13 نوفمبر، 2024 9:38 ص
Search
Close this search box.

السينما في الوطن العربي (2).. كانت الستينات نقطة انطلاق لسينما واعدة

السينما في الوطن العربي (2).. كانت الستينات نقطة انطلاق لسينما واعدة

خاص: قراءة- سماح عادل

من الطريف أن نقرأ كتاب صدر في أوائل ثمانينات القرن الفائت ونجده يتحدث عن التحديات التي تواجه البلدان العربية، وعن دور السينما في مواجهة تلك التحديات، والتوثيق ومحاربة المتاجرة، لذا كان من الممتع قراءة كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في القرن الفائت في عام 1981. وتقديمه لكم.

اتجاهين في السينما..

يقسم الكاتب السينما العربية إلى اتجاهين: “هناك اتجاهين في السينما العربية; أحدهما للقطاع الخاص الذي استشرى في بعض الفترات بصورة جنونية، والآخر للقطاع العام الجاد والملتزم. وإذا كان القطاع الخاص قد استطاع أن يلتهم القطاع العام في مصر إلا إنه بدأ ينحسر في سورية ولبنان، وانتهى بصورة قطعية في العراق، ولكن السوق ما تزال مغرقة بالإنتاج المتوفر لهذا القطاع المصري بصورة خاصة، والذي ساهم في إفساد أذواق الجماهير على مدى نصف قرن من الزمن.

لقد كان قيام مؤسسات السينما في بعض الأقطار العربية مرحلة انعطاف في تاريخ السينما “الجزائر- مصر- سورية- فلسطين- العراق” وترافق ذلك مع ظاهرة أخرى لا تقل عنها أهمية، بدأت مع عودة مجموعة من السينمائيين الشبان الجدد الذين درسوا السينما في الخارج، وجاءوا يحملون شهادات اختصاص ويحملون معها أحلاما وطموحات كبيرة كانت كثيرا ما تصطدم بالواقع التقليدي للسينما وبالعقبات الأخرى الروتينية، وبالآراء التي يحملها حتى السينمائيون الذين كانوا من أسباب الأزمة، ومن مصلحتهم إلا يفسحوا اﻟﻤﺠال أمام هؤلاء السينمائيين الجدد الذين جاءوا يحملون وعد “السينما البديلة” التي قد تستطيع أن تتجاوز واقع الاتجاهات المتباينة للسينما العربية”.

المتاجرة والجدية..

لقد خلق تباين الاتجاهات والمستويات للسينما العربية بين أقصى مراحل المتاجرة وأقصى حدود الجدية جمهورا من النخبة، وهو جمهور لا

يزال قليلا من حيث العدد، إلى جانب جمهور آخر واسع من المتفرجين التلقائيين. ساهم التلفزيون في زيادة عدده، جمهور يبكي مع أبطال الميلودراما ويطلق ضحكات جوفاء مع الحركات والقفشات الكوميدية المبتذلة، ويتعاطف مع قصص الغرام السطحية التي تحشى عادة بكل توابل السينما التجارية من مفاجآت ورقصات ونكات وأغان ومشاهد جنسية لا مبرر لها.

تيار السينما الشابة..

ويحكي عن تيار جديد: “على الرغم من جميع النتائج السيئة لنكسة حزيران ١٩٦٧ فإنها أفرزت تيار السينما الشابة الجديدة بشكل واضح في عدد من أقطار الوطن العربي، وكان ‚أفراد هذا الاتجاه يرفضون مبدئيا الواقع السينمائي القائم، وقد انتقلوا من التنظير إلى الممارسة العملية، وإن كانت أفلامهم حتى الآن تجد صعوبة في أن تشق طريقها بين الجماهير العريضة.

مع هذا أثبتت هذه السينما وجودها وبدأ السينمائيون العرب، الشباب بصورة خاصة، يحاولون أن يكونوا بحق أبناء عصرهم وأصحاب قضيتهم، وأن يضعوا إسفينا في البنى التقليدية المتخلفة ﻟﻤﺠتمعنا العربي. ومن هنا كانت أهمية مهرجان دمشق الدولي الأول لسينما الشباب عام ١٩٧٢، الذي كان بداية لعملية مد جسور اللقاء والتعاون بين السينمائيين العرب لتجسيد هوية السينما الجديدة التي تخاطب إنسان العصر، بلغة تؤكد أنها تحترم وجوده وعقله، وتساعده على تجاوز مواقع الاتكال واللامسؤولية والتخلف، إلى مواقع متقدمة أكثر فعالية وأكثر جدوى.

ومن المؤسف أن تكون نهاية السبعينيات بداية أزمة جديدة في السينما العربية، بينما كانت الستينات نقطة انطلاق حقيقية لحركات تجديد جادة وأصيلة انبثقت في وقت واحد في عدة أقطار عربية، كأنما كانت على موعد مع التقدم:

ففي مصر يتجمع شباب السينما في “جماعة السينما الجديدة” ويطالبون بتغيير جذري لنظم الإنتاج وبثورة كاملة في وسائل النفاذ إلى الواقع ولا تقتصر فعاليتهم على مجرد التنظير لهذه السينما الشابة، بل يرتبط فكرهم بالتطبيق العملي منذ بداية ظهور ذلك التيار. وفي سورية تبدو انعكاسات تلك الحركة في الأسلوب الذي اتخذته اﻟﻤﺠموعة التي التفت حول مؤسسة السينما.

وفي الجزائر اقترن ظهور الجيل الثاني من السينمائيين وفي مقدمتهم محمد أبو عماري وسيد علي مازيف وعبد العزيز طولبي ومحمد زينات برفض رد حركة الواقع إلى التاريخ، فالفيلم من أهم وسائل الكشف عن وعي الإنسان بالعلاقات المحيطة به، وإذا كان الواقع في تطور وتغيير مستمرين، فإن اقتصار السينما على إنتاج أفلام تسرد بطولات حرب التحرير و—جد رواد الثورة الجزائرية انه يؤدي إلى نتائج عكسية طالما أن الجمهور قد وصل إلى حد الإشباع بالنسبة لوعيه بالماضي، وبلغ درجة فقدان المكان بالنسبة لمعاصرته لمن حوله، ومن هنا ضرورة الاتجاه إلى الحياة، إلى الواقع.

وقد وصلت أصداء هذه الدعوة إلى سائر أطراف المغرب العربي، فبدأ اتحاد السينمائيين في تونس المعاصرة وانتقل أكثر الشبان جرأة من النظرية إلى التطبيق، ولأول مرة نرى في فيلم مثل”وغدا” لإبراهيم باباي كيف تتمزق أحلام الفلاح التونسي الذي تلفظه الأرض عندما يهاجر إلى المدينة أو كما في فيلم “الخماس” للطيب الوحيشي، كيف لا تتغير علاقات الإنتاج الإقطاعية العشائرية في الريف رغم ما ينتشر في المدينة من حديث مجرد، حديث عن التطور والمدنية والدخول في العصر الحديث وهذا أيضا ما حدث في المغرب عندما بدأت حركة السينما الشابة بفيلم “ألف يد ويد” ل بركة.”.

خلق سينما وطنية..

ويواصل عن السينمائيين الجدد: “ولنعترف هنا بأن السينمائيين الجدد في الوطن العربي، والذين ولدت عطاءاتهم في ظل أجهزة الدولة الأيديولوجية باستثناء سينمائيي تونس والمغرب، وجدوا أمامهم أسباب تحقيق وكفالة استمرارية الإنتاج، وتخطي مصاعب النفقات، خاصة عندما يقتنع المسئولون في هذه الأجهزة بأهمية السينما لربط الجمهور بحركة الثورة الاجتماعية.

ومن هنا كانت الستينات فرصة مواتية أمام هؤلاء لخلق سينما وطنية، ثم محاولة تجاوزها إلي سينما أكثرتقدما على الرغم من سيطرة العقلية التكنوقراطية على بعض هذه الأجهزة، ماعدا بعض المحاولات الجادة، و كثيرا منهاعن تقديم الفكر القومي. قال البعض: إن مشكلة السينما تكمن في تخلفها التقني، وقال البعض الآخر: إن المشكلة هي في تجمد محتوى الفيلم الجاد ضمن بناء محدود، لا نتكلم هنا عن السينما التجارية، حتى الفيلم الجزائري الشهير “وقائع سنوات الجمر” برغم الشهرة التي حققها كانت حوله ملاحظة هامة من هذا النوع طرحها الناقد صبحي شفيق في مجلة “السينما العربية” العدد الأول، عندما قال: ما نلمحه في أغلب أفلامنا أن رؤية الواقع تتحول إلى رؤية فرد واحد نحمله حديثنا، وغالبا ما يكون الحديث الذي تريده السلطة لا الذي يطلبه الواقع، واضرب مثلا بفيلم واحد يصلح وحدة قياسية لعشرات الأفلام، واعني به “وقائع سنوات الجمر” للجزائري محمد الأخضر حامينه، رغم كادراته وتكويناته الرائعة، ورغم حسه السينمائي المفرط، ينتهي الأمر، حيث ˆخرج الفيلم إلى توسيع الهوة بين التكنيك وبين المضمون “لأنه جعل من فرد واحد هو أحمد شخصية بطولية لا تنهزم أبدا، نراه منذ عام ١٩٣٠ حتى انطلاق أول رصاصة من معسكر الثوار في عام ١٩٥٤ لا يجرح ولا يمرض، رغم موت أهله وأبنائه وتدمير قريته عن آخرها، ورغم موت كل رفاقه الذين اشتركوا في الحرب العالمية الثانية، وذلك لأن الواقع هنا يبدووحيد البعد، بينما واقع الجزائر متعدد الأبعاد.

وعلى المستوى الدرامي نعبر عن هذا بأن اﻟﻤﺨرج جعل الواقع ينكمش في دائرة الدراما البرجوازية، بينما المضمون يتطلب معالجة ملحمية. وليس هذا الفيلم هو المثال الوحيد ولكن هذه المحاولات على ما يقال حولها من ملاحظات كانت بلا شك الوجه المشرق والمتقدم للسينما العربية في عدد من الأقطار العربية، ولكنها ظلت دون طموح المهمة الأساسية، مهمة خلق سينما قومية، على الرغم من أن عددا منها قد نال جوائز في مهرجانات دولية وعربية”.

جوائز المهرجانات..

وينتقل الكاتب إلى الحديث عن جوائز المهرجانات: “إن جوائز مهرجانات السينما ليست التقويم الأخير لأفلام السينما، وفوزفيلم “عرس الزين” للمخرج الكويتي خالد الصديق مثلا بجائزة مهرجان الفيلم العربي الأول في باريس، يعتبر مؤشرا يجب الوقوف عنده قليلا، بعد أن فاز الفيلم الأول لهذا اﻟﻤﺨرج، وهو “بس يا بحر” بجائزة المهرجان الأول لسينما الشباب الذي أقيم في دمشق عام ١٩٧٢ وفي هذه الوقفة ممكن أن نقول:

السينما لا تصنعها المبادرات الفردية وحدها مهما كانت المواهب والإمكانات المتاحة بين يديها وبصورة خاصة في بلاد نامية أو متخلفة لا فرق، يجب أن يكون للسينما فيها دور إيجابي كبير بعد أن أصبح الفن السابع الملهاة الجماهيرية الواسعة، وبعد أن أصبحت هذه البلدان مستهدفة كسوق للتسويق من قبل تجار السينما من المنتجين، وسماسرة السينما من المستوردين والمسوقين”.

مبادرات فردية..

ويؤكد الكاتب علي أن المبادرات الفردية لا تصنع سينما حقيقة: “نقول: إن السينما لا تصنعها مبادرات فردية فقط ولكننا نقف مع هذا الرأي أحيانا عاجزين أمام حراب المتاجرين بهذا الفن المشرعة في وجوه المحاولات الجادة في هذا الميدان.

تجربة خالد الصديق في الكويت تجربة متقدمة في هذا اﻟﻤﺠال ومثلها تجارب جماعة السينما الجديدة في مصر، وتجارب أخرى في الجزائر وسورية وتونس، ولكن هل تستطيع هذه التجارب أن تقف في وجه هذا الطوفان المرعب من الأفلام التجارية التي أصبحت سلعة عالمية، تخضع لمنطق العرض والطلب، وتخضع لسوق واسعة تلعب فيها المساومات دورا كبيرا، وهناك دائما طرق لتسويق هذه السلعة مهما كانت مواصفاتها، مادامت ملايين البشر لا تجد أمامها من سبيل للتسلية غير السينما في أكثر الأحيان”.

الاستفادة من الماضي..

ويشير الكاتب إلى أهمية التعلم من تجارب الماضي: “شيء مفيد وهام ومطلوب أن نسجل ا لماضي والتراث والأحداث الكبيرة في السينما، وأن يقف الجيل العربي الجديد على مشاهد ترصد بعضا من تاريخ شعبه، ولكن السينما العصرية في بلاد نامية ومتخلفة وطموحة بآن واحد، يجب أن تتجاوز أبعاد المواجهة التقليدية إلى مواجهة فعلية للمشكلات والأخطاء والتجارب، خاصة وان التلفزيون العربي مع الأسف يعيش الآن

الفترة المرضية نفسها التي عاشتها سينما التسلية العربية مع القصص

السطحية والميلودراما المفتعلة، والتاريخ المزيف والرصد المشوه لحكايات الأسلاف والإخلاف على حد سواء إن كان ذلك في قصة بدوية من الصحراء، أو في قصة عصرية من عواصمنا العربية.

إن شعبنا العربي اليوم يعيش أقسى مرحلة في تاريخه المعاصر، وهو شحن امتحانا مصيريا صعبا على جميع المستويات إنه يجابه مؤامرات من كل نوع ومن عدو شرس يستهدف وحدة ترابنا العربي وثرواتنا القومية ومستقبل أجيالنا. بالإضافة إلى أن هذا الشعب يخوض معركة أخرى قاسية على صعيد التنمية وفي مجابهة تركة الماضي من عهود التخلف والاستعمار والاستغلال.

والسينما أمام هذا الواقع مطالبة بأن تكون في قلب الأحداث ليس بالأسلوب التوثيقي والتسجيلي فقط، بل بجميع أساليبها المعروفة وعلينا أن نحاول تفهم المحاولات اﻟﻤﺨلصة في هذا اﻟﻤﺠال فلا نضيق عليها أو على أصحابها مادام منطلقهم الالتزام الواعي بقضايا جماهير الشعب”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة