13 أبريل، 2024 6:39 ص
Search
Close this search box.

السينما الفرنسية (22) “هنري كولبي”: لا يمكن تعليم الممثل كيف يصير عميقاً وقابلاً للتصديق

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يقول المخرج الفرنسي “ميشال بوارون” أن دور الممثل بدأ يتقلص، ويرى أنه لابد من اختيار حكاية تسكن شغاف القلب وتخرج من أعماقك، مؤكدا على كراهيته للوضوح المفرط. ويقول “هنري كولبي” لا يمكن تعليم الممثل كيف يصير عميقاً وقابلاً للتصديق، ويرى أن التقنية تخدم الموضوع المعالج جيدا، ويرفض الأفلام التي تعتمد على العنف والجنس. ويقول “دنيس دي لا باتوليير” أن إدارة الممثلين تشبه إدارة فرقة موسيقية.

نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

 

ميشال بوارون Michel BOISROND

“ميشال بوارون” مخرج فرنسي، ولد سنة 1921 في شاتونوف من مقاطعة أور واللوار. عمل مساعداً لكل من (جان كوكتو، جان ديلانوا، رينيه كلير).

من أبرز الأفلام التي أخرجها: (هذه الصبية الملعونة (1956)؛ الباريسية (1957)؛ نساء ضعيفات (1958)؛ كيف تنجح في الحب؟ (1962)؛ كيف تجد أختي؟ (1963)؛ كيف تتزوجين وزيراً؟ (1964)؛ رجل قيمته مليارات (1967)؛ شمس تبهر العيون (1970)؛ دائماً نكون مفرطين في الطيبة مع النساء (1970)؛ عقلة الأصبع (1972)؛ كاترين وشركاؤها (1975). وللتلفزة: (سنة 1977 سلسلة عن أوفنباخ: موسيقى الفالس المنسية).

تقلص دور الممثل..

يقول “ميشال بوارون” عن كيف بدأت موهبته السينمائية: “كنت مولعاً بالسينما منذ البداية، لكن ذلك كان بوصفي متفرجاً. فشلت في دراستي السينمائية العليا. وذات يوم قبلت كمتدرب. ومررت بمراحل الاستشارة التقنية وإدارة الإنتاج، وخاصة مساعدة رينيه كلير في الإخراج، كل ذلك ساعدني كي أصير مخرجاً بدوري”.

وعن إعجابه بسينمائيين آخرين يقول: “ثمة مخرج يهيمن بإعجابه على الجميع: إرنست لوبيتش. في أسلوبه جاذبية وحسن إدارة للممثلين وتقنية غير مرئية، وسهولة في تأدية الأعمال، وهي صفات لا توجد عند أحد غيره. إنه مخرجي المفضل.

ولكي لا أنسى السينمائيين المحدثين، أقرّ بإعجابي إزاء حساسية فرنسوا تروفو، وبنوع من الاحترام تجاه غودار الوحيد من بين رواد الموجة الجديدة، الذي تابع تطبيق أفكاره. يوجد مظهر حداثي يتجسد بالخصوص في طريقة نقل الانطباعات وتحويلها إلى صور. وليست هذه الملاحظة الوحيدة من نوعها، فقد فتح الأبواب بفظاظة، ولاشك أنه استخدم الخلع، لكنه تمكن من فتحها في كل الأحوال. أما الآخرون فقد عادوا إلى الوراء، إلى السينما الكلاسيكية”.

وعن طريقته في إدارة الممثلين يقول: “لقد تغيرت طريقة إدارتهم من الماضي إلى الحاضر. ففي الماضي كان هناك تمثيل، أما اليوم فالأمر يتعلق بصناعة السينما. حتى إن دور الممثل بدأ يتقلص. وأحياناً يمكن الاكتفاء بصور سريعة للممثل. ولهذا بات من الضروري البحث الدائم عن وجوه جديدة. إنها تجربة مثيرة. لكنها ليست وصفة سحرية. إذْ قد تؤدي إلى الفشل، وذلك لوجود ممثلين بائسين ما زالوا يحتاجون إلى التوجيه والرعاية. كل هذا يجعلني أرفض الجزم أو الادعاء بوجود طريقة إدارة محددة للممثلين. لابد من التكيف مع كل شخصية، وفق الأدوار التي يتوجب أداؤها”.

وعن شعوره بمسؤولية خاصة إزاء الجمهور يقول: “كل قرار في هذه المهنة يتضمن مسؤولية مضاعفة، إحداهما إزاء الجمهور، والأخرى تجاه الذات. وهما مرتبطتان. لابد من اختيار حكاية تسكن شغاف القلب، وتخرج من أعماقك، على أن تكون قادراً على تبليغها.

توجد أنواع أحبها، لكنني لن أخرجها أبداً. إن اختيار نوعية الأفلام المراد إخراجها وثيقة الصلة بما نقرأ. أحب ما يتضمن التلميح، مع ظلال فروق”.

اكتشاف المواهب الشابة..

وعن موقفه من التلفزيون يقول: “كدت أتعامل معه. لكن المواضيع التي عرضت علي لم تعجبني، مع الأسف. إن التقارب بين التلفزيون والسينما أمر محتوم. ومن جانب آخر لابد للسينما أن تشكل جزء  من التلفزيون، حتى وإن كان ذلك عبر المسلسلات. وللتلفزيون جانب إيجابي يتمثل في الاكتشاف السريع للمواهب الشابة، إذا تركت لها حرية التعبير، أو على الأقل إذا أعطيت لها فرصة واحدة لتجريب حظها.

وعن رؤيته لوضع السينما الفرنسية الحالي يقول: “أزمة السينما ليست أزمة موهبة. إنها أزمة متأتية من غياب المبادرة. لابد من العودة إلى سياسة الأفلام القصيرة. لأنها وسيلة مثلى لاكتشاف المواهب الشابة. ولاشك أن ثمة حاجة دائمة لوساطة المخرج ما بين الفنان والجمهور. ومن المؤسف غياب المغامرين والمكتشفين للمواهب في هذا المجال. ولو كنت مخرجاً شاباً، هذه الأيام، لفضّلت اكتتاب الأصدقاء، على الركض وراء المنتجين الكبار، بعد الحال التي صاروا إليها”.

وعن ذهابه إلى السينما لرؤية أفلام الآخرين يقول: “مرات عديدة، تماماً كما بالنسبة للمسرح. أتضايق إذا لم أشاهد الجديد”.

وعن همومه كمخرج يقول: “لا أعرف ما هي المشاكل التي تواجه الشباب. لا يمكن أن نضع أنفسنا محلهم. وأرفض كذلك السعي إلى فضح المجتمع الاستهلاكي. إن إنهاء فيلم بمشهد ثلاجة تنفجر، لا يعبر إلا عن عملية احتيال. لذلك أرغب في العودة إلى نوع من الكوميديا الساخرة. عندما نتظاهر بالخفة نستطيع التوغل بعيداً. لا أحب الثقل، والوضوح المفرط”.

وعن الأفلام الهزلية يقول: “لا أحبها. فهي من بوستركيتون إلى جيري لويس لا تدل إلا على الثقل المبالغ فيه  بالنسبة لي. أفضل الدعابة على المقلب”.

إثارة الابتسامة..

وعن طموحه السينمائي يقول: “في البداية كنت أرغب في نقل أفكار شخصية إلى الشاشة، تكون قادرة على إثارة الضحك. مع تقدم العمر صرت أميل، بالأحرى، إلى إثارة الابتسامة.

وعن إعطاء أهمية للرمزية في صوره يقول: “إن الهجاء، أو الفكاهة السوداء، تتضمن ذلك، وأنا اخترتها. غير أنني أرفض الخلط بين الرمزية والتبسيط. والفكاهة الانتقادية الساخرة التي أطمح إليها تتطلب، في رأيي، بحثاً عن نوع من الواقعية. لا أؤمن بالرمزية الإرادية، المتكلفة”.

وعن طريقته المثلى في العمل يقول: “لا أفكر إلا في فيلم واحد. أكتب السطر الأول كي أكمل السيناريو بمشاركة زوجتي. أسجّل كل التنويعات الممكنة. ولابد من الاقتناع بكل شيء، من السيناريو إلى المونتاج، لإنجاح الإخراج. إن الحماسة مهمة في هذه المهنة. ولا أنكر دور العناد أيضاً.

في زماننا، كان يتوجب على المرء، لكي يصير مخرجاً، أن يعمل مساعداً لمدة طويلة. لكن السينما تغيرت اليوم. فالشغوف بالسينما يستطيع أن يصير مخرجاً، من دون المرور بالمدارس. وفي هذا السياق، توجد بعض التجارب التي تثير اهتمامي، مثل تجربة فيليب لابرو. ويمكن إنجاز فيلم أول، لكن المشكلة تكمن في المتابعة والاستمرار”.

 

هنري كولبي Henri COLPI

“هنري كولبي” مخرج فرنسي، ولد في بريغ (سويسرا) سنة 1921. صحافي. من أبرز الأفلام التي أخرجها: (غياب في منتهى الطول (1961)؛ كودين (1963)؛ مُنى، النجمة التي لا اسم لها (1967)؛ سعيدٌ هو الذي مثل عوليس (1969)؛ الجزيرة الغريبة (1973 في نسختين للسينما، وللتلفزة، إخراج مشترك مع ج. أ. بارديم).

التعبير الفني..

يقول “هنري كولبي” كيف صار مخرجاً: “على الرغم من متابعة دراستي الجامعية التي كان للغتين اللاتينية والإغريقية فيها أهمية كبيرة، لم أنقطع عن ارتياد السينما. وذات يوم اكتشفت أن السينما ليست مجرد تسلية بل تنتمي إلى التعبير الفني. فحتى سن العشرين ظل طموحي الفني يجد تعبيراً له في الشعر والقصة. وما إن اكتشفت بأن السينما يمكن أن تكون وسيلة رؤية حتى قلت في نفسي: أستطيع فعل شيء بمساعدة أربعين شخصاً. وهكذا شعرت بقدرتي على امتلاك موضوع و السيطرة عليه. فجئت إلى باريس. عملت في البداية مساعداً في المونتاج لمدة عشر سنوات. وذات يوم سُئلتُ: “هل تود إخراج فيلم؟”.

وعن كيف صار تصوره للإخراج بعد ذلك يقول: “لابد من توافر ميزتين للشخص لشغل وظيفة مخرج. أولاً، أن يجيد إدارة فرقة، أي أن يفرض نفسه مسئولا بشكل طبيعي. بعد ذلك ينبغي التمكن من جعل الممثلين يؤدون أدوارهم وفق ما ينتظره منهم المتفرجون على الشاشة. أما ما تبقى، مثل الماكياج وغيره، فيمكن تعلمه. ولا يمكن تعليم الممثل كيف يصير عميقاً وقابلاً للتصديق”.

وعن إعجابه بسينمائيين آخرين يقول: “أهمهم أورسون ويلز، ومورنو. كانا من الأوائل، إلى جانب ايزنشتاين، للتدليل على روعة السينما. هؤلاء الثلاثة أسسوا طريقة تعجبني. إنهم ينطلقون من جزئية بسيطة ليحققوا رحابة عبقرية لمجمل القصة. لم تتخلّ أفلامهم عن مواقعها منذ ظهورها”.

وعن طريقته في العمل مع الممثلين يقول: “لابدّ من احترام الخطوط العريضة للسيناريو المكتوب. ولا أتخلّى شخصياً عن الفكرة الدقيقة التي أنتظر من الممثل أن يعبر عنها. في البداية كنت أسجل تفاصيل الأدوار. أما اليوم فأوضح مقاصدي بشكل غامض، وأنتظر من الممثل أن يضفي نصيبه الإبداعي. ولا أتدخل إلا إذا لاح الممثل في مستوى أقل مما أنتظر منه.

أعتقد أن على المخرج الالتزام بموقعه وعدم السعي إلى أداء دور الممثل. ولم تنجح طريقة الجمع بين الاثنين إلا مع أورسن ويلز”.

واجهت بعض الحيرة، ولا أقول المصاعب، أثناء التعامل مع فرنانديل، لدى تصوير “سعيد هو الذي مثل عوليس”. ليس من السهل إدارة وحش مقدس! مع ذلك، ومنذ انقضاء الأسبوع الأول من التصوير، جاء وقال لي: “حسناً ! أنا المعلم هنا!” وكان من الممكن طبعاً تصوير كل شيء يريده، ثم حذف اللقطات المقربة أثناء المونتاج. لكنني لست منافقاً. وكان لابد من المواجهة. وفي النهاية تسبب إخراج هذا الفيلم في سعادة الجميع من المنتج إلى التقنيين، ومن الممثلين إلى المخرج. في البداية كان هناك اختبار للقوى مفروض من قبل الممثلين. كانوا يجسون نبض المخرج كي يعرفوا مدى لجوئه إلى فرض رأيه. وأخطر ما يحدث في هذه الحال، هو أن تتحول هذه المواجهة الصغيرة، لغير صالح المخرج. إذْ تكون النتيجة وخيمة على الفيلم”.

وعن إعطاءه أهمية فائقة للتقنية يقول: “لا يمكن إنجاز فيلم جيد من دون تقنية. حتى أورسن ويلز نفسه، عندما كان في الرابعة والعشرين، وقبل أن يصير مخرجاً، ظل يستعرض كل أفلام ايزنشتين وسترنبيرغ وغيرهما… بعد ذلك فقط أنجز فيلم “ستيزن كان”.

لاشك أن كل شخص يستطيع إنجاز فيلم. لكن الأمر يتوقف على جودة ذلك الفيلم. ولابد من توافر أفكار جيدة وموضوع جيد، لكنها غير كافية. ولست أجد فيلماً شهيراً يفتقر إلى التقنية. إنها تخدم الموضوع المعالج جيداً.

أقول دائماً إن الفنانين الكبار بدؤوا عمالاً مجيدين. ولِمَ لا ينطبق هذا الأمر على السينما؟”.

وفي للأخلاق..

وعن موقفه من مهنته يقول: “أظل وفياً لخط أخلاقي وتصور خاص للسينما، وآمل أن يكونا واضحين في أفلامي. لدي احتياطي كبير من الحماسة، لكن ما يخفف منها هو نوع من الشك الذي ظل يلازمني منذ الطفولة. للتأكد من النجاح، أحتاج إلى الآخرين كي يخبروني به.

أرى أن الفيلم ينبغي أن يكون شاعرياً، وأن يحتوي على نصيب من الحلم. وأحتاج إلى أن أكون قريباً من مواضيعي. حتى مع فرنانديل لم يبدأ التفاهم بيننا إلا عندما اتفقنا بأن الحكاية تتعلق بعلاقة بين رجل وحصان، مفعمة بالحنان. ولقد أحببت حكاية شريط “كودين” أيضاً، حيث يؤدي كلود ريش دور أستاذ صغير اكتشف نجمة فصار متخصصاً في السماء. أسعى إلى استنتاج كل شيء في هذه الأجواء، حتى وإن لم أتعمد ذلك. كل موضوع أوافق عليه، أكون قد أحسست بإمكاناته الشاعرية. وإلا فإنني قادر على إنجاز فيلمين سنوياً”.

ويجيب عن سؤال قمت بتجربة من نوع خاص، مع شريط “الجزيرة الغريبة”، إذْ أخرجت على “البلاتوه” نفسه شريطاً سينمائياً، ومسلسلاً تلفزياً؟: “يتعلق الأمر بتجربة خاصة نوعاً ما. أضف إلى ذلك أنني اشتركت فيها مع سينمائي آخر، هو ج. أ. بارديم. لقد تقاسمنا المهام؛ تولى هو المشاهد الكوميدية، فيما توليت تصوير المشاهد ذات العلاقة بالمؤثرات الخاصة، وتلك المتعلقة بأعمال القراصنة، فضلاً عن المشاهد ذات العلاقة بالمغارة. توليت أيضاً مهمة إدارة الممثلين. وفي نهاية المطاف، خضت، خلال تصوير هذه الرواية لجول فيرن، مجال الحركة والتشويق. ولم يكن ذلك عن اختيار شخصي. أضف إلى ذلك أنني أشرفت، في كلتا النسختين، على المونتاج والميكساج والموسيقى.

حتى بالنسبة للتلفزيون، وللمسلسل، حرصت على أن تحمل الحكاية بصمتي الشخصية. وأقول هذا بتواضع شديد.

توضيح أخير: لم أقدم أي فيلم يستند إلى العنف، أو إلى الجنس. ولن أفعل”.

 

دنيس دي لا باتوليير Denys de LA PATELLIERE

“دنيس دي لا باتوليير” مخرج فرنسي،  ولد في نانت سنة 1921.

من أبرز الأفلام التي أخرجها: (الارستقراطيون (1955)؛ بيض النعامة (1957)؛ ارتداد الدواسة (1957)؛ العائلات الكبيرة (1958)؛ شارع دي برير (1959)؛ سيارة أجرة إلى طبرق (1961)؛ سفينة إميل (1962)؛ من ريفيفي إلى بانام (1965)؛ شمس سوداء (1963)؛ سفر الأب (1966)؛ عزيزتي كارولين (1967)؛ المُوَشَّمة (1968)؛ القاتل (1972)؛ قساوسة محظورون (1972)؛ كونت مونتي كريستو (1979). وإنتاج غزير للتلفزيون، منه “ميغريه والشهود العنيدون”.

إدارة فرقة موسيقية..

يقول عن كيف كان سبيله إلى السينما: “كنت أنوي أن أصير ضابطاً محترفاً. وعندما اندلعت الحرب سنة 1939، أدركت أنني لم أخلق لمهنة السلاح. ورغبت في الكتابة للسينما. وقبل الانطلاق نحو ذلك أردت الإطلاع على سير الأمور. فبدأت بمختبر لتظهير الصور. وفي هذه المرحلة لم أتجاوز المجال التقني. وعملت مخرجاً لـ “الأخبار الفرنسية”. بعد ذلك صرت مخرجاً مساعداً. ولم أكن أفكر في الإخراج آنذاك، لأن التقنية وحدها هي التي كانت تعجبني.

جاءت الخبرة بالتدريج. شاركت في سيناريوهات، قبل أن أعمل مساعداً مع ليو جوانان، ثم التقيت المنتج الذي أراد إخراج “الأرستقراطيون”. وتحقق نجاح الفيلم”.

وعن موقفه إزاء الممثلين يقول: “هناك نوعان من الممثلين: الجيدون والسيئون. وأنا لا أضع أي تمييز بين ممثلي المسرح والسينما والتلفزيون. فالفروق تعود إلى التقنية وليس لها علاقة بالمهنة.

أما إدارة الممثلين فهي تشبه إدارة فرقة موسيقية. على كل ممثل أن يؤدي دوره بارتياح مع شعور بالانسجام وسط زملائه. ومع ذلك أقر بوجود ممثلين يحتاجون إلى التدريب والتلقين. ولا يعني ذلك أنهم الأسوأ، بل هم مختلفون. يزداد اهتمامي بتهيئة الممثلين كلما ظهرت اختلافات في أمزجتهم.

والنجومية لا معنى لها إلا على الملصق. كل نجم على “البلاتوه” ليس سوى ممثل، شأنه شأن الآخرين. وفي كل الأفلام التي صورتها مع غابان كنت أنسى نجوميته. لا يمكن تعليم غابان التمثيل، لكن ينبغي وضعه في ظروف مناسبة حتى يعطي أفضل ما عنده. هناك ممثلون لا يؤدون أدوارهم بشكل جيد إلا في المرة الأولى، وهناك آخرون يتحسنون من لقطة إلى أخرى. وتنتمي دانيال داريو، على سبيل المثال، إلى الفئة الأولى، بينما تنتمي جان مورو إلى الفئة الثانية لأنها تحتاج إلى التركيز. أما غابان فيزمجر في كل مكان. وكانت تلك طريقته الخاصة في التركيز. لا يمكث في مكانه، وينتقل إلى البلاتوه كي يتمكن من رؤية كل شيء، وهو فوق ذلك، يضع كرسيه في الأماكن غير الملائمة دائماً!”.

وعن شعوره بمسؤولية خاصة كمخرج يقول: “مسؤوليتي ثلاثية. ولنبدأ بالثالثة: إنها المسؤولية تجاه المنتجين. كثيراً ما أخرج أفلاماً باهظة التكاليف. وتكون تحت تصرّفي مئات الملايين. وليس من المعقول التسبب في خسارة من وثقوا بي.

تأتي بعد ذلك مسؤوليتي إزاء الجمهور. إذْ ينبغي البرهنة لهم بأن ما سيشاهدونه يستحق المال الذي دفعوه. وهذا الجانب من المسؤولية هو أقل ما يشغلني، لأنني أبذل جهدي لتحمله.

وأخيراً تأتي مسؤوليتي إزاء نفسي. وهي الأهم. إنها تستند أساساً إلى اختيار ما أقرر إخراجه. وبالمناسبة لا يوجد سينمائي ثري، ما دمنا نعيش كلنا من  مهنتنا.

الروعة والتعقيد..

هناك تطور عام يجعل مهنتنا جامعة بين الروعة والتعقيد: فالجمهور صار أصعب. وبات يطلب مواضيع عميقة. وهذا التطور يعود إلى المد الشبابي. وهو تطور سليم يمنعنا من “الشخير والنوم””.

وعن التقنية وهل هي عنصر أساسي في مهنته يقول: “بدأت هذه المهنة بالتقنية، وأنا راض عن ذلك. فمن المهم معرفة التقنية من أجل نسيانها لاحقاً. وينبغي اعتبار التطور في هذه التقنية إذْ صارت تيسر اللجوء إلى الديكور الطبيعي بطريقة أسهل. وذلك بالنظر إلى كونها صارت تعتمد على أجهزة خفيفة، مرنة، موفرة للسرعة.

لقد تمكن التلفزيون أيضاً، من تعويد عين المتفرج على لغة أكثر حرية. وبهذه الطريقة قدّم خدمة للسينما. ولابدّ من تكامل الوسيلتين لأنهما تشكلان مهنة واحدة. لكن يتوجب إيجاد طريقة عمل أسرع للسينما. والحال أن السينمائي الذي يتعامل مع التلفزيون، كثيراً ما يجد نفسه سجيناً لصيغة المسلسل”.

ليس هناك التلفزيون فقط فالسينما صارت تتحرر أخيراً من المسرح، ومن قواعد الإخراج المسرحي (الدراماتورجيا). وما حدوث ذلك في وقت متأخر إلا لكون السينما فناً جديداً. فقبل عشر سنوات مثلاً، ما كان لإخراج شريط مثل Easy Rider أن يكون ممكناً، بالنظر إلى العوائق التي كانت تمثلها الآلات”.

وعن تأثره بمخرجين آخرين، وبأعمالهم يقول: “لست أدري إن كنت تأثرت أم لا. لكنني أعجبت ببعضهم. ويأتي فيدريكو فلليني في المقدمة. لقد توغّل أبعد من غيره. ونجح منذ وقت طويل في ما يحاول تحقيقه الكثير من الشباب حالياً. وعلي ذكر انغمار برغمان أيضاً، لفيلمه “العار” الأعظم والأفظع حول الحرب. إن السينما الإيطالية إجمالاً تدل على غنى وتنوع في الشخصيات عندما نتذكر فسكونتي، وأنطونيوني، وروسي، و سيتا، و بتري، ولا ينبغي نسيان جوزيف لوزي، والأمريكيين العظام خاصة في المرحلة السابقة، مثل أورسن ويلز صاحب “تألّق آل أندرسون” و”المواطن كان””.

ويجيب عن سؤال هل يقودك هذا الاهتمام بالسينما إلى إخراج فيلم “وسترن” ذات يوم: “لا أرى نفسي مؤهلاً لإنجاز فيلم وسترن. إنه اختصاص أمريكي حقاً، ونوع خاص”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب