15 نوفمبر، 2024 5:56 ص
Search
Close this search box.

السينما في الوطن العربي (4).. “زينب” أول فيلم عن الفلاحين في مصر

السينما في الوطن العربي (4).. “زينب” أول فيلم عن الفلاحين في مصر

خاص: قراءة- سماح عادل

كشف لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، في هذه الحلقة منه، عن حكايا قيمة وثرية وممتعة عن نشأة السينما الصامتة في مصر، وعن رفض المنتجين وصناع السينما الأجانب إنتاج فيلم يحكي عن الريف ويصور الأبطال من الفلاحين، مما يعكس مدى نفوذ الأجانب في مصر وفي مجال صناعة السينما في بدايتها.

مرحلة النشوء والسينما الصامتة..

يتناول الكتاب تاريخ صناعة السينما في مصر: “في عام ١٩٧٧ احتفلت مصر ˆبمرور نصف قرن على عرض أول فيلم مصري روائي طويل عام ١٩٢٧ وهو فيلم (قبلة في الصحراء) إخراج إبراهيم لاما، والذي عرض في الإسكندرية يوم ٥ أيار من ذلك العام، وتلاه في القاهرة يوم ١٦ تشرين الثاني عرض فيلم (ليلى) إخراج استفان روستي، وإنتاج وتمثيل عزيزة أمير. وهناك مؤرخون يعتمدون اسم الفيلم الثاني كبداية للسينما المصرية، نظرا لأنه أكثر أهمية من الفيلم الأول وليس بين العرضين سوى شهور قليلة.

كما أن مصر كانت من أوائل بلاد العالم التي عرفت السينما كعروض، فالمعروف أن أول عرض سينمائي تجاري في العالم كان في ٢٨ كانون الأول ١٨٩٥ في الصالون الهندي بالمقهى الكبير في شارع كابوسين بباريس، وكان أول عرض سينمائي في مصر في مقهى زواني بالإسكندرية في أوائل كانون الثاني عام ١٨٩٦، أما أول عرض في القاهرة فكان يوم ٢٨ كانون الثاني ١٨٩٦ في سينما سانتي بالقرب من فندق شبرد القديم.

وقد سبق فيلم (ليلى) مجموعة من المحاولات الصغيرة في الإنتاج السينمائي في مصر، لسينمائيين أجانب ومصريين مثل: (شرف البدوي) و(الأزهار المميتة) من إنتاج الشركة السينمائية الإيطالية المصرية. وكذلك فيلم (الخطيب نمرة ١٣) لمحمد بيومي، وفي سنة ١٩٢٣ قام مصور إيطالي يدعى الفيزى اورفانللى بتصوير فيلم قصير شارك فيه عدد من هواة السينما الأجانب والمصريين، بالإضافة إلى محاولات أخرى عديدة من هذا النوع.

وكانت آخر المحاولات قبل فيلم (ليلى) ما حققه الأخوان بدر وإبراهيم لاما، اللذان قدما إلى مصر من فلسطين، وحققا فيلم (قبلة في الصحراء) الذي عرض في سينما الكوزمو غراف بالإسكندرية قبل فيلم (ليلى) بعدة أشهر”.

فيلم ليلى..

ويواصل عن ما يعده بعض المؤرخون أول فيلم مصري: “أما فيلم (ليلى) فكان حلم الفنانة عزيزة أمير، حيث أقنعها وداد عرفي وهو شاب تركي جاء إلى القاهرة في أوائل عام ١٩٢٦، بإنتاج فيلم تقوم هي ببطولته، ويتولى هو إخراجه و—تمثيل دور البطولة فيه. ودبت الخلافات بين الاثنين بسبب بطء وداد عرفي في العمل واستشرى الخلاف فأبدلت عزيزة أمير القصة واﻟﻤﺨرج، واختارت قصة (ليلى) واﻟﻤﺨرج استفان روستي.

وقد أقيمت حفلة كبيرة في ليلة افتتاح عرض الفيلم يوم ١٦ تشرين الثاني ١٩٢٧ دعي إليها عدد من الشخصيات مثل محمد طلعت حرب وأحمد شوقي، وحقق الفيلم نجاحا طيبا ورحبت به الصحافة ترحيبا حارا، وعلق شوقي على الفيلم بقوله (أرجو أن أرى هذا الهلال ينمو حتى يصبح بدرا كاملا)، وكان الفيلم بالطبع صامتا”.

فيلم “زينب”..

ويعتبره الكتاب فيلما هاما: “كانت أهم تجربة في السينما المصرية في مرحلتها الصامتة هي فيلم (زينب) الذي أخرجه محمد كريم، وعرض في سينما متروبول بالقاهرة في١٢ آذار ١٩٣٠ وكانت هذه هي أول مرة يظهر فيلم فيها على الشاشة، فيلم مأخوذ من عمل أدبي. فقصة زينب كانت أول رواية مصرية كتبها مؤلفها الدكتور محمد حسين هيكل عندما كان يدرس القانون في فرنسا في سنة ١٩١٠. ونشرها في كتاب في سنة ١٩١٤ ولكنه لم ينشرها باسمه وإنما سجل على الغلاف أنها “مناظر وأخلاق ريفية بقلم مصري فلاح”.

وكان محمد كريم قد قرأ رواية (زينب) عندما كان يدرس السينما في ألمانيا، وأعد سيناريو لإخراجها على الشاشة. ولكنه لم يجد منتجا واحدا يقبل إنتاج هذا الفيلم، حتى في ألمانيا رفضت شركت أوفا السينمائية مشروع كريم أن يكون الفيلم إنتاجا مصريا- ألمانيا مشتركا، وفي القاهرة رفض المنتجون الأجانب ومنهم باردي صاحب سينما أوليمبيا، إنفاق أموالهم على إنتاج فيلم تجرى حوادث قصته في الريف وأبطالها من الفلاحين، وأبدوا استعدادهم لإنتاج فيلم عصري حوادثه في القصور.

فيلم عن الفلاحين..

ولكن محمد كريم كان مصمما على تقديم (زينب). وأخيرا لجأ إلى صديقه يوسف وهبي صاحب فرقة رمسيس المسرحية، وعرض عليه إنتاج هذا الفيلم الذي لن يكلف أكثر من خمسمائة جنيه، فوافق يوسف وهبي. ولم تكن هناك استوديوهات للسينما في ذلك الوقت.

وكانت الكاميرا تدار باليد. وكانت الإضاءة تتم بواسطة مرايا ألصقت عليها قطعة من قماش النيل الأبيض تشبه الناموسية، أو بواسطة لوحات كبيرة مغطاة بالورق المفضض تعكس الشمس على وجوه الممثلين، وفي هذا الفيلم الصامت استخدم محمد كريم (الكاميرا كيرين) لأول مرة في السينما المصرية لتصوير لقطة من الأعلى.

وفي هذا الفيلم قدم محمد كريم فكرة مبتكرة وهي تقديم مشهد واحد ملون، وهو مشهد زينب عندما ذهبت إلى السوق لتشتري بعض الحلي والملابس الملونة استعدادا للفرح، وقد صور هذا المشهد كله على فيلم عادي (أبيض وأسود) ثم أرسل إلى باريس لتلوينه باليد في معامل باتيه، وكان طول هذا المشهد ٤٠٠ متر، كان أجر تلوين المتر الواحد جنيها كاملا أي أن هذا المشهد وحده كلف المنتج ربع ميزانية الفيلم تقريبا”.

وعن قصة فيلم زينب يواصل: “وتجري حوادث القصة في قرية، وهي قصة حب، فقد أحبت الفتاة القروية زينب فتى قرويا فقيرا هو إبراهيم. ولكن أهلها زوجوها من فتى غيره أكثر منه ثراء وهو حسن، فقنعت زينب من هواها بعد زواجها باستطاعتها أن ترى إبراهيم وتقابله لأنه معها في القرية. ثم استدعى حبيبها للخدمة العسكرية، وعانت زينب من فراقه الكثير، وقضت نحبها على فراش المرض، وفاضت روحها في الوقت الذي كان حبيبها يحس بالألم ولا يدري له سببا”.

أماكن حقيقية..

وعن تصوير صناع السينما في مصر لمشاهد في أماكن حقيقية يتابع الكتاب: “عندما نتحدث اليوم عن مدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية فأننا ننسى دائما أن السينمائي المصري كان يصور أفلامه في الشوارع والحقول وفوق أسطح البيوت منذ خمسين سنة، لسبب بسيط هو أنه لم تكن في مصر وقتئذ أستوديوهات. فلم يكن ثمة بد من تصوير الأفلام في أماكن حقيقية. وكان محمد كريم هو أول مخرج مصري أظهر القرية المصرية على الشاشة. فقد تم تصوير مشاهد فيلم (زينب) في سنة ١٩٢٨ في قرى الشرقية والقليوبية والفيوم. وبصعوبة بالغة أمكن تصوير أبطال الفيلم في شوارع القرية وأمام بيوت حقيقية.

وقد حقق فيلم (زينب) عند عرضه في سينما متروبول في ١٢ نيسان ١٩٣٠ نجاحا هائلا ، وقد أذهلت هذه النتيجة أصحاب دور العرض وكانوا جميعا من الأجانب، وكانوا يضعون العراقيل في وجه هذا الفيلم بحجة أن المتفرجين لن يقبلوا على فيلم تجرى حوادثه في الريف.

وبعد هذا النجاح قام الدكتور هيكل بإعادة طبع روايته في كتاب وضع عليه اسمه صريحا، وأكثر من هذا إن قصة “زينب” هي القصة المصرية الوحيدة التي ظهرت على الشاشة مرتين: مرة في فيلم صامت في سنة ١٩٣٠. ومرة في فيلم ناطق في سنة ١٩٥٢. وعندما ظهرت الأفلام الملونة حاول محمد كريم أن يعيد إخراجها للمرة الثالثة في فيلم ملون.

وفي مرحلة الفيلم الصامت لم يكن إنتاج الفيلم هو المشكلة، بل كانت هناك مشكلة أكبر تنتظر المنتج، وهي مشكلة توزيع الفيلم، فلم تكن هناك شركات توزيع بل كانت كلها شركات إنتاج فقط”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة