7 أبريل، 2024 7:37 ص
Search
Close this search box.

السينما الفرنسية (24) “رينيه كليمون”: بعد إخراج فيلم أشعر أني عدت من رحلة طويلة في سفينة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يقول المخرج الفرنسي “جان إيماج” إن القاعدة الذهبية بالنسبة له هي احترام الجماهير، وأنه حاول تناول موضوعات لم تتناولها ديزني. ويقول “رينيه كليمون” أن سعادته في السينما وفرصته في التعبير عن موهبته، ويقول أن الاستقلالية تفسَّر بالتفرد، والتفرد قد يتضمن العزلة. ويقول “راؤول أندريه”  أنه تعجبه كل مراحل الإخراج: من الكتابة إلى التصوير إلى المونتاج.

نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

 

جان إيماج Jean IMAGE

“جان إيماج” مخرج فرنسي، ولد (إميريك حاجو) سنة 1911 في بودابست. التحق بمدرسة فنون الديكور في العاصمة المجرية، ثم في برلين. مؤلف كتب للأطفال. وهو يجسد الصور المتحركة الفرنسية بإتقانها وشاعريتها. أهم أعماله ظهرت ما بين 1944 و 1973.

من أفلامه الطويلة: (جانو المقدام (1950)؛ صباح الخير يا باريس (1952)؛ السيد فيكتور أو آلة الزمن (1957)؛ مغامرة بابا نويل (1957)؛ علاء الدين والمصباح السحري (1969)؛ جُو بوم بوم الصغير (1972)؛ بلوك الجانح من الفضاء (1974)؛ المغامرات الخرافية لبارون مونخاوزن (1977)؛ أسرار السيلينيت (1983).

وللتلفاز: (مغامرات جُو (1960 – 1962)؛ بيكولو وبيكوليت (1963 – 1964)؛ كيري المهرّج (1966 – 1969)؛ في ضوء القمر (1971 – 1972)؛ آراغو 001 x (أراغو إكس صفر صفر واحد) (1972 – 1973).

أفلام الصور المتحركة..

يقول “جان إيماج” عن كم يستغرق إخراج فيلم من نوع الصور المتحركة: “إذا أخذنا الحالة القصوى في مثال “علاء الدين والمصباح السحري” فقد اشتغلت عليه مدة عشرة شهور، مع حوالي ثلاثين مساعداً. وينبغي إضافة عامين من التحضير لكل فيلم من الأفلام”.

وعن تفضيله الأفلام الطويلة أم القصيرة يقول: “أشعر بالسعادة عندما يستقبل جمهور الصغار والكبار أفلامي الطويلة بترحيب شديد. لكنني أعترف بصعوبة إنجاز تلك الأفلام وطول الوقت الذي تستغرقه. أفضّل الأفلام القصيرة مع أني أعرف أنها مكروهة ومدانة.

تأتي أسباب التمويل في المقدمة. تصور أنهم اعتبروا “علاء الدين” مرتفع الثمن، مع أن ميزانيته لم تتجاوز مئة وثلاثين مليون فرنك قديم. ولا أحد يفهم لماذا يكلف الفيلم القصير ميزانية لا تنخفض إلا قليلاً عن ميزانية الفيلم الطويل. فعندما ينخفض مردوده، في القاعات، يتم التخلص منه منذ العروض الأولى.

ووجد التلفزيون، من جانبه، أن اقتناء تلك الأفلام من الخارج، ومن اليابان بوجه خاص، يكلف أموالاً أقل. إن أزمة الصور المتحركة الفرنسية تدخل في باب المفارقة تماماً. مع أن الطلب على أفلام الأطفال يعتبر كبيراً، من العالم كله”.

وعن إيمانه بخلود مملكة ديزني يقول: “رغم جهودها الرامية إلى تحسين قيمة الإنتاج والكمال التقني، لابد أن يأتي يوم ويتجاوز الجمهور علامة ديزني. لقد كافحنا مع فيلم “علاء الدين”، بوسائلنا المتواضعة، من أجل بلوغ الكيبك وإفريقيا الفرنكوفونية. ووصل بنا الأمر إلى إنجاز نسخة إسبانية من أجل محاولة غزو أمريكا اللاتينية. كان “علاء الدين” وصفتي السحرية. وبفضل هذا الفيلم تمكنت من مواصلة إخراج أفلام مدافعة عن التقاليد الشاعرية الفرنسية. غير أني أستعيد، في هذا المجال، كلمات أم نابليون الأول: “على أمل أن تدوم الحال…” يبقى أنني أشكر المصباح السحري لعلاء الدين الذي سمح لي باقتناء بطاقة الانخراط في نادي الصور المتحركة كعضو فاعل”.

وعن رأيه في مستقبل الصور المتحركة يقول: “كي تحافظ الصور المتحركة على بقائها يتوجب عليها القتال على ثلاث جبهات: جبهة الإبداع الإعلاني، وجبهة التعاون مع التلفزيون، فإذا نجحت في هذين المجالين حققت تقدماً على مستوى جبهتها! وإلا فالوداع للإبداع في هذا المجال!”.

وعن عراقيل أخرى يتوجب اجتيازها يقول: “بل هناك الكثير؛ مثل الجودة النادرة، وسعي مخرجي الأفلام القصيرة إلى البحث عن سبل جديدة ضمن ما يسمى بالبحث التجريبي، مع أنها سبل مغلقة. وتأتي في النهاية صعوبة البرمجة للأطفال الذين يكبرون بسرعة تحت ضغوط الصورة المتجددة بغزارة، وباعتداءات بصرية. وكما يحدث لنا جميعاً، سرعان ما يحين زمن الحنين، فلا يجدون صندوقاً يبحثون فيه عن كنز الأحلام”.

ويجب عن سؤال لمَ تواصل الكفاح ضمن هذه الظروف يقول: “لا أعمل من أجل “نخبة” بل من أجل الجمهور. وفي هذا المنظور فقد ساعدني التلفزيون كثيراً”.

وعن قاعدته الذهبية يقول: “أحترم المتفرجين كباراً وصغاراً”.

وعن أي أعماله أقرب إلى نفسه يقول: “أعتبر أن أفضل أفلامي هو “صباح الخير يا باريس”. وإليه يعود نجاحي في تقديم أفضل تقنية لتحريك الصور. كنت في تلك المرحلة ما أزال تحت تأثير ديزني. غير أن ذلك الفيلم حظيَ بتقديم جميل، بإمضاء جان كوكتو. وللأسف فإن ذلك الفيلم عانى من ترويج سيء  منذ البداية. وبعده لم أتمكن من استعادة التوازن إلا بفضل جان دي لافونتين، وذلك بإخراج “الصرصار والنملة””.

وعن كم فيلم أخرج لصالح هيئة الإذاعة والتلفاز الفرنسي يقول: “إنه رقم مدوّخ، لا يقل عن مائتين وخمسين! يكفي أن فيلم “كيري المهرج” وحده تضمن مئة وثلاثين حلقة”.

وعن الحوافز التي تجعله يكافح من أجل الصور المتحركة يقول: “بادئ ذي بدء، هي مهنة شيقة. ثم هناك الجمهور الذي تستدعيه كي يشاركك النشوة. وفي هذا المجال، كنا، زوجتي وأنا، نبحث باستمرار عن المواضيع التي لم تتطرق إليها ديزني. وبالمناسبة فإن زوجتي تكتب الحوار، وأنا أقوم بالتقطيع. وأكثر ما يفرحنا هو “جزّ العشب تحت أقدام ديزني” وهكذا لم تخرج هذه الشركة نسختها من علاء الدين إلا سنة 1992. لقد بدأنا العمل باللغة الإنجليزية وكنا نفكر في شخصية “أستيريكس” الذي هز إمبراطورية الصورة الأمريكية”.

وعن الداء الذي تعاني منه الصور المتحركة الفرنسية يقول: “قلة الدعم. وكل مشروع، في هذا المجال، يمثل كفاحاً طويلاً ضد عدم الفهم. الدعم عندنا يوازي الازدراء. فلا يبقى أمامنا إلا مخاطبة حساسية مديري القاعات. أما إذا غاب هؤلاء وحلت محلهم إدارات مالية مركزية، فقل علينا السلام!”.

وعن كيف بدأت موهبته يقول: ” كانت أمي رسامة. ولقد ورثت عنها بعض شغفها. وكان والداي يريدان لي مهنة تجارية، فكنت أملأ كتب المحاسبة بالرسوم. في الثلاثينات انصرفت إلى مهنة ديكور الواجهات التجارية ثم إنجاز الملصقات. لم أحقق أي نجاح يذكر. آنذاك نصحني صديق مهتم برسومي بأن أسافر إلى لندن لمتابعة الدراسات الفنية. وبعد هذه التجربة أخرجت شريطي الأول سنة 1939 بعنوان “الذئب والحمل”. ولم يحظ بالعرض رغم تبني جان جيرودو له. اشتراه منتج أمريكي ليحرقه في مطبخه. حتى الجيش الأمريكي لم يرغب في اقتناء نسخة من أجل العروض التي تقدم للجنود.

رغبت بعد ذلك في إخراج شريط بعنوان “تمرد نوتات (-علامات-) الموسيقى”. وبدل العلامات تتحرك أرانب صغيرة. وفيما بعد طمحت إلى إخراج “رحلة إلى القمر” لجول فيرن، انطلاقاً من رسوم منشورات هتزل”.

وعن اختيار مواضيعه يقول: “بالإنصات إلى صوت داخلي. وذلك من دون ادعاء الرؤيا”.

وعن متابعته لإنتاج السينمائيين الآخرين يقول: “عندما أعمل لا أستطيع ارتياد السينما! أخشى قابلية التأثر في الدقائق الأخيرة. يضاف إلى ذلك أنني أتحاشى وقتها، الحصول على انطباع بأن الآخرين أنجزوا ما هو أفضل. وما عدا ذلك فأنا عنيد. ولا أنقطع عن مشاهدة أفلام ديزني. وأحب أن أكون سعيداً كمتفرج. ولهذا أصفق كلما ظهر “أستريكس” جديد، أو “تان تان” جديد. هذان البطلان ضروريان لنا، وحيويان، مواقع حصينة”.

وعن إعجابه بالآخرين يقول: “أعجبتني كثيراً أعمال الساحر التشيكي جيري ترنكا. وبعيداً عن الصور المتحركة، ألفريد هيتشكوك، وكلوزو”.

 

رينيه كليمون Rene CLEMENT

“رينيه كليمون” مخرج فرنسي، ولد في  بوردو سنة 1913 وتوفي سنة 1996. درس الهندسة المعمارية.

ومن أبرز أفلامه : (عالجْ يسارَك (فيلم قصير مع جاك تاتي، 1939)؛ عمّال السكة (1942)؛ الرعوية الكبرى (1943)؛ معركة سكك الحديد (1945)؛ الجميلة والوحش (1945)؛ الأب الهادئ (1946)؛ الملعونون (1946)؛ ألعاب محظورة (1951)؛ السيد ريبوا (1953)؛ جرفيز (1955)؛ سدّ على المحيط الهادئ (1958)؛ شمس ساطعة (1960)؛ السنّوريات (1964)؛ هل تحترق باريس؟ (1965)؛ مسافر المطر (1969) بيت تحت الأشجار (1971)؛ ركض الأرنب البري عبر الحقول (1972)؛ بايبي – سيتر (جليسة الأطفال) (1975).

بحث مستمر..

يقول “رينيه كليمون” عن  إيقاعه في العمل: “لا أستطيع العيش بسلام من دون منظور العمل. العمل عندي بحث مستمر. وكل فيلم جديد هو فرصة لتحقيق المزيد من الإتقان، وتطبيق بعض ما توصلت إليه من بحوث.

أي فيلم، من حيث المنطلق، ومهما كان نوعه، هو عمل موجه إلى عدد كبير من المتفرجين. لذلك لا أؤمن بما يطلق عليه اسم الفن والتجربة. وذلك كان شأن المسرح في القرن السابع عشر، من حيث مخاطبة جمهور واسع”.

وعن كونه ضد أي شكل من أشكال التعبير الباطني يقول: “انظر إلى أين وصلت الأمور في السينما. أنا شخصياً حاولت اللجوء إلى الرمزية في السينما. ذلك أن الرمزية في الحياة قديمة قدم العالم. ومع ذلك لا أحب هذه الكلمة.

أتساءل دائماً عما إذا كان جوهر الفيلم يوجد في الموسيقى. هذا إذا لم يكن دورها التعبير عن ذلك الجوهر. لا أجد ما هو سهل في مهنتنا هذه. ويتوجب علينا في المستقبل أن نبحث عن أنسنة الشريط الموجب والشريط الصوتي. هذا ما أحاول التعبير عنه في كل أفلامي، إذْ يمكن، على سبيل المثال، أن نظهر في الصورة قائد الأوركسترا، ثم بعض “نوتات” الموسيقى التي سيشرف على عزفها. وهكذا ينطلق الشريط الصوتي في انفجار سيمفوني”.

وعن معايير إخراج فيلم بالنسبة له يقول: “ينبغي، في البداية، أن تعجبني القصة. بعد ذلك ينبغي أن أشعر بإمكانية التعبير الأسلوبي عن تلك القصة. في أفلامي أتفادى كل ما هو غير مفيد. لذلك ألغي كل حركة غير مجدية، أو متكلفة، وبالتالي غير ضرورية.

لا أسعى إلى التعقيد. والسينما هي سعادتي وفرصتي للتعبير عن موهبتي”.

أفلام لا تشيخ..

وعن تفضيله أفلاماً دون غيرها يقول: “ألاحظ فقط أن الأعوام تمر وأفلامي لا تصاب بالشيخوخة. وهذا ينطبق على “معركة سكة الحديد” ما يجعلني أشعر بالفخر… وربما كانت الهاوية إلى الأمام قليلاً”…

وعن رؤيته لسينما من سبقوه يقول: “أحيّي كل الذين قدموا أعمالاً جيدة، وساهموا في تنمية موهبتي أيضاً. لكنني أدين أولئك الذين يعملون على نشر الإحباط إذ أننا جميعاً مرتبطون بمصائر الآخرين. وأقدّر المحاولات الجديدة، أقصد الصادقة منها. نحن نعيش في عصر قطيعة، وهو عصر يجمع بين الصاروخ والعربة التي مرت عليها ملايين السنين. إن مراحل القطيعة يمكن أن تؤدي إلى الانهيار، لمجرد وجود خطر الانقطاع.

أعتقد أنني من النادرين الذين أدركوا في شريط “2001 أوديسة الفضاء” وجود مقاعد بيضاء تعود إلى مرحلة حكم لويس السادس عشر. إنها ترمز إلى الانبعاث في مواجهة الكتلة السوداء”.

وعن ردود فعله إزاء النقد يقول: “ما يهمني هو الانطباع الذي يتركه عملي، وليس شخصية الناقد. يصاب المرء بالاضطراب لأنه لا ينتمي إلى أي شخص أو مدرسة. ودفع بي ذلك إلى مواجهة الكثير من المعارك. حتى أثناء الإخراج توجب عليّ الصراع من أجل فرض هذه الفكرة أو تلك. الاستقلالية تفسَّر بالتفرد، والتفرد قد يتضمن العزلة”.

وعن كيف ولدت موهبته يقول: “كانت الطفولة مهمة جداً بالنسبة لي. إذْ وضعني والدي أمام مشكلة الإبداع في سن مبكرة. وعندما يطلب مني رسماً، أفاجئه بغيره. فمنذ طفولتي كنت أرفض أن أصنَّف”…

وعن طموحه الأساسي كسينمائي يقول: “أسعى إلى تطوير كل مظاهر السينما. أعرف أن تعدد اهتماماتي يحير الآخرين. لكن ذلك لا يمنع التمسك بهذه النصيحة: “لا تبرر قصيدتك، إذا كان لقصيدتك معنى”. وأنا لا أسعى إلى تفسير كل شيء أو البحث عن مغزى ما أنجزه. أفضل المحافظة على هذا التوازن الذي بلغته في مهنتي. المهم إبلاغ نبضات القلب إلى قلوب الآخرين”.

وعن ابتعاده عن عالم السينما و”الشو بزنس” والنجومية يقول: “علمونا منذ ألفي عام أن الرب يرى كل شيء وأننا لا نستطيع إخفاء أي شيء. والحال أن جوهر الفن هو النقاء، أي أنه مجال يفترض أن يتحرك فيه أولئك الذين لا يخدعون ضمائرهم. لكن العكس هو ما يحدث مع الأسف”.

وعن المزايا التي ينبغي أن يتحلى بها المبدع السينمائي يقول: “أن يكون المرء سينمائياً، فذلك يتطلب أولاً وقبل شيء؛ صحة من حديد، وجسداً رياضياً. الإخراج يشبه رحلة من رحلات جول فيرن. ربما كنت متشدداً. لكنني أعرف أناساً يذهبون لمشاهدة أفلامي عشر مرات أحياناً. يعرفون أن أفلامي تتطلب البحث عما يوجد وراء السطور الباطنية. وأنا لا أريد أن أخيب ظن مثل هؤلاء المشاهدين”.

وعن تفسيره لظاهرة السينما يقول: “أثناء تصوير شريط “جرفيز” كنا نعمل لمدة خمس عشرة ساعة أحياناً. السينما وريثة المسرح والأدب. ثم جاء التلفزيون الذي يبعث القشعريرة وصدمة الواقع. أعتقد أن على المخرج السينمائي أن يتجاوز الواقع بواسطة الخيال، بسبب ظهور التلفزيون. سوف تلجأ السينما تدريجياً إلى دراسة سيكولوجيات الأشخاص، والطباع، والعلاقات الإنسانية. وهكذا لن يبقى مجال للسهولة والابتذال”.

وعن إيقاعه الإبداعي يقول: “عندما أنتهي من إخراج فيلم أشعر بأنني نازل من سفينة كانت تؤدي رحلة طويلة. وعندما أتخلص منه، عندما يتوصل “الصغير” إلى الركض بمفرده، أبدأ بالتفكير في غيره”…

وعن القراءة يقول: “أجعل كتبي تتكلم. كل كتاب هو صديق. يقال عنا، نحن السينمائيين، إننا عندما نقتبسها نخون مؤلفيها. أتمنى ألا يشعر المؤلفون بذلك. أحب دائماً الاستشهاد بقول سارتر: “لقد خانني، وأنجز ما كتبت”. ملاحظة أخيرة: الكُتّاب الذين يبدون ذوي قابلية سينمائية أثناء القراءة، مثل ستاندال أو مارسيل إيميه، هم الذين يستحيل اقتباسهم سينمائياً!”.

 

راؤول أندريه Raoul ANDRE

“راؤول أندريه”مخرج فرنسي ولد في الرباط سنة 1916. توفي سنة 1992. عمل مساعداً لجورج لاكومب.

من أبرز أفلامه: (قرية الغضب (1946)؛ عربة الفياكر رقم 13 (1947)؛ ليلة في ميجيف (1953)؛ الأجداد يسنون القوانين (1954)؛ الرجل والطفل (1966)؛ المخبأ (1961)؛ هؤلاء السادة المنتمون إلى العائلة (1967)؛ هؤلاء البرجوازيون البسطاء (1969)؛ هؤلاء الضاغطون على الزناد (1969)؛ آخر رقصة بوريه في باريس (1973)؛ هناك عظم في المطحنة (1974).

تعلم التقنية..

يقول “راؤول أندريه” عن كيف بدأ يميل إلى السينما: “أظن أن ذلك يعود إلى مسألة مزاج أكثر منه إلى التكوين. ولدت في وسط برجوازي. كان والدي حاكمًا في الرباط حيث ولدت. ودرس أخي الحقوق. أما أنا فقد أريد لي أن أدرس الطب. لكنني فرضت إرادتي وبدأت بالالتحاق بمعهد الموسيقى حيث حصلت على جائزتين. بعد ذلك تدربت على المونتاج، ثم الماكياج، وكل ذلك من دون أجرة. لكنني تعلمت، والعلم لا يقدر بثمن! وهكذا صرت مخرجاً في سن التاسعة والعشرين”.

وعن أهمية الإلمام بالجوانب التقنية يقول: “دعني أحكِ لك هذه الحكاية الصغيرة: ذهبت مع زوجتي، بعد تحرير فرنسا، لحضور حفلة في مدينة مرسيليا، يحييها رجال المقاومة. وهناك التقيت هنري فيرنوي الذي كان صحافياً آنذاك. حدثني عن مشكلة الإخراج واعترف لي في النهاية بأنه يريد خوض التجربة. فعهدت إليه بفريقي التقني. ومنذ ذلك الوقت لم يعجز عن تحقيق النجاح، رغم بدايته المتأخرة. يمكن تعلم التقنية بسهولة دائماً، خصوصاً اذا كان المرء شغوفاً بما يريد فعله”.

وعن إيقاعه المثالي في العمل يقول: “يتوقف الإيقاع على نوعية العمل. عندما أخرجت أفلامي الستة مع إيدي كونستانتين أحسست بأنني أخرج الفيلم نفسه ست مرات. وفي مناسبات أخرى كانت تحت تصرفي ثلاثة فرق. لقد أخرجت خمسة وخمسين أو سبعة وخمسين شريطاً. وحدث أن أخرجت سبعة أفلام في عامين فقط. تعجبني كل مراحل الإخراج: من الكتابة إلى التصوير إلى المونتاج”…

-وعن العلاقة بين المسرح والسينما يقول: “إنها علاقة جلية. عندما أخرج شريطاً أكاد أتصرّف كرجل مسرح. في المسرح يجري تحريك الممثلين، وفي السينما يتم تحريك الكاميرا. أما المبدأ المطلق فهو ذاته. لكنني أصاب بالملل دائماً في المسرح! وأفظع ما فيه هو الاستراحة!”.

وعن حبه للسينما يقول: ” قبل الحرب كنت أتردد على قاعة سان لازار، ما بين منتصف النهار والساعة الثانية ظهراً، وكذلك في المساء. حالياً لم يعد الناس يترددون على قاعات السينما بل يذهبون لمشاهدة فيلم معين. في الماضي كانت القاعات تغص بالمتفرجين، خاصة بعد استلام الراتب السنوي الإضافي. وهذه الظاهرة لم تعد موجودة. وهذا ما تسبب في الضجيج الإعلاني، أو الرغبة في تحقيق الإعجاب مهما كان الثمن. من المؤسف أنه لم يعد لي وقت للذهاب إلى السينما”.

 

التلفزيون أساء للسينما..

وعن موقفه من التلفزيون يقول: “أعرف أن التلفزيون أساء للسينما. ومع ذلك أبدي بعض التسامح إزاءه. وهكذا يمكنني البقاء في بيتي لمشاهدة فيلم قديم لم أتمكن من رؤيته سابقاً. أحب أيضاً بعض عروض مسرح المنوعات. وأتفرج على زملائي السينمائيين والمسرحيين، على الشاشة الصغيرة. من الواضح أنه سوف يأتي يوم لإيجاد حل يجعل من الجمع بين السينما والتلفزيون شكلاً فرجوياً متكاملاً ومكتملاً”.

وعن موقفه إزاء الممثلين يقول: “لابد من معاملتهم برقة، وإلا فما من داع لممارسة هذه المهنة”.

وعن تفضيل بعض أفلامه على بعضها الآخر يقول: “في كل الأحوال لم أخرج أفلاماً سيئة. لكنني أخرجت شريطاً واحداً عنيفاً: “الانتظار”. كان أفضلها. لكنه لم يحقق أي نجاح. وهذا الفيلم يتضمن سلسلة لقطات تدوم خمساً وعشرين دقيقة داخل زنزانة ذات أربعة أمتار. أجد نفسي في موقع جيد ضمن مهنتي. ولا أشكو من قلة مردود أفلامي. التوصل إلى إنتاج “فيلم عظيم” يؤدي إلى السكتة الإبداعية أو القلق الدائم، كما حصل لرينيه كليمون.

أنا أفضل الطريقة الأمريكية، فهي تناسب مزاجي أكثر. في إحدى السنوات توصلت إلى رفض إخراج أحد عشر شريطاً. وعندما أخرج شريطاً واحداً، بميزانية تعادل مئة وأربعين مليوناً، أدرك جيداً أني سوف أقضي أربعة أسابيع مجنونة من الإخراج، مع تعب قاتل، لكنني أدفع مستحقات الجميع.

أحب العمل في مناخ من التدافع والحمى. عندما بدأت بشريط “الرجل والطفل” مع إيدي كونستانتين، وجدت نفسي أمام سيناريو متأثر بـ “بائع الأوهام”، وكان من الطول والاستطراد بحيث يمكن تقسيمه إلى ستة أفلام مختلفة، مع سخافات أخرى كثيرة. ومع ذلك وافقت على الإخراج. وكان ميشال أوديار هو المسئول عن كتابة الحوار. لكنه غادرنا بعد شهر واحد. فبذلت كل جهودي لإنقاذ الفيلم. وأعتقد أننا وفقنا نوعاً ما”.

وعن رؤيته لمستقبل السينما يقول: “سوف يتم التوصل إلى صنع أفلام في نسخة واحدة، وتعرض ذات مساء، داخل البيوت وفي القاعات، وذلك في وقت واحد”.

وعن طريقته في العمل يقول: “سعيت دائماً إلى النجاح في تقديم شكل من أشكال الكوميديا السينمائية.  أحرص دائماً على إيجاد ممثلين جيدين حتى بالنسبة للأدوار الثانوية الصغيرة جداً. وفي كل فيلم أعمل على توفير فرصة لممثلة جديدة. تتضمن طريقتي إخراج خمس دقائق يومياً. وهذا إيقاع أسرع من إيقاع التلفزيون”.

وعن شعوره بمسؤولية خاصة إزاء الجمهور يقول: “بت أعرف ماذا يفضل الجمهور. لذلك أقدم أفلاماً هزلية عصرية ترتكز إلى كوميديا الموقف. أما بالنسبة لمسؤولياتي، فأنا في موقع خاص ومتفرد، بين المخرجين الفرنسيين. ولهذا هادنني رواد الموجة الجديدة لإدراكهم أنني أول من فرضها، مع التصوير ضمن ديكورات طبيعية.

زد على ذلك أنني لست مخرجاً باهظ الثمن. فقد كلف فيلم “هؤلاء السادة المنتمون إلى العائلة” مئة وخمسة وعشرين مليوناً.

أحب إحاطة نفسي بالأصدقاء. ومن بينهم داري كويل، فرانسيس بلانش، ميشال سيرو، جان بواريه… أما الشباب فليس لدي الوقت الكافي لتدريبهم”.

وفي النهاية يؤكد على أن: “الموضوع الجيد يضمن إنجاز فيلم جيد. أما العكس فهو مستحيل. شخصياً لم أشهد سوى معجزة واحدة. كنت شاهداً عليها وممثلاً فيها: “بحيرة النساء” وربما كان من الأفضل عدم العودة إلى رؤيته، اليوم”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب