14 مارس، 2024 12:49 ص
Search
Close this search box.

السينما الفرنسية (29) “بيار شوندورفر”: كل فيلم هو مغامرة نخرج منها مختلفين

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يقول المخرج الفرنسي “بيار شوندورفر” أن اختيار الممثلين يجمع بين الضرورة والمصادفة، ويرفض السيناريو الجاهز لأنه يحب أن يتدخل في التفاصيل. ويقول “جاك دوراي” أنه يفضل القصة التي ينعكس فيها المجتمع، وأنه لابد للمخرج من أن يترك بصمته الخاصة على الفيلم.  ويقول “كلود شابرول” أن عمل المخرج يتمثل في خلق شخصيات وتركها تتطور، وأنه يرفض إبهار الجمهور أو استغباءه.

نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

بيار شوندورفر Pierre SCHOENDOERFFER

“بيار شوندورفر” مخرج فرنسي، ولد في شماليير سنة 1928. عمل ثلاث سنوات ضمن المصلحة السينمائية للجيش الفرنسي في الهند الصينية. وقع أسيراً في “ديان بيان فو”.

الأفلام التي أخرجها: (مضيق الشيطان (1965)، جائزة بلمان، جائزة مدينة برلين)؛ رامونتشو (1958)؛ صيادو إيسلندا (1959)؛ الفصيلة رقم 317 (1964، جائزة السيناريو في مهرجان كان 1965)؛ الهدف 500 مليون (1966)؛ السرطان – قارع الطبل (1977)؛ شرف الكابتن (1988)؛ ديان بيان فو (1991).

وللتلفاز: (ريبورتاجات عن اليمن والجزائر، و 25 سنة على تأسيس الأمم المتحدة. خليّة أندرسون (1967، أوسكار من هوليود، وEmmy Haward في نيويرك)؛ دورية الفجر (1976).

وله روايات: (الفصيلة رقم 317، وداع الملك (اقتبسها جون ميليوس للسينما مع نك نولته؛ جائزة أنتر آلييه 1969)؛ السرطان – قارع الطبل (1976؛ الجائزة الكبرى للرواية التي تسندها الأكاديمية الفرنسية).

السرطان- قارع الطبل..

يقول “بيار شوندورفر” عن أين يضع فيلم “السرطان قارع الطبل” بالنسبة لأفلامه السابقة، ثم بالنسبة للرواية نفسها: “الأمران مرتبطان، في الواقع. إنها سلسلة بدأت بـ “الفصيلة رقم 317” وتواصلت مع “وداع الملك” لتنتهي بـ “السرطان – قارع الطبل”. أما الرواية فتشير إلى الفيلمين الأول والثاني. “السرطان – قارع الطبل” هو جزء أخير من مغامرة. وما سأكتبه لاحقاُ سوف يكون مختلفاً. وتدور أحداثه في عوالم أخرى. فلا ذكر للحدث الرئيسي المتعلق بالحرب في الهند الصينية.

وفي “السرطان – قارع الطبل” يتم دفن ويلسدورف (يؤدي الدور برونو كريمر) وتظهر صورته في إحدى الجرائد مع إشارة إلى موته في جبل آمور. إذن فتلك هي النهاية. ولأنها نهاية فقد اخترت أن تجري في البحر. ففي مواجهة البحر يغدو الإنسان مختلفاً. كما كان الموقف يتطلب مياهاً جليدية وضباباً. وذلك مثل حياة في تقدمها: تبدأ تحت الشمس وتنتهي في ضباب جليدي. وما يجري على متن السفينة لم يكن من باب المصادفة بل له علاقة بالقصة. وأنا مقتنع بأن أحد مكامن قوة السينما يتمثل في الديكور الذي يكتسي أهمية تعادل “الثيمة” والحركة والفعل”.

ويجيب عن سؤال ألم يكن من الصعب تشغيل فرقة كاملة على متن خافرة سفن؟: “أعتقد أن ذلك لم يحدث من قبل قط. فكل المشاهد الضرورية لذلك، تم تصويرها على متن الخافرة. ورغم المخاطر والصعوبات ساد جو رائع حتى إن الوداع كان قاسياً، سواء بالنسبة إلينا أم بالنسبة للبحارة”.

وعن كيف يتناوب الكاتب والسينمائي ويتكاملان فيه يقول: “أولاً، بالنسبة لسيناريو “السرطان- قارع الطبل” كتبته بالاشتراك مع فرنسوا شوفيل. لأنني ملتصق كثيراً بالرواية ولا أستطيع تحويلها وحدي. وكان العمل معه رائعاً. فلم نقتبس من الرواية إلا جزءاً بسيطاً وإلا تطلب الفيلم عشر ساعات”.

وعن أهم الكتب لديه يقول: “هناك بعض روايات جوزيف كونراد، باسكال، مالرو، كبلنغ. ورغم أن هذا الأخير يقدم باعتباره استعمارياً انجليزياً وكولونيالياً امبريالياً، فأنا أجد قولاً مأثوراً أذكره أمام منتقديه دائماً؛ والقول عبارة عن كتابة على شاهدة قبر خاصة بالجنود الانجليز الذين ماتوا بين 1914 و1918 “إذا سُئلتم: لم متنا؟ أجيبوا: لأن آباءنا كذبوا علينا”. هذا يكاد يكون موقفاً ذا نزعة يسارية. زد على ذلك أن حبه للهند لم يكن حباً إمبريالياً. وكتابه “كيم” هو كتاب في منتهى الروعة”.

وعن وجود إعجاب خاص بمخرجين آخرين يقول: “ما من فيلم حوّل مجرى حياتي. هناك طبعاً سينمائيون أحبهم. لكن ربما لم تكن ثقافتي السينمائية كافية. يمكنني ذكر سينمائيين أميركيين كثيرين. ومع ذلك يوجد سينمائي أحبه وأغبطه، انه كوروساوا”.

وعن رأيه في الصورة، كما تتجلى سينمائياً وتلفزياً يقول: “هذا الأمر لا يتطلب موقفين مختلفين حقاً. وبالمقابل أجد أن علاقة مشاهد التلفزيون بجهازه تختلف عن علاقة هاوي السينما بالشاشة. فالمتفرج على التلفزيون لا يقوم بجهد الخروج من بيته ودفع ثمن تذكرته، ولأن الشاشة أصغر فإن تأثيرها أقل. أما الفيلم الجميل في السينما فهو جذاب يجعلك لا تحوّل عنه نظرك ثانية واحدة.

في الواقع يختلف الإيقاع وبناء الصورة ما بين التلفزيون والسينما. وكذلك الشأن بالنسبة لاختيار المواضيع. وما أحاوله شخصياً في التلفزيون هو عمل، كانت تسمح به السينما في الماضي ولم تعد كذلك: إنه الريبورتاج الشامل. وكذلك إجراء المقابلات مع الشخصيات المشهورة”.

ويجيب عن سؤال عندما تؤلف كتاباً، هل تكون قادراً على التفكير في فيلم، والعكس بالعكس؟:”آه! كلا. لا أركض إلا وراء أرنب واحد في كل مرة. وحتى عندما أشرع في الكتابة لا أفكر في تحويل الكتاب إلى السينما. وعندما أنشغل بتصوير فيلم أكون في حالة انجذاب إليه بحيث لا أفكر في أي شيء آخر. ولا تشغلني إلا المحافظة على الخط الرئيسي للسيناريو، والتكيف الممكن مع ما هو مختلف عن الأصل، أو لم يرِدْ فيه”.

وعن ما طريقته في اختيار الممثلين ثم التعامل معهم يقول: “في شريط “السرطان- قارع الطبل” تحديداً، كان هناك ممثلان اخترتهما منذ البداية. وهما دوفيلهو وريتش. أما روشفور فهو الذي أراد المساهمة في الفيلم. إن اختيار الممثلين يجمع بين الضرورة والمصادفة. وينبغي أيضاً مراعاة المنتجين والموزعين الذين يرغبون في وجود نجم”.

وعن كيف بدأت موهبته السينمائية يقول: “يعود ذلك إلى العام 1947. كنت بحاراً آنذاك، على متى سفينة سويدية. وأثناء نوبتي الليلية أمام مقبض الدفة، ونحن عائدون من غدانسك، انطلقت أتساءل حول حياتي. هل أمضيها بحاراً فقط؟ شعرت ببعض الألم والريبة. وتذكرت بأنني تخليت عن دراستي بسبب الإفراط في ارتياد قاعات السينما. عندئذ قلت: هو ذا الحل لابد أن أصير سينمائياً. لكن الوسائل كانت تنقصني. وعندما عدت إلى فرنسا سنة 1948 طرقت كل الأبواب بلا جدوى. ثم أديت خدمتي العسكرية. وذات يوم قرأت مقالاً لسيرج برومبرغر حول “المصلحة السينمائية للجيش الفرنسي في الهند الصينية”. فقلت: هذه فرصتي. وهكذا تطوعت في الجيش آملاً أن أقبل ضمن تلك المصلحة. وقد تم ذلك وكلفت بمهمة مصور بالكاميرا (كاميرامان).

كان ذلك أول باب يفتح أمامي. أما الباب الثاني فيتمثل في تحولي إلى الإخراج. ويعود الفضل فيه إلى جوزيف كيسل. فعندما غادرت الهند الصينية سنة 1955 التقيته في هونغ كونغ. اهتم بتجربتي لمدة ثلاث سنوات في تلك المنطقة وطلب مني اللقاء في فرنسا. وهكذا وضع قدمي في ركاب السينما رغم أنف مركز السينماتوغرافيا الفرنسية. وكان شريط “مضيق الشيطان” الذي أخرجته بالاشتراك مع جاك ديبون قد تم تصويره في أفغانستان، واستقدمت من أجله الممثل كوتار من الهند الصينية. وبذلك كان أول فيلم يظهر فيه كوتار”.

وعن تميزه بحس ملحمي سواء أكان كاتباً أم سينمائياً يقول: “تغذيت من تجربتي كبحار في بحر الشمال وبحر البلطيق. ثم كانت تجربة الهند الصينية التي جمعت بين اكتشاف الجيش- لأنني لم أكتشفه حقاً حتى أثناء خدمتي العسكرية- واكتشاف الحرب، والشرق الأقصى، وشعوبه، ثم الوقوع في الأسر.

تلك التجربة جعلتني أختزن الكثير وأحتاج إلى السفر، إلى البحر، الغابات، الصحراء”.

لحظة المصافحة..

وعن التفكير في الجمهور يقول: “أنا أول الجمهور. أحاول منذ البداية إنجاز ما يثير اهتمامي. والسؤال الذي أطرحه دائماً أثناء المونتاج، وعلى مسامع زملائي: “هل هذا ممل”؟ الفيلم، في نظري، يشبه يداً ممدودة كي تصافح. لحظة المصافحة هي التي تهمني. لكن الجمهور لا يشغلني. بل يشغلني ما أنجزه كي يصير يداً “جميلة” ممدودة للمصافحة. وهذا شأن الرواية أيضاً”.

وعن اللحظات التي يفضلها أثناء الإخراج يقول: “التحضير يكون منهكاً. وكذلك اليوم الأول. ثم يتم الانطلاق. ويحصل سباق مع الزمن. ويعم الفرح الأكبر بعد ثمانية أيام عندما ندرك مدى التقدم الذي حققناه كممثلين وتقنيين. كل فيلم هو مغامرة نخرج منها مختلفين”.

وعن استمرار كونه محباً للسينما ومشاهدتها يقول: “كلا. فقد أمضيت ما يقارب الأربع سنوات في “السرطان – قارع الطبل” كتاباً وفيلماً. أعتقد أنني شاهدت ثلاثة أفلام فقط من بينها “درسو أوزالا” لكوروساوا”.

وعن إعادة مشاهدة أفلامه يقول: “لا. لكن إذا احتجت إلى توضيح أمر ما، إلى شخص أعمل معه، أعرض عليه فيلماً لسبب محدد”.

وعن دور الموسيقى في أفلامه يقول: “كان العمل ممتعاً مع فيليب سارد في فيلم “السرطان – قارع الطبل” إنه فنان رائع. في السابق لم أهتم كثيراً بالجانب الموسيقي في أفلامي. أما في هذا الفيلم فقد عبّرت موسيقى فيليب سارد عن أحاسيسي وتعانقت موسيقانا. ذلك أن موسيقاه أيضاً تثير إحساسا عالياً بالقدر وتوحي به”.

وعن إعطاءه الأولوية للتقنية يقول: “لست تقنياً في مجال الإخراج. تتحرك الكاميرا، بالنسبة لي تلقائياً. لست أنا من يختار مواضعها بل ربما الضرورة. وهذا لا يمنع إلمامي بما أريد الحصول عليه: الصورة. هكذا أتخلص من حالة الجمود في الأستوديو. لقد غيّر الشريط الممغنط كل شيء بالنسبة للصوت، فازدادت حدته. والشريط الصوتي في الفيلم لا يقل أهمية عن الصورة في نظري”.

وعن قبول إخراج فيلم حسب الطلب يقول: “هناك قصص جميلة كثيرة لم أكتبها وأتمنى إخراجها. أما التعامل مع سيناريو جاهز تماماً، فهذا ما لن أقبله. أحتاج إلى التدخل في التفاصيل”.

وعن الشعور بضرورة التناوب بين الكتابة والإخراج يقول: “قبل “السرطان – قارع الطبل” كنت أفكر في التخلي عن الإخراج. لكنني سعيد بحدوث العكس. إذ فرض علي ذلك نفساً جديداً. غير أنني لن أسعى إلى إخراج خمسة أو ستة أفلام متعاقبة. ربما أخرج فيلماً واحداً ثم أعود إلى الريبورتاج للتلفزيون، أو انكب على تأليف كتاب بدأت ملامحه تتضح. أحتاج إلى التغيير. والتلفزيون مهم بالنسبة لي. ويعجبني كثيراً إخراج الريبورتاجات الكثيرة. إنه عمل مدهش”.

وعن أين يوضع فيلم “السرطان – قارع الطبل” بالنسبة للإنتاج السينمائي الفرنسي يقول: “أعتقد أنه شريط مختلف عما يقدم حالياً، سواء بالنسبة لاهتماماته أم بالنسبة للديكور. وإذا لم يكن ينتسب إلى مجرى السينما الفرنسية الراهنة فهو بالتأكيد ينتسب إلى مجراها العميق”.

جاك دوراي Jacques DERAY

“جاك دوراي” مخرج فرنسي، ولد في ليون سنة 1929. بدأ ممثلاً ثم مساعداً للمخرجين: جيل غرانجييه، لويس بونويل، جول داسان…

الأفلام التي أخرجها: (جيكولو (1960) ريفيفي في طوطيو (1962)؛ سمفونية للقتل (1963)؛ بجثث الآخرين (1966)؛ المسبح (1968)؛ بورسالينو (1969)؛ قليل من الشمس في الماء البارد (1971)؛ رجل ميت (1972)؛ بورسالينو وشركاؤه (1974)؛ حكاية شرطي (1975)؛ العصابة (1976)؛ فراشة على الكتف (1977)؛ ثلاثة رجال للقتل (1980)؛ الهامشي (1983)؛ لا يموت المرء إلا مرتين (1985)؛ المتوحّد (1987)؛ الغابات السوداء (1989)؛ نيتشاييف يعود (1990)؛ دبّ القطيفة (1994).

تجسيد نموذج أصلي..

يقول “جاك ديري” عن المعايير التي تجعله يقرر إخراج فيلم: “أعتقد أن كل فيلم هو محاولة لتجسيد نموذج أصلي. وتظل للمخرج شخصيته المتميزة حتى يمارس المهنة. فأنا مثلاً لا أستطيع إخراج فيلم هزلي. ولا يمكن للمخرج التعامل مع كل الأجناس السينمائية. فقد تشكلت له صورة مميزة في ذهن الجمهور. ولا يجب أن يشوش تلك الصورة إذا كان يريد من ذلك الجمهور أن يذهب لمشاهدة شريطه القادم. وهكذا نجد المخرج بونويل منخرطاً في عمله في إطار شخصيته وهواجسه. والالتزام المناسب للمخرج هو في الانكباب على إيجاد الموضوع، أو القصة التي ينعكس فيها المجتمع، أو البلد، حيث تجري الأحداث.

لابد للمخرج أن يترك بصماته الخاصة على أفلامه. وهذا ما يجعلني مقتنعاً بأن السينما الملتزمة بطريقة متعمدة لن يكتب لها الدوام. أكبر رهان بالنسبة إلي أي فيلم هو أن يعود المرء إلى مشاهدته بعد أعوام ولا يشعر بالخيبة. وهذا يتطلب معايشته العصر”.

وعن من يعجبه من السينمائيين قبل تحوله إلى الإخراج يقول: “في مرحلة الشباب ذهبت عدة مرات لإعادة مشاهدة أفلام مثل “بيبي لوموكو” و”أطفال الجنة” وكذلك “بوني وكلايد” الذي ليس مجرد شريط عن عصابات الأشرار. حتى أنني عندما أخرجت “بجثث الآخرين” أردت التعرض إلى عالم الجاسوسية الغامض. ولم أعد إلى ذلك لاحقاً. ويبدو أن الفيلم قد ظهر في وقت مبكر أكثر مما يجب”.

وعن استمرار تردده على قاعات السينما يقول: “عندما أكون في قاعة معتمة لا أنتبه إلى الجوانب التقنية في الفيلم المعروض. ولدى خروجي يلازمني إحساس المغرم بالسينما. لم أنفك مأخوذاً بسحر السينما. وفي هذا السياق يؤسفني التنظيم الجديد لقاعات السينما، وإلغاء القاعات الواسعة لصالح سلسلة القاعات الصغيرة. ويحدث أحياناً أن أذهب لمشاهدة فيلم من زاوية نظر احترافية. عندئذ أكف عن كوني مجرد متفرج.

لست أدري كيف أفسر طريقتي في اختيار الأفلام التي أذهب إلى مشاهدتها، تماماً كما لا أستطيع تفسير السبب الذي يجعل هذه القاعة أو تلك، غاصة بالمتفرجين منذ العرض الأول للفيلم. هناك نوع من اللغز في سلوك الجمهور. وأنا شديد الاهتمام بهذه الظاهرة. أحب أيضاً مشاهدة أفلامي مع الجمهور، لكن بشكل خفي. وهناك أشعر بدفع معنوي عال.

في موازاة ذلك أرى أن على المخرج أن يبدأ بإنجاز شريطه عندما تتوافر لديه الرغبة في ذلك، وألا يسمح بعرضه مباشرة بعد الانتهاء منه. فهناك توقيت أفضل من آخر، دائماً. طبعاً هذا سلاح ذو حدين، إذ يمكن للفيلم أن يفقد من تأثيره مع الزمن”.

وعن كيف يتم بناء الفيلم، من لحظة تبلور الفكرة إلى تطور نسخته الأولى يقول: “ينقسم إخراج الفيلم إلى عدة مراحل. في المرحلة الأولى يكون الدور لعمل المخيلة. بعد ذلك تأتي مرحلة الكتابة مع المؤلفين. وفي هذه المرحلة يكون هناك فيلم جاهز في حد ذاته. أما التصوير فيؤدي إلى ظهور فيلم آخر. ويمكن التوصل إلى فيلم ثالث خلال مرحلة المونتاج، أو العودة إلى الأول، وهكذا يمكن أن يتم اللقاء بين شكلي الكتابة. فترة التصوير هي الأقصر والأكثر إمتاعاً. إذ يتم الخروج من مراحل القلق والاضطراب، والدخول في حالة من الفرح تدوم بضعة أيام”.

أفلام شخصية..

وعن حضور الجمهور يقول: “لست ممن يقولون إنهم ينجزون أفلامهم لذواتهم. ولاشك أن للجمهور، الذي لا يفتقر إلى الوعي والرشد، كلمته. ويستطيع الحكم على عملك. أما إخراج أفلام شعبية فهو لا يمنع المخرج من إنجاز أفلام شخصية”.

وعن إيقاعه الأمثل في الإخراج يقول: “يصعب إخراج أكثر من فيلم في السنة. المخرج مرتبط بالمنتج. والمنتج بدوره لا يستطيع إنتاج أكثر من فيلم سنوياً. الإيقاع الأمثل هو إخراج فيلم واحد سنوياً أو فيلمين كل ثلاث سنوات. هذا هو الحد الأقصى إذا كان هناك اكتراث بالمحافظة على نوع من الأسلوب”.

وعن تميزه في مجال التشويق يقول: “هو مجال آمل دائماً العودة إليه. لكن الجمهور صار متطلباً أكثر. ولابد للمخرج أن يتجاوز إمكانيات خياله. لم يعد التشويق متمثلاً في باب يئز، بل هو بالتأكيد وصف لموقف استثنائي، ويتطلب، علاوة على ذلك، جعل المتفرج متواطئاً. في أفلام التشويق والتوتر يتكون انطباع لدى المتفرج بأنه اكتشف مفتاح اللغز في وقت واحد مع المخرج. وما يفرح الجمهور أيضاً هو أن يتم تنبيهه قبل الممثل ببضع صور.

ويزداد التشويق إذا تم في ديكور رائق وهادئ. وهكذا كان موت موريس رونيه، في فيلم “المسبح” داخل جو حار بينما يتعالى أزيز جدجد، أكثر تأثيراً مما  لو مات وهو يسوق سيارة بسرعة 130 كلم في الساعة”.

وعن التعبير عن نوع من الرمزية في أفلامه يقول: “ليست رموزاً بقدر ما هي هواجس. ففي شريط “المسبح” كان هناك الشك والقلق. أنا حساس، بشكل عام، تجاه الأجواء والديكور. وحتى عندما أدرج بعض مشاهد الإثارة الجنسية لا يكون ذلك تنازلاً للموضة، بل من أجل موضعة شخصياتي. لدى تصوير “ريفيفي في طوكيو” كانت المدينة طاغية الحضور بحيث لاح الممثلون وكأنهم يحملونها في دواخلهم. أما بالنسبة لفيلم “رجال مراكش” فقد تركت مسافة ابتعاد عن الشخصيات إلى أن اكتسبت المناظر الطبيعية أهمية كبرى. كان الديكور هو عنصر حركة وسيكولوجيا”.

وعن وجود مواضيع يحلم بنقلها إلى الشاشة يقول: “طبعاً. سوف يكون من الممتع إخراج معركة يشارك فيها خمسة آلاف شخص. كما يظل شريط الوسترن حلم طفولتي. ولقد فكرت أيضاً في إخراج بعض قصص ألفونس آليه. لكن مجرد التزامي بفيلم واحد يمنعني من التفكير في أي شيء آخر”.

البث المباشر..

وعن موقفه من التلفزيون يقول: “أعتقد صراحة أنه سوف يصير ذا آفاق واسعة، خاصة إذا حافظ على أساليبه. وينبغى على السينما أن تفعل ذلك أيضاً. ما يعجبني في التلفزيون هو ما يعتبر مستحيلاً في السينما: البث المباشر. غير أن البث المباشر لا يخلو من التزوير والتركيب في أحيان كثيرة. وهذا نقص في المصداقية والشرف. خاصة وأن التلفزيون من شأنه التعبير عن حقائق لا تعوّض”.

وعن إمكانية العودة إلى الأسود والأبيض يقول: “الآن لابد من نسيان ذلك. وسوف تظل له جاذبية استثنائية مثل السيارات القديمة. ولا يمكن العودة إلى التصوير بالأسود والأبيض إلا إذا تم ذلك على سابق تصميم ولضرورة فنية. كذلك الشأن بالنسبة للتلفزيون. وهو أفضل في خلق أجواء بوليسية على الأقل”.

وعن كيف يصف مهنته يقول: ” كل مخرج هو رجل فرجة. وعلى هذا المستوى هناك تواصل ما بين السينما والتلفزيون والمسرح. فئات الجمهور هي التي تختلف. أكره النجاح الكاذب والاستعراضي. لا يكون النجاح حقيقياً إلا في علاقته بالذات”.

وعن موقفه من السينما الجديدة يقول: “مع ازدياد المخرجين يزداد رضاي. لكن المشكلة تكمن في فقدان الحماسة والولع. لذلك كنت حذراً من جماعة “الموجة الجديدة” وسميتهم “السينماويين” جرذان السينماتيك. الكثير من الشباب يريدون السهولة. لا بد من الانتظار. فالحكم لا يتم انطلاقاً من فيلم واحد. والسينما ليست مجرد صور. إن صورة واحدة يمكن أن تعادل كتاباً”.

وعن هدفه عندما أخرج أكثر من فيلم بعنوان “بورسالينو” يقول: “يبدأ الفيلم كحكاية صداقة وتواطؤ بين مراهقين متهورين يقومان بعدة عمليات نصب واحتيال في مرسيليا خلال الثلاثينات. ثم ينتقلان إلى استخدام الأسلحة والمساهمة في ما يشبه حروب العصابات. وكانت تلك أول مرة يجتمع فيها ألن ديلون وجان بول بلموندو. من جهة أخرى أردت العودة إلى تقليد فرنسي مثله بيكر، وكارني، ودوفيفييه، سابقاً؛ أي تقليد سينما (الأكشن) وتأزم الأحداث على الطريقة الفرنسية. زد على ذلك أنني معجب بالأفلام البوليسية وحاولت التعامل مع شروطها انطلاقاً من تلك المقاصد كلها اخترت سيناريو جان كلود كاريير. فقد كان ذلك هو عمله الأول ولم يشوشه أسلوب السينما البوليسية الفرنسية بعد”.

وعن فيلم “رجل ميت” وعلى الرغم من وجود بعض الممثلين الفرنسيين، إلا أنه أخرج شريطاً أميركيا في الولايات المتحدة يقول: “لقد أمتعتنا الأفلام البوليسية الأميركية لزمن طويل. وعكست مرحلة. وعندما أخرجت “رجل ميت” سعيت إلى تفادي الفلكلور وعدم محاكمة بلد. وكان جان لوي ترنتينيان، في الفيلم، هو الوسيط الذي تشكلت لدي، من خلاله، رؤية أمريكا. تماماً مثل طوكيو من خلال “ريفيفي”، وفيينا من خلال فيلم “بجثث الآخرين”. لقد فتنتني لوس أنجلس. ولهذا وضعت اسمها في شارة الفيلم”.

وعن وجود ممثلين أميركيين في هذا الفيلم  أيضاً يقول: “توجب علي أن أدرس سلوكهم عن قرب. إنهم مختلفون عن الفرنسيين. في البداية كانوا ينعزلون في مقصورتهم. وإثر تصوير أحد المشاهد ينسحبون. لكنهم في النهاية بدأوا بالاندماج مع الفرنسيين. وقد لاحظوا أن طريقة العمل الفرنسية لا تخلو من جوانب إيجابية رغم أنها ما تزال أقرب إلى الحرفية. والممثل الأميركي، بشكل عام، يناقش دوره قبل التصوير، ولا يفعل ذلك أبداً على “البلاتوه””.

 

كلود شابرول Claude CHABROL

“كلود شابرول” مخرج فرنسي، ولد في باريس سنة 1930. ناقد في “دفاتر السينما”.

أخرج أفلام : (سيرج الجميل (1958)؛ أبناء العم (1959)؛ الباب موصد جيداً (1959)؛ النساء المسنّات (1960)؛ عين الماكر (1961)؛ لاندرو (1966)؛ فلتمت البهيمة (1969)؛ الجزّار (1969)؛ العقد الاستثنائي (1971)؛ نادا (1974)؛ أليس، أو الهروب الأخير (1977)؛ Blood Relatives (1977 – 1978)؛ فيوليت نوزيير (1978)؛ حصان الكبرياء؛ أشباح صانع القبعات (1982)؛ دم الآخرين (1983)؛ فروج بالخلّ (1984)؛ المفتش لافاردان (1985)؛ نعيق البومة (1987)؛ قضية امرأة (1988)؛ بتّي (1991)؛ الجحيم (1994).

وللتلفزيون: (السيد ليسزت، فانتوماس).

خلق شخصيات..

يقول “كلود شابرول” عن تصوره لمهنة المخرج: “يتمثل عمل المخرج، قبل كل شيء، في محاولة خلق شخصيات وجعلها تتطور بحيث تصير نموذجية أو مثيرة للاهتمام. وأنا شخصياً أفضّل العمل بهدوء، أي في ظروف مناسبة. ولا ينبغي السعي إلى استغباء الجمهور أو إبهاره. فهذه الطريقة تؤدي بالمخرج إلى نضوب قريحته”.

وعن الظروف التي تجعله يقرر إخراج فيلم يقول: ” أحاول إنجاز ما أرغب في إنجازه. إلا في حالة شريط “الخط الفاصل” الذي لم أشعر تجاهه بأنني أقدم فيلماً حقيقياً وأتحمل مسؤوليته. أحلم بإنجاز أعمال متكاملة. لكن الإمكانيات المالية تحول دون ذلك دائماً. وكم يعجبني إخراج أفلام ذات تكاليف عالية عن أشياء تافهة: الموضة سنة 1900 مثلاً”.

وعن الشعور بمسؤولية خاصة لكونه مخرجاً يقول: “هدفي من السينما ليس الثروة. ومن المؤسف أن المنتجين يريدون العكس، ومع ذلك لا يتوصلون إلى تحقيقه دائماً. تعرف أنني أحب السينما الأميركية غير أنني أقر بأن الجانب الوحيد السيئ فيها هو عبادة النجوم. أما أنا فأعتبر مدير التصوير الجيد، أو مدير الإنتاج البارع، أهم من النجم، من أجل إخراج فيلم. وهذا يجعلني أبدي أسفي تجاه السينما الأميركية التي بدأت “تتأورب”. هذا أمر سيء وخطير”.

وعن إيقاعه النموذجي في العمل يقول: “قد يكون بمعدل شريطين سنوياً؛ أي أن يكون أحدهما “ثقيلاً، والثاني “خفيفاً”. ولابد من استراحة ما بين إخراجين. مع ذلك ينبغي أن يتم الإخراج في أسرع وقت ممكن، لكن من دون ممارسة ضغوط على العاملين. لابد من تفادي الإفراط في الاتجاهين: الإخراج خلال أسبوعين، أو إنجازه خلال اثني عشر أسبوعاً”.

وعن تفضيله بعض أفلامه على غيرها يقول: “عادة ما يكون فيلمي المفضل هو الذي لم أشاهده منذ أمد طويل. لكنني أفضل عليه أيضاً آخر فيلم، أي الذي أكون قد انتهيت من إخراجه، إذ يحصل لدي انطباع بأنه يتضمن مشاهد ناجحة أكثر مما في الأفلام السابقة”.

وعن إمكانية قبوله إخراج فيلم وسترن أو فيلم هزلي يقول: “إن تعلقي بأفلام الوسترن يمنعني من إخراج فيلم على الطريقة الإيطالية. وحتى ما ينجزه المخرجون الأميركيون الشباب لا يتماشى وتقاليد هذا النوع. أقول هذا بكل تواضع. أعتقد أن إحدى فضائل الوسترن هي إظهار أبطاله يتحدون المخاطر أو يعيشونها، دون أن يعني ذلك عدم التمتع بالحياة. تلك هي شروط أي ملحمة. أما الأفلام الهزلية أو الفكاهية فهي تتطلب أموالاً طائلة، إنها أموال طائلة لا تظهر على الشاشة”.

وعن معاييره في اختيار الممثلين يقول: “انطلاقاً من درجة الاستلطاف. ولدي أصدقاء كثيرون من بينهم، بحيث لا أجد صعوبة في إيجاد ممثلين للشخصيات. ولا أميل إلى النجوم والممثلين المشهورين كثيراً. فهم يخضعون لشهرتهم وأسطورتهم، وجمهورهم ليس جمهوري بالضرورة”.

وعن من يعجبه من السينمائيين السابقين يقول: “أولئك الذين نكتشفهم وندللهم كثيراً من أمثال فريتز لانغ، وارست لوبيتش، دون أن أنسى ألفريد هيتشكوك الذي أكن له إعجاباً خاصاً. لكنني أقرب إلى لانغ مني إلى هيتشكوك، خصوصاً مع محاولاتي الابتعاد عنه”.

ويجيب عن سؤال كثيراً ما تظهر في أفلامك على طريقة هيتشكوك، لماذا؟: “كممثل أجد نفسي رائعاً. وأفضل دور أدّيته كان في شريط “طريق كورنثيا””.

فلتمت البهيمة..

وعن الحالة الخاصة بأحد أفلامه، وليكن شريط “فلتمت البهيمة” يقول: “هو شريط رغبت في إخراجه لأن شخصياته أعجبتني. وهو مقتبس من كتاب بوليسي يعود إلى مرحلة ما قبل الحرب، وقد قرأته بعدها. ذات يوم تذكرته ورغبت في اقتباسه وتحويله إلى فيلم. وجدت صعوبة في البداية. فالمنتجون أبدوا مخاوفهم لأنهم وجدوا الكتاب قريباً من أسلوب أغاثا كريستي. فعمدت إلى تحديثه مع المحافظة على “الثيمة” الأساسية. أردت تحويله إلى “ميلودراما” على الطريقة الأميركية. أي توخي التشويق الواضح، وعدم اللجوء إلى التعقيد، كما يجري في الأفلام الراهنة”.

مفسرا هذه الظاهرة بأنها تعود: “إلى جهل الناس مهنتهم أساساً، وعدم الاجتهاد. ما يحصل في السينما ينطبق على سائر الفنون الأخرى. لقد تم تسليمها للمخرجين الذين لا دور لهم إلا تمزيقها. لكن ثمة ما يطمئن في هذه الظاهرة. فالتكالب على تخريب فن من الفنون يقدم دليلاً على أنه فن حقيقي.

آمل تقديم علاجي. الحل عندي هو تقديم أفلام يفهمها الناس. ومَن يعمل بغير ذلك، قد يكتسب مريدين، لكنه يندثر قبل اندثار السينما. ويعجبني في هذا المجال قول للويس جوفيه “ثمة شيء واحد لا يتطور أبداً: الطليعة”. أنا ضد الخلط بين ما يسمى بالطليعة وبين الأفلام الجريئة. إذ يمكن التعبير عن أشياء معقدة بأسلوب بسيط وواضح. حتى البشاعة صاروا يسقطون عليها العتمة كي يحاولوا إظهارها جمالاً. هذه الظاهرة تعود إلى الستينات ويعد أنطونيوني أحد أكبر المتهمين بهذه الفضيحة. كل أفلامه حزينة. أنا شخصياً أعتبر تلك السينما مشبوهة”.

وعن حلمه كسينمائي يقول: “أتمنى إخراج فيلم عن فيليب أوغست في معركة بوفين، وآخر يتناول مرحلة ما بين الحربين. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا تأكدت من بلوغ الكمال”.

وعن إيمانه تؤمن بالنجاح يقول: “مع كل فيلم جديد يتوجب البدء من جديد. عندما يتكرر الأمر هكذا يمكننا القول إن النجاح قضية غامضة”.

وعن رأيه في النقاد ومؤرخي السينما يقول: “من الضروري وجود شارحين للسينما لا يغيرون اهتماماتهم ولا يتحولون إلى الإخراج بسرعة عجيبة. فبفضلهم تعرفنا على أفلام هيتشكوك وهاوكس… أما اليوم فقد عمت الفوضى. وما أكثر الصفحات و”الشحنات” التي تظهر اليوم لتحليل أعمال فريتزلانغ. حتى إن الكثير من الشارحين والمفسرين باتوا، من إغراقهم في التحليل، عاجزين عن القول لماذا يتميز ذلك العمل بالجمال. أنا شديد الحذر من أولئك المتحذلقين والمتشدقين بأفكار ليست حتى أفكارهم. إنهم في منتهى الإزعاج والخطر. أدرك أن بعض المخرجين يحتاجون إلى متملّقين وهواة. وقد يكتفون بهم لخدمتهم”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب