خاص: قراءة- سماح عادل
هناك كتاب ثري وقيم تناول السينما في المنطقة العربية، وبذل فيه مؤلفه مجهودا كبيرا وضخما لجمع مصادر ومعلومات ووثائق عن صناعة السينما في المنطقة العربية، منذ بداياتها وحتى وقت إصدار الكتاب، والذي صدر في القرن الفائت في عام 1981.
ونظرا لقيمة هذا الكتاب في التأريخ والتحليل لصناعة السينما في المنطقة العربية سوف نقوم بعرضه علي حلقات متتالية، آملين أن نقدم توثيقا هاما عن السينما في منطقتنا.
مدخل هام..
في كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” يبدأ الكتاب بمدخل إلى قصة السينما في الوطن العربي يوضح فيه الكاتب جهده في عمل كتاب شامل: “منطلق هذا الكتاب التأريخ والتوثيق والتحليل والتقديم، في محاولة لأن أضع بين يدي القارئ أشمل ما يمكن وضعه في كتاب واحد عن السينما العربية في أقطار الوطن العربي، التي أصبح للسينما فيها وجود وتاريخ. وأمام واقع السينما العربية يجد الناقد أو الباحث نفسه في مهمة صعبة، عندما يحاول تقديم هذه السينما من خلال ملامح مشتركة للإنتاج السينمائي العربي في الأقطار المنتجة بالوطن العربي.
مما يجعل هذا الفن بشكل أو بآخر انعكاسا للوضع السياسي والاقتصادي المتباين بنسب متفاوتة بين هذه الأقطار. ولا شك أن المشكلات المشتركة بين تجارب السينما في الأقطار العربية، وكذلك السمات التي تتشابه أو تتباين فيها تلك التجارب كثيرة”.
مشكلات مشتركة..
وينتقل للحديث عن المشكلات: “وممكن أن نلخص المشكلات المشتركة في النقاط التالية:
١- اكتساح الأفلام الأجنبية دور العرض وعدم استطاعة الإنتاج العربي المحلي بصورة خاصة مزاحمة هذه الأفلام أو أن يكون البديل لها، وهذا بعض من تركة الاستعمار في الوطن العربي.
٢- سيطرة القطاع الخاص في جميع الأقطار العربية باستثناء الجزائر على دور العرض السينمائية، الأمر الذي جعل مستوردي وموزعي ومستثمري الأفلام يفضلون الأفلام التجارية ذات الرواج الجماهيري الواسع على غيرها.
٣- سوق التوزيع المحدودة أمام الفيلم العربي والفيلم المصري لما له من تاريخ طويل مختلفا في هذا اﻟﻤﺠال، فما تزال أكثر الأسواق العربية شبه مغلقة أمام الأفلام العربية المنتجة في أكثر أقطار الوطن العربي إلا في بعض المناسبات النادرة مثل المهرجانات أو الأسابيع السينمائية المتبادلة.
٤ -اللغة العربية الواحدة المفقودة في السينما العربية، إذ أن كل قطرعربي ينتج أفلامه باللهجة المحلية التي يصعب فهمها في أقطار أخرى، وبصورة خاصة بين أقطار المغرب العربي ومشرقه، ولهذا لم نستغرب عندما قال اﻟﻤﺨرج المغربي احمد المعنوني في الندوة التي عقدت لمناقشة فيلمه “الأيام الأيام” في مهرجان دمشق السينمائي ١٩٧٩ ، إن أكثر الجمهور خرج من الصالة أثناء عرض الفيلم لعدم فهم لهجة الحوار المغربية.
٥- الصدام التقليدي بين العقلية الإدارية البيروقراطية وبين عقلية الفنان السينمائي، خاصة إذا كان من الشبان الجدد المتخرجين حديثا والذين يحاولون أن يقدموا سينما جديدة تخرج عن الأطر المتوارثة للسينما العربية التقليدية. بالإضافة إلى الصدام مع الرقابة التي كثيرا ما تتشبث بجزيئات تراها مهمة، في حين يرى الفنان تجاوز أمر حذفها لأنها تخدم الهدف من الفيلم، وليس عليها من غبار مادامت مقبولة في السياق العام للحدث أو القصة، كبعض مشاهد الجنس مثلا، أو بعض الحوار الذي له مدلول سياسي معين.
٦- قلة الكوادر والإمكانات الفنية مع الإشارة إلى أن بعض مؤسسات السينما تقدم الدعم المادي والفني للسينمائيين إلا أن هذا لا يمنع من أن كثيرا من الأعمال السينمائية أنتجت بإمكانات متواضعة وبجهود فردية كبيرة. ولا تزال هذه السينما تحتاج إلى المزيد من الكوادر والإمكانات، خاصة وأن هناك بين اﻟﻤﺨرجين العرب طاقات كبيرة بحاجة إلى مثل الكوادر والإمكانات الكبيرة ليكون عطاؤها على مستوى طموحاتها الكبيرة.
وأمامنا مثال صارخ هو اﻟﻤﺨرج العربي السوري “مصطفى العقاد” الذي استطاع أن يقدم أعمالا سينمائية على مستوى عالمي عندما توفرت له الإمكانات والكوادر الفنية المطلوبة كفيلم “الرسالة” وفيلم “عمر اﻟﻤﺨتار” وغيرهما.
٧ – الاتجاهات المتباينة في السينما العربية بين القطاع العام والخاص من جهة، وفي إنتاج القطاع العام نفسه بين قطر وآخر من جهة أخرى. ففي حين اتجهت الجزائر وعلى مدى سنين طويلة إلى إنتاج الأفلام الروائية، التي تؤرخ مسيرة حرب التحرير، خصصت سينما القطاع العام في سورية قسما كبيرا من إنتاجها للقضية الفلسطينية وللصراع الطبقي، واتجه القطاع العام في العراق إلى إنتاج الأفلام الروائية عن تاريخ النضال السياسي في العراق، والنضال في الريف ضد الإقطاع والاستغلال. وأما في مصر فتجربة السينما بين القطاعين العام والخاص أصبحت تاريخا حافلا.
وأرى أن المشكلة الأساسية لهذا الواقع ولهذه الاتجاهات المتباينة وخاصة التي كانت بين القطاعين العام والخاص، هي هذا التأرجح بل والاختلاف في الرأي والاجتهاد بين كون السينما فنا يجب أن يعتبر جزءا من التوجيه الملتزم العام كالإذاعة والتلفزيون والصحافة، وبقية أجهزة الثقافة والتربية والأعلام، وبين أن يظل أو يظل قسم منه سلعة للربح والمتاجرة، مثل بقية السلع العصرية المتداولة في سوق العرض والطلب.
بالإضافة إلى أن التعاون والتنسيق والتخطيط المشترك أمور ما تزال دون الطموح المرجو بين القطاعات المشرفة على السينما أو المنتجة لها في الوطن العربي، وكذلك اختلاف النظرة إلى هذا الفن ودوره من قطر إلى آخر”.
مغامرات فردية..
ويعبر الكاتب عن وجهة نظره واصفا السينما في المنطقة العربية بمغامرات فردية: “وقد كانت السينما في جميع أقطار الوطن العربي بإثناء الجزائر،
مغامرات فردية في بداياتها حققها أفراد بهرتهم صناعة هذا الفن الجديد، كما بهرتهم أضواؤه والهالة التي كانت تحيط بنجوم السينما الأمريكية والأوروبية. وحتى لا نغمط هؤلاء السينمائيين الأوائل حقهم، فلا بد من الاعتراف بأنهم كانوا ينطلقون في تلك البدايات من منطلق جاد ومحاولات فيها نوع من “الالتزام الطوباوي” بالمثل وببعض القضايا الإنسانية والخلقية في مفهوم تلك الفترة.
وعلى الرغم من الإمكانات المحدودة التي أنتجت بها الأفلام الأولى في السينما العربية فإنها في مجمل مضمونها لم تكن أفلاما بدائية. كانت تحاول أن تطرح بعضا من واقع الصراع بين مفاهيم خلقية واجتماعية معينة في الريف والمدينة.
على أن تلك البدايات وعلى الرغم من تقارب أكثرها زمنيا وموضوعيا، أصبحت فيما بعد اتجاهات متباينة، وبصورة خاصة في مصر التي كانت “أم السينما العربية” فبعد أن كانت البدايات الأولى لهذه السينما الرائدة في الوطن العربي تبشر بأنها سينما فيها الكثير من الجدية في محاولة تناول قصص من واقع ومعاناة الإنسان العربي في مصر آنذاك، بدأت تتحول على أيدي عدد من تجار الخردة وأثرياء الحرب إلى سلعة تجارية من نوع جديد، فتحولت القصص الجادة التي كان يختارها بعض اﻟﻤﺨرجين الجريئين واﻟﻤﺨلصين إلى نوع آخر من القصص الاستعراضية المحشوة بتابلوهات مفتعلة من استعراض الرقص الشرقي والغناء المتهافت في مشاهد هي اقرب إلى الأوبرتات المبتسرة، ندس في الفيلم بمناسبة وبغير مناسبة، وتحقق للجمهور نوعا من التسلية ونوعا من الانشغال عن الهموم الحقيقية، ومنها مآسي الحرب والاحتلال، ووجود الاستعمار، والأزمات الاقتصادية، إلى آخر هذه القضايا التي كانت تنخر في عظام الناس والوطن.
ويواصل عن أفلام الأغنياء في مصر: “أصبحت الأفلام أكثر الأفلام تدور حول شاب فقير يحب بنت الباشا، وموظف صغير تحبه ابنة صاحب المصنع، وزوج تخونه زوجته، وآخر يتزوج من أجنبية ويأتي بها إلى البلد ومطرب موسيقى مغمور يقع في هوى الأميرة التي يدرسها الموسيقا وفنانين غلابة يعانون في فرقتهم المتواضعة حتى تنقذهم الفتاة الثرية الجميلة الرائعة “صاحبة القلب الطيب”. وحي شعبي يعيش فيه الناس مع طبق الفول على طريقة “القناعة كنز لا يفنى”..
بالإضافة إلى موجة أفلام فريد الأطرش و”الحب من غير أمل” والميلودراما الاجتماعية . كانت تلك الفترة انتكاسة حقيقية للسينما العربية امتدت سنوات عديدة، وخرجت بالسينما عن أهدافها كفن جماهيري هادف إلى مجال المتاجرة، وظهر عدد من المنتجين واﻟﻤﺨرجين الذين استعجلوا الثراء والشهرة الفارغة على حساب الفن والذوق والمبادئ والأخلاق، وأصبح الفن السابح بعيدا عن قضايا الناس وهموم الجماهير.
وعندما قامت المؤسسة العامة للسينما وحاولت أن تطرح بديلا لهذه السينما، أستغل تجار السينما الأخطاء الإدارية التي وقعت فيها والأموال الكبيرة التي أنفقتها فأجهزوا عليها وعادت السينما في مصر إلى سيرة المتاجرة”.