15 يناير، 2025 10:57 م

السينما الفرنسية (31): السينما فن هروب الجمهور إلى عالم أجمل

السينما الفرنسية (31): السينما فن هروب الجمهور إلى عالم أجمل

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يقول المخرج الفرنسي “فرنسوا تروفو” أنه يحرص على تقديم شخصيات قابلة للتصديق، ويتوقع أن تصير السينما للجميع. وذلك في آخر حلقة من قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية.

 

François TRUFFAUT  فرنسوا تروفو

“فرنسوا تروفو” مخرج فرنسي،  ولد في باريس سنة 1932. توفي سنة 1984. عمل صحفياً في مجلة “فنون – آداب – عروض فنية”، وفي “دفاتر السينما”. وضع دراسات حول السينما من بينها “السينما عند ألفريد هيتشكوك”. مثّل في “لقاء من النوع الثالث” لستيفن سبيلبيرغ (1977).

الأفلام التي أخرجها: Les Mistons؛ (1958)400 طلقة (1959)؛ أطلقوا على عازف البيانو (1960)؛ جول وجيم (1961)؛ الجسد الناعم (1964)؛ 451 درجة على سلم فرانهايت (1966)؛ العروس ترتدي الأسود (1967)؛ قبلات مسروقة (1968)؛ عروس نهر الميسيسبي (1969)؛ الطفل المتوحش (1969)؛ بيت الزوجة (1970)؛ الانجيلزيتان والقارة (1971)؛ فتاة جميلة مثلي (1972)؛ الليلة الأميركية (1973)؛ حكاية آديل هـ. (1975)؛ مصروف الجيب (1976)؛ الرجل الذي كان يحب النساء (1977)؛ الغرفة الخضراء (1978)؛ الحب الهارب (1979)؛ آخر مترو (1980)؛ الجارة (1981)؛ فليأت يوم الأحد (1983).

السينما فن هروب..

يقول “فرنسوا تروفو”عن كيف جاء إلى السينما: “يقال، على وجه حق، غالباً، إن السينما فن هروب. الكثير من المثقفين يرفضون هذا المفهوم لأنهم يريدون “إيقاظ” الجمهور أكثر من مساعدته على “الهروب”. ثمة جانب صدق في كلتا النظريتين. أما أنا فقد جئت إلى السينما من باب الهروب. بدأ ذلك وأنا في سن الثانية عشرة، أثناء الاحتلال. كانت تلك مرحلتي الأولى، مرحلة الهروب الكامل. وفي مرحلة المراهقة تخليت عن مشاهدة أفلام الحرب والوسترن، وانتقلت إلى مشاهدة الأفلام الغرامية وأفلام التشويق والأجواء الخاصة. وبذلك كنت متفرجاً متخصصاً نوعاً ما. وكانت تلك الأنواع السينمائية توفر لي أهم مهرب أو ملجأ.

وما كان يجذبني في الأفلام الفرنسية لتلك المرحلة هو الواقع والذي يتجلى فيها بوضوح. وهكذا حفظت الحوار الذي يدور في فيلم “الغراب” من دون التوصل إلى فهم نصفه. ولقد عدت مؤخراً إلى مشاهدة هذا الفيلم فشعرت بصدمة. لاشك أن السينما الأميركية كانت توفر هروباً أعمق لكنها كانت أقل صدقاً.

بالنسبة لأوروبا تكمن الأهمية في الشخصيات؛ أما في أمريكا فالأولوية للمواقف التي توجد فيها تلك الشخصيات. والطريقتان تضحيان بجانب من الجوانب.

ومع أنني لا أستند إلى أية نظرية فإن جهودي تذهب بالأحرى إلى الجمع بين الصيغتين، مع المحافظة على إيثاري للأفلام التي كنت أحبها في طفولتي والتي كانت تسحرني. أصر على تقديم شخصيات قابلة للتصديق من دون جعلها تتحرك في مواقف واهية. وأعتقد أنني توصلت إلى ذلك في “عروس الميسيسبي”. فأنا مؤمن بفن شعري يخص السينما”.

وعن طموحه كمبدع يقول: “لا أتعامل إلا مع ما هو محسوس. ولا مجال في أفلامي لكلمات مثل: الرب، الروح، الكائن السامي. ما يهمني هو الإنسان.

من جهة أخرى أريد التوصل إلى جعل الكاميرا إحدى شخصيات الفيلم. فقبل 1959، كانت هذه الكاميرا مفرطة في الجمود ثم صارت مفرطة في الحركة والحال أن الكاميرا ينبغي أن تكون غير مرئية، في توازن دائم، مع حوافز دائمة.

شخصياً أجدّف ضد التيار من أجل المحافظة على ذلك التوازن، والحذر مما هو رائج، وحماية عوالمي الخاصة. لا أسعى إلى التجديد الإرادي لكن ما أنجزه من تجديد في كل فيلم من أفلامي يكون واضحاً للعيان”.

الموجه الجديدة..

وعن “الموجة الجديدة”الذي كان في طليعة روادها يقول: “إنها تتواصل وتدوم. ويفرحنا وصول جيل ثالث في المهنة، بينما كنا لا نستطيع العمل، في أيامنا، قبل بلوغ خمسة وأربعين عاماً، أو خمسة وستين عاماً! لابد من فرض أولئك الذين لم يتجاوزوا سن العشرين. لقد تغير الوضع حقاً غير أن هذه المهنة ما زالت مرتبطة بالصناعة. والوضع يشبه ما يحدث في الأدب حالياً. انظر إلى العدد الهائل من الروايات الأولى التي صارت تظهر لمؤلفين شباب قد لا يتابعون الكتابة لاحقاً. والحال أن مشكلة السينما أشد تعقيداً من ذلك؛ فهناك أفلام كثيرة يتم إنجازها وإخراجها ولا تُعرض أبداً”.

وعن التعامل مع التلفزيون يقول: “قد أرضى بإخراج مسلسل وليس برنامج منوعات. ويمكن لهذا المسلسل أن يكون من تمثيل الأطفال. فالكثير من المخرجين للتلفزيون يجعلونك تقرأ، وراء صورهم، حنينهم إلى السينما. ومن هذا المنطلق كان من شأن مارسيل بانيول وساشا غيتري، أن يتحولا إلى ملكين في التلفزيون”.

وعن أقرب أفلامه إليه يقول: “”فارانهايت 451″، فهذا الفيلم تعبير عن حبي للكتب. ولقد قدمت تلك الكتب كشخصيات في الفيلم. وحركتها فوق نيران الحطب بواسطة الكير وأدوات النفخ حتى تبدو حية أكثر وأشد حساسية إزاء الألم. لكنني أعترف أيضاً بحبي للنار! ما إن أعلمت بموضوع الفيلم حتى وافقت على إخراجه فوراً”.

وعن راي برادبري يقول: “إنه إنسان رائع ومدهش بتناقضاته الظاهرية. أكرر: الظاهرية. فهو، مؤلف “وقائع كوكب المريخ” ولا يجيد قيادة سيارة. ولم يسافر في طائرة قط. ولا ينتقل إلا برفقة عائلته بالتمام والكمال. إنه كائن حساس، وَجِل. ويدير نادياً سينمائياً للكتّاب في هوليود. لقد ظل محافظاً على حماسة الثامنة عشرة من العمر. وهو يعيش في كاليفورنيا حياة في منتهى البساطة. إنه رومانسي أكثر من كونه رجل تقنية”.

هيتشكوك..

وعن كِتَاب المقابلات مع ألفريد هيتشكوك، الذي يمثل بدوره، مساراً مبتكراً بالنسبة لسينمائي يقول: “جهّزت ذلك الكتاب قبل فترة طويلة من اتخاذي قرار نشره. ولقد أنجزته كرد فعل تجاه الأميركيين الذين لم يدركوا سبب تحمّس الفرنسيين لهيتكشوك وأخذهم لأعماله مأخذ الجد. إن هيتشكوك هو أكثر من أمضى وقته في التفكير في السينما. وهو الذي نظّم لقاءاتنا. فكنا نجلس معاً ثماني ساعات يومياً، لمدة ثمانية أيام، مستعرضين كل شيء. وبعد ذلك بقينا صديقين.

بوضعي لذلك الكتاب، عن ومن هيتشكوك، أردت البرهنة للنقاد الأميركيين بأن أفلامهم العظيمة ليست تلك الحائزة على الأوسكارات، على غرار “بن هور” و”كليوباترا”. ففي أمريكا تعتبر أفلام التشويق والتوتر أقل قيمة من الكوميديا الموسيقية والوسترن. ولاشك أن هناك أفلاماً على شاكلة سلسلة جيمس بوند. غير أن أسلوب العميل السري هو نوع بريطاني أكثر، ويمتح من أعمال كبلنغ أو بوشان. أما في أمريكا فإن الشخصية الأساسية هي شخصية رجل التحرّي الخاص الذي جسّده همفري بوغارت”.

وعن مكانة “الطفل المتوحش” في أعماله هيتشكوك: “هي قصة حقيقية جرت في العام 1805. والفيلم ينقل وقائع تجربة حقيقية. أنا شخص لا يتردد كثيراً إزاء المواضيع التي تعجبه. لكنني كنت آنذاك أنتظر صدور كتابي حول هيتشكوك. بعد ذلك اطلعت على وقائع الحكاية وقررت تحويلها إلى سيناريو. انطلقت من الصعوبات التي أجدها في تعلم اللغة الإنجليزية، لأعالج إحدى مشاكل ذلك الطفل، والمتمثلة في ضرورة تعلمه الكلام. دائماً توجد في أفلامي شخصيات خارج الزمن. وهذا الاختيار ذو علاقة بما حدث معي بالنسبة لشريط “فارنهايت 451”. ولم يكن من باب المصادفة أن طلبت من الممثل الطفل في شريط “الطفل المتوحش” أن يسلك سلوك الحيوان أمام اللغز الذي يمكن أن يشكله الكتاب أمامه، مثلاً. وأختم بالقول إن هذا الفيلم قد تم تصويره بالأسود والأبيض، وقد غدا ذلك ترفاً في العام 1969!”.

وعن نظرته إلى الممثلين يقول: “جان بيار ليو، هو الممثل الذي يقدم نتائج أكثر بوسائل أقل. ومن أجل ملء الشاشة مدة ساعة ونصف ينبغي أن يكون هناك جان بول بلموندو، أو جان بيار ليو أو تشارلز دينر. من المؤسف عدم وجود شباب متألقين في فرنسا، بينما يعد الاختيار واسعاً بالنسبة للنساء. وفي هذا المجال أحب المخرجين الإيطاليين. ذلك أن إيطاليا هي البلد الوحيد الذي يرضى فيه الممثلون الذكور بالظهور في مواقف مثيرة للسخرية، بل ويحبون ذلك أيضاً. وفي ذلك تكمن قوتهم. ويكفي ذكر ألبرتو سوردي وإيغو تونيازي وفيتوريو غاسمان”…

وعن هوايته يقول: “الكتابة. أكتب دائماً”.

وعن  رأيه في وضع السينما وقت إجراء الحوار يقول: “لاشك أن هناك أفلاماً جيدة يدوم عرضها أطول من الأفلام السيئة. ولعله يتكون لدينا بذلك مرجع لتفادي الأفلام الرديئة. أنا شخصياً – ومن دون ابتعاد عن أسماء النساء في الفيلمين – أفضل “ليلتي عند مود” على شريط “أنجليك، مركيزة الملائكة”. وبعد هذه الملاحظة الشخصية، أرى أن الأفلام الرديئة، وبالنسبة المئوية، تميل إلى التحسن. ويبدو لي أن هناك تهديداً أشد خطورة يواجه السينما الفرنسية. فحسب تطور الأوضاع العالمية لابد من اللجوء إلى تصوير الأفلام في نسختين، تكون أهمهما هي النسخة الإنجليزية. إن شريط “عروس الميسيسبي” هو بالتأكيد من آخر الأفلام ذات الميزانية العالية، الذي تم تصويره في نسخة فرنسية فقط. اللغة الإنجليزية تغزو العالم”…

وعن طريقته في العمل يقول: “أكرر، أحتاج دائماً إلى الكتابة. هل هذه مفارقة بالنسبة لسينمائي؟ لا أستطيع أن أكون خصماً وحكماً في آن. أعمل دائماً على تسجيل ملاحظات للسيناريو. وأجهز الآن مجموعة قصصية. وأكتب مقالات حول السينما. وأضع مقدمات لسيناريوهاتي التي تنشر في الولايات المتحدة.

وفضلاً عن ذلك ألجأ إلى الكتابة أثناء إدارة الكاميرا. وبهذه الطريقة وضعت كل الحوارات التي تخللت شريط “عروس الميسيسبي” أثناء التصوير. ومع ذلك لا أشكو من التأخير في مواعيد الإنجاز. وهذه الطريقة عودتني على التوقيت ميدانياً. إنها تجربة رائعة. أما الهوس الحقيقي فيغدو متعلقاً بالطول الفعلي للفيلم أثناء عرضه. فبهذه الطريقة نواجه خطر إطالة الفيلم أكثر وقد يصعب الحذف منه لاحقاً. وهناك جانب آخر إيجابي في هذه الطريقة، إذ تسمح بالتعرف على الممثلين بشكل أفضل، وتركهم يظهرون كما هم في الفيلم”.

الكتب المسجلة صوتيا..

وعن وجود تجارب أخرى تغريه يقول: “لدي مشروع إخراج اسطوانة بأصوات الممثلين الذين عملوا معي، تتضمن اختيار بعض المشاهد. وهذا لم يحدث من قبل. إنه طموح متأتٍّ بالتأكيد من تعلقي بالاستماع إلى أصوات الكتّاب المسجلة. وأحب الاستماع إلى المسرحية المسجلة. ولدي مجموعة كاملة. وأنتظر بفارغ صبر ظهور “مدام بوفاري” في شريط كاسيت. سوف يكون ذلك رائعاً، لأنه كتاب ألّفه فلوبير بصوت عال. وإنه لإنجاز رائع أن نتمكن من الحصول على أعمال المؤلفين مقروءة بأصواتهم. ولكي أعود إلى “مدام بوفاري”، أذكر أنني قرأته، في السابق، بصوت عال، في قطار ليليّ. ويا لها من تجربة!”.

وعن توقعاته للسينما، غداً يقول: “بعد بضعة أعوام، سوف يتفرج الناس على الأفلام في منازلهم. ولن تظل الشاشة الصغيرة للبرامج التلفزيونية وحدها، بل سوف تشمل عرض الأفلام. وبذلك يطلع الناس على الأفلام الكلاسيكية، تماماً كما تعلمنا نحن، في الماضي، أمثولات لافونتين. والسينما العظيمة التي كانت بالأمس مخصصة لمحبّي السينما، سوف تصير ملك الجميع”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة