17 نوفمبر، 2024 8:20 ص
Search
Close this search box.

السيرة الذاتية في رواية (نيران ليست صديقتي)

السيرة الذاتية في رواية (نيران ليست صديقتي)

خاص: قراءة- عبد الكريم إبراهيم

يحاول الإنسان دائما أن يكون نفسه مصدر إلهام قصصه وحكاياته، لذا يعمل على توظيف تلك المشاعر الخاصة على شكل شحنات أدبية يتعامل معها في الكثير من الأحيان بحرفية عالية. لعل رواية (نيران ليست صديقتي) للكاتب والروائي “كاظم الشويلي” الصادرة عن دار الورشة الثقافية ببغداد، تعد نموذجا جيدا في توظيف السيرة الذاتية، ونقل تفاصيل دقيقة كون بطل الرواية الكاتب نفسه، وما عليه سوى أن يقوم بسرد التفاصيل بشكل أدبي احترافي يعالج قضية معينة، لأن السيرة الشخصية ليست سوى سرد دون وجود قضية تتمحور حولها الرواية.

“الشويلي” في (نيران ليست صديقتي) قد يبتعد أحيانا عن فن الرواية ليغمس في فن السيرة. ربما وراء هذا الاندفاع رغبة الكاتب بالبوح بخلجات الذاتية، وأشبه ما تكون عملية تفريغ لشحنات كامنة وجدت سبيلها على الورق “شرعت أسرد لها في الفصل الجديد وأحدثها عن تلك الأيام التي البساتين الجرداء الحزينة ” ص23. إذا وضع الكاتب نفسه في مأزق شديد في أن جعل نفسه بطلا لروايته والتحدث بصيغة المتكلم . لذا نجد الأنا حاضرة في أغلب جمل وحوارات الرواية. حاول “كاظم الشويلي” أن يخلق جوا جديدا للتخلص من هذا السرد من خلال ربط الحاضر بالماضي، مع استخدام  تقنية السؤال والجواب لتحفيز القارئ في عيشه بقية التفاصيل “متى تنهي روايتك الجديدة يا كاظم” ص22، و”صباح الخير على عيونك صديقي كاظم ” إلخ، من الجمل التي نوه عن اسمه الصريح في كونه بطلا روائيا .

دقة التفاصيل وشريط فترة الأسر التي عاشها الكاتب في القرن الماضي جعله يبتعد عن حرفية الوصف. ربما كان يريد أن يشبع غريزته عن تلك المرحلة التي تعد البداية الأولى في نضوجه الأدبي “لكنكم لا تقدرون أبدا أن تتخيلوا السعادة التي عشت طعمها وإلى اللحظة عندما نادني الشيخ صالح مسئول المكب وأعطاني مفتاح المكتبة ” ص81.

السرد الشخصي هو الذي جعل الكاتب صادقا في تفاصيل حياته ،لأنه لا يستطيع أن يختبئ خلف بطل ما، بل هو نفسه الراوي والبطل لذا كان يميل إلى استخدام بعض المفردات التي نلمس من خلالها صدق تلك المشاعر، حيث يحتاج الإنسان في الكثير من الأحيان أن يكون أمينا في عدم كشف بعض الجزئيات حتى إلى أقرب الناس “تحدثني نيران وأنا امسك بلحيتي البيضاء”.

العلاقات الإنسانية في هذه الرواية تكاد تكون واضحة من خلال شخوصها: الأصدقاء، الزوجة، رفاق الأسر، سائق السيارة، ولكن المفارقة تكمن في الخداع الذي مارسته (نيران) التي أظهرت في البداية ملاك سماوي “مولاتي نيران” ص 70 ويتحول هذا الملاك في نهاية الرواية إلى مجرم استدرج أغلا إنسان إلى حبل المشنقة “استدرجت زوجها إلى بغداد بسبب دافع الغيرة من زوجته الثانية ” ص156.

لاشك أن رواية (نيران ليست صديقتي) سلطت الضوء على مرحلة زمنية كانت بحاجة إلى دراسة وتعمق، لاسيما أنها أخذت من حياة العراقيين الكثير من الأشياء ولا بد من جيل  اليوم أن يعيش بعض تفاصيلها، ويتذكر لوعة الحرب وما تجنيه من ويلات ومآسٍ، لأن الحرب لا منتصر فيها، حتى الذين يرفعون راية النصر؛ لأنها جاءت على أرواح الكثير من الناس الذين مازال بعضهم مصيره مجهولا حتى اليوم .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة