یجد الفلاحین وقد ارتدوا “جلالیب مكویة أو طواقى بالأجور وأحذیة ملونة”، حتى (لا یتحول أصحاب الجلالیب الزرقاء إلى أصحاب جلالیب مكویة).
المسكنات..
وتؤكد الدراسة علي غياب وعي الطبقة الوسطى: “وتكشف تلك المناقشات عن مدى غیاب الوعي الاجتماعي عند نخبة الطبقة المتوسطة المصریة الذي جعلهم یرون في إبقاء الطبقات الكادحة تعیش في فقر وجهل ومرض أضمن لمصالحها، وبالتالي وقفت ضد كل علاج یطرح لحل بعض جوانب المسألة الاجتماعیة من خلال وضع مسكنات لها، فضلا عن التفكیر في الحلول الجذریة، وزاد من حدة هذا الاتجاه أن الأحزاب السیاسیة التي تعاقبت على الحكم، على اختلاف اتجاهاتها، كانت ترى أن أمامها مسألة تفوق ما عاداها أهمیة هي المسألة المصریة، ونعنى بها تحقیق الاستقلال التام وإجلاء قوات الاحتلال عن أرض الوطن.
أما المسائل الأخرى اجتماعیة وغیر اجتماعیة فعلیها أن تنتظر حتى تحین ساعة الاستقلال، عندئذ یبحث القوم عن حل لها. وهكذا تقاعست كل تلك الأحزاب عن محاولة إیجاد حلول للمسألة الاجتماعیة التي ازدادت تفاقما. ولكن ذلك لم یمنع الفصائل السیاسیة المعبرة عن الشریحة الدنیا من الطبقة الوسطى من أن تستجیب للرفض الاجتماعي من جانب الطبقات المسحوقة، وتطرح تصورات لحل بعض جوانب المسألة الاجتماعیة قبل ثورة یولیو 1952 ساهمت في صیاغتها الجماعات الشیوعیة وحزب العمال المصري سنة 1931 وحزب الفلاح 1938 وجماعة النهضة القومیة 1944، واستفادت “مصر الفتاة” من كل ما طرح من أفكار عند صیاغة برنامج الحزب الاشتراكي سنة 1949 وشكل ذلك كله الإطار المرجعي للسیاسات الاجتماعیة التي تبنتها ثورة یولیو 1952.