خاص: قراءة- سماح عادل
استطاعت أن تقوم النساء بإخراج أفلام سينمائية، في بداية صناعة السينما في مصر، ورغم أن محاولاتهن في الإخراج لم تنجح في معظمها، إلا أنها سبقت حتى السينما العالمية في دخول النساء مجال الإخراج. كشف لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، في هذه الحلقة منه.
مرحلة السينما الناطقة..
يحكي الكتاب عن السينما الناطقة في مسيرة صناعة السينما في مصر: “أول فيلم مصري ناطق وهو فيلم (أولاد الذوات) عرض في ١٤ آذار١٩٣٢ . على أن دخول الصوت في الفيلم المصري لم يكن يعني مرحلة تطور في المستوى الفني، حيث إنه لم تكن قد أتيحت للسينما المصرية فرصة كافية للنمو وللتطور ولإرساء قواعد فنية وأساليب مميزة. إن الفترة التي عاشتها تجربة الفيلم الصامت لا تتجاوز خمس سنوات، كما أن عدد الأفلام التي تم إنتاجها وعرضها لا يكاد يزيد على عدد أصابع اليدين، ولهذا لم تتحقق للسينمائي المصري خبرة فنية كافية.
فلم يكن هناك كاتب القصة السينمائية، ولا كاتب السيناريو، ولا اﻟﻤﺨرج المبتكر الذي لا يقلد. وإنما كان الشيء الوحيد الذي تغير هو أن الفيلم المصري كسب جمهورا جديدا، هو الجمهور غير المتعلم الذي لم يكن في مقدوره أن يقرأ اللوحات التي تظهر في الفيلم الصامت بدلا من الحوار، لهذا زاد إيراد الفيلم المصري بينما بقى مستواه الفني كما كان في عهد السينما الصامتة.
فيلم “أولاد الذوات”..
وكان (أولاد الذوات) ثاني فيلم يخرجه محمد كريم. وقد اشتركت فرقة رمسيس في تمثيل هذا الفيلم الذي أنتجه وقام ببطولته صاحبها “يوسف وهبي”.
ظهرت أمينة رزق في دور زينب، وسراج منير في دور الدكتور أمين، ودولت أبيض في دور أم حمدي، وحسن البارودي في دور أحمد أفندي. بينما قام يوسف وهبي بدور حمدي بك المحامي، واشتركت في التمثيل الممثلة الفرنسية “كوليت دارفاي” في دور “جوليا”، وعمل أحمد بدرخان مساعدا للمخرج.
وتتلخص قصة الفيلم، وهي مأخوذة عن مسرحية قدمتها فرقة رمسيس بالاسم نفسه، في أن حمدي بك يخون زوجته المصرية مع فتاة فرنسية، وعندما تكتشف الزوجة هذه الخيانة يفر الزوج مع عشيقته إلى باريس. وهناك تظهر جوليا على حقيقتها فقد كان حمدي مجرد مغامرة عابرة في حياتها، ولذلك يفاجأ عندما يراها ذات يوم بين ذراعي شاب فرنسي، فيغضب ويطلق الرصاص عليهما، ويقبض البوليس عليه. ويحكم عليه بالسجن، وبعد ١٢ سنة يعود إلى القاهرة، ويذهب إلى بيته في اليوم الذي تحتفل فيه الأسرة بزفاف ابنه، ولا يعرفه الابن طبعا لأن شكل حمدي كان قد تغير كثيرا، إلا أن زينب تعرفه فورا فتبلغه أنها تزوجت ابن عمها أمين زوج جوليا، بعد أن علمت أن حمدي قد مات في السجن.
وعندما يعرف حمدي أنه لم يعد له مكان في هذا البيت، يكتفي بأن يلقي نظرة على ابنه العريس وعروسه ويتقدم نحوهما ليهنئهما ويقبل أيديهما، فيحسبه ابنه فقيرا يطلب البقشيش فيمنحه جنيها، ويخرج حمدي بينما يستمر الفرح، ويلقي بنفسه تحت عجلات القطار.
ولم يكن هذا الفيلم ناطقا كله، وذلك لاختصار التكاليف، فإن نصفه كان صامتا، وقد صور في أستوديو رمسيس الذي أنشأه يوسف وهبي عام ١٩٣١.
“أنشودة الفؤاد”..
ويكمل الكتاب عن فيلم “أنشودة الفؤاد”: “أما فيلم (أنشودة الفؤاد) الذي عرض في ١٤ نيسان ١٩٣٢ فتشبه قصته قصة فيلم “أولاد الذوات” حيث إن البطل يحب فتاة أجنبية تكون سببا في مصائب تحل بالأسرة.
كانت القصة ضعيفة والأغاني مملة وطويلة، لأن اﻟﻤﺨرج “ماريو فولبي” لم يستطع أن يتصرف فترك الكاميرا تواجه المطربة دون حركة طيلة الأغنية”.
فشل “تحت ضوء القمر”..
ويتابع عن فشل فيلم آخر: “أما فيلم (تحت ضوء القمر) الذي عرض صامتا في ١٩ حزيران ١٩٣٠، فقد أضاف إليه مخرجه شكري ماضي الصوت وأعاد عرضه ناطقا في ٤ تموز ١٩٣٢، إلا أن التجربة لم تنجح لأن سرعة دوران الأسطوانة تختلف عن سرعة دوران الفيلم. فكان من المحتم ألا يتطابق الصوت مع الصورة، مما أدى إلى أن مشاهد كثيرة من الفيلم كانت تتحول إلى مفارقات تثير الضحك، عندما يتكلم ممثل فيسمع صوت امرأة انتهى مشهدها وهكذا. أو يرى ممثل يطلق الرصاص من بندقية، وبعد أن ينتهي المشهد تسمع طلقات الرصاص.
وفشل الفيلم فشلا ذريعا، لا لعدم انطباق الصوت والصورة فقط ، وإنما لأسباب أخرى عديدة، منها ضعف القصة واعتمادها على المبالغات والفواجع، ومنها هبوط مستوى التمثيل إذ لم يكن للبطل أو البطلة تجارب سابقة في التمثيل، كما كان الماكياج مضحكا فاللحى كانت تتدلى من وجوه الممثلين بشكل يثير السخرية، وبينما يبدو الممثل صاحب اللحية الطويلة المتهدلة كهلا في السبعين من عمره كنت ترى وجهه نضرا ناعما بلا تجاعيد، كما أن مشيته وحركاته تؤكد أنه في العشرين من عمره.
مخرجات..
وعن قيام مخرجات من النساء بصناعة الأفلام يضيف الكتاب: “وفي هذه المرحلة بدت ظاهرة غريبة، وهي أن ثلاث من رائدات السينما المصرية قمن بإخراج أفلامهن بأنفسهن، وإذا كانت السينما العالمية لم تعرف مخرجة إلا في الأربعينات، فإن المرأة المصرية قد سجلت سبقا واضحا في هذا الميدان، ويلاحظ أن هذه الظاهرة ليس مردها إلى أسباب مالية فقط، وإنما لأن هؤلاء الممثلات المنتجات رأين أن عملية الإخراج لا يقوم بها مخرجون دارسون، باستثناء محمد كريم، بل إنها كانت في الأغلب
عملية اجتهادية. ولهذا رأين أن يجربن القيام بإخراج أفلامهن إلى جانب إنتاجها وتمثيلها، بل وتأليفها أيضا.
وهؤلاء الثلاث هن: عزيزة أمير التي أخرجت فيلم (كفري عن خطيئتك)، وبهيجة حافظ التي أخرجت فيلم (الضحايا)، وفاطمة رشدي التي أخرجت فيلم (الزواج). ولم تحقق هذه الأفلام الثلاثة نجاحا فنيا أو تجاريا يذكر. بل كانت مغامرات فاشلة إلى حد كبير باستثناء فيلم (الضحايا).
ولهذا لم تحاول عزيزة أمير أو فاطمة رشدي العودة إلى الإخراج مرة ثانية. أما بهيجة حافظ فقد شجعتها التجربة الأولى على أن تكررها بعد ذلك أكثر من مرة إلا أن أهم ما قدمت للشاشة كان الفيلم التاريخي (ليلى بنت الصحراء) الذي صورت مناظره في ديكورات ضخمة أقامتها في أستوديو مصر.”.
فيلم “عيون ساحرة”..
ويكمل عن فيلم ناجح: ” ومن التجارب الجريئة المهمة التي ظهرت في بداية مرحلة السينما الناطقة (عيون ساحرة) الذي ألفه وأخرجه أحمد جلال. وقد عرض الفيلم في سنة ١٩٣٣ وكان أول فيلم مصري من نوع (الخيال العلمي) أي ساينس فيكشن، وكانت هذه جرأة غير عادية أن يقدم جلال على إخراج فيلم من هذا النوع في وقت مبكر كهذا، قبل أن تظهر الاستوديوهات الكبيرة اﻟﻤﺠهزة بالآلات الحديثة.
وعلى الرغم من صعوبة تقديم مثل هذه القصة على الشاشة فقد نجح أحمد جلال كمخرج وكسيناريست نجاحا طيبا جدا، في جعل المتفرج يقتنع بالحوادث، وأهم من هذا أنه نجح في استخدام لغة سينمائية جيدة. فجاء الحوار قليلا جدا مع حركة كاميرا بارعة.
وبعد سنتين قام أحمد جلال بمحاولة أخرى جريئة وهي إخراج أول فيلم تاريخي مصري، وهو(شجرة الدر) الذي أنتجته شركة “لوتس فيلم” أيضا. وهي الشركة التي كانت تتألف من آسيا وماري كويني ومنه. وقد تم تصوير مناظر الفيلم التاريخي في فندق هليوبوليس مصر الجديدة حاليا. وقام أحمد جلال بإعداد سيناريو الفيلم عن القصة التي كتبها جرجي زيدان مؤسس دار الهلال ونشرها في سلسلة (روايات الإسلام).