13 أبريل، 2024 6:56 ص
Search
Close this search box.

السينما الفرنسية (4) جان رينوار: الجزء اللاواعي من السيناريو هو الذي يصنع الروعة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يهتم المخرج الفرنسي “جان رينوار” بأن يضع نفسه في مكان الممثلين، ويعتقد أن أروع ما في السيناريو هو الجزء اللاوعي، ويعتبر أن السينما جنة يعبر فيها الممثلين وصناع السينما عن ذواتهم أجمل تعبير. نواصل قراءة كتاب (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية.

جان رينوار     Jean Renoir 

“جان رينوار” وهو ابن الرسام “أوغست رينوار”، ولد في باريس سنة 1894، وتوفي في “بفرلي هيلز”،”لوس  أنجلس، أمريكا” في 1979.

وله أفلام: (ابنة الماء 1924، نانا 1926، بائعة الكبريت الصغيرة 1928، الكلبة 1931، بودو الذي أُنْقِذَ من المياه 1932، مدام بوفاري  1933، طوني، جريمة السيد لانج 1935، الحياة لنا، الحضيض 1936، الوهم الكبير، المارسييز 1937، البهيمة البشرية  1938، قانون اللعبة 1939،  هذه الأرض ملكي 1943، تحياتي إلى فرنسا 1944، يوميات خادمة غرف 1946، امرأة الشاطئ 1947، النهر 1951، العربة الذهبية 1952، إيلينا والرجال 1956، غداء على العشب 1959، وصية الدكتور كوردولييه 1960، العريف المعلَّق 1962). وحاز على جائزة  الأوسكار عن مجمل أعماله سنة 1947.

يحكي “جان رينوار” عن بدايته في السينما: “كانت السينما في البداية تشكل موضوع رعب بالنسبة لي. أذكر أنني حضرت، ذات يوم، عرضًا داخل متجر كبير، كانت العروض فيه مخصصة للزبائن المرموقين. كان ذلك في نهاية القرن العشرين. يا إلهي كم خفت! كنت أصيح. أبكي. والقاعة المعتمة التي أجلسوني فيها مع ذلك الشعاع الذي يخترقها تلوح لي على درجة من الرعب معادلة للرعب المنبثق من الأشعة المتسرّبة تحت باب المرحاض. أما الشاشة التي كنت أشاهد عليها أشباحًا تتحرك، من دون تتابع منطقي للحركات، فقد كانت أقرب إلى استيهامات المخيّلة أثناء عقوبة العزلة. ولقد تطلب الأمر مرور زمن طويل كي أدرك أن تلك الأطياف سوف تشكل فرحي الأكبر”.

وعن ما يفضله من أساليب التعبير السينمائي يقول: “الكوميديا بلا منازع. وهذا ما يوفر عليّ التحيّز لهذا الشكل من المسؤولية الأخلاقية، أو ذاك، خصوصا وأنها مسؤولية تتغير من عقد إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، حتى لا أقول: من بلد إلى آخر، وربما من مدينة إلى مدينة، ومن بيت إلى بيت. والحياة نفسها ليست على ذلك القدر من البهجة، فلماذا نزيدها سوادًا؟ من الأفضل أن نبتكر لها ألوانًا أخرى. وقوس قزح يتضمن كل تلك الألوان. كما يقول المثل الشعبي “بعد المطر، يأتي الطقس الجميل”. ماذا عسى كان فيلمي “غداء على العشب” سيكون، لو أنني اعتمدت (على النشرات الجوية النفسانية) على التحليل النفسي ؟ لا يمكن أن يتحول حتى إلى “لنُغَنِّ تحت المطر”! على ذكر فيلم “غداء على العشب” فهو لا علاقة له بالرسام مونيه. أنت تعرف أن اللوحة والفيلم لا يشتركان إلا في نقطة واحدة: الصورة! صورة السينما يتم ضربها في أربع وعشرين صورة في الثانية. أما اللوحة فهي الصورة- القرن. وهذه الصورة لا تتحرك، بل الناس هم الذين يتحركون حولها. في السينما يكون المتفرجون جالسين، والصور هي التي ترقص أمامهم”.

التعبير عن الذات..

وعن طريقة تحريكه للممثلين يقول: “كان هدفي دائما، وفي كل فيلم من أفلامي، أن يتمكن الجميع من التعبير عن ذواتهم مثلي، ويشمل ذلك الممثلين والتقنيين. أنا أقدم الخط العام، وعلى كل واحد أن يجد، ضمنه، صوته وحريته، من دون أن يبتعد كثيراً عما أنتظره منه. أحب أن أكرر دائماً بأن المخرج ليس مؤلفاً يقتفي أثر الكاتب، وليس رساماً أو موسيقياً. إنه أقرب إلى قابلة، إن صح التعبير، تساعد كل ممثل على ولادة الشخصية التي يحبل بها.

إن الجوهري في أي فيلم هو الموضوع. ويمكن أن نحافظ عليه حتى بتغير السيناريو، وحسب ظروف التصوير، ومن خلال قبول التحويرات التي يحدثها الممثلون. ذلك أن الدور كما يدركه الممثلون كثيرًا ما يزيد في إثراء الشخصية المكتوبة. لا يمكنني العمل مع أناس غير محترفين. وأعرف بعض المخرجين الأميركيين الذين يرفضون تصوير أفلام وسترن لأن الحصان لا يمكن أن يكون ممثلاً. وكذا فأنا لن أُخرج، على سبيل المثال، أي فيلم مع الكلب الشهير “ران تان تان” مهما كان ذلك “العَوْ ” لطيفًا”.

وعن الرمزية وللواقعية في السينما يقول: “أنا حذر من الواقعية. تصور لو يأتي يوم ويصير التصوير يشمل الهواء والروائح. في مثل هذه الظروف، قد يفضل المتفرج الذهاب في رحلة إلى إحدى الغابات القريبة، مثل غابة فونتينبلو، على المجيء لرؤية فيلمي “غداء على العشب”. لاحظْ أيضا أن التلفزة هي كذلك، نوعًا ما، عندما توضع في المطبخ أو في قاعة الأكل. ومع ذلك يروق لي التصوير في الأماكن الواقعية، أو تلك التي تكون أقرب إلى الواقع. هذا يزيد في حيوية الأجواء. فالحقيقة الخارجية يمكن أن تساعد المرء في التعبير عن انعكاسها داخليًّا”.

السينما الجديدة..

وعن موقفه من السينما الجديدة يقول: “تقصد الموجة الجديدة. من روادها أعجبني كثيرا فيلم فرنسوا تروفو “”Les 400 coups وفيلم كلود شابرول  “Le Beau Serge” . لقد دخلا مباشرة إلى السينما، وبالمقابل أنا حذر من أولئك الذين يدَّعون الفن. لا أعرف مدرسة أفضل من الحصول على ثقافة عامة جيدة، يعيشها المرء بعد مرحلة  تجاربه الأولى، مع معاشرة كاميرا ولو قليلاً. لاشيء يخيفني مثل العبقري الذي يُدْرج اسمه بحروف أكبر من أسماء الممثلين، وأحيانا أكبر من عنوان الفيلم نفسه. شخصيًّا عندما يتعلق الأمر بالسينما، أُفَضِّل على صفة المؤلف أو المخرج أو المبدع، صفة الحِرَفي، أو الصانع الذي ينكبّ على عمله بتفان ويجيد رواية حكاياته بوضوح من خلال الكاميرا”.

ويضيف: “وبخصوص “السينما الجديدة”، إن وسيلتيْ التعبير، السينما والتلفزيون، مازال أمامهما وقت طويل للتطور منفصليْن، مع اختصاصيِّين لكليهما، وسرقات متبادلة لابتكاراتهما. وأؤكد لك أن اليوم الذي تنتهي فيه هذه المنافسة، وتتكامل وسائلهما من دون تنافس، ليس قريبا. وعندما يهل، يتوجب على السينما أن تكون الأمكر في جعل التلفزيون إحدى وسائلها والثأر لنفسها منه. لاسيما وأن أكثر ما يتبجح به هو أفلام السينما، من الأفلام الصامتة وصولاً إلى السينماسكوب (سينما الشاشة العريضة)! ومن المثير للانتباه حاليًّا، في أمريكا، وجود أعداد كبيرة من الشباب الذين يتدربون في التلفزيون. أراهنك بأنهم سوف يتألقون سينمائيًّا، وسوف تنتشر أسماؤهم عما قريب”.

ويجيب عن سؤال سينمائي هل الحربين العالميتين قد ألهمتاك: “أنت تلمّح إلى شريطيَّ “الوهم الكبير” و “العريف المعلّق”. الأول يتحدث عن حرب كان المشاركون فيها ما يزالون يتعاملون باحترام مهما كانت الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها. أما الثاني فيتعلق بالمصيبة التي تجمع الكل في كابوس واحد. لاشيء يثير اشمئزازي مثل الابتذال”.

عندما أخرجت فيلم “طوني” كان ذلك ردة فعل على الأجواء المربكة التي تسببت فيها كوميديا البولفار(الشارع)، وكان المتبرجزون أيضا يرتادون تلك العروض بحثًا عن أجواء أكثر نقاء، وأرواح أكثر طهارة، في الأوساط الشعبية. وعندما باتت تلك الأوساط نفسها هي التي تشكل غالبية الجمهور المقبل على الأفلام المبتذلة، أفلام المجرمين والأنذال وقطّاع الطرق، والبنات المستهترات، رغبت في تصوير “إيلينا والرجال”، على سبيل المثال. وعلى أية حال لا أرغب البتة في أن أكون مُخرجا أخلاقيُّا أو داعية لإصلاح الأخلاق.

ميزة المخرج..

ويوضح عن أفضل ميزة منتظَرة من المخرج:”أن يعرف كيف يضع نفسه في مكان الممثلين، أي أن يتخيل نفسه أمام الكاميرا في حين أن عمله يتطلب منه أن يكون وراءها”.

وينصح السينمائي الشاب ب: “أن يبدأ بأن يكون ممثّلاً أولاً، ثم يمر بمرحلة المونتاج.. وأخيرا أن يكون قادرا على قراءة قصائد فرجيل الرعوية في نصها الأصلي”.

وعن الصراع بين الثنائيات: النور والظلمة، الخير والشر، إلخ يقول: “لم أتمكن قط من تحمل فكرة وجود الشر في جانب والخير في جانب آخر. لاحظْ مثلاً أن أكثر من أتعاطف معه، في فيلم “المارسييز”، هو لويس السادس عشر. كان ضعيفًا أمام الأحداث التي ستعصف به، لكنه كان إنسانا شريفًا. أنا أخشى الرجال الأقوياء دائما. وأفضل الحلم الذي يبقى ذا صلة بالواقع، على الماكياج البطولي”.

وعن معاييره في اختيار سيناريوهاته يقول: “أبتعد عن تلك المشغولة بشكل مفرط، ودائما لأن لها من الحظ، وهو سوء حظ بالنسبة لك كمخرج، ما يجعلها قادرة على قطع نصيب الحلم، وهو أصدق ما فيك قبل تحوُّله إلى صورة نهائية.انتبه! إن القسم اللاواعي من السيناريو هو الذي يصنع المفاجأة والروعة، ويثير الانفعال أثناء العرض”.

وعن استمرارا ذهابه إلى السينما يقول: “كلما تمكنت من ذلك. لا يوجد جمهور أفضل مني. أحب مشاهدة الممثلين كما تخيلتهم، أي في ذروة عطائهم. هذه هي الجنة بالنسبة لي، الجنة الحقيقية”.

وعن المدهش في مهنة السينمائي يقول: “هي اللحظة التي يُفلت فيها ما تقوم به فيُعيده إليك الممثل أجمل بكثير مما تصورته. والفيلم الجيد تماما مثل صحن الأكل الطيب. أمامه لا يتساءل المرء عن مكوِّناته، بل عن الطبّاخ الذي عرف كيف يجعله شهيًّا”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب