خاص: إعداد- سماح عادل
“الشيخ إمام” واسمه الحقيقي “إمام محمد أحمد عيسى” ولد 2 يوليو 1918 في قرية “أبو النمرس” بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت، أصيب في السنة الأولى من عمره بالرمد الحبيبي وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينه، فقضى طفولته في حفظ القرآن الكريم.
حياته..
كان والده يحلم أن يكون ابنه شيخاً كبيراً، لكنه كان قاسياً في معاملته، أما والدته فكانت ترعاه وتحبه، وكانت معايرة الأطفال لابنها بالعمى تدفعها للبكاء. التحق بالجمعية الشرعية ب”أبي النمرس” ليتعلم القرآن، وكان يحب الاستماع للشيخ محمد رفعت، وكان الاستماع للإذاعة من ممنوعات رئيس الجمعية لكونه بدعة، ومع أنه كان يستمع للقرآن، إلا أن الجمعية قررت فصله بالإجماع، وعندما عرف أبوه بحث عنه فوجده يقضى نهاره في الحسين وليله في الأزهر حيث كان ينام، فأهانه وضربه وحذره من العودة لقريته مرة أخرى نظراً للجريمة التي اقترفها بتسببه في فصله من الجمعية، وبعدها مباشرة توفيت أمه التي كانت أعز ما لديه في الدنيا، ولم يتمكن من تشييعها لمثواها الأخير، وبالفعل لم يعد لقريته إلا حين مات أبوه.
الموسيقى..
عاش “الشيخ إمام” مع مجموعة من جيرانه في القرية في حي الغورية وامتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، والتقى بالشيخ “درويش الحريري” أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى.اصطحب “الشيخ الحريري” تلميذه في جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال “زكريا أحمد” والشيخ “محمود صبح”.
وفى منتصف الثلاثينيات استعان به الشيخ “زكريا أحمد” في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها، حيث كان “زكريا أحمد” ملولا، لا يحب الحفظ فاستمر معه “الشيخ إمام” طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان “الشيخ إمام” يفاخر بهذا، حتى إن ألحان “زكريا أحمد” لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها “أم كلثوم”، مثل “أهل الهوى” و”أنا في انتظارك” و”آه من لقاك في أول يوم” و”الأولة في الغرام”، فقرر “الشيخ زكريا” الاستغناء عن “الشيخ إمام”.
كان لهذه الواقعة أثر في حياة “الشيخ إمام” حيث قرر تعلم العزف على العود، وبالفعل تعلم على يد “كامل الحمصاني”، وبدأ “الشيخ إمام” يفكر في التلحين حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول لمغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية.
نجم..
وفى عام 1962، التقى “الشيخ إمام” بالشاعر”أحمد فؤاد نجم”، وعندما سأله “نجم” لماذا لم يلحن أجابه أنه لا يجد كلاما يشجعه، وبدأ الثنائي بين “الشيخ إمام” و”أحمد فؤاد نجم” الذي دام لسنوات طويلة. ذاع صيت الثنائي “نجم وإمام” والتف حولهما المثقفون والصحفيون خاصة بعد أغنية: “أنا أتوب عن حبك أنا؟”، ثم “عشق الصبايا”، و”ساعة العصاري”، واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع “محمد على”، وكونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء لم تقتصر على أشعار “نجم” فغنت لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: (فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحي، وفرغلى العربي، وغيرهم).
السجن..
انتشرت قصائد “نجم” التي لحنها وغناها الشيخ إمام داخل وخارج مصر، في البداية استوعبت الدولة “الشيخ وفرقته” وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وقدّمه يومها محمود أمين العالم، وقال: “هذا فنان كبير حقا،ً موهبة نادرة. أخشى أن يبقى بيننا هكذا، حديثاً بين أصدقاء، تعليقات في صحف، لقاء في دعوات خاصة. تستمع إليه حلقات صغيرة من الناس، ثم يأتي يوم يسألنا فيه مجتمعنا بضمير الواجب: ماذا فعلتم بألحان الشيخ إمام؟ لماذا لم تُسجلوا أغانيه؟ لماذا لم توزّع وتُقدّم للناس جميعاً؟ أخشى أن يأتي يوم نقول فيه: كان بيننا سيد درويش جديد، لكننا لم نحسن استقباله، ولم نحسن الاحتفال به”.وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون.لكن انقلب الحال بعد هجوم “الشيخ إمام” في أغانيه على الأحكام التي برئت المسئولون عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو و”نجم” ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969 ولكن القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهما حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية. قضى “الشيخ إمام” و”نجم” الفترة من هزيمة يونيو حتى نصر أكتوبر يتنقلوا من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر وكان يغني وهو ذاهب إلى المعتقلات أغنيته المشهورة “شيد قصورك” ومن قضية إلى أخرى، حتى أفرج عنهم بعد اغتيال “أنور السادات”.
في منتصف الثمانينيات تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، فلاقت حفلاته إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وبدأ في السفر في جولة بالدول العربية والأوروبية لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة، وللأسف بدأت الخلافات في هذه الفترة تدب بين ثلاثي الفرقة “الشيخ إمام ونجم ومحمد على” عازف الإيقاع لم تنته إلا قبل وفاة “الشيخ إمام” بفترة قصيرة.
تعلم العزف..
في حوار نادر مع ” الشيخ إمام” نشر في صحيفة “إيلاف” 2007 يقول عن نشأته : “لقد ولدت في بلد ريفي، وكنت كبير إخوتي، وعندما بلغت 4 أشهر من العمر فقدت بصري، والتحقت فيما بعد بالكتّاب وحفظت القرآن الكريم كلّه وعمري 12 سنة، ثم جيء بي إلى القاهرة فتعلمت تجويد القرآن تجويدا صحيحا ومكثت أقرأ القرآن في البيوت والحوانيت حتى التقيت بأستاذنا العملاق الشيخ “درويش الحريري” وهو الذي تعلّمت عليه أصول الموسيقى تعليما صحيحا شرقيا سليما من موشحات أندلسية ودينية، وفي هذه الأثناء أيضا التقيت بالأساتذة الكبار: (الشيخ زكرياء أحمد والشيخ محمود صبح) أساتذة التلحين الشرقي وظللت أرتشف من منهلهما وأحفظ الألحان وأنا هاو لها. وكان يدور بخلدي أنه لا يمكن دراسة العود إلاّ للمبصرين فقط، ففي فترة من الفترات التقيت في مكان نجلس فيه جميعا كمكفوفين عند أحد المكفوفين، أحد الإخوة المكفوفين يغني ويعزف فصممت على أن أتعلم العود لأنني درست الموسيقى ولا يعوزني سوى تعلّم العزف. فأوعزت إلى صديقي الذي آخذه معي ليعزف لي وأنا أغني ليعلّمني كيفية وضع الأصابع وأخذت عليه حوالي 4 حصص فقط للتمكن من دراسة السلّم الموسيقي بالأنصاف والأرباع. فظللت بعد هذا أمرّن نفسي وأغنّي حتى كانت سنة 1945 حيث خطر لي أن تقدمت للإذاعة لأكون مطربا فدخلت غرفة الامتحان وبعد أن غنّيت سألني أحد عناصر اللجنة وكان لا يمتّ للموسيقى بشيء وكان السؤال خطأ فصححت له السؤال وأجبت عنه، فكان هذا بمثابة الصفعة له.. فقال لي: إنك لا تصلح. فقلت له: أعلم ذلك. فظللت أغني حتى سنة 1962 حيث التقيت أحمد فؤاد نجم وزملائه من الشعراء الملتزمين”.
النكسة..
وعن معرفته بنجم يقول “الشيخ إمام”: “كان لنا صديق من أجوارنا، رجل شريف ومثقف هو الأستاذ سعد الموجي وكان موظفا بوزارة السياحة عندنا، وكان أحمد فؤاد نجم قد أصدر ديوانا وهو داخل السجن سنة 1959 وسمّاه: من السجن أو الحب والحياة… لست أذكر… فاطلع عليه سعد الموجي وحيّاه على عمله هذا وقال له: في الحي الذي أسكنه رجل أنا مقتنع به كفنان وأريد أن تلتقيا سويا. وحصل ذلك بعد أيام حيث كنت أنا وصديقنا محمد علي في بيتنا الذي نسكنه الآن وبعد ذلك طلب مني أن أسمعه شيئا فأسمعته لحنا فسألني نجم: لماذا لم تلحن؟ فقلت له: لم أجد من يعطيني كلمة صادقة ألحنها. فخطر له خاطر أن يكتب شيئا وهو يحدثنا وبعد ذلك قرأ علينا ما كتب، فقلت له هذا هو المطلوب. وفعلا وفقت في تلحينه في وقته، فكانت هذه بداية العلاقة الفنية بيني وبينه. ثم توالت بعده تجاربي مع الشعراء الملتزمين وكنت ألحن لهم جميعا حتى جاءت سنة 1967 فانفعلنا بها كثيرا… وبدأت الأغاني تخرج من نطاق البيت إلى الشارع وظهرت في حيز القاهرة وبدأ الناس يتكلمون عن ظاهرة نجم وإمام. وكانت المخابرات تأتي وتسجل لأننا نحن لا نعلم لمن تكون آلات التسجيل التي توضع أمامنا. وكانت التسجيلات تحمل إلى عبد الناصر ليسمع ما يدور عندنا من مهاجمة الأوضاع والأشخاص الذين كانوا سببا في النكسة وعلى رأسهم عبد الناصر، فتشاور مع جلسائه وخلصائه ماذا يفعل لهذين الشخصين؟ فكان البعض يفكر في اعتقالنا والبعض الآخر قال عندها سيتحولان إلى بطلين. واتفقا على أنها صرخة جوع إذا أطعمت حتى التخمة ستسكت وتخرج عن هذا الإطار. وبدأت المحاولة بإقامة حفل لنا بنقابة الصحافيين المصرية سنة 1968 وكان هذا أول لقاء لي بالجمهور وكانت حفلة رائعة. و بدؤوا يحيكون لنا طريقة الاحتواء، فبعثوا لنا بمندوب من وزارة الثقافة ليتفاهم معنا حيث عرض علينا التعامل مع أجهزة الإعلام لنقدم أعمالا في الإذاعة والتلفزة. فأنا كنت رافضا رفضا قاطعا التعامل مع وسائل الإعلام نظرا لما رأيته في 1945. فأصرّ نجم على التعامل مع وسائل الإعلام حتى نصل لما نريده، فوافقته على ذلك. فدعانا المسئول إلى مكتبه في الغد صباحا للتفاهم على طريقة التعامل والأستوديو الذي سنسجل فيه والمطربون الذين سنتعامل معهم. وفعلا ذهبنا في اليوم التالي إلى السيد وكيل وزارة الثقافة وكان هو نفسه مدير إذاعة صوت العرب عندنا في مصر. فقدمت لنا مشاريب القهوة وإذا به يخرج من مكتبه شيكين باسمي وباسم نجم، بإيعاز من عبد الناصر. فسأله نجم ما هذا؟ فقال له: هذه هدية لبدأ التعامل معنا في أجهزة الإعلام. فقلت له هذه رشوة وليست هدية. لأن الهدية لا تكون بهذه القيمة، لأن قيمة كل شيك بعشرة آلاف جنيه. فطبعا هذا ليس معقولا فنحن لم نقدم شيئا. فرفضنا قبول ذلك وقلنا نحن لا نأخذ سوى أجر عملنا فقط هو كمؤلف وأنا كملحن.فرأوا أن هذه المحاولة لم تفلح. فقالوا نحن نقدم جزء من الإمكانية. وبدأنا نقدم ألحاننا التي أنجزناها منذ 1962 حتى ما بعد النكسة لمدة شهرا ونصف تقريبا. عندها وجدوا الأغاني التي قدمناها تصفعهم صفعا فقالوا نحن لا نريدكم أخرجوا فأنتم الشيوعيون”.
ويواصل “الشيخ إمام”: “ولم يكتفوا بطردنا بل لفقوا ضدنا قضية مخدرات. حيث وضعوا المخدرات في حجرتنا بعد كسرها وعند عودتنا في الساعة الثالثة صباحا أخذونا إلى المحافظة في البوكسات فمكثنا بها ثلاثة أيام ولم يأت وكيل نيابة ليحقق معنا وفي اليوم الرابع حددت لنا جلسة سرّية في محكمة الاستئناف في منطقة باب الخلق، وكنا نمثل أمام قاض من قضاة مصر الشرفاء، وكان أوّل ما قاله لنا القاضي: يا شيخ إمام لماذا يلفقون لكم هذه القضية؟ فقلت له لأننا لم نقبل أن نساوم على موقفنا فمن أجل هذا لفقوا لنا قضية المخدرات فقال إني سأحكم بما يمليه عليّ ضميري ولست أدري هل سأذهب إلى بيتي أو إلى المعتقل. وحكم بضمان مالي عليّ وعلى نجم. ودفع الضمان المالي وخرجنا فوجد النظام المصري أن هذه القضية فاشلة وليس لها أصل. لأنهم أتوا بكمية مخدرات تموّل 100 مليون عربي. وبعد ذلك بشهرين صدر لنا قرار اعتقال مدى الحياة. فدخلنا المعتقل وأبعدونا عن بعضنا في نفس السجن. وكانوا كل يوم يفتحون الزنزانة لمدة 10 دقائق فكنت أذهب إلى باب زنزانته (نجم) من الخارج وأسلّم عليه وأسأله إن خطر له خاطر في قصيدة أحفظها في الفترة التي أقضيها أمامه، وعندما يقفل عليّ ويفتح عليه يأتي هو بدوره ويقف على باب زنزانتي وأنا ألحن وكان هذا عملنا حتى خرجنا من السجن وظللنا نعمل ومعنا الشعراء الملتزمون ومنهم: الأستاذ فؤاد قاعود والأستاذ نجيب سرور ومحمود الطويل ومحمود الشاذلي ومصطفى زكي ومحمد الصعيدي ونجيب شهاب الدين وزين العابدين فؤاد ومحمود الشاذلي وأبو الحسن سلام ومحمد الصعيدي ومصطفى زكي ومهدي بندق… بالإضافة إلى بعض شعراء الأرض المحتلة: السيد توفيق زياد، الأستاذ سميح القاسم، السيدة فدوى طوقان… ويشرفني أيضا أنني لحنت كلاما لشاعر تونسي هو آدم فتحي. فأنا ملك للكلمة الملتزمة أيّ كان صاحبها ولست حكرا على واحد فقط”.
التعود على السجن..
وعن تجربة السجن يحكي: “الحقيقة أن السجن كان له بعض التأثيرات النفسية لأنها كانت أول خوضي للتجربة، فكانت تعتريني في بعض الساعات لحظات رفض بحكم أننا بشر، وكانت حالة القنوت سرعان ما تزول عندما يبلغني بعض السجانة بسلام من نجم ويبعثوا لي بالكلام الذي يكتبه فكنت أحفظه وأتغنى به وهو مصدر التسلية عندي، وكان يتعاطف معي السجانون الصغار الذين نسميهم عندنا: العسكر والشاويشية. كانوا يتعاطفون معنا تعاطفا عظيما وكانوا دائما يفتحون الحجرة عليّ دون غيري ويجلسون معي وأغني لهم ويعملون الشاي لي حتى يحين موعد القفل فيقفلون عليّ. ومكثنا على هذه الحال مدة ثلاث سنوات حتى مات عبد الناصر، وبعد وفاته بسنة واحدة خرجنا من السجن. ثم بعد ذلك بدأ السادات يسجننا ويخرجنا، فصرنا بين السجن والخارج كالأرجوحة. وبعد مروري بالتجربة في المرّة الأولى كان السجن عندي لا تأثير له لأنّي تعودت عليه”.
الأغنية السياسية..
وعن سؤال ما مدى تأثير الأغنية السياسية على الجماهير وبالتالي على الأحداث؟ يجيب: “الأغنية السياسية ضرورية لأنها لا بد أن تكون من الشعب وإليه. أخاطب العامل بلهجته العمّالية معبّرا بلحن يتجاوب مع وجدانه، أيضا أخاطب الفلاّح بلهجته الريفية، وأخاطب المثقف بطريقة تسخر منه، أصفعه لأنه كان سببا في سرّ الهزيمة التي كانت للأمة العربية بوجه عام ولمصر العربية بوجه خاص. يعني كنت أخاطب الذين يدّعون أنهم ينتسبون إلى اليسار زورا وهم بعيدون كل البعد عن الشعب ويتكلمون بألفاظ لا تتفق مع العامل والفلاّح، يعني كيف للعامل أن يفهم ألفاظ مثل: فسيولوجية وتكنولوجية”..
جمهور متفاعل..
وعن تفاعل الجمهور من خارج مصر معه حين غنى في بروكسال وباريس والجزائر و في تونس يؤكد ” الشيخ إمام”: ” أنا أحسست بهذا قبل أن أخرج من مصر. كيف؟ لأن بيتنا كان يأتيه الزوار من تونس الحبيبة والجزائر ولبنان وفلسطين.. وكانوا دائما يبلغونني تحيات من البلد الذي يأتون منه، حتى هيأ الله لي هذه الفرصة على يدي أخينا العزيز صادق بوزيان الذي ظل لمدة عشر سنوات لا يكلّ ولا يملّ في المحاولة تلو الأخرى لإخراجنا من مصر وكان السادات.. يرفض.. حتى ذهب وجاء الرئيس مبارك الذي نتمنى أن يظل في وجوده، هذا البريق والأمل في الديمقراطية حتى خرجنا والتقينا أحبائنا في بلجيكيا وفرنسا والجزائر وتونس، وأعتقد أنني لو وضعت مجلدات لما استطعت أن أقول ما أريده من شكر للأمة العربية”.
وعن الخلاف بينه وبين نجم يقول ” الشيخ إمام” : “والله هو من صنع الغمامة فإن شاء أبعدها وإن لم يقم بذلك فهو حرّ، لكن هذا ليس مهمّا فنحن من الشعب وإليه. ولعلّكم قرأتم ما كتبه في جريدة الأضواء الجزائرية فما قاله محض افتراء وأكاذيب لا أساس لها من الصحّة إطلاقا، وإنما كان ذلك تبريرا لموقفه المخزي، حين طلب منّا أن نعمل في الجزائر 22 حفلة لم يحضر منها سوى 6 حفلات وكان يذهب إليه أخينا صادق ويقول له اليوم عندنا الشيء الفلاني أو الحفلة الفلانية فيقول له: روحوا انتو أنا تعبان. ولما رأى الشعب الجزائري على بكرة أبيه (والتلفزة كانت تغطي كل مكان نذهب إليه) يحملني على الأعناق ويهتف باسمي، فكيف ألوم الناس الذين يكرمونني. فهل هو كان موجودا ولم يكرّم؟ فالشعب يكرّم من يكون معه. هذا باختصار”.
وعن غنائه يقول: “الجمهور يريد أن يراني ويسمعني أغنّي كما أحب أن أغنّي له لأنه يعلم أنّي أغنّي له. وأنا أغنّي بطريقة لولبية تخرج عن أحاسيس الجمهور فمهما تصرفت إنما أتصرف بطبيعتي الشرقية ودراستي الموسيقية التي ليست بعيدة أبدا عن الشعب. مهما قلت الأغنية ألف مرّة وفي كل مرّة أتصرّف فيها غير المرّة التي سبقتها فالجمهور معي كأنه يسمعها لأوّل مرة”.
حب الناس..
وعن أهم شيء يسعده يقول: “الذي جعلني فعلا من أسعد الناس هو حب الناس ومؤازرتهم لي ودعمهم لي أدبيا وماديا والكلمة الحلوة الممزوجة بالبسمة الحلوة هي عندي كنز لا يفنى.. المال عرضي وزائل يأتي ويذهب إنما الذي يبقى هو حبّ الناس ومؤازرتهم لك وأن يحملونك على الأعناق ويهتفون باسمك لا لشيء إلا لأنك تغني معهم أو تبدع لهم، فالناس هم الكنز.
وفاته..
وفى منتصف التسعينات آثر “الشيخ إمام” الذي جاوز السبعين العزلة والاعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغورية، ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق، حتى توفي في 7 يونيو 1995 تاركاً وراءه أعمالاً فنيةنادرة
https://m.youtube.com/watch?v=A5-5UgkBVHo