خاص: قراءة- سماح عادل
أصبحت السينما المصرية تستعين بقصص الأدباء المعروفين، لكن مع ذلك لم يكن الكتاب عوامل جذب للجماهير، وصعد نجم أربعة من المخرجين في الفترة بعد 1952، كما صعد نجم الكاتب إحسان عبد القدوس. هكذا كشف لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، والذي يقدم تأريخا ثريا للسينما في المنطقة العربية.
مرحلة ما بعد ثورة (١٩٥2 – ١٩٦٣)..
يكمل الكتاب عن حال صناعة السينما في مصر في مرحلة ما بعد 1952: “إن الرقابة كانت تمنع في تلك الفترة الموضوعات التي تحمل معاني سياسية، فمثلا رفضت الرقابة التصريح بإخراج قصة نجيب محفوظ (القاهرة الجديدة) في السينما، وظل صلاح أبو سيف يقدم للرقابة هذه القصة بأسماء مختلفة ست مرات منذ أن نشرت عام١٩٤٦، وأخيرا استطاع بعد عشرين سنة أن يقدمها في فيلم (القاهرة ٣٠)، ورفضت الرقابة التصريح بعرض فيلم “الأسطى حسن” في أوائل عام ١٩٥٢ إلا إذا انتهى الفيلم بظهور لافتة كتب عليها (القناعة كنز لا يفنى)”.
الأفلام الوطنية..
وعن الأفلام التي أسماها الكتاب وطنية: “ومن الأفلام الوطنية الهامة في تلك المرحلة:
– رد قلبي- إخراج آسيا وإنتاج آسيا وإخراج عز الدين ذو الفقار.
– مصطفى كامل- إخراج أحمد بدرخان.
– جميلة- إنتاج ماجدة وإخراج يوسف شاهين وهو عن قصة البطلة
الجزائرية جميلة بو حيرد”.
كمال الشيخ ويوسف شاهين..
وعن المخرجين المتميزين الذين ظهروا في تلك الفترة: “وفي هذه المرحلة أيضا ظهر أربعة من اﻟﻤﺨرجين الجدد المتميزين وهم: كمال الشيخ، ويوسف شاهين، وتوفيق صالح، وعاطف سالم.
لمع أولهم، وهو كمال الشيخ عندما قدم للشاشة تجربة فنية جديدة هي فيلم (حياة أو موت) الذي اشترك في تمثيله يوسف وهبي وعماد حمدي ومحمود المليجي، ومديحة يسري والطفلة ضحى أمير.
أما يوسف شاهين فقد لمع اسمه بعد أن أخرج فيلم (صراع في الوادي) الذي قدم فيه الوجه الجديد الذي اكتشفه وهو عمر الشريف، وقامت ببطولته فاتن حمامه وفريد شوقي وزكي رستم وعبد الوارث عسر. و يعالج الفيلم قضية الإقطاع واستبداد الإقطاعيين في الريف، وبطل الفيلم شاب اسمه أحمد عاد إلى قريته في الصعيد بعد أن أصبح مهندسا زراعيا، لكي يحاول تحسين طريقة زراعة قصب السكر، ولكن جهوده لمساعدة الفلاحين الصغار تجد معارضة شديدة من الباشا الذي يخشى هذه المنافسة.
ولكي يتخلص من أحمد يدبر جريمة ويتهم أحمد البريء بأنه مرتكبها وتحكم المحكمة على المتهم البريء بالإعدام، ولكن أحمد لا يسكت، بل يستمر في صراعه ضد هذا الإقطاعي حتى يتمكن في النهاية من إثبات إدانته ويعترف الباشا بجريمته. وتسير جنبا إلى جنب مع هذا الصراع قصة حب بين أحمد وابنة الباشا (فاتن حمامة) وينتهي الفيلم بزواجهما.
ولفت هذا اﻟﻤﺨرج نظر النقاد، فقد حقق مستوى ممتازا في إخراج فيلمه واستغل آثار الأقصر استغلالا بديعا”.
باب الحديد..
وعن فيلم “باب الحديد” يكمل الكتاب: “ثم قدم يوسف شاهين بعد ذلك تجربة فنية أخرى رائعة هي فيلمه (باب الحديد) الذي يعتبر واحدا من أحسن عشرة أفلام ظهرت في تاريخ السينما المصرية.
وتجرى حوادث الفيلم كلها في محطة القاهرة، وفي يوم واحد من الصباح
إلى المساء، ويقدم لك قطاعا صغيرا من الحياة، قصة مجموعة من الناس بها مكان واحد هو المحطة (باب الحديد)، أحدهم بائع صحف أعرج اسمه صابر(يوسف شاهين) محروم من كل شيء، فهو فقير ومشوه وقبيح الوجه، وعيي اللسان لا أحد يعرف حقيقته. ولا أحد يفهمه. ولا أحد يحبه. يسكن في عشة حقيرة، يعيش في وحدة قاتلة، وسط بقعة مزدحمة في القاهرة.
وهناك أيضا هنومه (هند رستم) بائعة الكازوز التي (تتنطط) بجردلها بين القطارات وتحلم بأن يتزوجها أحد شيالي المحطة، والشيال الذي طلب يد هنومة شاب طيب القلب (فريد شوقي) يحاول أن يحمي زملاءه الشيالين من سطوة معلم يأكل حقوقهم، فيدعوهم فريد إلى تأليف نقابة تحفظ حقوقهم وتؤمن مستقبلهم، وينجح في تحقيق هذين الحلمين: النقابة ويد هنومة.
أما صابر فهو يحب هنومة، ويتمنى أن يتزوجها، ولكنها تسخر منه ومن فقره ومن عاهته، و(تأخذه على قد عقله)، وعندما يكشف هو أنها لن تكون له يفقد عقله، ويقرر أن يقتلها حتى لا تكون لغيره، ولكنه يقتل فتاة أخرى خطأ.وعندما تكتشف جريمته يقبض عليه ويساق إلى مستشفى الأمراض العقلية”.
توفيق صالح..
وعن مخرج متميز آخر: “واﻟﻤﺨرج الثالث الذي لمع في هذه المرحلة هو توفيق صالح الذي قدم فيلمين فقط في ٨ سنوات. وهذان الفيلمان هما (درب المهابيل) المأخوذ عن أول قصة لنجيب محفوظ تظهر على الشاشة، وتجرى حوادثه كلها في حارة، و(صراع الأبطال) الذي تجرى حوادثه كلها في قرية.
وفي (درب المهابيل) قصة حب بين شاب فقير(شكري سرحان) وفتاة فقيرة (برلنتي عبد الحميد)، ويقف فقرهما عقبة في طريق الزواج، يشتري الشاب ورقة يانصيب. ولكنه لا يحافظ عليها، وعندما تكسب البريمو يظهر أن الورقة كانت قد أصبحت في يد رجل من اﻟﻤﺠاذيب، ويفاجأ الرجل بأن
الحارة كلها تتقرب إليه، والجميع طبعا لا يريدون إلا سلب المال منه، ولكن لا يصل أحد إلى المال، والمال تلتهمه عنزة، وأجمل ما في هذا الفيلم هو دقة تصوير جو الحارة، والبراعة في تقديم شخصيات أبناء الحارة.
وفي (صراع الأبطال) قصة حقيقية هي حادثة ظهور وباء الكوليرا بين سكان قرية لأنهم تناولوا طعاما فاسدا اشتراه بعض التجار من معسكرات جيش الاحتلال الإنجليزي، وعندما يتابع المتفرج قصة هذا الفيلم يحس كأنه يشم رائحة قوية تنبعث منه طول الوقت، هي رائحة القرية، شيء مختلف أما عن رائحة المدينة والكباريهات وسيارات الكاديلاك وفساتين السهرة والبكيني والتويست وغيرها من تقاليد السينما المصرية. وفي هذا الفيلم (محاولة طيبة) لتقديم صورة من حياة مصر”.
عاطف سالم..
وعن مخرج تميز رابع يتابع الكتاب: “أما اﻟﻤﺨرج الرابع الجديد الذي ظهر في هذه المرحلة فهو عاطف سالم، وقد استهل حياته الفنية لفيلمين جيدين أولهما (الحرمان) الذي قامت ببطولته الطفلة فيروز مع عماد حمدي وزوزو ماضي، والثاني هو (جعلوني مجرما) الذي قام ببطولته فريد شوقي مع هدى سلطان ويحيى شاهين وسراج منير ونجمة إبراهيم ورشدي أباظة.
ولم يكن الفيلم شرطيا بقدر ما كان فيلما اجتماعيا. فهو يصور الظروف التي تدفع شابا بريئا إلى الجريمة. أنها محاولة لرسم البيئة التي تنبت الجريمة. إن محاولة رسم هذه الناحية جعلت للفيلم قيمة إضافية فوق قيمته الفنية، لأنه خرج عن الصورة التقليدية التي تقدم بها السينما المصرية القصة الشرطية فتحيلها إلى مشاهد ضرب و(تلطيش).
ومن هذه الناحية نفسها كانت ثغرة يمكن أن يتسلل منها النقد إلى القصة ذاتها، فيؤخذ عليها أنها حاولت تبرير تصرفات اﻟﻤﺠرم الشاب. وهذا هو وجه الخطورة خصوصا عندما نضع في اعتبارنا المتفرج الصغير الذي يعجب بالبطل ويصفق له، ويرى أن انحرافه كان تصرفا لا غبار عليه، إن المتفرج المراهق لا يدرس الظروف أو البيئة التي جعلت من البطل مجرما وإنما سيرسب في ذهنه معنى واحد فقط، وهو أن البطل لم يكن أمامه سبيل آخر إلا أن يأخذ حقه بيده.
بعد هذا قدم عاطف سالم فيلما آثار ضجة كبيرة، وهو(إحنا التلامذة) الذي كان بداية لموجة من الأفلام التي تقوم على انحراف الشباب. وعندما نجح هذا الفيلم الذي يقدم لنا ثلاثة شبان بدأت أفلام هذه الموجة تقدم أيضا قصص شبان. وكان أبرز ما في هذا الفيلم سرعة الإيقاع والعناية بإبراز الانفعالات وقوة تركيز المواقف المعبرة.
ثم قدم عاطف سالم فيلما آخر امتاز بواقعيته هو (أم العروسة) فأنت ترى فيه بيت موظف بسيط (عماد حمدي)، عنده سبعة أولاد وبنات، ليس عندهم خدم ولا طباخة، كل فرد في البيت يقوم بدور فيه. الأم (تحية كاريوكا) تطبخ وتكنس وتغسل وترضع أطفالها، والأب يشتغل في مكتبه ويشتغل أيضا في البيت، والبنت الكبرى (سميرة أحمد) تركت المدرسة وبقيت في البيت (تنتظر العدل) وتحلم طول النهار بأمير الأحلام، وتدفع شلنا لأخيها التلميذ عازف الكمان الصغير لكي يشجيها بأنغامه المؤثرة.
وأختها (مديحة سالم) تلميذة مراهقة تفهم كل ما يدور حولها، تنظر وتلاحظ وعندما يأتي عليها هي أيضا الدور لتصبح عاشقة تدفع شلنات أيضا لأخيها عازف الكمان لكي تحلم أختها الكبرى على أنغام الموسيقا، والولد الكبير (سليمان الجندي) تلميذ يدخن سرا، بعيدا عن عيني أبيه ويغار من الشباب الذين ينظرون بعيون جريئة إلى أخواته البنات. الأسرة كلها معقولة، تصرفاتها طبيعية، لبسها عادي. والبيت نفسه (على القد) لا الديكور مبالغ فيه، ولا الغرف واسعة، كما لو كانت بلاتوها للتصوير”.
الأفلام الفكاهية..
وعن ظهور أفلام فكاهية: “ومن العلامات المميزة في هذه الفترة ظهور سلسلة عن الأفلام الفكاهية، التي تحمل اسم بطلها الممثل الفكاهي إسماعيل ياسين ومنها:
– إسماعيل ياسين طرزان.
– إسماعيل ياسين للبيع.
– إسماعيل ياسين في السجن.
– إسماعيل ياسين في حديقة الحيوانات.
– إسماعيل ياسين في متحف الشمع.
– إسماعيل ياسين في مستشفى اﻟﻤﺠاذيب.
– إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة.
وعلى الرغم من أن هذه الأقلام حققت إيرادات خيالية إلا أنها كانت مع الأسف رديئة جدا من الناحية الفنية، ويبدو عليها بوضوح طابع الاستعجال، وأغرب ما فيها هو أن بطلها إسماعيل ياسين كان يكرر فيها نفس الحركات واللوازم التي ظل يقدمها على الشاشة بلا تغيير وبلا تطوير في الأربعينات والخمسينات.
وكان رد الفعل بعد هذا كله انصراف الجمهور عن هذه الأفلام بعد أن مل هذا التكرار الساذج للحركات التهريجية، وكانت النتيجة أنه في الستينات اختفى إسماعيل ياسين من الشاشة”.
قصص الأدباء..
وعن استخدام قصص الأدباء: “ومن المعالم البارزة في هذه المرحلة الاتجاه إلى قصص الأدباء المعروفين، فظهرت على الشاشة قصص (ظهور الإسلام) و(دعاء الكروان) للدكتور طه حسين و(درب المهابيل، بداية ونهاية، وزقاق المدق) لنجيب محفوظ، وإني راحلة، رد قلبي، بين الأطلال، أم رتيبة ليوسف السباعي والرباط المقدس لتوفيق الحكيم، والناس اللي تحت لنعمان عاشور وإسلاماه لعلي أحمد باكثير، ولا وقت للحب ليوسف إدريس وغصن الزيتون وشمس لاتغيب لمحمد عبد الحليم عبد الله.
وبدأ المنتج المصري يدفع لمؤلف القصة أجرا يكاد في بعض الأحيان يعادل أجر نجوم الفيلم. وكانت هذه ظاهرة جديدة في السينما المصرية، فقد عاشت سنوات طويلة على القصص المقتبسة أو القصص الضعيفة، ولذلك كان نصيب القصة من ميزانية الفيلم ضئيلا. فلما اتجهت السينما إلى الأعمال الأدبية الكبيرة كان المفروض أن تؤثر أسماء الأدباء على إيرادات شباك التذاكر باعتبارها أسماء مشهورة كأسماء الفنانين، ولكن الواقع أن هذا لم يحدث إلا في حالات قليلة جدا، وباستثناء اثنين أو ثلاثة من أدبائنا، فان اسم مؤلف القصة لم يكن قط من عوامل جذب الجماهير إلى شباك التذاكر”.
إحسان عبد القدوس..
وعن استخدام قصص إحسان عبد القدوس: “وفي هذه المرحلة أيضا ظهرت سلسلة من الأفلام المأخوذة عن قصص إحسان عبد القدوس وحققت نجاحا جماهيريا هائلا جعل إحسان يتقاضى أكبر أجر دفعته السينما لمؤلف وهو أربعة آلاف جنيه، ومن هذه الأفلام:
(الوسادة الخالية) الذي قام ببطولته عبد الحليم حافظ مع الوجه الجديد لبنى عبد العزيز و(لا أنام) و(الطريق المسدود) و(لا تطفئ الشمس) وقامت ببطولتها لبنى وشكري سرحان والوجه الجديد حسن يوسف، وقد أخرج هذه الأفلام كلها صلاح أبو سيف.
(في بيتنا رجل) الذي أخرجه بركات وقام ببطولته عمر الشريف وزبيدة ثروت ورشدي أباظة. ومن الأفلام المأخوذة عن قصص عبد القدوس في تلك الفترة فيلم (البنات والصيف) وهو يتألف من ثلاث قصص أخرجها عز الدين ذو الفقار وصلاح أبو سيف وفطين عبد الوهاب”.
أزمة تضخم..
ويجمل الكتاب: “في هذه المرحلة ظهر حوالي ٦٠٠ فيلم مصري ٦٠ فيلما في العام وسطيا، وكانت هناك أزمة تضخم ومستوى في كتابة السيناريو، ولما كان عدد كتاب السيناريو قليلا فقد أنشأت وزارة الثقافة معهد السينما في سنة ١٩٥٩ومعهد السيناريو في سنة ١٩٦٣. وكان المفروض أن يدخل خريجو هذين المعهدين ميدان السينما وأن تظهر ثمار هذا الدم الجديد، ولكن الشيء الذي يؤسف له حقا هو أن خريجي هذين المعهدين ظلوا بعيدين عن ميدان المساهمة العملية الواسعة في قطاع السينما.
والى جانب إنشاء معهد السينما والسيناريو وجدت وزارة الثقافة أن هذا لا يكفي لعلاج مشكلة الفيلم المصري، فاضطرت إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذ صناعة السينما من المستوى الهابط الذي انحدرت إليه بعد أن تغلب عنصر التفاهة على نسبة كبيرة من أفلامها، فأنشأت مؤسسة دعم السينما في سنة ١٩٥٧ ثم دخلت ميدان الإنتاج لأول مرة فأنشأت مؤسسة السينما في سنة ١٩٦٢ (بدلا من مؤسسة دعم السينما).
وعلاوة على هذا أقامت وزارة الثقافة مسابقات للسينمائيين منحت فيها جوائز لأحسن الأفلام وأحسن الفنانين والفنيين وكانت المسابقة الأولى في سنة ١٩٥٥ وبلغ مجموع جوائزها ٢٥ ألف جنيه. وكانت المسابقة الثانية في سنة ١٩٥٩ وبلغ مجموع جوائزها ٥٠ ألف جنيه. وكانت المسابقة الثالثة في سنة ١٩٦٢ وبلغ مجموع جوائزها ٥٥ ألفا من الجنيهات.