خاص: قراءة- سماح عادل
احتار الإنسان كيف يسجل صورته المنعكسة علي حائط ما وسعي سعيا حثيثا لاختراع الكاميرا، ثم تطورت التكنولوجيا كثيرا حتى وصلت إلي مرحلة الأفلام الرقمية، نتعرف علي ذلك في كتاب “السينما العالمية من منظور الأنواع السينمائية”، تأليف “ويليام ڤي كوستانزو” ترجمة “زياد إبراهيم”.
الكاميرا..
يواصل الكتاب الحكي عن التطور التكنولوجي في صناعة الأفلام: “الآلات التي تصنع الأفلام كثيرة. فكِّر في كاميرا السينما. قبل أن يستطيع أي شخص صنع صورٍ متحركة لحدثٍ حيٍّ، كان يحتاج لطريقة ما لتسجيل الصور بشكلٍ واضح على وسيط ما؛ حتى يمكن تشغيل هذه الصور بتتابعٍ سلس ومستمر. بمعنًى آخر، كان يحتاج لحل مشكلات التصوير والعرض.
فكرة الكاميرا كانت معروفة منذ عصر النهضة عندما كان يُدخِل فنانون مثل ليوناردو دافنشي ضوءًا خارجيٍّا إلى غرفةٍ مظلمة من خلال ثقبٍ صغير في ستارةٍ نافذة. كلمة «كاميرا» وتعني غرفةً مظلمة. ما رآه أولئك الفنانون وما يمكن أن يراه أي شخص اليوم هو صورةٌ مقلوبة من الشارع معروضة على الحائط المقابل.
استغرق الأمر عدة قرون قبل أن يقوم رجلٌ فرنسي يُدعى “لوي داجير” بالتقاط تلك الصورة بوضوح على لوح من النحاس المغطَّى بالفضة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. وبدلًا من الغرفة المظلمة، استخدم “داجير” صندوقًا به ثقب في جانب ولوح في الجانب الآخر.
في نفس الوقت تقريبًا، اكتشف رجلٌ إنجليزي يُدعى “ويليام هنري” فوكس تالبوت كيفية التقاط الصور على ورق معالَج كيميائيٍّا بحيث يمكن إعادة إنتاجها
وأتاحت الألواح الأسرع للمصوِّرين الفوتوغرافيين التقاط صورة الرياضي أثناء ممارسته الرياضة. لكن كيف يمكن للفعل المستمر نفسه أن يُلتَقَط ويُعرَض كحركةٍ مصورة؟ خلال أوائل القرن التاسع عشر، برهن عدد من الألعاب البسيطة التي كانت بأسماء مُعقَّدة على أنَّ أي تتابع من الرسومات الفردية يمكن تركيبه على عجلة دوَّارة أو أن يُدَار داخل طبلة لإيهام المشاهد بالحركة. كانت تعمل تمامًا مثل اللوح الورقي القلَّاب حيث كانت الصور المتفرقة تندمج في حركةٍ فرديةٍ مستمرة بفضل خداع المخ البشري”.
تطور اختراع الكاميرا..
ويضيف الكتاب عن تطور اختراع الكاميرا: “في عام ١٨٧٧، قام رجلٌ إنجليزي يعيش في كاليفورنيا ويُدعى “إدوارد مايبريدج” بالخطوة الكبرى التالية. كان مايبريدج يريد تسوية رهان يخصُّ حصانًا. وليثبت أن الحوافر الأربعة ارتفعت عن الأرض في نقطةٍ ما أثناء عَدْوه، وضع ٢٤ كاميرا على مسافاتٍ متفرقة بطول مسار السباق، عندما مرَّ الحصان بها، تعثَّر في سلسلة من الأسلاك المتصلة بالكاميرات. فاز “مايبريدج” بالرهان وقضى العشرين عامًا التالية يحسِّن من تقنية التصوير بكاميراتٍ متعددة خاصته واضعًا الصور على أسطوانة دوَّارة من أجل العرض.
لم يمر وقتٌ طويل حتى بدأت أعداد كبيرة من المخترعين إنجليز وفرنسيون وأمريكيون في ابتكار معداتهم الخاصة وتجربة استخدام لفائف أفلام تصوير مغطاة بالورق والثقوب الموجودة بأعلى وأسفل الأفلام والمصاريع المؤقتة لمزامنة الآليات التي تعمل بها.
وعلى الرغم من أن أوائل مخترعي كاميرا السينما وعارض الأفلام ما زالوا موضع جدال، فإن توماس إديسون والأخوين لوميير هم من خرجوا من الأمر رابحين ماديٍّا، كما رأينا”.
الصوت..
وعن إضافة تقنية الصوت والألوان يستأنف الكتاب: “توالت ابتكارات أخرى. وعلى الرغم من أنه عادةً ما يُنسَب إلى فيلم “ذا جاز سينجر” ١٩٢٧ الفضل في إطلاق عصر السينما الناطقة في الولايات المتحدة، فإن جهود إضافة الصوت المتزامن إلى الأفلام تعود إلى فترة ما قبل ذلك بكثير، بدرجاتٍ متفاوتة من النجاح. في الأساس، فكَّر إديسون في الصور المتحركة كقرين لآلة الفونوغراف الخاصة به، وهو مبدأ تجسَّد لاحقًا في نظام الفيتافون ١٩٢٥ الذي كان يربط بين أسطوانة دوَّارة وعارض.
بعد الحرب العالمية الأولى بقليل، طوَّر المخترعون الألمان تقنية في أوروبا، التي تحوِّل الصوت إلى ضوء حتى يمكن تسجيل مسار صوتيٍّ ضوئي على شريط الفيلم مباشرة. جرى تحسين طريقةٍ مماثلة في أمريكا .
وبينما كانت أوائل الأفلام تُصوَّر بصورةٍ دي فوريست الذي سمى ابتكاره «الفونوفيلم» أحادية اللون (الأبيض والأسود)، والتي غالبًا ما تلوَّن باليد أو بآلة، حققت هوليوود في عشرينيات القرن العشرين تقدمًا كبيرًا في التصوير بالألوان باستخدام تقنياتٍ مثل إيستمان كلر وتيكنيكلر، وعمليات تصوير أفلام أغنى في الألوان وأكثر استقرارًا للتنافس مع التلفزيون الذي كان ما زال يعرض مواده بالأبيض والأسود”.
الشاشة الكبيرة..
وعن حجم شاشات العرض يتابع الكتاب: “ولتأكيد ميزة الشاشة الكبرى للسينما، جرَّب العارضون الأثر المُجسِّم للتقنية الثلاثية الأبعاد وشاشات السينيراما المقوَّسة وشاشات العرض العريضة جدٍّا لتقنية السينماسكوب. إن هذه البدع الجديدة لم تستمر لفترةٍ طويلة لكن طرق العرض العريضة، وشاشات الآيماكس وتقنية العرض الثلاثية الأبعاد القطبية المستخدمة اليوم تنحدر منها.
مؤخرًا، لم تغيِّر التكنولوجيا فقط كيفية عرض الأفلام، لكن أين تُعرَض كذلك. عقدت هوليوود صلحًا مع التلفزيون بالتوحيد بين قواهما، مستخدمة تقنية البث، وتلفزيون الكابل لاحقًا، لتحويل أجهزة التلفزيون إلى مراكز عرض للأفلام. وبحلول تسعينيات القرن العشرين كان معظم البيوت الأمريكية يمتلك أجهزة تسجيل فيديو وتلفزيونات؛ مما سمح للعائلات بمشاهدة الأفلام على شرائط فيديو.
وبحلول عام ٢٠٠٢، فاقت مبيعات “نظام الفيديو المنزلي” أقراص الفيديو الرقمية أشرطة الفيديو المسجَّلة سلفًا. إن الفارق بين دي في دي في الأساس هو الفارق بين التقنية «قرص الفيديو الرقمي» (في إتش إس) و التناظرية والتقنية الرقمية. المعلومات التناظرية متذبذِبة ومتَّصلة وتشبه الموجة بشكلٍ كبير، تُسجَّل الصور والأصوات على أشرطة نظام الفيديو المنزلي كأنماط من الإشارات المغناطيسية المتغيرة في شدتها، أما المعلومات الرقمية، فهي متفرقة ومتقطِّعة مثل مفتاح الضوء الذي يمكن ضبطه على وضعَي التشغيل أو الإيقاف. الأفلام على أقراص الفيديو الرقمية تُشفَّر على هيئة أجزاءٍ ضئيلة للغاية من المعلومات التي تمثل الأصوات والصور التي يمكن أن يقرأها ضوء الليزر ويحوِّلها إلى لغة الكمبيوتر الثنائية التي تتكون من الصفر أو الواحد، تشغيل أو إيقاف.
وبما أن المعلومات الرقمية مستقلة عن وسيط التخزين الخاص بها، فإن أي فيلم رقمي يمكن نقله للقرص الصلب الخاص بالكمبيوتر أو يُبَث خلال الإنترنت من دون فقدانٍ كبير للجودة. هذه المرونة والمتانة تساعدان في تجاوز الكثير من القيود الخاصة بشريط السيلولويد والشريط الممغنط اللذين يتآكلان بمرور الوقت ومن الصعب التحكم فيهما. يمكن القيام بمونتاج الأفلام الرقمية بشكلٍ إلكتروني بواسطة الكمبيوتر دون الحاجة للآلات الثقيلة، كما يمكن نسخها على نحوٍ سريع ومضغوط، دون الحاجة لصنع نُسخٍ ضخمة وباهظة من الأفلام من مقياس ٣٥ مليمترًا من النسخ السالبة “النيجاتيف”. وتكون كل نسخةٍ رقمية في نفس وضوح ونقاوة النسخة الأولى”.
الثورة الرقمية..
وعن تأثير الثورة الرقمية علي صناعة السينما يواصل الكتاب: “غيَّرت الثورة الرقمية عملية صناعة الأفلام بالكامل من البداية وحتى النهاية، بل والصناعة نفسها من أعلى لأسفل. أصبحت أجهزة الكمبيوتر تُستخدَم في كتابة النص السينمائي والتصوير والمونتاج بل والإنتاج والتوزيع وعرض الأفلام. غيَّرت التطورات التي حدثت في الصور المنشأة بالكمبيوتر وجه صناعة أفلام الرسوم المتحركة، وسمحت لشخصياتٍ رقمية بالتعامل مع ممثلين حقيقيين؛ مما جعل الفروقات بين الممثلين الواقعيين والمتخيَّلين، وبين الأفعال الحقيقية والافتراضية، تصبح مبهَمة وغير واضحة.
ينتُج قدرٌ كبير من السحر في أفلام هاري بوتر من هذا الدمج بين التقنيات. وهذا مجرد جزء من اتجاهٍ أكبر للدمج الرقمي وهو اتجاهٌ يدمج بين أنواعٍ كانت منفصلة فيما سبق من النصوص (المكتوبة والمنطوقة والمرئية) والأنواع الفنية (المسلسلات الكوميدية والوثائقيات والروايات والأفلام الروائية وألعاب الفيديو) وأنظمة العرض (التلفزيون ودور العرض السينمائي وشاشات الكمبيوتر وأجهزة الكمبيوتر اللوحية). ساعدت الثورة الرقمية في دفع اتجاهٍ آخر كذلك، ألا وهو الاتجاه نحو اقتصادٍ عالمي بشكلٍ متزايد. فكِّر في التكتلات الإعلامية الدولية التي تتحكم في شركات تلفزيون الكابل وأستديوهات صنع الأفلام ودور النشر والمدن الترفيهية حول العالم؛ إنه انتشار عالمي سهَّلته التكنولوجيا”.