17 نوفمبر، 2024 2:44 م
Search
Close this search box.

الصعود إلى الهواء.. فزع الحرب وما بعدها

الصعود إلى الهواء.. فزع الحرب وما بعدها

 

خاص:  قراءة- سماح عادل

رواية (الصعود إلى الهواء) للكاتب البريطاني “جورج أورويل” تحكي عن رؤية الإنسان العادي للحروب، التي تورط الرأسمالية الناس فيها وتهدم لديهم سلامهم النفسي نحو الحياة والمستقبل.

الشخصيات..

جورج بولينج: البطل، رجل بدين في الخامسة والأربعين، يعمل في شركة تأمين، رجل ينتمي لشريحة دنيا من الطبقة الوسطى، نشأ في قرية صغيرة ابنا لبائع في حانوت صغير، لم يكمل تعليمه وعمل سنوات في محل بقالة، ثم تطوع في الجيش في الحرب العالمية الأولى، وتزوج وأنجب طفلين ليصبح رب أسرة عاديا، مثل آلاف آخرين في انجلترا في ذلك الوقت.

هيلدا: زوجة البطل، كانت تنتمي لأسرة أعلى طبقيا منه، لكنها أسرة مفلسة بسبب تقاعد والداها، وهي زوجة حريصة على تدبير شئون المنزل ودائما لديها هوس وخوف من المستقبل، ومن نقص الأموال، ومن رعب عدم تلبية حاجات المنزل والأطفال، ولا تهتم بأية قضايا وطنية.

بروثيوس: مدرس متقاعد، أعزب، صديق للبطل، يذهب إليه كلما شعر بضيق من الحياة الزوجية ليتناقش معه في بعض الأمور، وهو مثقف مهتم بأمر الحضارات القديمة، يعزل نفسه عن أي مظاهر للحضارة الحديثة ولا يهتم بها.

الراوي..

البطل “جورج” يحكي من أول الرواية لآخرها عن نفسه بالأساس، ويحكي عن طفولته وماضيه ثم يتابع الحكي عن الوقت الذي يعيشه، والأحداث، وهو يحكي عن الشخصيات الأخرى من خلال وجهة نظره هو ورؤيته للشخصيات. .

السرد..

يعتمد السرد على حكي ما يدور في عقل البطل وما يشعر به ويحسه، يبدأ الحكي في الوقت الحاضر ثم يعود الراوي في الزمن ثم ينتقل إلى الوقت الحاضر، وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة، والسرد أقرب إلى الحياد رغم أنه يحكي مشاعر وانفعالات البطل، لكنه أقرب إلى رؤية متفرج على ما يدور أكثر من بطل متفاعل ومتورط في الأحداث.

فزع الحرب وما بعدها..

أهم ما يميز الرواية أنها تحكي عن شعور الرجل العادي تجاه الحرب التي تخلقها الرأسمالية وتفتعلها لحل أزماتها، فالبطل يحكي عن الفترة ما بين أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكيف أن انجلترا في ذلك الوقت كانت تعاني من تفاوت طبقي هائل، فالناس في قرية صغيرة كان يعيش فيها البطل اسمها “بينفيلد” يعانون من فقر مدقع ويوشكون على الإفلاس، ومنهم من يموت بأمراض نتيجة لفقره، ومنهم من يعيش في ملاجئ بعد إفلاسه، وأسر كثيرة يعيشون حياة صعبة مثل “كاثي” التي كانت ترعى “جورج” وهو صغير، كانت تعيش في غرفتين مع أسرتها حتى أن خمسة ينامون على سرير واحد وقد أصبح لها طفل وهي في الخامسة عشرة لم تكن تعرف من هو والده، أودعته الملجأ ثم ذهبت للعمل، وتزوجت سمكري، وكانت تبدو عجوزا في الخمسين وهي في السابعة عشرة من عمرها، وغيرها كثيرون كانوا يعيشون فقرا مدقعا لكنهم كانوا يشعرون بأن الحياة ثابتة ولن تتغير، لكن الحرب جاءت وبثت الفزع في قلوب الناس.

وأولهم البطل الذي هو رجل عادي غير متعلم، بالكاد يقرأ بعض الكتب ويقوم بأعمال تجعله ينتمي أولا للكادحين، فهو ابن رجل يمتلك محلا صغيرا في قرية، مع التطور الرأسمالي يتدهور حال المحل ويوشك على الإفلاس، لكنه يموت قبل أن يصل إلى ذلك بعد أن يضطر إلى أن يدفع بولديه إلى العمل وهم أطفال، فيعمل “جورج” في محل بقالة ويساعد والديه في المعيشة، وحين تندلع الحرب العالمية الأولى 1914 يتطوع بحماس في الجيش ليكتشف وحشية الحرب وسوأها، وفساد الحكومات التي تديرها.

حيث تدفع الحكومة الانجليزية أموالا طائلة لأجل الحرب، ويعمل لديها أعدادا هائلة في أعمال غير مخطط لها، حتى أن أناس كثيرون يعملون أعمالا وهمية ويتقاضون أجرا عليها، وحينما تنتهي الحرب يخرج هؤلاء إلى العراء، فيخسرون أي أمان اقتصادي أو اجتماعي ويصبحون عاطلين عن العمل، وتصبح فترة ما بعد الحرب أسوأ من فترة الحرب بمراحل، لكن البطل لا ييأس ويظل يعمل أعمالا متاحة كبائع متجول، بعد أن خدمه حظه أثناء فترة الحرب والتحق بصدفة بأحد هذه الأعمال الوهمية التي نال عليها أجرا منتظما، ثم وعن طريق المصادفة يحصل على عمل في شركة التأمين ويستمر يعمل بها سنوات طويلة، ويتزوج ويكون أسرة ويشتري منزلا بقرض، مثلما يفعل كثيرون مثله، في منطقة تدعى “ايلسيمير”. وينوه البطل إلى فساد شركات البناء التي تبيع تلك البيوت لأهلها بفوائد مضاعفة ويربحون أموالا طائلة من وراءهم.

ثم يعاني البطل من مشاكل شخصية تتمثل في وصوله إلى منتصف العمر ودخوله إلى مرحلة الشيخوخة، واستعانته بأسنان اصطناعية وتحوله إلى رجل بدين يضحك من حوله، وشعوره بعبء ثقيل يتمثل في إعالته لزوجته وأطفاله، فهو رب أسرة لابد وأن يكدح لأجل أن يعيل أفرادا آخرين ويمنعه ذلك من الاستمتاع حتى بوقت قصير من حياته.

لكن أكثر ما يؤرقه هي الحرب القادمة، والتي يعلن عنها، الحرب العالمية الثانية، التي ينتظرها كما الجميع بترقب وفزع ورعب، وقد عرف بعد معايشته للحرب العالمية الأولى أنها كارثة كبرى، خاصة مع فاشية هتلر وستالين والمعسكرات، وتعذيب الناس بوحشية والذي يسمع عنه، والقنابل والتي اختبرها بنفسه أثناء زيارته لقريته التي تربى فيها طفلا، حين أخطأ أحد الجنود الانجليز وأسقط قنبلتين على المدنيين.

ينتقد البطل أثناء حكيه الحرب والفاشية والكارثة التي توشك عليها أوروبا وهو في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين، كما ينتقد مظاهر الحضارة من راديو وحافلات وطائرات كانت حديثة العهد في ذلك الوقت، ويعتبر كل هذه المظاهر مصدرا للصخب، ويحن لأيام الهدوء والسلام النفسي الذي عاشه في قريته المسالمة الهادئة البسيطة، معتبرا أن أي تطورا رأسماليا هو وبالا على الإنسان، فهي تجعله يعمل ويكد بلا انقطاع ليبلي احتياجات لابد منها، ناسيا نفسه وسلامه الداخلي ومتخليا عن كل ما يجعله إنسانا حقيقيا.

الكاتب..

“إريك آرثر بلير” هو الاسم الحقيقي ل”جورج أورويل” وهو الاسم المستعار له والذي اشتهر به، (25 يونيو 1903م – 21 يناير 1950م). هو صحافي وروائي بريطاني. عمله كان يشتهر بالوضوح والذكاء وخفة الدم، والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية. كتب “أورويل” في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. أكثر عمل عرف به هو عمله الديستوبي “رواية 1984” التي كتبها في عام 1949، وروايته “مزرعة الحيوان” عام 1945 والاثنتين تم بيع نسخهم معا أكثر من أي كتاب آخر لأي من كتاب القرن العشرين.

كتابه “تحية لكتالونيا” في عام 1938 كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهلية الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنه مقاله الضخم في السياسية والأدب واللغة والثقافة. في عام 2008 وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة “أعظم 50 كاتب بريطاني منذ عام 1945″، واستمر تأثير أعمال “أورويل” على الثقافة السياسية السائدة ومصطلح “أورويلية” الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل “الأخ الأكبر”، “التفكير المزدوج”، “الحرب الباردة” و”جريمة الفكر” و”شرطة الفكر”. عانى “أورويل” من مرض السل في وقت مبكر، وتوفي في العام 1950 ولم يبلغ حينها سوى السادسة والأربعين من العمر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة