السينما الفرنسية (10) مارك آليغريه: إذا كان السيناريو رديئاً فلا شيء ممكناً

السينما الفرنسية (10) مارك آليغريه: إذا كان السيناريو رديئاً فلا شيء ممكناً

خاص: قراءة – سماح عادل

يؤكد المخرج الفرنسي “مارك آليغريه” على أهمية احترام سلطة المخرج في تعامله مع الممثلين، لكنه مع ذلك يعترف بأهمية حدوث معرفة عميقة بينه وبين الممثلين ليستطيع إخراج الطاقات الكامنة بداخلهم،  ويرفض أن تكون التقنية ظاهرة وواضحة في صناعة الفيلم، محتفيا بالاختلاف الذي لابد أن يشعر به الجمهور في أي فيلم جديد.

نواصل قراءة كتاب (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

مارك آليغريه             Marc ALLEGRET

“مارك آليغريه” مخرج فرنسي، ولد سنة 1900 وتوفي سنة 1973. عمل مخرجاً مساعداً ل”روبير فلوري”. وبعد إخراج بعض الأفلام الوثائقية، بدأ بإخراج الأفلام الطويلة منذ العام 1931. من أبرز الأفلام التي أخرجها: (فندق التبادل الحر (1924)؛ الأيام الجميلة (1929)؛ رحلة إلى الكونغو (1935)؛ تحت أنظار الغرب (1936)؛ مدخل الفنانين (1938)؛ مارية شابديلان (1950)؛ الآنسة والشبح العائد (1952)؛ واحة (1954)؛ انتزاع ورقات زهرة المرغريت (1956)؛ يوم أحد طريف (1958)؛ حفلة الكونت دورجيل الراقصة (1969)).

تجربة ناطقة..

يقول  “مارك آليغريه” عن كيفيه عمله في الإخراج السينمائي: “منذ البداية رغبت في ممارسة السينما، لكنني اصطدمت بعائلتي التي لم تكن تقدّر هذه المهنة. ومع أنني كنت قريباً من أوساط الرسامين والنحاتين، فقد توجب عليّ إكمال دراستي في الحقوق، والعلوم السياسية، ثم هيأت نفسي للعمل في الشؤون الخارجية، لكن الخدمة العسكرية أنقذتني من كل تلك الفخاخ! ولدى عودتي من أداء الواجب العسكري قررت خوض مجال السينما. أردت البدء بتعلم الأدوات. وهذا أدى بي إلى المشاركة في سلسلة من الدورات التدريبية. وكنت شغوفاً بالتصوير الفوتوغرافي. زد على ذلك أنني أخرجت بعض الأفلام الموجزة، طبعا كانت صامتة، لكن أدوار البطولة كانت لأندريه جيد، وبول فاليري. وهكذا توجهت إلى إخراج شريط سينمائي وثائقي مناسب لكتاب أندريه جيد “رحلة إلى الكونغو” ولدى عودتي يسّر لي براونبرغر إخراج أفلام قصيرة.

بعد ذلك عملت مخرجاً مساعداً لروبير فلوري. ولقد ساهمت في تجربته الأولى الناطقة، وكانت في نسخ ثلاث أصلية، هي الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية، مع ممثلين مختلفين بالنسبة للأدوار الرئيسية في كل نسخة. صوّرنا في برلين لعدم وجود استوديوهات صوتية آنذاك في باريس. وفيما بعد أنشأ براونبرغر وروجيه ريشبي أول ستوديوهين صوتيين للسينما الفرنسية.

وعن أول فيلم له كمؤلف يواصل: “نتج أول إخراج لي بعد لقاء مصادفة مع ريمو. كنا آنذاك نعمل على نقل مسرحية “الأبيض والأسود” المقتبسة عن ساشا غيتري، إلى الشاشة. ولقد طلب فلوري ملاءات من الساتان الوردي من أجل مشهد يجري في غرفة النوم. لكننا لم نجدها، فرفض فلوري مواصلة التصوير. ناولني الكاميرا، فأنجزت الفيلم. وهكذا تم نقل السلطات من دون غضب”.

التقنية المحسوسة..

وعن إعطاء الأولوية للتقنية السينمائية المحض يوضح: “لا بد من معرفتها جيداً مع عدم إزعاج الناس بها. أنا ضد التقنية المحسوسة. فالمتفرج لا يحتاج إلى فهم المصطلحات الفنية. تماماً مثلما يتمتع قراء ستاندال ودوماس وبلزاك بجمال أسلوبهم من دون حاجة إلى تحليل الجمل أو إعرابها. ومن المؤسف أن مخرجي اليوم يستعرضون معارفهم التقنية من أجل البروز، مهما كان الثمن”.

وعن معاييره في اختيار الممثلين وكيف يتعامل معهم يقول: “يتوقف اختيار الممثلين على نوعية الفيلم المراد تصويره. بعض تلك الأفلام تتطلب وجود نجوم. مع ذلك، ومهما كانت ظروف الإنتاج أو الإخراج، أحاول دائماً مراعاة التطابق بين الممثلين والأدوار، ومحاولة التوصل إلى أفضل ما يمكن أن يقدمه الممثل، حتى وإن كان معروفاً كثيراً. وهكذا كنت أول من أسند دوراً إلى فرنانديل في “الأبيض والأسود”. وكان ساشا غيتري هو صاحب الامتياز، فذهبنا لمقابلته. كان فرنانديل في منتهى الخجل، غير أن اللقاء تم بنجاح. وفي النهاية قال ساشا غيتري لفرنانديل: “سوف تذهب بعيداً وتحقق الكثير.”

قبل بداية التصوير تكون العلاقات بين المخرج والممثلين، هي الأهم، في نظري. لا أستطيع اختيار ممثل، في هذا اليوم، وتكليفه بالعمل، في الغد. أحتاج إلى معرفة عميقة. وقد يكون الممثل الجديد كشفاً جديداً غير أنه لا يدرك جيداً ما هو قادر عليه من عطاء. وفي ما يخص المشاهد الكبرى الأساسية أطلب منهم التدرب عليها عدة أسابيع قبل التصوير، وذلك كي يستمدوا من دواخلهم أقصى ما في إمكانياتهم.

ولا ينبغي إهمال مبدأ السلطة من قبل المخرج. لقد عملت مع ريمو، في خمسة أو ستة أفلام، على سبيل المثال، وكان معروفاً بصرامته. ويستمتع باستغلال تلك السلطة. غير أنه كان ممثلاً خارقاً، وممتلكاً لوسائله بشكل دائم. وهذا يفسر لماذا لم أتخاصم معه رغم أفكاره التي لا يمكن القول إنها الأفضل”.

وعن إعجابه بالمخرجين الآخرين يقول: “أحب بشغف أعمال غريفيث وهاوكس، على الرغم من اختلاف روائعهم مع ما أُنجزه شخصياً. وبالنسبة للفرنسيين أذكر اسمين: جان رينوار وفرنسوا تروفو”.

الملل..

وعن استمرار حبه للسينما يقول: “أنا واحد من الجمهور الجيد جدّاً. أحب مشاهدة أفلام الآخرين. كذلك أحب المسرح. أما الآن فقد بت أشعر بالملل، لكثرة ما يتكلمون فيه، إلى حدّ القرف”.

وعن الشعور بالمسؤولية إزاء الجمهور يقول: “هذا آخر شعور يمكن أن يراودني. إذْ، ما هو الجمهور؟ إنه مجرد كيان خيالي أو متخيل، قد يبعث الشلل. إن المثل الأعلى لأي مخرج هو أن يتوصل إلى توقيع فيلم، يجد فيه كل شخص، شيئاً ما، مختلفاً”.

أفلام الوسترن..

ويجيب عن سؤال هل هناك نوع، أو أنواع سينمائية لا تقترب منها أبداً؟: “أفلام الوسترن. ومن شأني أن أكون عاجزاً عن إخراجها. لست صائدَ وصفاتٍ جاهزة مهما كان الثمن! ومن جهة أخرى، لا أخشى شيئاً بالنسبة للسينما مثل خشيتي من النموذج الأصلي الناجح الذي يؤدي إلى سلاسل”.

وعن النصائح التي يقدمها لسينمائي شاب يقول: “أهمها عدم نسخ، أو تقليد، أو سماع، أو إتباع أحد. ينبغي أن يكون ذاته. ففي هذا الوضع وفي هذه الظروف وحدها يتكشف المستحيل ممكناً. أما رؤية كمال الآخرين كمرجع، فهي طريق اليقين إلى الفشل. بعد المثابرة، هناك نوعية الكتابة. التي تُعتبر أساس كل شيء. إذا كان السيناريو رديئاً فلا شيء ممكناً.

يمكن للمرء أن يشعر ببداية الاحتراف حقاً، عندما يبدأ بالابتعاد شيئاً فشيئاً، عن التقطيع الأولي للمشاهد، بحيث يلوح الفيلم إثر المونتاج، غير الذي تمت كتابته.

من الأفضل، في البداية، أن يأتي إلى “البلاتوه” مصحوباً بخطة عمل مرسومة حول التقطيع المشهدي. بعد ذلك تتحقق الخبرة ويتم العمل بواسطة “رادار” المعلَّم المحترف”.

وعن أهم شيء في إخراج فيلم يقول: “كل شيء مهم. شخصياً لا أخفي تفضيلي للعمل على حلبة التمثيل (البلاتوه). فهناك تتعدد الاتصالات الإنسانية، ويعاد اكتشاف الموضوع من زوايا مختلفة. وهناك أيضاً تحصل المفاجآت السارة والضارة”.

وعن موقفه من التلفاز يقول  “يهمني أمره كثيراً. ومن الأفضل ألا يكون المرء مرتبطاً به مهنياً لكسب قوته، تلك الدار! أحب وصفه بهذه الكلمة. في حين أننا نفضل دائماً الإشارة إلى السينما بكونها مهنة. والسينمائي الذي يعمل خارج التلفزة ونظامها، لا يخشى شيئاً، ولا يخاف فِرَقَها.

التلفزة تتطلب مواضيع خاصة جداً. والنموذج الجيد الذي يمكن أن يُرضي التلفزة هو، على سبيل المثال، “اثنا عشر رجلاً في غضب”، أي الفيلم الذي يحتوي على حوارات طويلة، طويلة جداً… كما في المسرح!”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة