13 أبريل، 2024 6:46 ص
Search
Close this search box.

السينما الفرنسية (13) موريس كلوش: ما أن نحب الموضوع الذي نعالجه حتى يحبه الجمهور

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يقول المخرج الفرنسي “إيف آليغريه” أن دور المخرجين الحصول على أعمق ما لدى الممثل، مؤكدا أنه كان يفضل إخراج الأفلام التي تصور مصاعب مرحلة الشباب، كما يهتم بمتابعة التغييرات السريعة للمجتمع. في حين يقول المخرج “موريس كلوش” أن المخرج عليه أن ينقل تأثره الصادق بالحكاية عن طريق التأثير في الجمهور، ويرى أن أهم ميزة لابد وأن يتصف بها المخرج أن يعبر عن ذاته.

نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

إيف آليغريه Yves ALLEGRET

“إيف آليغريه” مخرج فرنسي، وهو شقيق مارك آليغريه، ولد في باريس سنة 1907 وتوفي سنة 1987. من أبرز أفلامه: (ديدي دانفير 1947، شاطئ صغير في منتهى الجمال  1948 أنف من جلد 1951. المتكبرون 1953 واحة 1954، الآنسة نيتوش1955، عندما تتدخل المرأة 1957، جرمنال 1963، جوني بانكو1966، الغزو1970، لا تعض، نحن نحبك 1976). وللتلفزيون: (بذرة قراص  1973)، وللمسرح: إخراج مسرحية (حرب السكّر  1957).

مشاكل مرحلة الشباب..

يقول “إيف آليغريه” عن كيف بدأت موهبته السينمائية: “كنت أحلم بالسينما منذ بداية حياتي. بدأت بالتصوير الفوتوغرافي. وفي الواقع أخرجت أول أفلامي لمدرسة سان بول دي فانس. و كان الموضوع يتلخص في حكاية نمو برعم حبة بطاطا. ولقد تطلب تسعمائة متر من الأشرطة الموجبة. ثم أخرجت مع جان آنويل وجان أورنش شريطاً إعلانياً. وكان أول فيلم من نوعه يعوض الصور المتحركة بممثلين.

بعد ذلك عملت مخرجاً مساعداً. آنذاك التقيت جان رينوار. وبقينا متلازمين طيلة أعوام ضمن احترام متبادل، إلى درجة أنه عهد إليّ بإخراج نهاية “مباراة ريفية” في أجل لا يتجاوز خمسة عشر يوماً. وكان رينوار وقتها منكباً على إخراج “المارسييز” فوراً.

وعن المواضيع السينمائية التي لا يعالجها أبداً يقول: “أنا لا أقيد نفسي في اختياراتي، باستثناء ما قد يؤدي بي إلى أفلام ذات نزعة دينية أو دعاية سياسية. كنت وما أزال مغرماً بمعالجة مشاكل مرحلة الشباب؛ شبابي وشباب الآخرين على حد سواء. لذلك أنجزت شريط “الغزو”. ومازلت مندهشاً حتى اليوم لأن منتجين اثنين، أحدهما أمريكي والثاني إيطالي، وافقاَ على تمويل الفيلم وكنت قد أنجزته في ثمانية وعشرين يوماً.

وفي روما التقيت كاتبيْ الموضوع، فعملنا معاً على وضع السيناريو. ويمكنك أن تلاحظ بأن معظم أفلامي ذات مواضيع تخص الشباب منذ “شاطئ صغير في منتهى الجمال”. أعتقد أنه اختيار مهم، على الأقل بالنسبة لي.

وعن طريقته في إدارة الممثلين يقول: “أحرص دائماً على المشاركة في السيناريو الذي سأخرجه. وهكذا أتعرف على تفاصيل حياة شخصياتي، قبل الفيلم وبعده. وبعد عملية الاختيار نظل على اتفاق تام حتى النهاية. لقد وجدت نفسي أمام مسؤولية كبيرة خلال إخراج فيلم “الغزو” إذْ كان يتوجب عليّ اختيار اثني عشر ممثلاً شاباً. وخلال العرض الأول لمسرحية “أورلندو فوريوزو” لفتت انتباهي مجموعة من الشباب الذين لم يمثلوا للسينما قط. فدعوتهم وعملنا في أجواء رائعة.

خلال عملي كمساعد للمخرج جان رينوار تعلمت طريقة للتعامل مع الممثلين. أحاورهم، أوضح لهم ما أريد منهم، ثم أسلس لهم العنان. وهكذا يأتون من تلقاء أنفسهم لطلب النصيحة. فأخبرهم بما انتظره منهم أكثر، دون توضيح أو موقف. فأنا لا أريد تمثيل المشهد بدلاً من الممثل فلو كنت أجيد التمثيل لصرت ممثلاً، لا مخرجاً. دورنا، نحن المخرجين، هو الحصول على أفضل ما في أعماق الممثل وأجود ما في صوته.

ينبغي معايشة الممثلين وملاحقتهم في كل لحظة. فذلك يؤدي إلى اكتساب ثقتهم، وخلق جو من التفاهم على حلبة التمثيل. وعندما لا أتوصل إلى الإحساس بروح الممثل أمامي، أتخلى عن العمل كله. ومع ذلك لا أعتبر تصوير الفيلم مهمة ينبغي إنجازها، بل لعبة ينبغي كسبها”.

انعدام التوجه..

وعن الشعور بمسؤولية خاصة كمخرج يقول: “مسؤوليتي الأكبر هي تجاه المنتجين. وهنا أيضاً لا بد من إيجاد رابطة صداقة. أما المسؤولية الأخرى فهي إزاء الجمهور. وهذا لا يمنع أنني، خلال إخراج “ساحة الألعاب”، كنت أقول لنفسي: “الجمهور سوف يولول”.

ما يعيب السينما الفرنسية اليوم هو انعدام التوجه إلى دراسة ردود فعل الجمهور وتطلعاته، وانتقاداته. وما كان لمعظم الأفلام الفرنسية الجيدة أن تجد جمهوراً واسعاً لو تمّ توزيعها بين 1945 و 1960. فالكثير من الموزعين ظلوا يتعاملون مع “اغتيال دوق دي غيز” و سارة برنار.

وعن المخرجين الآخرين يقول: “أزعم أنني تطورت في سياق ما يطلق عليه اسم “الموجة الجديدة “. أما بالنسبة للإعجاب فأعترف بتعلق خاص بجون فورد وايريش فان ستروهيم وجان رينوار. وأضع جاك فيدر في جانب آخر. ومع ذلك يتوجب عليّ الاعتراف بأن جان رينوار علمني كل شيء. لقد تربيت على يدي ذلك المعلم وبالنسبة للسينمائيين الجدد لن أخفي تقديري لميكال أنجلو أنطونيوني، وفدريكو فليني خاصة في شريط مثل “ثمانية ونصف” وليس في فيلم “لاسترادا” بالتأكيد.

ويمكنني أن أذكر أيضاً ماركو فيريري، وبيار باولو بازوليني. وهذا الأخير لم يتمكن من ممارسة الإخراج في فرنسا، مع أن الجمهور الفرنسي هو الذي صنع أنطونيوني.

أتسمح لي بذكر واحدة من أجمل ذكرياتي؟ في المكسيك، عندما كنت أصور فيلم “المتكبرون” التقيت جون فورد. كم كان شخصاً رائعاً يحمل أيرلندا كلها على كتفيه! لقد أعطاني دوساً عظيماً في السينما.

المساعدة في الإخراج..

وعن كيف يكون المرء سينمائيا يقول: “المدرسة الوحيدة المجدية، ولم أقل الممكنة، والتي تؤدي إلى تحقيق منجز ما هي المساعدة في الإخراج وغيره. وعلى سبيل المثال، بفضل المساعدة في المونتاج، وليس بفضل المدرسة، يدرك المرء أنه من غير المجدي إظهار شخص على الشاشة يصعد من الطابق الأرضي إلى الطابق السادس. وأرى أيضاً أن مساعِدة مخرج جيدة (سكريبت) يمكنها إنقاذ مخرج مبتدئ.

أعتقد أن الأهم في مهنة السينمائي يتمثل في الورق. قبل التعامل مع الفيلم لا بد من التعامل مع السيناريو. وفي هذا المجال لا فرق بين شاب وكهل متمرس، المهم أن تكون هناك حماسة ومثابرة. يبقى أن السينما مهنة خادعة. ومن بين عشرين مشروعاً قد لا يرى النور إلا فيلم واحد. وتظل البقية في الأدراج.

وعن ما موفقه من التلفزيون يقول: “أعتقد أن الوقت قد حان لتغيير كل شيء. ولا شك أن المسلسلات الأمريكية ليست جيدة كلها بجودة “القديسات العزيزات” و “فرسان السماء” غير أن التلفاز يستدعي الاهتمام والاحترام. ولو كان في فرنسا ثلاثون قناة تلفزية حرة لوافقت على العمل لحساب التلفزيون. إنه وسيلة تعبير رائعة.  ولا يهمني أن يجري قطع الفيلم من أجل الإعلانات لمدة ثلاثين ثانية، إن كان بإمكاني تمرير أعمال جيدة”.

وعن ما يشغله يقول: “ما يشغلني اليوم هو إظهار التطور السريع الذي يشهده عالمنا الراهن، والتأكيد أيضاً على أن مرحلة الشباب باتت تمر بسرعة متزايدة. إنه لأمر مدوخ حقاً. لقد بات الشاب البالغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، يعتبر مسناً بالنسبة لفتاة في السادسة عشرة. لم يعودا قادرين على التفاهم. علينا ألا ننسى بأننا نعيش في عصر الطائرات الأسرع من الصوت. نحن شهود حضارة انطلقت بسرعة هائلة ولن تستطيع استخدام الكوابح من دون انقلاب. ثمة غزو متواصل للفضاء الواسع في حين يعيش البشر داخل أقفاص أرانب”.

موريس كلوش Maurice CLOCHE

“موريس كلوش” مخرج سينمائي، ولد سنة 1907 وتوفي سنة 1990. مدير فني، ومنتج. بدأ بالإخراج في سن الثلاثين. من أبرز أفلامه: (السيد فنسنت (1947؛ أوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 1948)؛  دكتور لانيك 1948، حاملة الخبز  1949؛ مشطوب من قائمة الأحياء  1952؛ المبشر 1955؛ سجن النساء 1958؛ المال  1958، ابتعدوا عن الشقراوات 1960؛ كوكانيي أرض النعيم 1960 ؛ حاملة الخبز، نسخة ثانية – ريمايك 1963، صلاة على الروح الزعيم 1963؛ كوبلان عميل سريّ. إف. إكس. 18 1964، الفيكونت يصفي حساباته  1966؛ لكنْ، أنتَ بيار 1971). وللتلفزيون: (رجال روز  1975).

عاشق للسينما..

يقول “موريس كلوش”، عن كيف جاء إلى السينما يقول: “تعود ظاهرة السينما بالنسبة لي، إلى ما قبل حرب 1914. كان جدي يأخذني إلى مقهى تُعرض فيه قاطرات ودراجات متحركة. وكل يوم خميس نقوم بعروض الفانوس السحري. كان والدي ضابطاً. وأثناء غيابه في موقعه العسكري بمرسيليا، اذهب وحدي إلى السينما. وهكذا فإن أولى ذكرياتي كعاشق للسينما جاءت بعنوان “فانوس جدي”. وعندما التحقت بمدرسة داخلية صرت أطلب من والدي لدى مجيئه لإخراجي من المدرسة، أن يأخذني إلى السينما. وفي هذه الأثناء اكتشفت شارلو. وفي ذلك الوقت كان لي دفتر أسجل فيه انتقاداتي الشخصية للأفلام.

وفي البداية رغبت في ممارسة مهنة فنية، مثل الرسم والنحت اللذين كانا يروقان لي. لم يشأ والدي أن يعارضني، لكنه عمل ضمن ذوقي الخاص ليشجعني على ممارسة مهنة تكون ذات أبعاد فنية، وهكذا بدأت بدراسة الهندسة المعمارية. ثم صرت ناقداً في صحيفة “الحياة” La vie.  وكنت أنشر فيها قصصاً أرفقها برسوم. حتى ذلك الوقت كنت ما أزال متردداً إزاء السينما، إلى أن التقيت مكسيميليان فوكس وكان مديراً في دار “بلون”. وبعد خدمتي العسكرية عهد إليّ بوظيفة في أستوديو للتصوير الفوتوغرافي. وبين وظيفتي، والإمساك بآلة تصوير، كانت هناك خطوة، فقطعتها. وهكذا التقطت صوري الأولى.

في ذلك الأستوديو التقيت الأخوين بريفير اللذين كانا يأتيان لتحميض أفلام إعلانات، كما التقيت مارك آليغريه العائد من رحلة إلى الكونغو صحبة أندريه جيد. كل ذلك دفعني إلى ممارسة السينما بمفردي في البداية. فاشتريت آلة تصوير 35 مم بمدخراتي. ثم توجب عليّ البحث عن أفلام موجبة مخفضة الثمن، فاشتريها متراً متراً، وكثيراً ما كانت مسودة. وبذلك صورت أول أفلامي خلال العطلة، الموضوع: يوم في حياتي العائلية. ولقد تعاملت مع الحدث المتحرك في وقت كانت الأحداث المصورة تقدم ضمن عروض لصور ثابتة على طريقة البطاقات البريدية.

قمت بالمونتاج وحدي غريزياً، وعرضته في قاعة كان يوجد فيها مقتني أفلام دانمركي، وإيليان تايون من مجلة Pour vous  السينمائية، ومساعدة كارل دريير في “Vampir”. فشجعتني وأعطتني فكرة لتصوير شريط وثائقي حول قصر فرساي. فأنجزت الشريط الذي بات مرجعاً في نوعه، لأنه يتضمن الحركة، للمرة الأولى. و بعده أنجزت شريطاً مخصصاً لجبل سان ميشال. وكانت كلفته مئة ألف فرنك بقيمة ذلك الوقت. وبعد محاولة أخرى لتصوير المعالم القديمة خرجت من الظل بفضل شريط “ليلة بيضاء في جبل سان ميشال” الذي حصل، بعد ستة أشهر، على الجائزة الأولى في تاريخ سينما البندقية”.

ويواصل عن استمراره في العمل في السينما يقول: “استدعاني منتج كبير وأبرمنا عقداً لمدة عام. ولقد ندمتُ على توقيع ذلك العقد لأنه لم يدع لي مجالاً للحرية. ثم قررت العودة إلى إخراج الأفلام الوثائقية، فأنجزت شريطاً عن الحياة في مقاطعة البروفانس تحت عنوان اقتبستُه من فريدريك ميسترال “أرض المحبة”.

وللتمكن من إجادة مهنتي بمختلف مظاهرها أردت أن أصير ممثلاً. وذات يوم التقيت مساعد دريير في عربة المترو، فاقترح عليّ دوراً في شريط “جدجد المنزل”. وبعد ذلك كلفت بوضع ديكور لأحد الأفلام، مع استحضار أجواء شبيهة بروايات تشارلز ديكنز، غير أننا مررنا بأزمة مادية قضت على كل شيء”. حتى أن المخرج لم يخْفِ دموعه!

وعن إعطاءه الأولوية للتقنية يقول: “أية تقنية ينبغي أن تنطلق من الغريزة. أما إدارة الممثلين فتظل أجمل مهام المخرج. ويوجد، في رأيي، نماذج من المخرجين. فهناك المخرج الذي يكون مؤلفاً فيتحمل مسؤولية مجمل الفيلم الذي يصوره. وهناك المخرج الذي يعمل تحت الطلب، إذْ يقدم له الموضوع فينجزه وفق رؤيته. وأخيراً هناك المخرج الذي لا ينفذ إلا ما يؤمر به من سيناريو وملصق… وصولاً إلى التقطيع”.

ويجيب عن سؤال هل تعتبر الموسيقى من العناصر الأساسية في أي فيلم؟: “خلال خدمتي العسكرية، أسست مجلة خاصة باسطوانات الموسيقى. ومارست فيها أيضاً وظيفة الناقد. لقد كنت وما زلت شغوفاً بالموسيقى. وهذا ما أدى بي إلى إنجاز أشرطة قصيرة حول ترينيه و داميا وغيرهما..

وعن رأيه في السينما الفانتازية يقول: “أنا متعلق بالفانتازيا كثيراً، وبكل ما هو خارق. ولا شك أن ذلك لم يظهر في أعمالي، باستثناء مرة واحدة عندما كنت أعمل في منطقة فيزون- لارومان. وهناك اقترح عليّ أحدهم أن أتعاون معه في إخراج فيلم بعنوان “أبناء عم فيزون” حول طائفة المتوسلين الموجودة في تلك المنطقة منذ العصر الروماني. غير أننا تخلينا عن هذا المشروع لصالح شريط آخر بعنوان “بيتي شوز”. و كان الملصق يحمل اسميْ آرليتي وماريان أوزوالد التي تؤدي أغنية من كلمات بريفير. وكان ثمة توجه إلى حذف تلك الأغنية فاعترضت على ذلك. وبعد أن اضطررت إلى التنازل، عشت حالة قلق أدت بي إلى رفض موضوع لم يعد يعجبني. آنذاك شجعني ألكسندر كامنكا على إخراج شريط “الحياة رائعة” فدعوت روجيه هوبير الذي طواه النسيان منذ تمثيله في فيلم آبل غانس”.

التأثير في الجمهور..

وعن الرضى عن أفلامه يقول: “أحب كل ما أنجزت. وطلية ممارستي لمهنتي سعيت إلى أن أكون شريفاً. يبقى أن شريط “السيد فنست” كان مهماً جداً في حياتي. و لم يكن لهذا الشريط أن يرى النور قبل الحرب. أما في أفلامي الاجتماعية فقد كانت هناك دائماً حكاية أثرت فيّ. وذلك الشعور هو الذي حاولت نقله باستمرار، بوسائل بسيطة ومباشرة: نقل التأثر الصادق من أجل التأثير في الجمهور.

لقد رفضت دوماً مقولة الفن للفن. وسعيت طيلة حياتي إلى صنع أفلام بسيطة في متناول الجمهور الواسع، وبإمكانها مساعدة الآخرين. وفي أساس مشاريعي يوجد أمل الاكتشاف وتشريك الآخرين وجعلهم يستفيدون من اكتشافاتي المتواضعة. وفي هذا السياق أعتبر تأثير المعلمين الكبار في منتهى الخطورة. ولست أخشى من تكرار القول إن الفن السينمائي لا يهمني ولا يؤثر فيّ.

لم يبق لي شيء من الأوسكار الذي حصلت عليه مقابل فيلم “السيد فنسنت”. كان الأهم بالنسبة لي هو التأثير في الناس. كثيراً ما نكتشف شخصيات محببة في أحد المواضيع. وكانت تلك حالي مع “لانيك”. ما أن نحب الموضوع الذي نعالجه حتى تتوافر له فرص أكثر ليحبه الجمهور.

بدأت فيلم “السيد فنسنت” مع جان دي لافارند، ثم مع جان أنويله، ودائماً بالاشتراك مع بيار فريسني. كانت سلسلة من الاحباطات. لكنني تعلقت بهذا الموضوع وبفكرته الأصيلة التي تمكنني من المحافظة على استقلاليتي من أجل إخراجه. وهكذا لجأت إلى عملية اكتتاب بقيمة ألف فرنك لدى رعية أحد القساوسة. فجمعنا ستة عشر مليون فرنك، وظل ينقصنا خمسون مليوناً. نظمت ندوة لم تخل من روح قتالية وبذلك توصلنا إلى تأمين المبلغ. لقد جاءت تلك الأموال من أناس بسطاء عهدوا إليّ حتى بمدخراتهم. وهكذا كان الجمهور هو صاحب الأسهم, كان آبل غانس والمونسنيور رانكولي، يوحنا الثالث والعشرون، لاحقاً، يأتيان لحضور التصوير. لقد جعلت الكثيرين يغتنون من فيلم “السيد فنسنت”، إلا أنا!

بعد “السيد فنسنت” و “الدكتور لانيك” كنت أنوي إنجاز سلسلة حول الشخصيات الفرنسية العظيمة التي ساعدت البشر في العالم كله. وحاولت كذلك نقل “الكوميديا الالهية” لدانتي إلى الشاشة، بمشاركة آبل غانس. لكننا اضطررنا إلى التخلي عن المشروع مرة أخرى.

التعبير عن الذات..

وعن أهم المزايا التي ينبغي أن يتحلى بها المخرج يقول: “أهم ميزة أن يظل كما هو، أن يعبر عن ذاته، و أن يكافح من أجل ذلك بلا هوادة. أنت تعلم جيداً أن المرء يقدم عملاً مهماً في حياته، ثم يظل يكرره باستمرار، أو يظل بالأحرى ساعياً إلى إعادة إنتاجه. وتتدخل شخصيته كإنسان على الخط. ففي هذه المهنة الممتلئة بالصراع والمعارك يستحسن أن يظل المرء وحيداً، أعزب. من السهل قول ذلك والحال أنني أب لسبعة أبناء وجد لخمسة عشر حفيداً! ليس من حق الفنان أن يضحي بحياته العائلية لصالح حياته الفنية. عشت الأمرين معاً. ربما لم أكن أباً جيداً، ولا سينمائياً جيداً، غير أنني كنت أستجيب دائماً إلى اندفاعات القلب. كل مخرج يتحمل أيضاً مسؤوليات اجتماعية.

كان جيلنا سجينا للمسرح. نحن أبناء المسرح. و لذلك فإن شريطاً مثل “الملكة الأم لم تنبس بكلمة” لم يستغرق منا تصويره أكثر من ستة عشر يوماً، وفي ديكور مسرحي تحديداً، وكان هدفنا من وراء ذلك إبراز المسرح كوسيلة تربوية من خلال استخدام جيد للوسائل السمعية البصرية”.

ويجيب عن سؤال لعبت دوراً حاسماً في المحافظة على السينما الفرنسية في مرحلة مأساوية…. يقول: “سنة 1939 جرى تجنيدي ضمن فيلق يعمل في بلجيكا. آنذاك فكرنا في إنشاء سينما للجيش. ففي ذلك الوقت تم تجنيد مجمل سينمائيينا، فظلوا عاطلين فنياً، في حين حافظت عليهم البلدان الأخرى من أجل إنجاز أفلام دعاوية (بروباغندا). ولقد تمكنت من جمع رجال السينما في الإطار العسكري، إلا أن الهزيمة فاجأتنا.

وبعد أن أرسلت بأبنائي إلى الريف الفرنسي، عدت إلى العمل محاولاً إنشاء نواة سينما فرنسية في المنطقة المحررة. فأقمنا في فيشي مكتباً، حمل لاحقاً اسم مركز شباب السينما. ثم نزلنا إلى الساحل الجنوبي. وفي “كان” استأجرنا فندقاً صغيراً في شارع آنتيب، حيث كان يأتي كلود رينوار ورينيه كليمون وجاك تاتي.. اشتغلنا في الأرض ووفرنا غذاءنا، وبذلك حافظنا على معنويات عالية. بعد ذلك أنشأت مكتبة. ولجأنا إلى تصوير أفلام قصيرة كي نشغل الممثلين والتقنيين. وفي هذا السياق أنجزت “سمفونية العمل”، “العمل الجميل” و “تقاليد”، وفي ذلك الوقت كان مطلوباً مني أيضاً إنقاذ أول فيلم لأندريه هونيبال “النار المقدسة”.

فيما بعد أسس مارسيل ليربييه معهد الدراسات السينمائية العليا وقضى على المدرسة التي في مركزنا. ولم أرغب في الالتحاق بذلك المعهد لأنني بدأت أفكر في إخراج شريط “السيد فنسنت”.

وعن فيلم “لكن، أنت بيار” يقول: “يتعلق موضوعه بالقديس بطرس وحوارييه. وهذا الفيلم استجاب لتحقيق حلمي في الحياة. ذلك أنني أعتبر السينما صورة بمقدار ما هي كلمة.

و لا أتنكر لأعمالي التلفزيونية، مثل مسلسل “ميشال فايون”. كانت تجربة رائعة. لست نادماً على كل ما قمت به. وأعتقد أن لي مكانة متميزة في السينما الفرنسية، ومختلفة عن زملائي. ولاشك أن السينما “القديمة” قد أفلست، لكن السينما الشابة تمر بأزمة أيضاً. هناك مبالغة في حشر الثقافة دون أن يكون المخرجون الشباب مثقفين جيداً. ولن يكتب البقاء إلا إلى أفلام مثل “قبلات مسروقة” لفرنسوا تروفو. كلمة أخيرة: المعركة بين السينما والتلفزة مفتعلة. ولابد لها من نهاية”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب