خاص: قراءة- سماح عادل
بدأت السينما في العالم كأي مجال تجاري بهدف الربح المادي، وبرع فيها الرأسماليون وأصحاب الأعمال من المهاجرين. هكذا نتعرف علي بداية الصناعة في كتاب السينما العالمية من منظور الأنواع السينمائية، تأليف “ويليام ڤي كوستانزو” ترجمة “زياد إبراهيم”.
عولمية للسينما..
يبدأ الكتاب بالحديث عن نوع جديد من السينما العالمية: “لم يسبق أن فرضت نظرة مارشال ماكلوهان إلى العالم كقريةٍ صغيرة نفسها على الساحة كما هي الآن؛ فالعالم الذي يبلغ فيه طلاب السينما رشدهم والذي يساعدون في بنائه يستدعي فهمًا وتعاونًا عالميٍّا بنحو أكبر من ذي قبل. تُعتبَر هذه السمات عواملَ هامة في العولمية الجديدة للسينما، كما أنها مبادئُ قويةٌ دافعةٌ لهذا الكتاب؛ فبدراسة التدفقات الثقافية والتيارات المتداخلة التي تشكِّل أكثر الأنواع السينمائية العالمية شهرةً، فإن طلاب السينما اليومَ يمكنهم تطويرُ تقديرٍ أكبر ليس فقط للأفلام والقصص التي تعرضها، بل أيضًا للناس والمجتمعات والمعتقدات وراء أفكار هذه الأفلام، وهم الناس والمجتمعات والمعتقدات التي سيقابلونها بنحوٍ أو بآخر في حياتهم.
ساهمت كل نقاط الضغط والحركات هذه في المستودع العالمي للقصص وأساليب سردها الآخذ في الاتساع. وباستكشاف هذه القصص والأفكار بنحو يتجاوز الحدود التقليدية للأفلام المحلية، فإن طلاب السينما في كل مكان يمكنهم توسيع رؤيتهم للعالم وزيادة احتمالات انغماسهم في تنوُّعه الغني.
يقدم هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الأدوات المفيدة. وبناءً على فرضيةِ أننا نعيش في ثقافة عالمية، فإنه ينظر إلى المخزون العالمي الكبير من الأفلام بصفته مداخلَ لحيواتٍ وبيئاتٍ أخرى. يستخدم الكتاب دراساتِ حالةٍ ووسائلَ مساعدة مرئية وقوائمَ أفلامٍ وقوائِمَ كتبٍ مختارة وأسئلةً موجهة لدفع الطلاب لاختبار افتراضاتهم عن العالم بنحوٍ نشط. إنه يساعدهم في فحص تلك الافتراضات من خلال قراءة فاحصة لأفلام من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط وكذلك لأفلام هوليوودية وأفلام شهيرة ناطقة بالإنجليزية. إنه يساعدهم في تجاوز عقبات النقل والترجمة المرئية ليختبروا الدراما العالمية في هذه الأفلام، وفي نفس الوقت ليدركوا الاختلافات في الثقافة والأسلوب السينمائي. كما يرشدهم خلال الاستكشاف المتطلِّع للسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل نصٍّ سينمائي بإحالاتٍ مستمرة إلى النظرية والبحث.
يمكننا مشاهدة القصص السينمائية وإدراك قيمتها كجزء من التاريخ الثقافي أو سجل لأمةٍ ما أو أشخاصٍ رُحَّل متنقِّلين. لكن يمكننا أيضًا العثور على جزء من كلٍّ منها: من كُنَّا، ومَن نريد أن نكونه، ومَن أصبحنا عليه الآن.
أعظم القصص..
ويصف الكتاب السينما والأفلام: “دراسة السينما هي الانخراط في بعض أعظم القصص في العالم؛ فالأفلام تُقحِمنا في حيواتٍ مختلفة وتنقلنا إلى أزمنة وأماكنَ أخرى وتجعلنا نستكشف أقاصي أنحاء الطبيعة البشرية.
ما الذي تخبرنا به الأفلام عن الآخرين وعن أنفسنا: كأمم وكأعضاء في مجتمعات وكأفراد؟ وكيف تعكس هذه الأفلام هويتنا الثقافية وموقعنا وحالتنا في الحياة ومكاننا في عالم متغير؟
مهما كانت رؤيتك للأفلام، فإنه لا غنى عن وجود خريطةٍ جيدة ترشدك عبر دراستك. يقدم الكتاب الذي بين يديك أطلسًا مبدئيٍّا للسينما العالمية تضع عليه الأفلام التي تعرفها بالفعل وتلك التي ستقابلها لأول مرة.
يتطلب فهم الأفلام انتباهًا شديدًا لعوامل ثلاثة رئيسية: إنتاجها (أو جهة صناعتها)، ومحتواها وشكلها الفني وأسلوبها السينمائي (بناء الفيلم)، واستقبالها (ردُّ فعل الجمهور)، وهي العوامل المتصلة بعضها ببعض بشكلٍ مُعقَّد، وبأمورٍ أخرى ثقافية
وتاريخية. ولفهم تاريخ السينما ذاته وكيف تطورت الأفلام بمرور الوقت منذ ظهورها الأول في ثمانينيات القرن التاسع عشر، سيساعد تذكر أن السينما صناعة بنفس قدر كونها فنٍّا واختراعًا تقنيٍّا ومؤسسةً اجتماعية. هذه الجوانب الأربعة الاقتصادية والجمالية والتقنية والمجتمعية متضافرة في نسيج تاريخ السينما. ورغم أنه لا يجب عليك أن تكون اقتصاديٍّا أو ناقدًا فنيٍّا أو تقنيٍّا أو عالم اجتماع للإلمام بالموضوع بالكامل، فسيكون من المفيد معرفة القليل عن كل جانب.
الجانب التجاري للسينما..
يتابع الكتاب عن التجارة في صناعة السينما: “لوقتٍ طويل، كانت، وما تزال، صناعة الأفلام تجارةً ضخمة. أدرَك هذا توماس إديسون عام ١٨٩٣ عندما سجَّل براءة اختراع أول «آلة كينيتوسكوب» وهي صندوق يُتيح للناظر داخله مشاهدة أفلام قصيرة بالتحديق خلال فتحةٍ فيه وإدارة مقبضٍ ما. كانت فكرة إديسون هي تحقيق دخل كبير بدفع كل مُشاهِدٍ خمسةَ سنتات عن كل فيلم يشاهده. لكن وكما اكتشف الأخوان لوي وأوجست لوميير بعد وقتٍ قصير، كان الأكثر إدرارًا للمال هو عرض الفيلم على شاشة كبيرة لجمهورٍ حاشد.
افتتح الأخوان الفرنسيان أول دار عرض سينمائي في باريس عام ١٨٩٥ . كان اختراعهما «السينماتوجراف» عبارة عن كاميرا تصوير، وعارض في آنٍ واحد، مما وضع مقاييس عالمية للأفلام كوسيطٍ معروض. في عام ١٩٠٢ باع الأخوان لوميير براءات الاختراع المسجَّلة خاصتهما إلى شركة باتيه الفرنسية التي طورت من التقنية وأقامت أستديوهات إنتاج وافتتحت سلسلة من دور العرض امتدت إلى روسيا وأستراليا واليابان.
لم يخشَ الأمريكي إديسون اختراع منافسَيه الفرنسيَّين، وأنتج المئات من الأفلام القصيرة في الأستوديو الخاص به في ولاية نيو جيرسي الأمريكية بل وصنع كاميرا جديدة للتصوير الخارجي. في تلك الأيام والذي كان يسمى المبكرة للسينما، كانت صناعة الأفلام مجالًا فتيٍّا وفوضويٍّا حيث كان الممارسون لها في الولايات المتحدة وأوروبا يستعيرون الأفكار ويسرقونها بعضهم من بعض بكل حرية.
وفي عام ١٩٠٧، ساعد « بلاك ماريا» إديسون في تنظيم هذه الفوضى بتأسيس شركة براءات اختراع والتي جمعت بين كبار الأفلام السينمائية والتي كانت تُعرف باسم «تحالف إديسون» شركات صناعة السينما الأمريكية وتحكَّمت في الحلقات الثلاث الرئيسية لسلسلة إنتاج الصناعة في دور« العرض » و«التوزيع» و«الإنتاج».
هذا النظام الثلاثي والذي يسمى« التكامل الرأسي» ضَمِن حدوث تدفُّقٍ سلس للسينما. وموفر للنفقات للسلع السينمائية من الصانع وحتى المشاهد. وبالنسبة إلى قلةٍ منتقاة من المنتجين، غيَّرت شركة إديسون طبيعة الجانب التجاري للسينما مُحدِثة سوابق أثَّرت على الصناعة لعقود. ربما لا يكون إديسون هو من اخترع السينما، لكنه ترك بصمته عليها كأول رجل أعمال سينمائيٍّ كبير.
لم تستمر شركة إديسون حتى نهاية الحرب العالمية الأولى؛ فعندما يساء استخدام التحالف الاحتكاري عندما يصبح أعضاؤه أغنياء بالقضاء على أي منافسةٍ خارجية يمكن مقاضاته في المحاكم بتهمة الاحتكار غير القانوني، وهو ما حدث للشركة في عام١٩١٥ . تُرك هذا الباب مفتوحًا للشركات« المستقلة » التي قدَّمت أفكارًا ومواهبَ جديدة؛ مما أدى إلى إعادة الروح لصناعة السينما”.
مهاجرين..
وعن دور المهاجرين في بداية صناعة السينما: “كان العديد من المبتكرين في مجال السينما مهاجرين يهودًا من أوروبا أو من أولادهم الذين رأوا الصناعة الوليدة فرصة لترك بصمتهم في العالم الجديد. لقد تركوا شوارع نيويورك المزدحمة واتجهوا غربًا حيث أقاموا مشروعاتهم تحت السماء المشمسة لجنوب كاليفورنيا. وبينما كانت أوروبا مشغولة بالحرب، كان الأمريكيون الجدد مشغولين بإنشاء هوليوود، والتي يسميها الصحفي والناقد الأمريكي نيل جابلر أستديوهات «إمبراطورية مستقلة بذاتها» وتدريجيٍّا، بين عامَي ١٩١٢ و ١٩٢٨ ثبتت باراماونت ومترو جولدن ماير (إم جي إم) ووارنر براذرز وتوينتيث سنتشري فوكس وآر كيه أو أقدامها؛ ثم تبعها ثلاثة أصغر منها وهي كولومبيا بيكتشرز ويونفرسال ويونايتد آرتيستس. كان جزء من نجاح هذه الشركات يرجع إلى الإنتاج الكبير، وهو طريقة فعالة في إنتاج الأفلام بأعدادٍ كبيرة على غرار نظام العمل في مصانع السيارات الخاصة بهنري فورد. كانت كل العناصر المطلوبة لصنع الأفلام موجودة داخل الأستديو. «نظام الأستديو» كان هناك مجموعات من الكُتَّاب والنجارين ومصممي المواقع، إلى جانب مستودعات مليئة بالأزياء والأدوات القابلة لإعادة الاستخدام، وأقسام خاصة بالميزانيات والمونتاج وتسجيل الصوت، ومواقع داخلية وخارجية متقنة الصنع.
الإنتاج الكبير..
وعن أسلوب الصناعة للسينما في البداية: “هذه الدرجة الكبيرة في التخصص والمعايرة كانت تُشبِه ما يحدث في خطوط تجميع السيارات في مصانع هنري فورد؛ وهو ما سمح للأستديوهات بصنع الأفلام جزءًا بجزء. جزء من «عبقرية النظام» كما قال أحد مؤرخي السينما، كان تركيز هوليوود على النجوم والأنواع السينمائية.
وبما أن أي فيلمٍ جديد يُعتبر بنحو أو بآخر منتَجًا مجهولًا عكس المكونات المألوفة نسبيٍّا لمثل قطعة من الصابون أو علبة حبوب إفطار سعى واضعو استراتيجيات العمل بالأستديوهات إلى تقليل المخاطرة التي يتعرض لها المستهلك بتقديم مكوناتٍ مألوفة. أما «نظام النجم» فقد ضمن النجاح في شباك التذاكر باستغلال شهرة الممثلين. كانت صورة كل ممثل أمام الجمهور تُصنَع بحرص ويروج لها الأستوديو الذي يمتلك عقد الممثل”.