خاص: قراءة- سماح عادل
تحولت في فترة ما السينما إلي تجارة، وذلك في تاريخ صناعة السينما في مصر، وكان سبب ذلك انضمام لأغنياء الحرب إلي الإنتاج السينمائي. هكذا كشف لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، والذي يقدم تأريخا ثريا للسينما في المنطقة العربية.
مرحلة ما بعد ثورة (١٩٥2 – ١٩٦٣)..
انتقل الكتاب إلي الحكي عن صناعة السينما في مصر في الفترة التي تلت 1952: “دخل الفيلم المصري من سنة ١٩٥٢ إلى سنة ١٩٦٢ في مرحلة دقيقة من حياته، وهي مرحلة امتزج فيها التطور بالقلق، فقد كانت هذه المرحلة هي السنوات العشر الأولى من حياة ثورة ٢٣ يوليو.
لم تستطع صناعة السينما المصرية في هذه المرحلة أن تتخلص من آثار أفلام ما بعد الحرب، على أن أبرز ما تمتاز به هذه المرحلة هو أفلام صلاح أبو سيف الواقعية ثم الأفلام الوطنية”.
صلاح أبو سيف..
ويضيف الكتاب عن “صلاح أبو سيف”: “ففي هذه المرحلة قدم صلاح أبو سيف أفلامه الستة التي كانت أساس شهرته كمخرج واقعي. وهي أفلام (لك يوم يا ظالم) و(الأسطى حسن) و(ريا وسكينة) و(الوحش) و(شباب امرأة) و(الفتوة).
والبطل في هذه الأفلام هو الإنسان المطحون- الفقير ضحية الاستغلال والإقطاع. ولم يجد صلاح أبو سيف الطريق مفروشا أمامه بالورود عندما حاول تقديم هذا النوع من الأفلام، ولولا إصراره وتمسكه بألا يقدم غير هذا النوع لما رأت هذه الأفلام النور.
وللأول مرة اتبعت طريقة جديدة في السينما المصرية، وهي طريقة اختيار الموضوع أولا، ثم كتابة قصة الفيلم اعتمادا على ملف القضية والتفاصيل التي نشرتها الصحف، ومن هنا جاءت هذه الأفلام ذات طابع خاص يختلف تماما عن الفيلم المصري العادي، بل يحاكي الطريقة المتبعة في الأفلام الواقعية الإيطالية”.
نقد اجتماعي..
ويواصل عن النقد الاجتماعي في أفلام صلاح أبو سيف: “ونلاحظ أن صلاح أبو سيف قد سار أيضا في هذا الاتجاه في أفلامه الواقعية، فبالإضافة إلى مستواها الفني الطيب تضمنت هذه الأفلام نقدا اجتماعيا، فمثلا أظهر فيلم (الوحش) أن سكان القرية لم يتعاونوا مع الشرطة، كانوا يخشون بطش اﻟﻤﺠرم وانتقامه، ولهذا لم يحرز واحد منهم على أن يدلي للشرطة بما يعرفه من بيانات وتفاصيل تساعد على سرعة القبض عليه وتخليص القرية من شروره وشرور عصابته.
وهذا الموقف السلبي ساعد الوحش كثيرا كما أطال الفترة التي قضتها الشرطة في الوصول إليه ومعرفة شخصيته، وعلى الرغم من وجود هذا اﻟﻤﺠرم على مسافة قريبة من نقطة البوليس، وعلى الرغم من أن كل شخص في القرية كان يعرف من هو (الوحش) إلا أن ضابط الشرطة لم يستطع أن يعرف اسمه ولا شخصيته بسبب أحجام كل ضحاياه عن إفشاء سره للشرطة.
واستمر الوحش يرتكب جرائمه ويفرض إتاوة على كل فلاح. وعندما تعاون رجال الشرطة مع رجال الدين، بدأ الموقف يتغير. وفي المطاردة الأخيرة كان الشعب يشترك مع الشرطة في سد الطريق أمام الوحش ومنعه من الهرب”.
الفتوة..
وفي فيلم (الفتوة) خوف تجار الجملة من بطش ملك السوق هو الذي جعل نفوذ هذا الأخير يزداد، وهو الذي مكنه من أن يسيطر على السوق كله وأن يتحكم في أسعاره كما يروق له، ولو أنهم وقفوا في وجهه واتحدوا، كما حدث بعد ذلك لما ظهر في السوق ملك يسيطرويستبد ويتحكم.
ويعتبر فيلم (الفتوة) أنضج وأقوى أفلام صلاح أبو سيف، فقد تعاونت أهم ثلاثة عناصر في العمل السينمائي وهي: الموضوع، القصة، الإخراج، على تحقيق أرفع مستوى ممكن لفيلم عربي في الخمسينات.
فنحن نرى في بداية الفيلم أن الشاب الصعيدي هريدي (فريد شوقي) قد ترك قريته وجاء على ظهر مركب إلى القاهرة يبحث عن لقمة العيش فيها، ويتجه إلى سوق الخضرة ليعمل كبائع يتجول، ويكتشف أن هناك تاجرا هو أبو زيد (زكي رستم) يسيطر على السوق كله، كلمته أمر ينفذه الجميع بلا معارضة، ويرفع السعر كما يحلو له، ويخفي الخضار أياما ليضطر الشعب لشراء السلعة في يوم آخر بالسعر الذي يفرضه، وهو سعرلا يستطيع أن يدفعه إلا القادرون.
وعندما يبدي هريدي هذه الملاحظة لأبى زيد معلقا بأن الفقراء سيموتون من الجوع بسبب هذه الأسعار يرد أبو زيد: (وماله.. الدنيا زحمة). ويقرر هريدي الفلاح الطيب أن يقف في وجه أبو زيد، ويجد استجابة من بعض تجار الجملة في السوق، ولكنهم يتفقون معه على ألا يظهر في الصورة إلا هريدي فقط بينما يتعاون الآخرون معه ويساعدونه ويزودونه بالمال سرا.
وبعد كفاح مرير يجد هريدي أنه لا يستطيع أن يهدم “أبو زيد” بهذه الطريقة، فيتظاهر بأنه قد فشل و يذهب إلى “أبو زيد” نادما مستنفرا ويطلب منه أن يجد له عملا لديه، وكان هدف هريدي الحقيقي هو أن يعرف أسرار “أبو زيد” وكيف يدير إمبراطوريته ومن هم الذين يسندونه.
وينجح هريدي في تحقيق هدفه بعد أن قربه أبو زيد إليه، وأصبح يرافقه في كل مكان يذهب إليه. وهنا فقط يعرف هريدي كيف يصرع “أبو زيد” وبعد أن يسقط “أبو زيد” يدخل هريدي السوق علنا ويصبح زعيم تجار الجملة. وبدلا من أن يحقق هريدي أحلامه نراه يتحول شيئا فشيئا إلى (أبو زيد رقم ٢). فهو يتحكم في السوق وفي الأسعار ويتعامل بالرشوة مع السراي، ويخاف منه تجار الجملة ولا يجرؤون على الوقوف في وجهه، وهكذا تصبح كلمة هريدي اليوم، كما كانت كلمة “أبو زيد”، أمرا يطيعه كل من في السوق، أي أن إمبراطورية “أبو زيد” قد سقطت لتقوم مكانها إمبراطورية هريدي”.
مشاعر الجماهير..
وعن الاهتمام بالجماهير وردود أفعالهم يوضح الكتاب: “وتمتاز هذه المرحلة أيضا باستجابة عدد من اﻟﻤﺨرجين لمشاعر الجماهير، فظهرت أفلام مثل (مسمار جحا) الذي أخرجه إبراهيم عمارة، و(صراع في الوادي) الذي أخرجه يوسف شاهين وقامت ببطولته فاتن حمامة أمام عمر الشريف، و(حكم قرقوش) الذي أخرجه فطين عبد الوهاب و(خالد بن الوليد) و(يسقط الاستعمار)، وقد أتنتجهما وأخرجهما وقام ببطولتهما حسين صدقي و(سجين أبو زعبل) لنيازي مصطفى و(بورسعيد) لعز الدين ذو الفقار (عمالقة البحار) لسيد بدير.
عالجت هذه الأفلام قضايا السياسة والاستعمار والقومية العربية بدرجات مختلفة، وكان هذا اتجاها جديدا في السينما العربية التي ابتعدت منذ نشوئها حتى فيلم الثورة عن هذا النوع من الموضوعات.
ولكننا نرجع هذه الظاهرة إلى أن صناعة السينما كانت في يد المنتجين الأفراد، إذ لم يكن القطاع العام قد ظهر بعد، وكان أنشط هؤلاء المنتجين وأغزرهم إنتاج من الأجانب أو المتمصرين. وهؤلاء طبعا لا يمكن أن يفكروا في تقديم أفلام تزيد من إثارة الشعب وتدفعه إلى التخلص من الاستعمار الذي كان يحمي هؤلاء المنتجين وكل المستغلين الأجانب”.
منتجي الحرب..
ويتابع عن المنتجين: “وعلاوة على هذا فقد كانت نسبة كبيرة من المنتجين المصريين تتألف من (منتجي الحرب) أي الأشخاص الذين أثروا في سنوات الحرب وتحولوا بعد ذلك إلى استغلال أموالهم في هذه التجارة السريعة الربح. وهذا النوع من المنتجين هو الذي أفسد الشاشة وهبط بمستوى الصناعة كلها، عندما قدم كمية هائلة من الأفلام الرخيصة التي تحاول أن تجذب المتفرج إلى شباك التذاكر بكل وسائل الإغراء.
فهل يمكن أن يفكر منتج كهذا في خدمة قضية بلاده?..
ويكفي فقط أن تستعرض أسماء بعض الأفلام التي ظهرت في تلك الفترة لكي نتصور كيف يمكن أن يكون مستواها الفني. خذ مثلا:
“انس الدنيا- الدنيا حلوة- أوع تفكر- الدنيا بخير- الصبر طيب- فرجت-الصبر جميل- حكم الزمان- مكتوب على الجبين- المقدر والمكتوب- من رضي بقليلة- صاحب بالين- خليك مع الله- أديني عقلك- ما اقدرش- العقل في إجازة- على كيفك- فايق ورايق- في الهوا سوا- العمر واحد- حظك هذا الأسبوع- جرب حظك- كفاية يا عين- مالي غيرك- حبيبي كثير- بافكر في اللي ناسيني- أحب البلدي- البنات شربات- تعال سلم- عايزة اتجوز- الستات كده- تحيا الرجالة- ساعة لقلبك- عيني بترف- بشرة خير- خبر أبيض-المرأة كل شيء- عشان عيونك- نور عيني- منديل الحلو- دستة مناديل- يا حلاوة الحب- في صحتك- أوع المحفظة- نشالة هانم- سامحني- احبك يا حسن- حب ودلع- علموني الحب- بحر الغرام- وهبتك حياتي- سلم على الحبايب- قبلني في الظلام- الآنسة بوسة- احترس من الحب- الهوا مالوش دوا- بلدي وخفة- ابن حلال- العقل زينة- اكسبريس الحب- سيبوني أغني-الكل يغني- بنت حظ- ليالي الأنس- كازينو اللطافة- عشرة بلدي- أحب الرقص- ارحم حبي- الحب كله- ما تقولش لحد- مالي حد- الحقوني بالمأذون- آه من الرجالة- حايجننوني- على قد لحافك- معلهش يا زهر”
هذه عينات من أسماء مئات الأفلام التي أغرقت السوق عندما تحولت السينما من فن إلى تجارة”.