22 ديسمبر، 2024 9:24 م

السينما في الوطن العربي (١٣).. في الستينات ظهرت دعاوي لخلق سينما مصرية جديدة

السينما في الوطن العربي (١٣).. في الستينات ظهرت دعاوي لخلق سينما مصرية جديدة

خاص: قراءة- سماح عادل

في فترة الستينات ظهرت جماعة السينما الجديدة التي انتقدت حال السينما المصرية، وسعت لخلق سينما جديدة. هكذا كشف لنا كتاب (السينما في الوطن العربي) للكاتب “جان إلكسان” والذي صدر في عام 1981، والذي يقدم تأريخا ثريا للسينما في المنطقة العربية.

جماعة السينما الجديدة..

يحكي الفيلم عن جماعة في تاريخ صناعة السينما المصرية: “في أيار ١٩٦٨ أعلنت مجموعة من السينمائيين عن تكوين جماعة السينما الجديدة وأصدروا بيانا حددوا فيه مفهومهم للسينما، وأعلنوا أنهم يقفون ضد المفهوم التقليدي المتخلف للإنتاج السينمائي في مصر الذي سيطر على إنتاج القطاع العام، وتوصل البيان إلى أن نشأة السينمائيين التقليديين في مصر تفسر موقفهم، فمعظمهم لم يدخل السينما كي يعبر عن أفكار معينة أو لكي يحقق شكلا فنيا معينا، ومن هنا لم يظهر في مصر في تاريخ السينما أي مفكر سينمائي يقف جنبا إلى جنب مع السينمائيين أصحاب التيارات مثل: “ايزنشتاين وروسيليني وغودار وانطونيوني وبرغمان، واستمر العمل في حدود علاقات حرفية”.

أسباب ظهور جماعة جديدة..

ويرصد الكتاب أسباب ظهور هذه الجماعة: “عودة إلى الوراء لاستجلاء الأسباب التي أدت إلى ظهور جماعة السينما الجديدة التي عانت بدورها من انتكاسات متتالية.
نعود إلى شباط ١٩٦٧ عندما عقد الدكتور ثروت عكاشة اجتماعا موسعا مع المثقفين والكتاب لبحث أزمة السينما، وقد أوضح أن القطاع العام السينمائي كان يضم ست شركات سينمائية وستة مجالس إدارات ومؤسسة السينما في عام ١٩٦٦ وكانت الدولة قد اشترت معظم دور العرض وجمدت الأستوديوهات ولم تدفع الثمن حتى ذلك الوقت.
وقد كان هناك عجز واضح في المشتريات، وكان هناك عدد من الأستوديوهات من المفروض أن تنتج ثمانين فيلما، ولم تتوفر السيولة المادية لتشغيل عجلة الإنتاج، كان الاستمرار في الإنتاج مطلوبا في الوقت نفسه، ولكن الإنتاج توقف، فهناك مبلغ مليون ونصف لمليون من الجنيهات من الديون على شركات الإنتاج، وخسائرها مبلغ مماثل بالإضافة إلى دين آخر هو ثمن الأستوديوهات ودور العرض.
وتوقفت السينما لأن الديون تتجاوز ثلاثة ملايين جنيه بالإضافة إلى ربع مليون مدفوعة كعربون لأفلام غير صالحة فضلا عن ألف جنيه قيمة الأجور المستحقة للعاملين، عجزت مؤسسة السينما عن دفعها لأن خزانتها كانت خاوية ‚لفرض وقف عملية الإنتاج.
حاولت الوزارة اﻟﻤﺨتصة أخذ قرض من وزارة الاقتصاد لتمويل الإنتاج ولكن المصارف رفضت بسبب عدم سداد الديون، فتدخل رئيس الجمهورية لإنقاذ الموقف وصدرت التعليمات بالحصول على قرض قدره مليون جنيه على أن يستخدم في الإنتاج وبفائدة قدرها ٧% بشرط ألا تدفع منه الرواتب. ولم تجد هذه المحاولات إذ تسلل إلى القطاع العام أناس كانت مصلحتهم في ألا يستمر هذا القطاع حتى —تمت تصفيته بقرار جمهوري في أيلول ١٩٧١”.

خسائر مؤسسة السينما..

ويواصل الكتاب عن خسائر مؤسسة السينما: ” وبدأ الحديث منذ ذلك الوقت حول خسائر مؤسسة السينما، وتحول الموضوع إلى قضية سياسية كبرى مطروحة أمام السلطة دون أن تجد لها الحل الجذري.
كان هناك من يقول بأن الأفلام ذات المستوى الرفيع تخسر تجاريا بينما تنجح الأفلام الخفيفة التي تنتج على أسس تجارية، فخلال السنوات ١٩٦٤ -١٩٦٨ أقدمت مؤسسة السينما على إنتاج عدد كبير من الأفلام التجارية الرديئة، بينما —كان القطاع العام من إنجاز بعض الأفلام الهامة مثل: المتمردون لتوفيق صالح، والبوسطجي لحسين كمال، والحرام لهنري بركات، والقاهرة٣٠ لصلاح أبو سيف، والجبل لخليل شرقي، وجفت الأمطار لسيد عيسى، والأرض ليوسف شاهين. ومع هذا ظلت الأزمة قائمة من خلال تناقضات وصراعات خفية أدت إلى هبوط السينما والى أزمتها”.

المعهد العالي للسينما..

وعن انشاء معهد متخصص يتابع الكتاب: “في عام ١٩٦٨ نفسه كان قد مضى على إنشاء المعهد العالي للسينما في القاهرة تسع سنوات، وتخرجت خلال هذه الفترة خمس دفعات تضم اكثر من ٦٥٠ خريجا في جميع الأقسام من الإخراج والسيناريو والتصوير والمونتاج إلى الديكور والتمثيل والملابس والماكياج وجميعهم من الشباب.
ولم تكن هناك خطة خاصة واضحة للاستفادة من كل ذلك الكم من اﻟﻤﺨرجين الذين لم يكن أمامهم فرصة لاكتساب خبرة عملية من خلال التدريبات ومشاريع الأفلام بسبب تدهور الميزانية وسيطرة العقلية البيروقراطية على هذا القطاع. وفي الوقت نفسه كان المسؤولون في هذا القطاع لا يرغبون في التعاون مع هؤلاء الخريجين ويعتبرونهم مجرد مجموعة من الشباب الذين يحملون قدرا من المعلومات النظرية اﻟﻤﺠردة دون أن يمتلكوا القدرة الحقيقية على الوقوف أمام الكاميرا وإدارة العمل السينمائي.
وقد ترجمت هذه النظرة من خلال قرارات استهدفت إقصاء خريجي المعهد عن العمل السينمائي وإلحاقهم بدواوين وإدارات وزارة الثقافة والثقافة الجماهيرية ومؤسسة السينما باستثناء عدد محدود جدا. وقد أدى ذلك إلى إحساس خريجي المعهد بالظلم وإحساسهم بضرورة التواجد داخل تجمع يتبنى مطالبهم ويطالب بفرص العمل في مواجهة أساطين السينما الذين يسيطرون على الساحة”.

نقاد السينما..

وعن نقاد السينما يحكي الكتاب: “وكان هناك في الوقت نفسه عدد من نقاد السينما المصريين الذين بدأوا في التعبير عن أفكارهم منذ أوائل الستينات من خلال تأسيس جمعية الفيلم ثم نادي السينما، وقد أكد هؤلاء من خلال كتاباتهم على ضرورة خلق سينما مصرية جديدة، وشنوا انتقادات واسعة ضد السينما التقليدية وامتدحوا الاتجاهات الجديدة والجادة في السينما المصرية.
وقد ساهم هؤلاء النقاد في الدعوة إلى وجود تجمع للسينمائيين الشبان وحاولوا وضع بذرة حركة سينمائية جديدة ترتبط بالواقع وتعبر عن القضايا الحقيقية للمجتمع المصري بعد نكسة حزيران.
وهكذا كان عام ١٩٦٨ عاما صاخبا مشحونا بالجدل والمناقشات والبحث المضني عن طريق جديدة. وقد أعلن بيان السينما الجديدة في أيار١٩٦٨ مؤكدا أن السينما فن يقوم على أسس علمية وعلى معرفة بخصائص الضوء وكيمياء الفيلم وحساسيته وعلى موقف يتخذه السينمائي من التيارات المعاصرة في الموسيقا، فالسينما فن يجمع الفنون التي عرفها الإنسان حتى الآن في عضوية مستقلة. ولا يمكن تحقيق هذه الوحدة إلا على أسس علمية.
وأشار البيان إلى عجز السينما التقليدية عن تحقيق هذه الوحدة لأنها حرفية، وبالتالي في لا تخاطب مشاعر الجماهير ولا تحرك أفكارها ولهذا انصرفت الجماهير عنها”.

المستوي التقني..

كما انتقد بيان جماعة السينما الجديدة التقنيات كما يذكر الكتاب: “وعلى المستوى التقني أشار البيان إلى أن حجة السينمائيين بضعف الإمكانيات وتخلف معدات التصوير هي حجة زائفة، وأن المشكلة الحقيقية هي في الإنسان الذي يستخدم الآلة كما دعا البيان إلى ضرورة الخروج للتصوير خارج الأستوديو.
أما على المستوى الإنتاجي والاقتصادي فقد حدد البيان تخلف نظام الإنتاج المصري السائد فأرجعه إلى سيادة نظام النجوم وما يتبع ذلك من خلق سيناريوهات لا تقوم على تحليل واقع أنساني وإنما تكتب لخلق جوساحر يحيط بالنجم أو النجوم، كما أن الميزانية توضع على أساس مجموع النجوم في الفيلم لا على أساس دورة الفيلم الحقيقية في الأسواق”.

مطالب جماعة السينما الجديدة..

ورصد الكتاب مطالب هذه الجماعة: “وحدد البيان ما يريده شباب جماعة السينما الجديدة على النحو التالي:
– أن الذي نريده سينما مصرية أي سينما تتعمق في حركة اﻟﻤﺠتمع المصري وتحلل علاقاته الجديدة وتكشف عن معنى حياة الفرد وسط هذه العلاقات، ولكي تكون لدينا سينما معاصرة لا بد أن تمتص خبرات السينما الجديدة على مستوى العالم كله، وعندما تكون السينما واقعية محلية الموضوع عالمية التكنيك واضحة المضمون بفضل تعمق السينمائيين لواقعنا فسوف تستعيد جمهورها كما تحقق انتشارا عالميا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة