إعداد/ وفاء الريحان
تتمثل الحروب الجديدة في حروب عصر العولمة، وهي عادة ما تحدث في المناطق التي ضعفت فيها الدول السلطوية إلى حد كبير، نتيجة الانفتاح على بقية العالم، وفي مثل هذه السياقات ينعدم التمييز بين الدولة ودون الدولة، والعام والخاص، والخارجي والداخلي، والسياسي والاقتصادي، وهو ما يتسبب في العنف.
ويختلف منطق الحروب الجديدة عن ما كان موجود في الحروب القديمة –وهي الحروب التي كانت سائدة في القرنين التاسع عشر والعشرين-وقام كالدور باستنتاج الاختلافات بين الحروب القديمة والجديدة في أربعة عناصر سيتم تناولها في التالي:
– القوى الفاعلة: فالحروب القديمة كانت تقوم بها الجيوش المسلحة للدول، أما الحروب الجديدة فتُقاتل فيها مجموعات مختلفة من الدول والفاعلين دون الدولة والمقاولين الأمنيين الخاصين والمرتزقة والجهاديين والقوات شبه العسكرية.
– الأهداف: كانت الحروب القديمة تتم من أجل المصالح الجيوسياسية أو الأيديولوجية (الديمقراطية أو الاشتراكية)، أما الحروب الجديدة فتتم باسم الهوية (العرقية أو الدينية أو القبلية) ويرتبط نهوض سياسات الهوية بتكنولوجيا الاتصالات الجديدة، ومع الهجرة من بلد إلى أخر عبر العالم وتآكل إيديولوجيات سياسية أكثر شمولية كالاشتراكية أو ما بعد الاستعمار القومي، ويتم بناء سياسة الهوية من خلال الحرب وهكذا فسياسة التعبئة حول الهوية هي هدف الحرب وليس أداتها كما كان الحال في الحروب القديمة.
– الطرق: تُعد المعركة في الحروب القديمة هي اللقاء الحاسم، وكانت طريقة شن الحرب تتمثل في الاستيلاء على الأراضي من خلال الوسائل العسكرية، وفي الحروب الجديدة، تكون المعارك نادرة ويتم الحصول على الأراضي بالوسائل السياسية من خلال السيطرة على السكان، واستخدام أساليب كالنزوح القسري لأولئك الذين لديهم هوية وآراء مختلفة، فالعنف موجه بشكل كبير ضد المدنيين كطريقة للسيطرة على الأراضي وليس ضد قوات العدو.
– أشكال التمويل: يتم تمويل الحروب القديمة إلى حد كبير من قبل الدول، أما الحروب الجديدة تحركها مكاسب اقتصادية ولكن من الصعب التمييز بين أولئك الذين يستخدموا العنف السياسي لأسباب اقتصادية، ومن ينخرطوا في الأنشطة الاقتصادية للتمويل، فبينما كانت اقتصاديات الحروب القديمة مركزية، فإن الحروب الجديدة هي جزء من اقتصاد لامركزي معولم مفتوح، تكون المشاركة فيه منخفضة وتتوقف العائدات على استمرار العنف.
وبشكل عام، فإن تلك الاختلافات توضح أنه بينما يسعى كل طرف في الحروب القديمة إلى الفوز، فإن الحروب الجديدة تميل إلى الانتشار والاستمرار أو التكرار، وفي حين أن الحروب القديمة كانت مرتبطة ببناء الدولة، فإن نظيرتها الجديدة تميل إلى المساهمة في تفكيك الدولة.(1)
طبيعة الصراعات المسلحة
يتناول هذا التقرير الصراعات المسلحة داخل الدول باعتبارها أحد أهم أوجه الحروب الجديدة، ويقتصر هذا النوع من الصراع داخل حدود دولة ذات سيادة، وازدادت تلك الصراعات منذ الحرب العالمية الثانية، وظهرت في عدة صور، بدأت من بعض التحركات ضد الهيمنة الاستعمارية في فيتنام والجزائر وكينيا وغيرهم إلى المسار العنيف، إلى المنافسة العنيفة من أجل السيطرة على الدولة أو من أجل انفصال المنطقة في مراحل ما بعد الاستقلال كما في أوغندا والكونغو ونيجيريا ، أو حركات تقرير المصير القومية والعرقية والدينية في أوروبا الغربية وآسيا وأمريكا الشمالية، فضلاً عن الثورات ضد الأنظمة القمعية في أوروبا الشرقية وأمريكا الوسطى والصين وإيران، وعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مثل ما حدث في كمبوديا ورواندا وكوسوفو وتيمور الشرقية.(2)
وترجع هذه النزاعات إلى مجموعة من العوامل منها الاقتصادية كالتنافس على الأرض والموارد والتنمية غير المتكافئة والرغبة في تقاسم الإيرادات، أو عوامل اجتماعية الاختلافات في القيم كما كان في حالة السودان قبل الانقسام، أو العوامل العرقية نتيجة تعرض بعض الجماعات إلى التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية كما في حالة رواندا عام 1994، أو العوامل السياسية بسبب عد التوازن في الحصول على المناصب السياسية بين الجماعات المختلفة، لذا تُطالب بنظام تقاسم السلطة أو المحاصصة، وتشهد عدد من البلدان العربية التي شهدت انتفاضات في عام 2011 حالة من النزاعات المسلحة وصلت إلى حد الحرب الأهلية كاليمن وليبيا وسوريا، وهو الأمر الذي يدفع للبحث في تفسيرات لنشوء تلك الصراعات.(3)
النظريات التفسيرية للصراع
1- الاثنية والهوية: تم إيلاء اهتمام كبير لدور الاثنية والتوترات العرقية كسبب للصراع وميزة رئيسة للحروب الجديدة، كما حدث في نزاعات رواندا وبوروندي وحروب البلقان، وتُشير النزاعات الإثنية إلى الحروب بين المجموعات العرقية أو التي يكون فيها الاختلاف العرقي أمراً أساسياً في الصراع، وهذا يشمل نزاع الهوية حيث تسعى الجماعات المختلفة إلى السلطة وتعتمد في تنافسها على قوة الهوية مثل العشيرة أو الدين أو اللغة، وكان هناك تفسيران نظريان أساسيان حول النزاع العرقي أو الثقافي هما البدائية والمُصنعة، وتُشير النظرية البدائية إلى الصراع العرقي باعتباره مُتأصل في الولاءات الجماعية القديمة، وأن هذه المصادر القديمة من العداوة وذكريات الأعمال الوحشية الماضية تجعل من الصعب تجنب العنف.
وبالنسبة للنظرية المصنعة فالاثنية هي أداة القادة السياسيين للتعبئة؛ حيث يتعمد هؤلاء الزعماء إعادة صياغة الذكريات التاريخية لتعزيز الهوية من أجل التنافس على السلطة والموارد، وتقوم الحروب الجديدة بشكل عام على بناء هويات طائفية دينية وعرقية وقبلية تُقوض الاحساس بالمجتمع السياسي المشترك، أو كما ذهب كالدور بأن الغرض من الحروب الجديدة هو إعادة خلق شعور المجتمع السياسي على طول خطوط انقسام جديدة من خلال تصنيع الخوف والكراهية، وأن العامل الرئيسي الذي يدفع الناس العاديين للمشاركة في الصراع العرقي هو الخوف.
2- العوامل السياسية والاقتصادية: يُجادل ديفيد كين وفرانسيس ستيوارت وغيرهم من منتقدي النظريات العرقية في تفسير النزاعات، بأن تحليل الكراهية القديم يتجاهل الجذور السياسية والاقتصادية للصراع، فحتى في النزاعات المسلحة التي تنطوي على أطراف منقسمة حسب العرق، لا يمكن تحليل الوضع بشكل كاف من خلال النظر إلى العرق وحده، ويشير بحث تيد روبرت جور عن الحرمان النسبي في المجتمعات وارتباطه بالصراع إلى حتمية حدوث التمرد والنزاع طالما كان هناك اختلاف كبير بين ما يعتقد الناس انهم يستحقونه وما يحصلوا عليه.
ويُعد العنف السياسي أكثر احتمالاً إذا اعتقد الناس أن القيادة الحالية أو النظام الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي غير شرعي، وهذا المنظور من الممكن أن يُفسر الصراعات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالنظر إلى الإرث الاستعماري، الذي تجاهل الهويات الفرعية ووضع الأسس للصراع في العديد من البلدان.
3- نموذج كولير لتحليل مخاطر الصراع: اقترح الباحثون عدد من العوامل التي تتسبب في تأجيج الصراع، وتم تجميعها معاً في تحليل المخاطر الذي قام به كولير، وهذه العناصر هي الموارد الطبيعية وصادرات السلع الأساسية والفقر والبطالة والعسكرة والهيمنة العرقية وعدم استقرار النظام والتاريخ والجغرافيا والصراع الإقليمي.
وتشير قضية “لعنة الموارد” إلى وجود موارد طبيعية وفيرة مثل الماس والنفطـ، والتي غالباً ما ترتبط بزيادة حدة ومدة الصراع، وقد أوضحت الأبحاث التي أجراها كولير في وقت مبكر أن العامل الأقوى الذي ينطوي على خطر قيام حرب أهلية هو الاعتماد الكبير على صادرات السلع الأولية، وتوفر هذه الموارد أرباح مباشرة للمتمردين ودخل للمجتمعات المحلية، بما يمكنهم من استغلالها في أوقات الحرب إلى درجة تجعل المقاتلين يفضلون الحرب الممتدة على السلام، ومن أمثلة النزاعات التي ركزت على استنزاف الموارد الطبيعية هي الصراع في سيراليون على الماس وفي كمبوديا على الأخشاب.
في السياق ذاته، يُعد الفقر أو النمو الاقتصادي البطئ عامل خطر مهم في النزاع، ووجد كولير أن احتمالات حدوث حرب أهلية في بلد منخفض الدخل كانت أعلى 15 مرة من بلد مرتفع الدخل، في حين أن مضاعفة الدخل الفردي يمكن أن تُخفض خطر الحرب الأهلية إلى النصف، وتتعلق بطالة الشباب ولاسيما الذكور بالفقر بشكل يؤثر على احتمال نشوب صراع عنيف؛ حيث يؤدى عدم توفر فرص العمل إلى خلق حالة من الاحباط لديهم بما يجعلهم هدفاً سهلاً للتجنيد، ففي سيراليون على سبيل المثال، قامت القوات الثورية بتجنيد مدمنين المخدرات عن طريق استغلال حاجتهم للمخدر الذي امدتهم به.(4)
خلاصة القول، منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، حدثت العديد من النزاعات المسلحة وخاصة داخل الدول، والتي أوضحت أن هناك تغير في طبيعة الصراع المسلح في أعقاب نهاية الحرب البرادة، وهو ما وصف في ذلك الحين بالتحول من الحروب القديمة للحروب الجديدة، وقد حاول هذا التقرير استعراض الفارق بينهما، مع توضيح الأطر النظرية التي حاولت تفسير صعود الصراعات المسلحة باعتبارها تُمثل الحروب الجديدة.
المراجع
1 – Mary Kaldor, In defence of new wars, International Journal of Security and Development,2013, pdf, pp2-3.
2 – idem.
3 – Sheriff F. Folarin, Types and Causes of Conflict, Political Science and International Relations, Covenant University, Ota, Nigeria, pdf, p6.
4 – Preeti Patel, Causes of conflict, Maidenhead : Open University Press, 2012. pp 5-13.
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات