16 نوفمبر، 2024 8:45 ص
Search
Close this search box.

الضرب ونفسية الطفل.. يؤدي إلى انعزاله وفقدانه الثقة في نفسه

الضرب ونفسية الطفل.. يؤدي إلى انعزاله وفقدانه الثقة في نفسه

 

خاص: إعداد- سماح عادل

ثقافة مجتمعاتنا لا تدين ممارسة العنف على الأطفال، بل وقد تشجع عليها أحيانا باعتبارها وسيلة ناجعة في التربية، لكن هل يعرف الناس تثير ممارسة العنف على الأطفال، وكيف أنه قد ينحفر عميقا داخل نفسه مسببا له أمراضا نفسية خطيرة.

يقول استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور “محمد فكرى”: “الضرب يؤثر بشكل كبير على شخصية الطفل، حيث يؤدى إلى حدوث اضطرابات شخصية وجسمانية منها الإصابة بالاكتئاب وعدم القدرة على النوم مع انخفاض في وزن الطفل مع عدم النمو، بالإضافة إلى وجود مشاكل في الدراسة والقدرة على التحصيل.

مؤكدا على أن الطفل في هذه المرحلة قد يكون عنيفا إلى أقصى الدرجات تجاه كل من حوله بسبب رغبته في رد العنف القائم عليه، ويشعر الطفل أيضا أنه غير مرغوب فيه لدى الوالدين، ولا يزيل هذا الشعور إلا من خلال الدعم المعنوي للطفل عند طريق شعوره الدائم بالحنان والعاطفة”.

انفعال الآباء..

ويواصل أن “الضرب ليس الطريقة السليمة في تربية الأطفال، حيث توضح الدراسات الحديثة أن الطفل حتى عمر التسع سنوات لا يستطيع أن يدرك العلاقة بين الخطأ الذى قام به وبين العقاب الجسدي والإيلام الذى يشعر بهن وبالتالي لا يحقق الضرب النتيجة المطلوبة في تعليم الطفل بعدم تكرار الخطأ وقد يصاب الطفل المعاقب بالضرب بشكل دائم إلى أقصى درجات السلبية واللامبالاة أو أقصى درجات العنف، لذا يجب الابتعاد عن تلك الوسيلة خاصة أن الدراسات توضح أن 95% من حالات ضرب الأطفال تكون ناتجة عن انفعال أحد الوالدين ومحاولتهم لإخراج هذا الانفعال في الطفل.

توجد طرق كثيرة لتربية الأطفال منها التحدث معهم والتوبيخ البسيط مع حرمان الطفل من الأشياء المحببة لهم بقدر معين، ووفقا لحجم الخطأ مع التأكيد على أنه شخص جيد ومحبوب، ولكن مواقفه هي التي تحتاج إلى تقويم”.

نسيان الضرب..

لا ينسى الطفل الضرب والأحداث المؤلمة في الغالب، لكن قد ينساه أحيانا في سن وظروف معينة، يقول العلماء أنه من المحتمل عدم تذكر ذكريات الطفولة المبكرة وخاصة عندما يكون الطفل تحت سن الثانية أو الثالثة، لكن يعتمد الأمر على عدة أمور منها قوة الضرب ومرارة التجربة والظروف المحيطة بالطفل.

تصنع عقولنا بشكل عام في وقت وقوع حدث صادم العديد من المشاعر والمشاهد والأصوات والروائح وحتى الملامس المرتبطة بالصدمة، وعندما تمر علينا أمور مماثلة كأن نشم نفس الروائح التي شممناها وقت الصدمة نتذكر هذا الحدث، وهذا ما يحدث فعليا مع الطفل الذي تعرض للضرب. وإن نسي الطفل الضرب فمن الصعب التخلص من آثاره التي يتركها عليه طوال حياته، ومن هنا يجب علاج آثار الضرب النفسية بسرعة.

الآثار النفسية..

تختلف استجابات الأطفال للضرب، ولكنهم جميعا يتألمون جسديا ونفسيا، فآثار الضرب النفسية والتنمر الجسدي على الطفل كبيرة جداً منها:

الخوف: فيصبح الطفل خائفا من الشخص الذي يضربه، حتى لو كان أحد والديه، وهذا يؤثر على علاقته به.

الانعزال عن الآخرين: فالضرب يكسر الطفل من الداخل ويترك آثار نفسية كبيرة فيه ما يجعله يفضل العزلة، ويفقد الرغبة في الخروج واللعب مع الأقران، وخاصة إن كانوا يتمتعون بعلاقات سليمة ولا يعانون من الضرب، وقد يغار من أقرانه أيضا.

اضطرابات في النوم والشهية: فعندما يكتئب الطفل ستلاحظ غالبا أن هناك تغيير في نومه وشهيته للطعام فقد يلجأ للنوم الكثير أو قد يقل نومه أو قد يعاني من الكوابيس، كما قد تزيد شهيته كثيرا أو تضعف.

صعوبة في التركيز: يصبح الطفل ضعيف التركيز في المدرسة، وفي المنزل قد تناديه ولا يستجب لك لأنه كثير السرحان.

الانزعاج من التغيير: فحتى التغييرات البسيطة في روتين الطفل تزعجه وتشعره بالتهديد.

آلام جسدية: كالصداع وآلام المعدة وضيق التنفس وغيرها من الأعراض الجسدية التي قد لا تكون على صلة مباشرة بالضرب بقدر ما تكون انعكاسا نفسيا لحالة القلق التي يعاني منها الطفل المعنف.

إعادة دورة العنف: فقد يعيد الطفل دورة العنف الجسدي والضرب، فيتخذ الضرب نهجا له في تعاملاته ويصبح عنيفا، فإن كان يتعرض للضرب من قبل أقرانه في المدرسة فقد يصبح طفلا عنيفاًويرد لهم الضرب أو يضرب من هم أضعف منه في الصف أو حتى اخوانه الصغار، وغالبا يكبر هذا السلوك العدواني معه ليصبح أبا عنيفا يتخذ الضرب نهجا له في تعامله مع أبنائه وزوجته، وهكذا يديم هذا الطفل دورة العنف والضرب التي قد تستمر لأجيال طويلة.

قبوله بالضرب والتعنيف: فقد تكون ردة فعله معاكسة لما سبق فيقبل بالضرب وبالتعنيف اللفظي والجسدي من الناس دون اعتراض.

سلوكيات جسدية أو نفسية أخرى: وقد يطور الطفل سلوكيات جسدية أو نفسية أخرى مثل العناد، وتعاطي الممنوعات.

البحث عن شخص بديل: فإن كان والدي الطفل هما من يضربانه، فسيبحث عن نموذج الأب أو الأم في أشخاص آخرين خارج المنزل. وتكمن خطورة هذا الأمر عندما يستغل الكبار حاجة الطفل للعطف والحنان ويستغلونهم في أمور أخرى قد تصل للاعتداء الجنسي أحيانا، ناهيك عن الفتاة التي قد تكبر وترتبط برجل كبير في السن اعتقادا منها أنها أحبته، ولكن الواقع هو أنها وجدت فيه نموذج الأب الذي افتقدته، فتنشأ بينهما علاقة غير صحية وقد يفشل زواجهما.

مشكلات في الشخصية: فيكون عادة هذا الطفل يعاني من ضعف الثقة بالنفس، وقد يعاني من عقدة النقص والأنانية وغيرهم من مشكلات الشخصية.

علاج آثار الضرب النفسية..

الضرب أمر من الصعب نسيانه من قبل الطفل الذي تعرض له، وعلى الأهل أو المربين أو المسؤولين عن الطفل محاولة علاج آثار الضرب النفسية التي تترك على الطفل. وذلك من خلال اتباع النصائح التالية:

حافظ على هدوئك: فأدر صدمتك ولا تفقد أعصابك وتبدأ بالصراخ مستنكرا الذي حدث أو ملق اللوم على الطفل على ما حدث معه، حتى لا توتر الجو وتزيد من توتر وخوف الطفل.

هدئ من روع الطفل وطمئنه: قل له أنه الآن بخير وأن ما حدث له قد انتهى وأنك بجانبه مهما حدث وستحميه، وقد تضطر لطمأنته باستمرار وخاصة بعد الحادث بفترة قصيرة.

استمع له ولا تصغر من آلامه: فاستمع لروايته لما حدث معه، وتفاعل معه وقل له أنك تقدر آلامه ومخاوفه، وعندما يروي قصته انزل لمستواه فاجلس على ركبتيك وربت على كتفه لطمأنته.

امنحه بعض الوقت: فليس من السهل أن ينسى الطفل الضرب، وأن يتعافى من آثار الضرب النفسية، فامنحه الوقت واستحمل بكاءه وشكواه.

شجع الطفل على التعبير عن مشاعره وتسميتها: فقل له أن يعبر عن خوفه ويشرح ما الذي أخافه، وبماذا شعر عندما تعرض للضرب، فهذا يساعده على فهم مشاعره والتعبير عنها وعدم كتمانها وبالتالي يخفف هذا من آثار الضرب النفسية عليه.

احم الطفل من التعرض لمواقف مشابهة أو التذكير بالموقف: ففي كل مرة يتعرض فيها الطفل لموقف مشابه سيتذكر ما حدث معه، وهذا سيزيد من المدة التي يحتاجها لعلاج آثار الضرب النفسية. وقد تحتوي القصص أو الأفلام أو ما يشاهده الطفل على التلفاز أو الإنترنت على أمور تثير مخاوفه من جديد وتجعله يجتر آلامه ويتذكر الموقف.

تكلم مع من حول الطفل بما حدث: فأخبرهم بطريقة التعامل معه وضرورة عدم تذكيره بالموقف، وطمأنته باستمرار.

ركز معه على الحاضر: فشجعه على نسيان الماضي بإشغال وقته وإسعاده ليعيش الحاضر ويسعد به، وهكذا سيتجنب عقله استدعاء الضرب الذي قد تعرض له.

اطلب المساعدة: قد تحتاج لمساعدة الأخصائيين أحيانا وخاصة إن لم يتحسن طفلك لفترة طويلة، أو إن كنت أنت أيضا متأثرا، أو إن كان الشخص الذي يضرب الطفل قريب جدا منه ويصعب عليك فصل الطفل عنه كوالده مثلا.

الضرب من الأبوين..

قد يتعرض الطفل للضرب من قبل الكثيرين، ولكن آثار الضرب النفسية على الطفل تكون أشد وتدوم أكثر إن كان من يضرب الطفل هو والده أو والدته أو شخص عزيز عليه وقريب جدا منه.

لأنهم الأقرب له عاطفياً: فآثار الضرب النفسية شديدة جدا بشكل عام، فما بالك لو كان هذا الضرب من شخص عزيز عليكن هذا ما يحدث مع هذا الطفل الصغير الذي يحب والديه لدرجة لا تصدق ويرى العالم بأكمله في أعينهما، ولكم أن تتخيلوا كم سيتألم لو ضرباه وهما أمله في الحياة وأغلى ما يملك.

لأنهم القدوة: فأبويه أو الأشخاص العزيزين جدا على قلبه وقريبين منه كأقاربه من الدرجة الأولى مثلاً أو أجداده يشكلون القدوة بالنسبة له، وهذا سوف يجعل الطفل يكرر السلوك العدواني ويتخذ الضرب نهجا له ويديمه عبر الأجيال.

لأنهم معه لوقت طويل: فإن كان يتعرض للضرب من قبل أحد والديه، فهذا الأمر أصعب من أن ينسى، لأنه سيتذكر الضرب كلما نظر إليه، وسيتعرض للضرب بشكل مستمر في المنزل.

في التربية..

بحسب علم النفس التربوي الحديث فإن العنف النفسي واللفظي من أسوأ الأساليب التربوية التي ثبتت آثارها السلبية قريبة وبعيدة المدى على الطفل من الناحيتين الصحية والنفسية.

لكن الأهم أن الفائدة من العقوبة الجسدية للأطفال ما تزال موضع تساؤل، حيث يرى خبراء التربية الحديثة أن العقوبة الجسدية لا تؤدي إلى تعديل سلوك الطفل بقدر ما تقود إلى كبته في أسوأ الأحوال، ما يعني أن السلوك السيء سيظهر في أول فرصة متاحة في حال غياب رقابة الأهل أو قدرة الطفل الكبير على منعهم من تعنيفه. ضرب وتعنيف الأطفال بشكل مفرط وخارج عن السيطرة لا يقود إلّا لبتر الروابط العاطفية مع الأهل وخلق أزمات عاطفية ونفسية لدى الطفل قد لا تزول آثارها طوال حياته.

العقاب..

يجب أن يكون العقاب في صورة غير الضرب، فقد ينصح بسياسة العقاب والثواب لأهميته النفسية في توجيه وتعديل سلوك الطفل وحسن تربيته. مثل الحرمان المادي كمنع الطفل من أخذ مصروفه اليومي، أو عدم شراء حاجات له كاللعب وأدوات التسلية والملابس وغيرها. ومن الممكن أن يكون الحرمان معنويا مثل الخصام المؤقت والامتناع عن مشاركة الطفل في ألعابه وحرمانه من الاستمتاع بيوم إجازته الأسبوعية.

على الآباء إدراك أن اختيار وسيلة العقاب تختلف من طفل إلى آخر، وتعتمد على الدراسة الكافية لشخصية الطفل، من طريقة التفكير ومشاعره ومفهومه عن نفسه والآخرين. يجب أن يكون العقاب بطريقة سرية لا تخرج عن نطاق الأسرة، ولا يكون مشاعا يحكى به في كل مكان وزمان لأن ذلك يؤثر على نفسية الطفل ويأتي بنتائج عكسية ضارة.

مخاطر الضرب..

– الضرر الجسدي: الأهل يكونون في حالة لا يدركون فيها ماذا يفعلون من شدة غضبهم، يضربون الطفل دون النظر إلى أين تتجه أيديهم، فقد تصل الوجه حيث الأعصاب الحساسة وقد تصل الرأس مركز العصب المتحكم بكل جسم الطفل. قد يتسبب هذا للطفل بأمراض عصبية على المدى البعيد مثل الزهايمر، وكذلك قد يؤثر على وظائف المخ في الإدراك مما يقلّل من قدرات الطفل العقلية وذكائه. إن كان الضرب شديدا وقويا فإن قد يصيب الطفل بنزيف في الدماغ، نظرا لقوة يد الأب أو حتى لو استخدم الأب أي أداة أمامه لتصل الطفل أو أنه ضربه بالحائط أو الأرض.

– الضرر النفسي: الضرب هو إجراء سريع لا يشعر الوالدان متى يقومان به، ولا يشعر الطفل أنه سيتعرض له. لذلك فإن ضرره النفسي كبير نظرا لخوف الطفل من المفاجأة التي حلّت عليه. هذا يجعل الطفل يفقد الثقة بوالديه، كما ويشعر بأنه قد يتعرّض لذلك في أي وقت ممكن مما يجعل الخوف ملازما له. كذلك يشعر بعدم الثقة بوالديه، وليس فقط بوالديه بل بنفسه أيضا، كما ويشعر بأنه غير محبوب وغير مرغوب به لذلك هو يتعرض للضرب، خاصة لأن أغلب الوالدين لا يفسرون ردود فعلهم لأطفالهم ولكنهم سرعان ما يتخذون الإجراءات ويبدأون ضرب الطفل.

-الضرر العاطفي: عندما يتعر ض الطفل للضرب يزداد عنده الشعور بعدم حب والديه له ورفضهم وعدم قبولهم له كما هو. وإن عدم توضيحهم لما جرى وتصحيحه ليتعلّم منه الطفل كي لا يكرّره يجعل الطفل يفقد إحساسه بالراحة بقرب والديه، لأنهم لم يعودوا مصدره الأساسي للحب والثقة والأمان. هذا يتسبب بأن يفقد الطفل حبه لوالديه واحترامه لهم في المستقبل، لأنهم السبب في فقدانه لكرامته وعدم ترك المجال له كي يعتز بنفسه. ولأنه يشعر بأنه قد تدمر عاطفيا يصبح غير قادر على التعبير عما يدور بداخله بطريقة سليمة، بل تكون ردود فعله سيئة مثلاً تجد أنه يتعامل بالضرب والكذب على الآخرين، وقد يخدعهم حتى يحاول الهروب من واقعه وتمثيل كل ما يشعر به وتطبيقه على غيره.

-الضرر الاجتماعي: يحاول الطفل قدر المستطاع أن ينعزل عن المجتمع ويبتعد عن مواجهة الناس، لأنه لا يعرف متى سيقوم والداه بذلك التصرف السريع ويبدأون بضربه. الضرر في ذلك هو إذا شاهد هذا الطفل طفلا آخر مع أهله يلعب ويضحك ولا يتعرض للضرب كما الحال معه، فتتولّد عنده مشاعر غريبة مثل الحقد على ذلك الطفل ورغبته في الانتقام منه بسبب غيرته منه. وقد يتعرض الطفل ووالداه إلى مشاكل مع أهل الطفل الآخر بسبب رغبته في التعبير عن غضبه لما يفتقده من مشاعر يحملها الطفل الذي يراه.

– الضرر الفكري: قد نقول إنه طفل صغير لا يدرك وأنه سوف ينسى ما حصل له من ضرب والديه، إلا أننا نجهل أن ذلك يسبب الكسل عند الطفل وقلّة حركته خوفًا من عمل شيء خاطئ يسبب له الضرب دون إدراكه ما فعل. فهو يفضل الركود وعدم عمل أي شيء وبالتالي عدم تحمل مسؤولية أي شيء حتى لو كان مجرد ترتيب مكان ألعابه. فهو يشعر بالخوف من أن يضع اللعبة في مكانها الخاطئ فيتعرض للضرب، لذا فهو يفضل عدم تحمل مسؤولية ترتيب الألعاب على أن يقوم بها ويخطئ بها ويضرَب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة