14 نوفمبر، 2024 1:24 م
Search
Close this search box.

السينما في الوطن العربي(8).. رسم فيلم “العزيمة” الحياة في الأحياء الشعبية

السينما في الوطن العربي(8).. رسم فيلم “العزيمة” الحياة في الأحياء الشعبية

خاص: قراءة- سماح عادل

كان التطرق إلي الحارات والشوارع الفقيرة، أو حياة العاديين من الناس أمرا غير مقبولا. لأن صناع السينما في بدايتها كانوا يصورون الأغنياء والرفاهية والقصور والأماكن الفاخرة، فجاء فيلم “العزيمة” ليقدم حياة الحارة بكل زخمها وغناها. هكذا حكي لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، والذي يقدم تأريخا ثريا للسينما وصناعتها.

مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية..

(مرحلة أستوديو مصر):

انتقل الكتاب إلي مرحلة أخري في تقسيم تاريخ صناعة السينما في مصر: “جاءت بعد هذا أهم مرحلة من مراحل تطور الفيلم المصري. وهي مرحلة (أستوديو مصر) من سنة ١٩٣٦ إلى سنة ١٩٤٤. وكان هذا الأستوديو بمثابة مدرسة جديدة في السينما المصرية. وهي مدرسة نقلت الفيلم المصري خطوات واسعة إلى الأمام. إذ أنه كان أول أستوديو للسينما مجهزا تجهيزا كاملا.

وقبل إنشائه أوفدت الشركة التي تملكه وهي “شركة مصر للتمثيل والسينما” عددا من الشبان لدراسة السينما في أوروبا. وهم أحمد بدرخان وموريس كساب لدراسة الإخراج في فرنسا، ومحمد عبد العظيم وحسن مراد لدراسة التصوير في ألمانيا. كما أنها استعانت بعدد من الخبراء الأجانب للإشراف على إدارة العمل في الأستوديو.

كان أول فيلم صور في أستوديو مصر هو فيلم (وداد) الذي قامت ببطولته أم كلثوم. وكتب قصة الفيلم وحواره الشاعر أحمد رامي، وقام أحمد بدرخان بإعداد السيناريو، وكان المفروض أن يقوم بدرخان بإخراج الفيلم، ولكن اسند الإخراج إلى الألماني فريتز كرامب، وكان فيلم وداد أول فيلم مصري يعرض في مهرجان دولي للسينما، وهو مهرجان البندقية عام ١٩٣٦، وحقق الفيلم نجاحا تجاريا كبيرا جدا، ‚مما شجع أم كلثوم علي الظهورفي سلسلة أفلام أخرى ناجحة، منها (نشيد الأمل) و(دنانير)، وقد أخرجهما أحمد بدرخان.

الأفلام الغنائية..

ويضيف الكتاب: “ولمع بدرخان في هذه المرحلة وقدم للشاشة مجموعة من الأفلام المتقنة مثل (حياة الظلام)، وكان بدرخان أول فنان مصري يؤلف كتابا عن السينما. وكان كتابه (فن السينما) هو أول مرجع يشرح باللغة العربية لهواة السينما وللقراء عموما كيف يصنع الفيلم ومراحل تطوره من القصة إلى السيناريو إلى الإخراج والتصوير ثم المونتاج. وكان أحمد بدرخان هو أول مصري درس السينما في باريس.

ومن أبرز ملامح هذه المرحلة كثرة الأفلام الغنائية. فقدم محمد كريم (دموع الحب) و(يحيا الحب) و(يوم سعيد) و(ممنوع الحب) و(رصاصة في القلب)، وقام ببطولتها كلها محمد عبد الوهاب. وفي كل فيلم من هذه الأفلام قدم اﻟﻤﺨرج محمد كريم عددا من الوجوه الجديدة. بل أنه كان يقدم في كل فيلم ‚ممثلة جديدة تقوم بدور البطلة أمام محمد عبد الوهاب. فظهرت نجاة علي وليلى مراد ورجاء عبده وليلى فوري لأول مرة على الشاشة، ثم أصبحن من ألمع كواكب الشاشة”.

يوم سعيد..

ويتابع الكتاب: “وكان فيلم (يوم سعيد) هو أول فيلم تظهر فيه فاتن حمامة كما أن (رصاصة في القلب) كان أول قصة لتوفيق الحكيم تظهر في السينما. وعندما ننظر اليوم إلى الفيلم الغنائي المصري سنجد أنه ما يزال إلى حد كبير يسير على الخطوط التي رسمها محمد كريم في أفلامه الغنائية في الثلاثينات، فقد كان محمد كريم هو أول مخرج مصري يواجه مشكلة (الأغنية السينمائية)، فماذا فعل كريم عندما بدأ يخرج أفلاما غنائية لمحمد عبد الوهاب? أولا: كانت الأغنية قصيرة إذ لم يزد طول الواحد منها عن ست دقائق.

وهذا يعتبر من الناحية السينمائية طويلا جدا، ولكن الواقع أن هذه الأغنيات لم تكن تعد لكي تستخدم في الفيلم فقط وإنما كان ملحنها ومغنيها عبد الوهاب يعدها في الوقت نفسه لكي تعبأ على اسطوانات تباع في السوق، فلم يكن هناك مفر من أن يكون طول الأغنية ست دقائق لأن هذا هو طول الاسطوانة أيضا.

ثانيا: ترك محمد كريم الكاميرا تواجه المطرب دون أن يغير الزاوية إلى أن ينتهي المقطع (الكوبليه). وعندما يبدأ الفاصل الموسيقي بين المقطع الذي يليه كان كريم ينتقل بالكاميرا إلى موضوع آخر كأن يصور حمامتين أو منظرا على النيل، أو سفينة شراعية، أو حديقة، أو منظرا ريفيا حسب معنى الأغنية. وعندما ينتهي الفاصل الموسيقي ويبدأ محمد عبد الوهاب يغني المقطع التالي تعود الكاميرا إليه، فنراه واقفا أمام نافذة أو جالسا على مقعد، وهكذا، وتستمر الكاميرا مسلطة عليه بلا تغيير إلى أن ينتهي المقطع.

وليس من شك في أن محمد كريم كان أقدر على التصرف من ماريو فولبي مخرج (أنشودة الفؤاد) وأوسع خيالا وأرق حسا وأكثر شاعرية”.

قواعد تصوير الأغنية..

ويكمل عن قواعد تصوير الأغنية داخل الفيلم الغنائي: “ومنذ وضع كريم هذه القاعدة أصبحت دستورا احترمه كل اﻟﻤﺨرجين الذين قدموا أفلاما غنائية بعده. وقلما نجد مخرجا شذ عن هذه القاعدة. وهكذا نجد أن (الأغنية السينمائية) لم تستطع أن تتطور كثيرا بعد انقضاء هذه السنين كلها على الأفلام الغنائية الأولى في السينما المصرية.

وفي فيلم (يوم سعيد) قدم عبد الوهاب لأول مرة (أوبريت) في السينما، وكانت مشهدا من مسرحية أحمد شوقي (مجنون ليلى) وقام عبد الوهاب بأداء دور قيس غناء. كما قامت أسمهان بدور ليلى غناء. وسمع المتفرج صوتيهما بينما ظهر على الشاشة ‚ممثلان آخران قاما بدوريهما، وهما أحمد علام (قيس) وفرودس حسن (ليلى) مع عباس فارس الذي قام بدور والد ليلى غناء وتمثيلا.

ونجحت هذه التجربة نجاحا هائلا، وأصبحت فيما بعد تقليدا متبعا في معظم الأفلام الغنائية في هذه المرحلة”.

انتصار الشباب..

وينتقل الكتاب لفيلم غنائي آخر: “وفي هذه المرحلة أيضا ظهرت ثلاثة أفلام غنائية حققت نجاحا كبيرا وهي: (انتصار الشباب) الذي كان أول فيلم ظهر فيه فريد الأطرش وأسمهان وأخرجه أحمد بدرخان وانتهى هذا الفيلم بأوبريت (الشروق والغروب).

والثاني هو فيلم (ليلى) الذي قامت ببطولته ليلى مراد مع حسين صدقي، واستمر عرضه ١٦ أسبوعا وبذلك حقق رقما قياسيا في السينما المصرية. وكانت قصة الفيلم مأخوذة عن قصة الكساندر دوماس المشهورة (غادة الكاميليا). وجدير بالذكر أن هذه القصة اقتبست بعد ذلك عدة مرات وظهرت في أفلام مصرية أخرى.

أما الفيلم الثالث فهو (سلامة) الذي قامت ببطولته أم كلثوم مع يحيى شاهين وهو مأخوذ عن قصة علي أحمد باكثير (سلامة القس)، والفيلمان الأخيران من آخر إخراج توجو مزراحي”.

نيازي مصطفي..

وعن ظهور نجم آخر في عالم الإخراج: “ولمع في هذه الفترة نيازي مصطفى الذي درس السينما في ألمانيا، ثم التحق بأستوديو مصر وقدم أفلاما ناجحة مثل (الدكتور) الذي مثله سليمان نجيب وأمينة رزق، و(مصنع الزوجات) الذي اشترك في بطولته كوكا ومحمود ذو الفقار. أما أهم فيلم مصري ظهر في هذه المرحلة فهو فيلم (العزيمة)، الذي كتب قصته وأخرجه كمال سليم، ويعتبر هذا الفيلم مرحلة انتقال مهمة في تاريخ السينما المصرية، إذ قدم للشاشة تجربة جديدة هي الواقعية.

وكان اسمه الأصلي (في الحارة) إلا أن رؤساء أستوديو مصر لم يوافقوا على هذا الاسم لأنهم لم يستطيعوا أن يتصوروا إمكان نجاح فيلم تجري حوادثه في حارة، وكانت الأفلام في ذلك الحين تجري حوادثها في القصور

وشخصياتها عادة من أبناء (الطبقة الراقية)”.

كمال سليم..

وعن مخرج اختار طريقا تقدميا: “وكان كمال سليم هو أول فنان تقدمي يعمل في ميدان السينما المصرية، ولذلك جاء فيلمه (العزيمة) وثيقة على جانب كبير من الأهمية، ولسوء الحظ أن كمال سليم لم يعش طويلا، فقد مات في سنة ١٩٤٤ وكان في الثلاثين من عمره تقريبا، ولو أن العمر امتد بهذه الموهبة الواعية لأثرت الشاشة بأعمال أخرى كثيرة رفيعة المستوى.

ولكي ندرك أهمية هذه التجربة الفنية ينبغي أن نلاحظ الظروف السياسية والاجتماعية في مصر في ذلك الحين، فقد بدأ العمل في (العزيمة) في سنة ١٩٣٨ وعرض في سنة ١٩٣٩، أي في عهد الملكية والاحتلال الإنجليزي والأحزاب السياسية والإقطاع”.

العزيمة..

وعن دلالات فيلم العزيمة: “أبرز ما في فيلم (العزيمة) هو الجو المحلي الذي ظهر بصورة واقعية ملفتة للنظر. فأنت تعيش مع هذا الفيلم في حارة حقيقية، حارة تجدها في أي حي شعبي في مصر، واهتم كمال سليم بخلفية الصورة اهتماما كبيرا، ومن هنا جاءت مشاهد الحارة نابضة بالحياة. فهناك مثلا بائع الفول يقف بعربته وحوله زبائن يحملون سلاطين، ونرى الجزار يقطع اللحم لزبائنه ويناقشهم في طلباتهم. ونلاحظ أن الأطفال يلعبون في جماعات، وتجد الأم التي تطل من نافذة بيتها لتنادي الباعة أو تدعو أطفالها للذهاب إلى البيت، وتجد صبي الفران يحمل على رأسه ألواح الخبز، وبائع اللبن الزبادي ينتقل من بيت إلى بيت، والحنطور يتهادى في الحارة. كل هذا يجري في خلفية الصورة، بينما يستمر الاسطى حنفي في طريقه إلى دكانه.

فالحارة عند كمال سليم ليست مجرد ديكور. بل إنه تملأ خلفية الصورة ليقدم لك روح الحارة وجودها والشخصيات التي تعيش فيها. والى جانب هذا التصوير الدقيق للحياة في الحي الشعبي فقد تضمن الفيلم نقدا لبعض عيوب اﻟﻤﺠتمع وأبرز أزمة العاطلين عن العمل من الشبان، بالإضافة إلى واقع المرأة المحكومة بالعادات والتقاليد البالية الموروثة. كما صور حياة الشبان الأثرياء العاطلين بالوراثة. وعندما عرض هذا الفيلم فيما بعد عام ١٩٦٧ في عيد السينما المصرية كان الإقبال عليه أكثر من أي فيلم آخر من الأفلام السبعة التي اختيرت لهذا الاحتفال.

وعندما جاء الناقد والمؤرخ الفرنسي جورج سادول إلى القاهرة سنة ١٩٦٥ طلب مشاهدة بعض الأفلام المصرية القديمة ومنها فيلم (العزيمة)، وأبدى دهشته الشديدة عندما وجد أن مستواه الفني كان أرفع مما يتصور، وقد اختاره في كتابه (قاموس الأفلام) كواحد من أحسن الأفلام العالمية.

وكتب عنه:

“إنه أحسن فيلم مصري ظهر في الفترة الواقعة بين ١٩٣٠ – ١٩٤٥ وهو يرسم بفن أكيد الحياة في الأحياء الشعبية في مدينة القاهرة، ويستحق هذا الفيلم أن يقارن بأنجح الأفلام الفرنسية الكبيرة التي ظهرت قبل الحرب العالمية الأخيرة، ومما لا شك فيه أن مخرجه كان متأثرا (بالواقعية الشعرية) حيث إن كمال سليم كان يعرف أفلام لم ينهيه كلير ومارسيل كارنيه وجان رينوار وجوليان دي فيفييه ويعجب بها”. وقد اختار جورج سادول هذا اﻟﻤﺨرج ضمن أحسن مخرجي السينما في العالم”.

ويقدم الكتاب تعريفا للمخرج كمال سليم: “كمال سليم، مخرج مصري، ولد في سنة ١٩١٣ ومات سنة ١٩٤٥ أحسن سينمائي مصري ظهر في الفترة الواقعة بين سنة ١٩٣٠ وسنة ١٩٤٥. فهو الوحيد الذي استطاع أن يصور الواقع الاجتماعي لبلده في فيلم (العزيمة) وهو أحسن أفلامه. أخرج في سنة ١٩٣٧(وراء الستار) وفي سنة ١٩٤٠ (العزيمة) وفي سنة ١٩٤١ (إلى الأبد) وفي سنة ١٩٤٤ (البؤساء) و (شهداء الغرام) المأخوذة عن (روميو وجولييت). وفي سنة ١٩٤٥ (ليلة الجمعة).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة