خاص: قراءة- سماح عادل
عندما نشاهد فيلما ما فإننا نتماهى مع ما يدور حولنا من أحداث، وقد نتوحد مع الشخصيات، لكن مع الوقت نبدأ في فهم الخطاب السينمائي الذي يود صناع الفيلم توصيله لنا. يحكي لنا ذلك كتاب “السينما العالمية من منظور الأنواع السينمائية”، تأليف “ويليام ڤي كوستانزو” ترجمة “زياد إبراهيم”.
الجانب الفني للسينما..
يركز الكتاب علي السينما من خلال الرؤية الفنية: “إذا كانت السينما تجارة وتقنية، فهي كذلك نوع من اللغة؛ بمعنى أنها توصِّل المعاني من خلال نظام من الشفرات والأساليب التي يجب أن تُعرَّف. على الرغم من أن مشاهدة أي فيلم ربما تبدو أمرًا هينًا كمشاهدة الحياة وهي تمرُّ بنا، فهي أمرٌ يحتاج قدرًا معينًا من التفسير؛ فكيف يمكننا أن ندرك أن الفم الضخم الذي يشغل الشاشة في فيلم «المواطن كين» يمثل لقطة مقرَّبة من شفاه كين وهو ينطق كلمته الأخيرة وليست شفاه مارد عملاق؟
كيف نعرف أن قصة كين تسير للخلف في الزمن عندما تذوب صفحةٌ بيضاء من دفتراليوميات تدريجيٍّا لتصبح مشهدًا يملؤه الثلج في كولورادو؟ مشاهد الاسترجاع (الفلاش باك) واللقطات المقرَّبة وحالات التلاشي التدريجي تُعتبر أساليب أو أجزاءً من الشفرة التي تساعدنا في فهم الفيلم. يدرك معظمنا معنى هذه الشفرات بمرور الوقت عن طريق مشاهدة الكثير من الأفلام وتركيز معظم انتباهنا على الشخصيات وعلاقاتها والعواطف الموجودة في كل مشهد.
ربما ننخرط بشدة في القصص، أي ما يحكيه الفيلم، حتى إننا نفقد إدراكنا للخطاب؛ أي كيفية روايته للقصة. ربما لا نلاحظ وضع الكاميرا أو إضاءة المشهد أو أين تنتهي لقطة وأين تبدأ أخرى، لكننا عندما تثير قصة غير تقليدية حيرتنا، وعندما يُشتِّت انتباهنا أسلوبٌ غير معتاد لفيلمٍ تجريبي أو أسلوب غريب لفيلم من الصين، ربما نبدأ في التركيز على الخطاب السينمائي، متذكِّرين أن الأفلام هي تركيبات”.
فهم الخطاب السينمائي..
وعن محاولة فهم ما يقوله الفيلم يواصل الكتاب: “لمساعدتنا في فهم الخطاب السينمائي وتقدير كيف تعمل لغة الفيلم كنظام من الصور والأصوات، من المفيد أن نفهم مصطلحات مثل «لقطة المنصة المتحركة» و«الضوء الرئيسي». هذه المفردات التقنية تمكننا من التعرف على الاختيارات التي تُتَّخَذ وراء الكواليس لنرى بوضوحٍ أكبر كيف أن التكنولوجيا وفن السينما لا يفترقان.
تتضمن عُدَّة صانع الفيلم كاميرات وأدوات إضاءة ومعدات صوت وآلات مونتاج. تعمل الكاميرا كعين زجاجية لتركيز أشعة الضوء الوارد على نوع معين من وسيط التخزين عادةً ما يكون شريط فيلم أو شريط فيديو أو مستشعر إلكتروني. تُصنَّف العدسات حسب «البعد البؤري» الذي يحدد حجم الصورة والمؤثرات البصرية الأخرى.
بدلًا من ذلك، ربما يقرر المصور السينمائي تحريك الكاميرا، تسمى الحركات الرأسية لأعلى أو أسفل في المكان لقطات الذراع أو لقطات الرافعة بسبب أن الكاميرات القديمة الثقيلة كانت تُوضَع في الأساس على رافعات أو أذرعٍ متحركة. أما الحركات الأفقية للكاميرا بسبب أن الكاميرا كانت على الأرض أو «المنصة المتحركة» فتسمى لقطات «لقطات المتابعة» تتحرك على عجلات أو مسارات. إذا تحرينا الدقة، فإن اللقطات البانورامية الأفقية التي تمسح الأفق من موقعٍ ثابت؛ لا تُعتبر تحركًا بالكاميرا؛ لأن الكاميرا تدور على محورها أفقيٍّا. نفس الأمر ينطبق على اللقطة المائلة التي تدور فيها الكاميرا على محورها صعودًا وهبوطًا أثناء محاولتها لفت انتباهنا من نافذةٍ سفلى إلى أخرى عليا.
في كل هذه اللقطات، تُثبَّت الكاميرا في الأساس بمنصات بعجلات أو رافعاتٍ متحركة، على عكس اللقطات الجوية التي ربما تطير فيها الكاميرا فوق ما تُصوِّره بمساعدة مروحية أو طائرة. بالطبع، فإن الكاميرات الأخفَّ وزنًا يمكنها أن تتحرك بشكلٍ أكثر حرية بالعديد من الطرق، جامعة بين لقطات الرافعة والمتابعة واللقطات المائلة في حركة واحدة سلسة.
يحافظ جهاز اختُرِع عام ١٩٧٥ على مستوى الكاميرا خلال أي تحرك؛ مما يتيح التقاط لقطاتٍ متابعةً سلسةً للغاية ومتنوعة بكاميرا محمولة باليد”.
تصميم المشهد..
وعن تصميم المشهد يكمل الكتاب: “بالإضافة إلى هذه الجوانب الخاصة بعمل الكاميرا، الحركة والمسافة والزاوية، فإن قدرا كبيرا من العمل يبذل في تصميم أي مشهد. يستخدم الخبراء والباحثون لوصف طريقة تصميم المشهد. إن اختيار والمخرجون مصطلحًا فرنسيٍّا وهو«ميزانسين” الموقع والأثاث والأدوات وتعبيرات وجوه الممثلين والإيماءات والحركات والمكياج والأزياء الخاصة بهم؛ كل هذا يُسهِم في تحديد جو المشهد وتركيبه وطابعه العام.
وكذلك الإضاءة فعندما يُغمَر المشهد بإضاءة مُبهِرة ويكون المصدر الأساسي للضوء يمكن أن يكون قويٍّا في الموضع والشدة فإن الأثر العام يكون قويا، أما عندما يكون المشهد مُضاءً بشكلٍ خافت وغارقًا في الظلال فيمكن أن يكون المزاج العام كئيبًا أو غامضًا.
تلعب مسارات الصوت دورًا رئيسيٍّا في خلق شعورٍ عام بالإضافة إلى وظائفها الأخرى العديدة. حاوِلْ إيقاف الصوت وتساءلْ عما هو مفقود من الفيلم؛ ستلاحظ أن ما نسميه بالصوت مكوَّن من طبقاتٍ عدة: هناك الضوضاء الطبيعية في الخلفية، التي تسمى بالصوت المحيط، والتي يبدو الفيلم من دونها غير واقعي على نحوٍ غريب؛ لهذا فإن صناع الأفلام يضيفون بشكلٍ روتيني أصوات حفيف أوراق الشجر أو أزيز السيارات المارَّة أو أصواتًا بشرية في الخلفية. وحتى عندما لا نكون منتبهين لتلك الأصوات، فإننا نفتقد تلك الأصوات المحيطة عندما تكون غائبة.
وللتأكيد على أهمية بعض الأصوات للقصة مثل إطلاق نار أو خُطًى مسترَقة في الثلج، يضيف فنيُّو الصوت المؤثرات الصوتية التي ربما تُسجَّل بشكلٍ حي أو تؤخذ من مكتبة صوتية مسجَّلة سلفًا أو تُصنع خلال مرحلة ما بعد الإنتاج بواسطة فنيٍّ متخصص في المونتاج. هناك تمييزٌ عادةً ما يُصنَع بين الصوت الواقعي المنبعث من
مصدرٍ داخل القصة مثل أغنيةٍ في مذياع سيارة والصوت المضاف مثل موسيقى أوركسترالية مضافة لتزيد الأثر العاطفي لمشهد”.
الحوار..
وعن أهمية الحوار يواصل الكتاب: “هناك تمييزٌ آخر بين الحوار الكلمات التي ينطق بها الممثلون بصوتٍ مسموع، والتعليق الصوتي الكلمات التي ينطق راوٍ خفيٌّ أو شخصية لا تتحرك شفاهها لتوصيل أفكار الشخصية الداخلية. المشهد الصوتي الذي تخلقه هذه الأصوات والضوضاء والألحان يُكسب ما نراه عمقًا. وكما كان المخرج الفرنسي روبير بريسون يحب أن يقول: “العين ترى السطح أما الأذن فتسبر الأعماق”.
بساطة الصناعة..
وعن البدايات وكيف كانت الأفلام تصنع ببساطة يضيف الكتاب : “كانت أوائل الأفلام تُصوَّر وتُعرَض مباشرة بكل بساطة. جعل إديسون المصوِّر فريد أوتس سنيز ١٨٩٤ الخاص به يصوِّر فيلم «عطسة فريد أوت» واستطاع مرتادو صالونات العرض الخاصة به مشاهدة العطسة كاملة في فعلٍ واحدٍ مستمر بإدارة مقبض آلة الكينيتوسكوب.
في ١٨٩٦ صوَّر الأخوان لوميير وعرضَا فيلم بنفس الطريقة إلى حدٍّ بعيد. لكن روادًا مثل جورج ميلييس والأمريكي إدوين إس بورتر سرعان ما اكتشفا كيفية تقطيع المشاهد إلى لقطات وإعادة ترتيبها لإحداث الأثر الدرامي؛ ففي ١٩٠٢ فيلم «آ تريب تو ذا مون» قسَّم ميلييس الحدث في الفيلم إلى ما يقرب من ٣٠ لقطةً متفرقة توضح كل منها مشهدًا، وأخذ ينقل القصة من مكان لمكان، وكانت الكاميرا تتوقف من حين لآخر وسط الحدث لتسمح للممثلين بالاختفاء، كما يحدث في العروض السحرية.
استخدم بورتر انتقالًا أكثر تعقيدًا بين المشاهد في فيلم ١٩٠٣«ذا جريت ترين روبري»، حيث كان أحيانًا يغير وضع الكاميرا داخل المشهد الواحد؛ مما يوحي بحدوث أفعالٍ متزامنة، هروب اللصوص في لقطة بينما تفك البطلة قيد والدها في أخرى. اكتشف ميلييس وبورتر ميزات المونتاج وهو عملية اختيار وقص وإعادة تجميع المادة المصوَّرة في تتابعٍ مستمر.
ربما أكثر مما قدمه أي صانع أفلام آخر لصياغة وتطوير فن المونتاج خلال مسيرته الفنية الطويلة في السينما قدَّم ديفيد وارك جريفيث في الولايات المتحدة، حيث تنقل بين «المونتاج الموازي» أو «القطع المتداخل» الصامتة. حسَّن جريفيث من أسلوب أفعالٍ متزامنة في أماكنَ مختلفةٍ. في فيلم «ذا لونديل أوبريتور» عندما تتنقل بين قطارٍ مسرع وبطلة في مأزق، فإن الإيقاع الديناميكي بين المشهدين كان يزيد من التوتر الدرامي. لاحقًا، عندما كانت البطلة تصدُّ اللصوص بسلاح كانت تخفيه، ندرك أن سلاحها هو في الحقيقة مفتاح براغي. تُكشَف خدعتها بلقطة مُقرَّبة على المفتاح وهي لقطات تُقحَم داخل الفيلم «اللقطات المُقحَمة».
يستخدم جريفيث في مواضع أخرى «اللقطات الاعتراضية» التي تنتقل لأجسام بعيدة عن مشهد؛ مما يكشف تفاصيله والتي تُظهر لقطات رد الفعل العاطفي. إن استخدامه السلس في استمرارية الحدث من لقطة إلى الأخرى يدفع القصة إلى الأمام بشكلٍ متواصل. وهو أسلوب يصنع إحساسًا بالتدفُّق المتواصل خافيًا البراعة في أساليب المونتاج نفسها”.