خاص: إعداد- سماح عادل
عند التأريخ لبداية السينما في العالم دائما ما يشار إلى الأخوين “لوميير” من فرنسا كأول من صنع فيلماً سينمائياً، لكن الطريف أن الأخوان “سكلادانوفسكي” الألمانيان صنعا فيلماً تقريباً في الوقت نفسه الذي ظهر فيه إنتاج الأخوين “لوميير”، وذلك وفقا للباحث السينمائي الألماني “هانز هيلموت برينتسلر”، ويشير برينتسلر إلى ذلك: “إننا نتذكر عام 1895 بفخر، ففي هذا العام شاركنا في اختراع الفيلم السينمائي. ولهذا يمثل بداية تاريخ السينما الألمانية، إذ تم عرض أول فيلم لصورٍ متحركة في هذا العام”.
لذا يعتبر”ماكس وإميل سكلادانوفسكي” رائدي السينما الألمانية، فقد عرض الأخوان في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1895 في قصر “فينترغارتن” في برلين أفلاماً قصيرة لأول مرة في ألمانيا، وذلك على آلة عرض بسيطة تدعى “بيوسكوب”.
وقد انفعل الجمهور وتحمس جدا لهذا العرض السينمائي الذي كان وقته خمس عشرة دقيقة، والأفلام التي عرضت وقتها كانت أفلام تسجيلية لمشاهد من الحياة اليومية، مثل انطلاق جرس الإنذار في محطة الإطفاء البرلينية، أو دخول قطار إلى محطة السكك الحديدية، أو مقطعاً من مشهد في دار الأوبرا. وتدريجيا وخلال السنوات، حدث التطور من صناعة الأفلام التسجيلية الوثائقية إلى صناعة الأفلام الروائية.
وتلى ذلك تأسيس دور العرض السينمائية واستوديوهات صناعة الأفلام. وفي 1910 أراد الحاكم الألمانية الاستفادة ماديا من النجاح التجاري للسينما حديثة الظهور، وفرض ما عرف ب “ضرائب تسلية” على دور العرض في ذلك الوقت.
البداية الحقيقية للسينما الألمانية من عام 1911/ 1912، حيث صنعت أفلاما سينمائية طويلة ما زالت صالحة للعرض في الوقت الحالي، واتصفت هذه الأفلام بحملها سمات ألمانية، مثل فيلم “طالب من براغ” وصدر في 1913. ويعتبره النقاد السينمائيون أولَ فيلمٍ فني في تاريخ السينما الألمانية. ويتناول الفيلم قصة سعى شاب إلى الالتحاق بالطبقة الغنية في المجتمع، لكنه فشل في تحقيق ذلك. ويعتبر الفيلم علامة هامة في طريق التحول من الأفلام المتأثرة بفن المسرح إلى الأفلام التي تعتمد أسلوباً سينمائياً خاصاً.
واستمرت صناعة السينما الألمانية في النهوض والتطور، وأنشأت دور عرض سينمائية ضخمة في المدن الكبرى، وفي 1912 أنشأت استوديوهات “بابلسبيرغ” الشهيرة في العاصمة “برلين” والتي أصبحت المنافس الأوروبي ل”هوليوود”، وزاد عدد شركات التوزيع التي وصلت في 1919 إلى مائتين وخمس وأربعين شركة.
الأفلام الوطنية..
في وقت اشتعال الحرب العالمية الأولى لم تصنع في ألمانيا سوى الأفلام الوطنية التي تدعو إلى الصمود والتحمل والمقاومة. لكن مع ازدياد وحشية الحرب واشتعال المعارك ومقتل أعداد كبيرة من الجنود فقد الجمهور حماسه في مشاهدة تلك الأفلام الوطنية الدعائية، واتجهت السينما إلى صناعة أفلام بعيدة عن الحرب، وانخرط في ذلك الوقت في العمل في السينما الألمانية أسماء مميزة من المؤلفين والمخرجين والممثلين، مثل (غيرهارد هاوبتمان وفرانك فيديكيند و باول فيغنير وماكس راينهارت).
أنشأت شركة “أوفا” في 1917 وأصبحت أشهر شركات توزيع الأفلام الألمانية، وكان لها فضلا كبيرا في صناعة السينما في فترة العشرينات الذهبية وخلال الفترة التي عرفت ب”بجمهورية فايمار”.
تعتبر السينما الألمانية من أكثر السينمات العالمية التي ارتبطت بتاريخ مجتمعها السياسي، وذلك بسبب ثراء الأحداث التي تعرض لها المجتمع الألماني من الحربين العالميتين والوحدة بين قسميها الشرقي والغربي وإحداث أخرى هامة.
التعبيرية الألمانية..
هي إحدى أهم المدارس التي ساهمت في تشكيل تاريخ السينما الصامتة في بدايتها، وساعد التحول الأوروبي هذه المدرسة على التطور، حيث كان المجتمع الأوروبي مؤهلا لتبني التغيير وكان الاهتمام بالمستقبل مع إمكانية التجريب وقد مثلت الحبكة التعبيرية اتجاها معاكسا لأفلام الرومانسية والعنف والمغامرات. وقد تأثرت المدرسة التعبيرية بالقوطية الألمانية، حيث كان تركيزها الأساسي على الجانب المظلم للإنسان وإضفاء السواد المرعب في الصورة من خلال خلفيات المشاهد والإضاءة والملابس والماكياج والحركة والتكوين وكل تفاصيل الفيلم التعبيري التي جعلت كل شيء مظلما بما فيه البشر.
على الرغم من أن الجذور التاريخية للمدرسة التعبيرية مختلفة عن الجذور القديمة للقوطية لكن تعتبر هذه الاختلافات قليلة، ويمكن اعتبار فيلم “عيادة الدكتور كاليغاري” أحد أهم بدايات السينما التعبيرية الألمانية، حيث جسد جميع خصائص التعبيرية الفكرية والبصرية وبشكل مطلق، تبع ذلك الفيلم عدة أفلام امتلأت بالرمزية. وتميز أسلوب التعبيرية الألمانية بتقديم دراما نفسية قوية، عدت بعد ذلك من كلاسيكيات السينما التعبيرية الألمانية البارزة،على الرغم من عدم توافر الميزانيات الضخمة وخصوصا مع تأثر ألمانيا بالحروب العالمية، ووصول النازيين إلى الحكم، مما أدى إلى هجرة التعبيريين الألمانيين إلى استوديوهات هوليوود في أمريكا، وقد استقبلته هوليوود وتبنت هذا الفن، لتصنع أحد أفضل أفلام هذه الفترة وهو فيلم Nosferatu1922 ل”مورناو”.
وكانت نهاية المدرسة التعبيرية الألمانية مع صناعة فيلم “متروبولس” ل”فرنز لانغ” الذي كان من الممكن اعتباره مؤسسا لهذا الاتجاه، لولا رفضه لإخراج فيلم “عيادة الدكتور كاليغاري”، لكنه مع ذلك استخدم ثيمات هد الفن ووظفها بأسلوب فريد في نوع جديد من السينما، وهو الخيال العلمي، ليمثل حلقة الوصل بين نهاية التعبيرية وبداية الخيال العلمي. ويبقى فيلمه “الأضواء الثلاثة” فيلم تعبيري أصيل في الشكل والمضمون، وأيضا فيلم Die Frau im Mond “سيدة في القمر”1929. والذي يتناول في إطار خيالي وميلودرامي التحضيرات التي يقوم بها فريق من رواد الفضاء قبل الانطلاق إلى القمر، ويرصد الصراعات التي تدور بين رواد الفضاء الثلاثة فوق سطح القمر وبحثهم عن الثروات الطبيعية.
استمرت السينما الألمانية في تقديم العديد من الأفلام المهمة في عقد العشرينات من القرن العشرين، رغم هجرة العديد من أهم مواهبها من مخرجين وكتاب وممثلين ومديري تصوير إلى أمريكا، فقد أنتجت ألمانيا ثلاثة من أهم الأفلام الناطقة الأولى، والتي نالت شهرة عالمية واسعة وتعد من علامات السينما الباقية إلى الآن: “الملاك الأزرق” 1930 للمخرج “جوزيف فون سترنبرج” مع النجمة “مارلين ديتريش” والنجم “إيميل جانينجس” وفيلم “إم” 1931 ل”فريتز لانج” وفيلم “الجبهة الغربية” 1930 ل”بابيست”، وهو آخر الروائع التي ختمت بها السينما الألمانية عصرها الذهبي الأول والذي انتهى رسميًا مع وصول الحزب النازي للسلطة في ألمانيا عام1933.
النازية..
عرفت الفترة التي حكمت فيها النازية ألمانيا استخدام السينما لصالحها، والتركيز على والاهتمام بالدعاية لأفكار النازية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت السينما الألمانية تتهرب من مواجهة مآسي الماضي، حيث أن القليل من المخرجين السينمائيين هم الذين سعوا لتجسيد المعاناة النفسية المتخلفة عن الشعور بالذنب في أفلامهم السينمائية، ويعتبر فيلم “الضائع” أحد النماذج النادرة لاستخدام قوة الفن في التعامل مع مخاوف الماضي. فقد تناول “بيترلوره” الصراعات النفسية الناتجة عن الشعور بالذنب، ورغم أنه فيلم سوداوي وقاتم إلا أنه اتصف بالواقعية، حيث ركز صانعوا الفيلم على استعادة الماضي النازي والاهتمام بفترة ما بعد الحرب في ألمانيا وتناولوا ذلك من منظور نفسي.
وللأسف وجدت أفلام ألمانية حاولت تجميل وقائع الماضي، ووجدت أيضا أفلام تناولت مآسي الماضي الألماني مثل الفترة النازية وفترة النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية تناول جديد ومختلف بعيدا عن العاطفة والكوميديا، فقد كشفت مع نهاية الحرب العالمية الثانية الحياة المظلمة والقاسية في ظل النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية، والاضطرابات التي حدثت في البلاد بعد انهياره، كما تناولت تلك الأفلام تأثير الحرب على المجتمع الألماني وكشفت وحشية الفترة النازية، وأصبحت هذه الأحداث مجالا ثريا للمؤلفين والمخرجين ينهلون منه، وفتح أفق واسع وجديد للسينما الألمانية. وقد كانت فترة الستينات أصعب الفترات في تاريخ السينما الألمانية منذ بدايتها، حيث بدأ التطور الاقتصادي الألماني وادى ذلك إلى الابتعاد عن السينما.
السينما الألمانية الجديدة..
يعتبر المخرج المسرحي والسينمائي “فيرنر هيرتسوغ” مع مخرجين ألمان آخرين مثل “راينر كلوغه ووراينر وفيم فاندرز وفيرنر فاسّبيندر وفولكر شلوندورف” واحدا من مؤسسي السينما الألمانية الجديدة.
سر نجاح السينما الجديدة هو الارتباط القوي بين حكايات الأفلام الألمانية الحالية مع واقع الحياة في قسمي ألمانيا المقسمة، هذه الأفلام تتناول حكايات متصلة بالتغييرات الاجتماعية والسياسية سواء في فترات تاريخية أو حكايات من واقع الحياة في ألمانيا.
ظهر جيل جديد من صنّاع السينما مؤخراً، يهدف إلى للتحكم في تاريخ مجتمعه عن طريق رصد بعض اللحظات المظلمة في تاريخ ألمانيا بعيدة عن العاطفة و بجدية بالغة، ومن أهم الأفلام التي صنعها ذلك الجيل فيلم “حياة الآخرين” للمخرج “فلوريان هينكل فون دونيرسمارك”، والذي نال حوالي 32 جائزة ألمانية وعالمية، من بينها جائزة الأوسكار في 2007 لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.
وأيضا فيلم “الطبل الصفيح” للمخرج “فولكر شلوندورف”، وحاز أول جائزة أوسكار في ألمانيا في 1980.
كما تميزت السينما الألمانية الجديدة بأفلام ذات سمة عالمية تناولت قضايا سياسية واجتماعية هامة، وعدت من أهم الأفلام الألمانية عبر تاريخ صناعة السينما، مثل فيلم “القطة” وفيلم “البارون الأحمر” ويتناول حكاية أشهر طيار ألماني في الحرب العالمية الأولى، و فيلم “عكس التيار” ل”فاتح اكين” وفيلم “الغريبة”إخراج “فيو ألاداغ” الذي تناول قضايا المهاجرين بطريقة درامية، أثرت على المجتمع الألماني المعروف بالتعصب لعرقه وجعلته يفتح أبوابه لتعدد الثقافات، وأيضا فيلم “السقوط” الذي تناول المسألة النازية بأسلوب مختلف، وفيلم “السنوات السمان مرت” وفيلم “اليوم التاسع” اللذان تميزا بعدائيتهما للنازية، وفيلم “ابن نونبر” ل”كريستيان شفوخوف” الذي حاول رصد تاريخ ألمانيا الشرقية بطريقة جديدة أختلفت عن تلك النظرة السيئة عن ألمانيا الشرقية الشيوعية.