7 أبريل، 2024 5:14 ص
Search
Close this search box.

الصوم.. عرف في الحضارات القديمة بهدف الارتقاء بالروح

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

الصوم عبادة في الديانة الإسلامية، لكن الشعوب الذين عاشوا قبل الدعوة الإسلامية عرفوا الصوم، وكانت كل حضارة له فلسفتها الخاصة بالصوم.

المصريون القدماء..

كلمة صوم في أصلها، هي كلمة مصرية قديمة، تنطق “صاوم”، بمعنى “امتنع عن”، وهي قريبة الشبه جداً من المعنى في اللغة العربية، فيقال “صامت البكرة”، أي توقفت عن العمل. اعتاد المصريون القدماء الصوم في الأعياد المخصصة لنهر النيل، الإله حابي، في عقيدتهم، لأنه كانوا يعتبرونه مانح الخيرات، ولهذا أرادوا عليهم إكرامه والتقرب منه بتطهير النفس من الأخطاء.

انقسم صوم المصريين القدماء، إلي نوعين الأول صوم البسطاء، وهو ثلاثة أيام من كل شهر وأربعة أيام في بداية كل سنة، إضافة لنوع آخر من الصيام يقتضي تناول الخضار والماء لمدة سبعين يوماً، والثاني صوم كبار الكهنة في المعابد المختلفة. صوم المكرسين لخدمة الآلهة المصرية القديمة في المعابد، يبدأ من شروق الشمس، وينتهي مع غروبها، وهو أمر يتسق مع اعتقادهم أن الحياة تدب في الأجساد، مرة أخرى مع أول شعاع من الشمس، بعد أن تكون قد فارقت الأبدان في الليل، وقت النوم. وقد يصل إلى حوالي الأربعين يوماً.

ذكر “هيرودوت” المؤرخ اليوناني أن “المصريون أفضل الناس صحة، لأنهم يقومون بتنقية أجسادهم من الطعام بالصوم ثلاثة أيام من كل شهر”.

الإغريق..

تعلم الإغريق علومهم وآدابهم، والكثير من شرائعهم الحياتية عن المصريين القدماء، مما يجعلنا نستنتج أنهم أخذوا عادة الصوم من المصريين. العديد من فلاسفة اليونان الكبار زاروا مصر، مثل “سولون” الشاعر ورجل القانون والمشرع، وزار مصر في 600 قبل الميلاد، وهو سابق لأفلاطون بقرابة ثلاثة قرون وعنه نقل الكثير من القصص.

مفهوم الصوم عند الإغريق القدماء وجد في بيئة يميزها الفكر الفلسفي، فنجد كبار الفلاسفة اليونانيين صوامين، وأولهم سقراط الذي عرف بكثرة الصوم، للوصول إلى حالة عالية من الصفاء الذهني والنفسي، ليصل إلي الترقي في مسارات الروح والصعود في مساقات السماوات، بعيداً عن صراعات الجسد التي تشده إلى أسفل.

و آمن “أبقراط” الطبيب اليوناني والحكيم الذي ولد في القرن الخامس قبل الميلاد. بفلسفة الوقاية كبديل للعلاج، وكان يري أن أهم أدوات الوقاية، التقليل من الطعام، وصوم أكبر قدر ممكن من الأيام، وكان ينصح مرضاه بألا يلجأوا إلى الدواء المادي، إلا في آخر مرحلة من مراحل العلاج.

وبشكل عام صام اليونانيون القدامى، قبل الأحداث المهمة في حياتهم، فقد احتفل كهنة المعابد، بـ”عيد الفطر لديهم”، بعد تخرجهم في المدارس العليا، التي كانوا يتلقون فيها الأسرار الكبرى والصغرى، في عشاء ديني، أطلقوا عليه “العشاء الرباني”،  إحياء وتكريماً لذكرى الإله “رملتر” نفس الاسم الذي استخدم في المسيحية فيما بعد.

ونادي اليونانيون بالصوم قبل الحروب، خاصة في أزمنة حروبهم مع أسبرطة. كان الصوم قبل الحروب نوع من التدريب اليومي على الصبر  والتحمل عند المخاطر، إلى جانب  التمهيد لتلقي النبوءات.

البوذية..

أعطت البوذية الصوم مكانة هامة في بعض أيام السنة، خاصة اليوم المعروف باسم عيد “فيساخ”، وهو ذكر “بوذا”، ويوافق يوم وفاته. حيث يتوقف البوذيون في هذا اليوم عن كثير من الأفعال، أولها ممارسة الجنس وأكل اللحوم أو شرب الكحول.

يعد البوذيون الصوم أداة لتطوير مكانة “الكارما”، التي توازي في الديانات السماوية النفس، ويعتقدون أن كل فعل تقوم به الكارما، ستكون له نتيجة مشابهة.

الصوم في العقيدة البوذية يرتبط  بالاعتقاد بفكرة تناسخ الأرواح، كلما تطهرت الروح من أمراض الجسد ارتفعت الكارما إلى مدارات ومسارات أعلى بمراحل، وما دام لديها فرصة للعيش على الأرض، يمكنها ممارسة شكل من أشكال الجهاد الروحي لتحسين وضعية الكارما بعد الموت الجسدي.

هناك صيام عن العمل صيام أربعة أيام من كل شهر قمري، وتُسمّى تلك الأيام بالـ “يوبوزاتا” وهي (اليوم الأول، والتاسع، والخامس عشر، والثاني والعشرون) بالتوافق مع منازل القمر الأربعة، ويعني الصوم في تلك الأيام التوقف عن أي نوع من أنواع الأعمال والتفرغ للتأمل وتفريغ الطاقات السلبية بالابتعاد عن أي عمل من أعمال الدنيا بما في ذلك التفوه بالبذاءة والغناء والرقص ووضع مستحضرات التجميل، ولذلك فإن أتباع الديانة البوذية يقومون بإعداد الطعام منذ اليوم السابق لأيام الصوم الأربعة لما في الصوم من حرمة القيام بأي نوع من الأعمال.

الطاوية..

في الصين ولدى أفراد مذهب الطاوية، يؤمنون أن الصوم وسيلة تحقيق الخلود، ومذهب الطاوية، أكثر المذاهب الصينية انتشارا بعد الكونفوشيوسية، ولا يرون الصوم وصايا إيمانية عقائدية، وإنما تجليات فلسفية روحية، تهذب النفس البشرية. تسمي الطاوية الصوم مذهب الـ”بيغو”، ويعد نوعا من العلاج الطبيعي التقليدي الذي يمارس في أنحاء البلاد.

الهندوسية..

رؤية الهندوسية للصوم مغايرة، الصوم لديها طريق صاعد من الأرض إلى العالم الآخر، وفي هذا الطريق تتخفف الروح الإنسانية من الشوائب التي تعلقت بها في صخب الحياة والمسيرة اليومية  المضطربة. ويركز المذهب الهندوسي على التزام الزهد في الحياة، والقدرة على ضبط الشهوات، والتحكم في الأهواء.

مثلا في جنوب الهند يصوم البعض الثلاثاء من كل أسبوع، وفي الشمال يقدس آخرون صوم يوم الخميس، أما المؤمنين الإلهة شيفا، المتعددة الأذرع، يصومون يوم الاثنين، وأتباع الإلهة “فيشنو” يوم صومهم الخميس، تختلف طريقتهم في الصوم ما بين الامتناع الخفيف عن الأكل إلى التطرف في الامتناع عن الطعام الذي يمكن أن يودي بأصحابه إلى الموت.

السيخ..

رغم أن السيخ لا يؤمنون بفكرة الصوم، وفي كتابهم المقدس “غوروس”، الصوم لا يجلب أية فائدة روحية للشخص، بل يعده السيخ تعذيباً للجسد دون أي مردود، لكنهم مع ذلك لا يرفضونه لو لأسباب صحية، وفي نفس الوقت يعتقدون أن المبالغة في الطعام والشراب، يخالف التوجهات الروحية لديانتهم التي تتمحور حول الإله فشنو، إله الخلاص. يصوم الرهبان عن الطعام بداية من الظهر حتى صباح اليوم الثاني، بهدف عيش حياة الزهد، والصحة الجيدة التي تساعد على التأمل.

الصابئة..

الصابئة لديهم صومان، صوم كبير وصوم صغير، يصومون في 36 يوماً كل عام، موزعة على أشهر السنة، عن الطعام، وتحديداً عن تناول لحوم الحيوانات ومشتقاتها وعن شرب الخمر، ويمتنعون عن نحر وقتل أي حيوان وعن كل ما يشين الإنسان وعلاقته مع الرب من محرمات، ويفطرون في يوم عيدهم على لحوم الخراف. كما يستحب صيام كل يوم أحد وأربعاء وخميس من كل أسبوع، وصيام أيام شهر ناتق القمري “رمضان”، صيام نافلة، ويُستحب صيام الأيام التي تظهر فيها ظواهر فلكية كالخسوف والكسوف.

العقيدة الجاينية..

العقيدة الجاينية واحدة من الديانات المنتشرة في الهند وصومها عبارة عن نظام غذائي نباتي صارم، وللصيام عدة أشكال، منعا الامتناع عن تناول الطعام حتى الوصول إلى حالة الشبع، أما الصوم الكامل فيشمل الامتناع عن الطعام والشراب، أو شرب الماء المغلي فقط، ويتمّ تحت المراقبة، وخلال الصوم يجب أن يخدم الصائم الرهبان والراهبات، لرفع الروح وحل الكرمة السيئة.

أغرب أشكال صيام في العقيدة الجاينية هو الصيام التطوعي حتى الموت، كخيار مقدس لمغادرة العالم، ويتم خفض مستويات الطعام فيه تدريجياً على مدى سنوات، وهذا النوع من الصيام لا يعدّ انتحاراً في معتقدهم، لأنه لا يحدث تحت تأثير الغضب والحزن أو مشاعر سيئة، بل بدافع الزهد يقرّر الإنسان التخلي عن كل ما هو مادي بغرض تطهير الجسد من جميع الرغبات لإزالة الخطايا وتحرير الروح من مدار الولادة والاستعداد للبعث من جديد حسب اعتقادهم. ويقدّر الخبراء بأنه وتحديداً في الهند أن هناك أكثر من 200 إنسان يموتون سنوياً بهذه الطريقة التي تُسمّى بالسانثارا التي يطالب البعض بتجريمها ومنعها، ويعتبرها أتباع الديانة الجاينية فضيلة كما يقول “سادفي شوبانكار” الكاهن في الديانة الجاينية: “إنه ليس عملاً انتحارياً، بل هو تفكير عقلاني وشجاعة”.

قبل البعثة..

صام العرب قبل البعثة يوم عاشوراء تقليدا لجيرانهم من اليهود. روى البخاري ومسلم عن عائشة: “كان يومُ عاشوراءَ يومًا تصومه قُرَيشٌ في الجاهليَّةِ، وكان رسولُ اللهِ يصومه في الجاهليَّةِ، فلما قَدِمَ رَسولُ اللهِ المدينةَ صامه وأمَرَ بصيامِه، فلما فُرِضَ رمضانُ كان هو الفريضةَ وتُرِك عاشوراءُ، فمن شاء صامه، ومن شاء تركَه”.

الزرادشتية والأيزيدية..

في بلاد فارس وما حولها قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، انتشرت تلك العقائد أما الآن فيتوزع أتباعها في العراق وسوريا وتركيا وإيران والهند وأفغانستان وأذربيجان وغيرها من المناطق المتفرقة. أتباع الزرادشتية حرموا الصيام لاعتقادهم بأنه يؤثر سلبًا على العمل وصحة الجسد. أما لدي أتباع الأيزيدية فالصيام مقدس ومدته ثلاثة أيام يبدأ يوم الثلاثاء وينتهي يوم الخميس بحسب تقويمهم. يتوقفون فيه عن الطعام والشراب من شروق الشمس وحتى المغيب، أما رجال الدين فكانوا يصومون الثلاثة أيام بصورة متتالية ويفطرون في يوم يُسمى (عيد ئيزي)، لذلك فالصيام عندهم يُقسم إلى نوعين: صيام العامة وصيام النخبة وهم رجال الدين.

بابل..

عرف الصوم في بابل، سمي باسم “شيتو” ولم يكن فرضا ملزما، فكانوا يصومون ثلاثين يومًا متفرقة عدد ما تقطعه الشمس في كل برج من بروجها، فيمسكون عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها، ويفطرون على غير اللحوم من الألبان والنباتات إلا ما حُرّم منها.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب