السينما الفرنسية (7) روجيه ريشبي: الإنتاج يعتمد على وعي وحس بالمسئولية

السينما الفرنسية (7) روجيه ريشبي: الإنتاج يعتمد على وعي وحس بالمسئولية

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يؤكد المخرج والمنتج الفرنسي “روجيه ريشبي” على أن استعراض التقنية في صناعة السينما أمر سيء، إن الفيلم المميز هو الذي لا تظهر فيه أثر التقنية، كما يعترف أن رؤية المخرج لديه تغلبت على مصلحة المنتج المادية، كما يشدد على أهمية دور المنتج في عملية صناعة السينما، ولابد أن يتميز بالوعي والجرأة.

نواصل قراءة كتاب (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

روجيه ريشبي      Roger RICHEBE

“روجيه ريشبي”  مخرج ومنتج فرنسي، ولد في مارسيليا سنة 1897. توفي سنة 1989. عمل في البداية مستثمرًا للأفلام السينمائية، ثم موزّعًا، فمنتجًا(أنتج لمارسيل بانيول وآبل غانس) ومخرجًا. ألف كتاب مذكرات بعنوان “أبعد من الشاشة” 1977.

من أبرز الأفلام التي أخرجها:

(احتضار النسور 1933؛ اللباس الأخضر 1937؛ سجن النساء 1938؛ تقليد منتصف الليل 1939؛ مدام سان جين 1941؛ الأيام السعيدة 1941؛ ماغيه الكبيرة 1949؛  رومانس ثلاثية 1942؛ دومينو 1943؛ مونسنيور 1949؛ مطلوب للمشنقة 1951؛ فرار السيد بيرل 1952؛ عشّاق منتصف الليل 1952؛ إليزا  1956؛ ما أغبى الرجال 1956؛ صوفي والجريمة 1957). والتي أنتجها: “الكلبة” لجان رينوار، “مدموازيل نيتوش” لمارك آليغريه، “فاني” لمارسيل بانيول، “رحلة بلا أمل” لكريستيان جاك، ” ثمن الخطيئة “لدونيس دي لا باتليير، “أوسترليتز” لآبل غانس..

رؤية المخرج..

يقول “روجيه ريشبي” عن كيفية مجيئه إلى السينما: “عندما كنت في سن السابعة، فتح أهلي قاعة سينما في مارسيليا. كان ذلك في العام 1904. لكن بدايتي الفعلية في المهنة بدأت مع تجنيدي سنة 1919”.

وعن اتجاهه إلى الكتابة بعد توزيع آلاف الأفلام، وإنتاج المئات، وإخراج العشرات، يواصل: “في العام 1944 أنهيت نشاطي السينمائي إراديًّا، وكذلك نشاط شركتي. ومذ ذاك رغبت في أن أترك لأبنائي وأحفادي مذكرات تخبرهم بما فعلت في حياتي الزاخرة. وخلال عقود من النشاط السينمائي توافرت لديّ مقالات مناسبة لمثل هذا الكتاب. حتى ظننت بأنني لو كنت كاتبًا لكان ذلك أفضل!”.

وعن إحداث الاندماج بين شخصيتي المنتج والمخرج يقول: “هنا تكمن الصعوبة. قلت وأكرّر بأن مصالح المنتج لا تتطابق مع مصالح المخرج. ينزع المخرج دائمًا إلى الحصول على تمويل أهم. في حين أن المنتج المتعقل والكفء يظل محافظًا على نظرة نقدية للميزانية، حتى يتأكد من جدوى استثماراته. وحدث أن تجاوز المخرج المنتج، كما في حالتي، وفي حالات أخرى أيضًا. وهذا ما جرى لي عندما تكفّلت بإنتاج فيلم لكريستيان جاك. إذْ قدمت له مبلغ اثنيْ عشر مليونًا بقيمة تلك المرحلة، وكانت أكبر ميزانية لم يُصرَفْ مثلها قط. لكنها كانت في محلها ولم أندم على ذلك”.

منافسة التلفزيون..

وعن موقفه من التلفزيون يقول: “أشرفتُ على إدارة سبع عشرة قاعة عرض. وأعرف جيّدًا هذه المهنة المتّصلة بإمتاع الجمهور. ويستطيع التلفزيون القيام بهذا الدور أيضا إذا تخلى عن عرض التفاهات في كل شيء، لا في السينما وحدها. وأنا شخصيًّا عرض لي ستة من أفلامي، وهذا حدث سعيد، على شرط ألا يأتي لمجرد سدّ الفراغ. ما هي مشكلة التلفزيون الأساسية؟ إنها المنافسة. ولا يمكن التقدّم إذا لم تكن هناك منافسة. ولماذا نشاهد عروضًا درامية رديئة؟ لأنهم لا يخشون من وجود عروض أفضل على قناة أخرى. وهذا لا يعود إلى الميزانية بقدر ما يتعلق بسياسة متَّبعة. إن أفضل وسيلة لنجاح التلفزيون تكمن في عرض الأفلام القديمة، وربما يؤدي ذلك إلى دعم السينمائيين أيضًا، ولا سيما مع تزايد القنوات الخاصة”.

وعن التعلق ببعض أفلامه يكشف:”ربطًا بالسؤال السابق، هناك الأفلام التي عرضها التلفزيون. ومنه يمكن ذكر “احتضار النّسور”. وبين قوسين أشير إلى أن أحدًا لم يُشِدْ بجودة الحوار، إثر عرض الفيلم، والحال أن واضعه هو مارسيل بانيول! غير أن اسمه غير مذكور في شارة الفيلم (الجينيريك)! وفي هذه السلسلة يمكن أن أضيف أفلام “مونسنيور”، و”عشاق منتصف الليل” وكذلك “مدام سان جين”. ولكن هناك أيضًا تلك التي لم تتشرف بتكريم التلفزيون. وأنا أعتبرها أفضل أفلامي: “سجن النساء”، “رومانس ثلاثية”، “إيليزا”، “مطلوب للمشنقة”.. كل هذه الأفلام أحببتها كثيرًا. وكانت من أنجح الأفلام الفرنسية وقت عرضها”.

وعن الشعور بالمودة تجاه من عمل معهم من ممثلين ومخرجين يقول: “أولهم كريستيان جاك. ثم يأتي مارك آليغريه الذي تكفلت بإنتاج أفلامه الأربعة الأولى، وكذلك ريمو الذي تحملت مسؤولية عرض أفلامه الثلاثة الأولى على الشاشة.. لكن في الحقيقة من الأفضل ألا أذكر أحدًا، لأنني لو ذكرت الجميع لتطلب الأمر قاموسًا”.

وبالنسبة للمؤلفين الذين تعامل معهم يضيف: “كلا، بالتأكيد. في هذا المجال يمكنني الاقتصار على ذكر الكتّاب الذين أكنّ لهم كل الاحترام، وقد أُعجبتُ بهم سواء على مستوى المهنة أو على مستوى الصداقة: مارسيل بانيول، مارسيل آشار، جان أورنش، كارلو ريم، روجيه فرديناند. ولقد امتدّت صداقتنا إلى أبعد من الأفلام التي أنجزناها معًا”.

وعن طريقته في التعامل مع الممثلين يقول: “ثمة طريقة واحدة ناجعة. وقد كانت طريقتي على الأقل: أن أكون صديقهم. لذلك لا ينبغي الاقتصار على رؤيتهم أثناء التصوير، ولا بد من تمتين العلاقات خارج الاستوديوهات، وتبادل الزيارات. وما أحبه لدى الممثلين هو حبهم للحياة”.

استعراض التقنية..

وعن أهمية التقنية في صناعة السينما يقول: “أرى أن أكبر ميزة للفيلم هي ألا يتم الشعور بالتقنية. ومتى أكثر المخرج من تحريك الكاميرا واستخدام اللقطات المقرّبة والخدع، والتظاهر بالمهارة، أُدرك أنه مخرج رديء.

أصعب ما يعترض المخرج الحقيقي هو أن ينجح في عدم إبراز الإخراج، ونسيان الكاميرا. منذ فترة ذهبت لمشاهدة Funny Girl لويليم ويلر مع بربرا ستريساند. خرجت مندهشًا. ولقد عدت إلى مشاهدة الفيلم، وهذا نادر الحدوث، لاكتشاف أسرار التقنية. فلم أتوصل إلى ذلك، لأنها كانت في غاية الإتقان. إن البساطة التقنية الكبيرة التي تتميز بها الأفلام الأمريكية كانت ولا تزال تثير إعجابي. أما هنا، في فرنسا، فكلما ازداد تعقيد الفيلم أُعلن عن عبقرية صاحبه. وهذا يفسّر موقفي المعارض دائمًا لتقديم الجوائز في المهرجانات. فمن الطبيعي أن تظهر لجنة التحكيم على قدر عال من الجدية وتخشى ما قد يُقال عنها، لذلك تقدم جوائزها من دون التفكير في الجمهور الحقيقي، لأن جمهورها هو جمهور مهرجاني”.

ويجيب عن سؤال هل تعتقد أن بوسع المرء أن يصير سينمائيًّا بين عشية وضحاها: “يستطيع المرء أن يصور أفلاما، من دون أن يعني ذلك أنه صار سينمائيًّا. هذه صفة ينبغي اكتسابها وبذل الجهود من أجلها. لكن اليوم لا يوجد تأطير جيد للعمل. والمسؤولية لا تقع على عاتق المخرجين الجدد، بل على عاتق أولئك الذين عمدوا، غداة الحرب، إلى إلغاء أطر الإنتاج الجاد وسلطة الإشراف، بعكس ما يجري في أمريكا.

تذكَّر أهمية زانوك وواليس.. ذلك أن كل شيء في السينما يبدأ وينتهي عند المنتج. إذا نجح الفيلم فالفضل يعود إلى المخرج، أما إذا فشل فإن ما يجري هو تذكُّر اسم المنتج. إن الأمر يتطلب تحديدًا مهنيًّا جادًّا لوظيفة المنتج. ما جدوى المركز القومي للسينماتوغرافيا الذي لا يستند إلى أية بنية أو أي تمويل في مستوى طموحاته؟ كيف نصدق عملية سينماتوغرافية يتبجح أصحابها بأنها كلّفت مائتي ألف فرنك مع الإشارة إلى أنها من إنتاج شركة ذات رأسمال يُقدّر بخمسين ألف فرنك وتستغله في عمليات أخرى أيضًا.

ولم نعد نرى اسم المنتج على الشاشة بل اسم شركة خفيّة الاسم. أنا أسست شركة باسمي؛ “روجيه ريشبي”. كذلك عندما أراد “مارسيل بانيول” دخول المهنة، نصحته بأن يطلق على شركته اسم أفلام “مارسيل بانيول”. هذا الالتزام يتضمن احترام أسمائنا الشخصية، والوعي بمسؤولياتنا، وليس ذلك إزاء أنفسنا فحسب بل إزاء الجمهور أيضًا. توجد مشكلة أخرى بين الإنتاج والإخراج: إنه التبذير. ولا يمكن للتبذير أن يكون مبرّرًا فنّيًّا مقبولاً ومسوّغًا.

لاشيء يثير غضبي مثل عدم الكفاءة في أي مجال كان. وبما أنني كنت منتجًا ومخرجًا، فمن حقي التعبير عن رأيي في هذه المشكلة من دون خشية التعرض لتهمة الانحياز. لقد أنتجت فيلم “الكلبة” من إخراج جان رينوار. وهذا الفيلم بات اليوم يعتبر من أهم الأفلام الكلاسيكية. وكنت قد أنتجته في مرحلة كان الجميع يتهربون فيها من جان رينوار، ولنقُلْ إن ذلك كان بسبب اسمه.

من أجل ممارسة مهنة منتج لابد من التمتّع بصحة جيدة، وجرعة هائلة من التفاؤل، وقدر عال من الوقاحة. والحال أن المنتج بات في أسفل سُلّم المهنة، ويعود ذلك إلى حقيقة أن كل شخص يستطيع اليوم أن يتحول إلى منتج بسرعة قياسية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة