خاص: قراءة- سماح عادل
كانت دخول الصوت إلي صناعة السينما المصرية، بعد أن كانت بدايتها بداية صامتة، مثل السينما العالمية مؤثرا بشكل كبير ليس فقط علي السينما المصرية وصناعتها، وإنما علي انتشارها عربيا وعالميا، وأيضا علي ازدهارها كصناعة كبيرة ووضع قواعد كثيرة لها. كشف لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، فالذي يقدم تأريخا ثريا للسينما وصناعتها.
مرحلة السينما الناطقة..
يكمل الكتاب الحديث عن السينما الناطقة في تاريخ صناعة السينما المصرية: “وفي هذه المرحلة كان أهم ثلاثة من رواد السينما هم: محمد كريم، وأحمد جلال، وتوجو مزراحي. وكان توجو من أبناء الإسكندرية، وقد بدأ حياته الفنية هناك، وكان النشاط السينمائي يتركز فيها تقريبا كما رأينا. فقد كانت معظم الأفلام المصرية الأولى يتم إنتاجها في الإسكندرية. وكان أول فيلم ينتجه توجو مزراحي هو(الكوكايين) وقد أخرجه سنة ١٩٣٠ وقام لجولته.
وفي سنة ١٩٣١ أنتج فيلمه الثاني (٥٠١١)، ثم قدم في عام ١٩٣٣ تجربته الثالثة (أولاد مصر)، وكان يقوم بالإنتاج والتأليف والإخراج والتمثيل، أما الحوار في أفلامه فكان قليلا لدرجة ملفتة للنظر. وكان يلجأ كثيرا إلى (الفوتومونتاج) للتعبير عن مرحلة انتقال في تطور القصة، بينما كان الشائع في الأفلام آنذاك أسلوب السرد بالحوار.
“توجو مزراحي”..
ويفصل الكتاب عن المخرج توجو مزراحي: “وتحول إنتاجه بعد ذلك من الموضوعات الاجتماعية إلى الموضوعات الكوميدية فقدم فيلم (المندوبان) ثم (الدكتور فرحات) بطولة تحية كاريوكا، وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا. وكان توجو مزراحي يقوم بإنتاج أفلامه في وقت قياسي من حيث السرعة، فقد أتم تصوير فيلم (سلفني ٣ جنيه) بطولة علي الكسار في أسبوع واحد”.
الوردة البيضاء..
ويكمل الكتاب: “وكان فيلم (الوردة البيضاء) أبرز فيلم عرض في مرحلة الفيلم الناطق، التي سبقت إنشاء أستوديو مصر، وهو ثالث فيلم يخرجه محمد كريم، وأول فيلم يقوم ببطولته محمد عبد الوهاب، وقد حقق هذا الفيلم نجاحا هائلا حتى أن أرباحه قد زادت على ربع مليون جنيه. واستمر يعرض بنجاح لعدة سنوات، وليس من شك في أن هذا النجاح يرجع إلى شهرة عبد الوهاب كمطرب، وقد غنى فيه ٨ قطع غنائية، ألف احمد رامي خمسا منها وهي: (وردة الحب، وناداني قلبي إليك، و يا اللي شجاك أنيني، و يا لوعتي يا شقايا، وضحيت غرامي). أما الأغنية السادسة فهي (النيل نجاشي) لأمير الشعراء “أحمد شوقي”، والسابعة موال قديم هو (سبع سواقي بتنعي لم طفولي نار).
وكانت الأغنية الثامنة للشاعر اللبناني “بشارة الخوري” وهي قصيدة (جفنه علم الغزل). وكانت هذه الأغنية الثامنة أول أغنية عربية تستخدم فيها الأنغام الغربية، فقد لحنها عبد الوهاب على نغم رقصة الرومبا.
وفي هذا الفيلم ظهر البطل في حجرته في أحد المشاهد، وسارت الكاميرا إلى صورة عبده الحامولي ثم إلى صورة سلامة حجازي، وهنا يسمع المتفرج صوت الشيخ سلامة وهو ينشد قصيدته المشهورة (سلام على حسن)، ثم تقف الكاميرا أمام صورة سيد درويش، ويسمع الجمهور صوت الشيخ سيد في الدور المشهور (أنا عشقت).
وصرح عبد الوهاب وقتئذ بأنه أراد بهذا أن يخلد هؤلاء الفنانين العظماء، ونراه في هذا المشهد يقف في خشوع أمام هذه الصور المعلقة على جدران حجرته، وذلك قبل أن يتخذ البطل قراره باتخاذ الغناء مهنة له”.
قصته..
وعن قصة ذلك الفيلم الشهير: “وروى محمد كريم أن قصة هذا الفيلم بدأت باختيار اسم الفيلم، ولم تكن هناك قصة وإنما كان هناك مجرد اقتراح باختيار أحد اسمين هما (الوردة البيضاء) و(الوردة الحمراء)، ثم تم اختيار الاسم الأول. وبعد ذلك بدأ تأليف القصة واشترك في هذه العملية محمد كريم وتوفيق المردنلي المحرر بدار الهلال وسليمان نجيب ومحمد عبد الوهاب وإحدى السيدات.
ويلاحظ أن هناك تشابها بين فكرة (الوردة البيضاء) و(غادة الكاميليا)، كما يلاحظ أن قصة (الوردة البيضاء) وضعت خطا عريضا تحت النظام الطبقي في مصر، فبطل الفيلم شاب فقير يحب فتاة غنية ولكن أسرتها ترفض زواجهما، للفارق الكبير بين مستواهما الاجتماعي، وتسرع بتزوجيها إلى شاب ثري من طبقتها، بينما يسير الشاب الفقير في حزن أمام بيتها في ليلة الفرح وهو يغني (ضحيت غرامي علشان هناكي)”.
الصوت..
ويعدد الكتاب أثار دخول الصوت في الصناعة: “وقد كان من أهم نتائج دخول الصوت إلى السينما المصرية:
١- تحول رجال المسرح إلى السينما.
٢- دخول الأغاني إلى الأفلام ودخول عدد من المطربين عالم السينما،
مثل نادرة، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم ومنيرة المهدية ونجاة علي وليلى مراد ورجاء عبده واسمان وفريد الأطرش وعبد الغني السيد ومحمد أمين وسعد عبد الوهاب.
٣- إنشاء أستوديوهات. ولم يكن ذلك مهما في عهد السينما الصامتة، أما بعد أن أصبح الحوار والمؤثرات والأغاني تسجل في الفيلم الناطق فقد أصبح من الضروري أن يتم التصوير داخل بلاتوهات مجهزة بآلات تسجيل الصوت، وكانت الاستوديوهات الأولى التي أنشئت في أيام السينما الصامتة هي أستوديو الشركة الإيطالية- المصرية في الخضرة بالإسكندرية ثم أستوديو بيومي، فأستوديو الفيزي، فأستوديو باكوس الذي كان دارا للسينما حولها توجو مزراحي إلى أستوديو في سنة ١٩٣٠ لتصوير أفلامه الأولى، وكانت كل هذه الاستوديوهات بالإسكندرية. وفي سنة ١٩٣١ أنشأ يوسف وهبي أستوديو رمسيس الذي تم فيه تصوير بعض مناظر فيلم (أولاد الذوات)، وفي سنة ١٩٣٥ أنشئ أستوديو مصر، وبعده تعاقبت استوديوهات لاما بحدائق القبة وناصيبيان بالفجالة، وجلال بالحدائق وأستوديو الأهرام، ومدينة السينما بشبرا، وأستوديو نحاس.
٤- زاد إقبال المتفرج على الفيلم المصري بعد أن أصبح ناطقا، فقد كسب هذا الفيلم جمهور المسرح وجمهور الطرب، علاوة على جمهور جديد كانت الأمية تقف حائلا دون استمتاعه بالسينما حيث كان المتفرج عندما يشاهد الفيلم الصامت المصري أو الأجنبي، يضطر إلى قراءة الحوار أو ترجمته التي تعرض على الشاشة.
كما أصبح من الممكن أن يرتاد الأطفال من تلاميذ المدارس الصغار دور السينما، وهكذا صارت السينما هي سهرة الأسرة كلها.
٥- زاد إنتاج الأفلام في كل موسم زيادة ملحوظة بعد أن أصبحت السينما ناطقة، ففي عهد السينما الصامتة كان الإنتاج يتراوح بين ثلاثة وخمسة أفلام في الموسم. ثم زادت دخول أفلام الصوت فأصبحت ستة أفلام، ثم ١٢ فيلما، ثم ١٦ فيلما وهكذا.
٦- اقتنعت دور العرض وكان معظم أصحابها من الأجانب، بأن الجمهور يقبل على الفيلم المصري. وكانت قبل ذلك تبدي شكها في إقبال الناس عليه. وكما رأينا أن منتجي الأفلام الأولى كعزيزة أمير اضطروا إزاء ذلك إلى استئجار دور العرض علي حسابهم حتى يتحملوا بأنفسهم الخسارة أن كانت هناك خسارة.
أما بعد أن أصبح الفيلم المصري ناطقا فقد فتحت دور العرض أبوابها له، بل أن بعض هذه الأفلام كالوردة البيضاء حققت إيرادات تفوق إيرادات أحسن الأفلام الأجنبية في ذلك الحين.
٧- انتشرت دور العرض في مدن الوجهين البحري والقبلي، وكان ذلك
راجعا إلى أسباب عديدة منها عدم وجود مسارح بالأقاليم، وارتفاع ثمن جهاز الراديو في أوائل الثلاثينات، وتطور اﻟﻤﺠتمع وخروج المرأة المصرية.
٨- انتقل النشاط السينمائي من الإسكندرية إلى القاهرة بعد إنشاء الاستوديوهات فيها، هذا بالإضافة إلى أن الممثلين أصبحوا يجدون فرصا أكثر في القاهرة، فلم يعد في مقدورهم البقاء في الإسكندرية طوال مدة تصوير الفيلم كما كان يحدث في الماضي.
٩- ظهور شركات توزيع الأفلام، وكان المنتج قبل ذلك يقوم بنفسه بمفاوضة أصحاب دور العرض، أما بعد أن قامت شركات للتوزيع، فقد تولت هذه العملية نظير نسبة من الإيرادات”.
غزو الفيلم المصري..
يواصل الكتاب عرض نتائج دخول الصوت للسينما:
١٠- بدأ الفيلم المصري يغزو الوطن العربي وينافس الفيلم الأجنبي.
١١- انتشرت اللهجة المصرية في الوطن العربي.
١٢- اتجه منتجو الأفلام المصرية إلى تصوير مشاهد أفلامهم في البلاد
العربية (صور محمد كريم عام ١٩٣٥، بعض مناظر فيلم عبد الوهاب الثاني
“دموع الحب”في سورية).
١٣- ظهر عدد من الممثلين والمطربين العرب في أفلام مصرية.
١٤- ظهرت اﻟﻤﺠلات الفنية: الكواكب (سنة ١٩٣٣) و(فن السينما ١٩٣٣)، كما اهتمت الصحف اليومية بتخصيص صفحة أسبوعية للسينما.
١٥- ظهر المؤلف السينمائي المصري حتى أن بعض الكتاب اللامعين كتبوا قصصا للسينما.
١٦- تأثر المسرح المصري بسبب إقبال الجمهور على الأفلام المصرية، واضطرت فرق كثيرة إلى إغلاق أبوابها بعد أن تحول أصحابها وأعضاؤها إلى السينما (أمثال فوزي الجزايرلي، وعلي الكسار، ومنيرة المهدية، وفاطمة رشدي، ويوسف وهبي).
١٧- تحولت المسارح إلى دور عرض سينمائية.
١٨- ظهر الناقد السينمائي المصري بعد أن فتحت الجرائد صفحاتها أمامه.
١٩- أصبحت الترجمة في الأفلام الأجنبية تطبع على الفيلم نفسه بعد أن كانت تظهر في الماضي على شاشة صغيرة مستقلة إلى جانب الشاشة الكبيرة، وكانت هذه عملية متعبة لعيني المتفرج لأنه كان يضطر طوال الوقت إلى نقل عينيه من شاشة الصورة إلى شاشة الترجمة”.
اهتمام الصحف الأجنبية..
كما لاقت السينما المصرية اهتمام عالمي: ”
٢٠- بدأت الصحف الأجنبية التي تصدر في مصر تكتب عن الفيلم المصري، كما بدأ الاهتمام في صحافة العالم بالإشارة إلى صناعة السينما المصرية، وكان جورج سادول الناقد والمؤرخ السينمائي الكبير أول من تحدث عن الفيلم المصري في مقالاته وكتبه.
٢١- بدأ الفيلم المصري يشق طريقه إلى مهرجانات السينما الدولية. وكان فيلم (وداد) هو أول فيلم مصري يعرض في مهرجان البندقية، وذلك في سنة ١٩٣٦.
٢٢- بدأت دبلجة بعض الأفلام الأجنبية لتصبح ناطقة باللغة العربية.
وكان أول تجربة في هذا الميدان هي دبلجة فيلم (مستر ديدز الشاذ) الذي أخرجه فرانك كابرا، وقام ببطولته غاري كوبر، وقام بتحقيق هذا المشروع أحمد سالم، وأشرف على عملية الدوبلاج، وقام بالترجمة العربية اﻟﻤﺨرج أحمد كامل مرسي، وقام محمود المليجي (بصوته) بتمثيل دور غاري كوبر”.
الفيلم التاريخي..
كما ظهر الفيلم التاريخي بقوة:
٢٣- ظهر الفيلم التاريخي المصري بعد أن أصبحت السينما ناطقة وبعد أن أنشئت الاستوديوهات، وكان ذلك متعذرا قبل ذلك بسبب حاجة مثل هذا النوع من الأفلام إلى ديكورات كبيرة، ومن أول الأفلام التاريخية شجرة الدر، وليلى بنت الصحراء، وداد، ولاشين.
٢٤- بدأت شركات السينما العالمية تصور بعض مناظر أفلامها في مصر. وأول هذه الأفلام كان الفيلم الإنجليزي (تاجر الملح) الذي قام ببطولته المغني المعروف بول روبنسون. واشتركت في هذا الفيلم الممثلة المصرية كوكا.
٢٥- ظهر لأول مرة الفيلم القصير. وفي بداية عهد السينما الناطقة زاد إنتاج هذا النوع من الأفلام زيادة هائلة. وكانت هذه الأفلام تعرض لتكملة برنامج السينما إلى جانب الفيلم الطويل.
٢٦- ظهرت لأول مرة بشكل منتظم الجريدة السينمائية العربية.. وكان أهمها (جريدة مصر الناطقة).
٢٧ – ظهرت مكاتب الريجيسير لتتولى تقد يم ممثلي الأدوار الثانوية والوجوه الجديدة واﻟﻤﺠاميع في الأفلام.
٢٨- اهتمت الدولة بإقامة مسابقات السينما توزع فيها جوائز على المتفوقين من السينمائيين بعد أن كانت تعطى لرجال المسرح فقط، وكانت الجوائز الأولى كما يلي:
٥٠ جنيها لعزيزة أمير عن فيلم (كفري عن خطيئتك).
٥٠ جنيها لفاطمة رشدي عن فيلم (الزواج).
٥٠ جنيها لبهيجة حافظ عن فيلم (الضحايا).
٥٠ جنيها لآسيا داغر عن فيلم (عندما تحب المرأة).
٢٩ – انتشرت موجة الاقتباس في السينما المصرية.