خاص: إعداد- سماح عادل
السادية مازوخية أو السادية – المازوخية (Sadomasochism) هو حدوث المتعة من الأعمال التي تتضمن إلحاق الألم أو الإذلال. تعرف السادية على أنها اضطراب نفسي يتجسد في التلذّذ بإلحاق الألم بالطرف الآخر أو الشخص ذاته. أي التلذذ بالتعذيب عامة، بينما المازوخية اضطراب نفسي يتجسد في التلذذ بالألم الواقع على الشخص ذاته. أي التلذذ بالاضطهاد عامةً.
لا تعد السادية – المازوخية اضطرابا جنسيا إلا في حالة تسبب هكذا ممارسات بضائقة أو خلل يتطلب التشخيص.
يستخدم الاختصار S&M للتعبير عن السادية المازوخية (sadomasochism)، ورغم أن الممارسين أنفسهم يحذفون علامة العطف ويستخدمون اختصار S-M أو SM أو S/M عند كتابتها في جميع أنحاء الأدب. لا تعتبر السادية المازوخية مرضا شبيها بالشذوذ السريري إلا في حال أدت هذه الممارسات إلى حالة من الاضطراب أو الخلل في التشخيص السريري. وبالمثل فيجب التمييز ما بين الممارسات السادية الجنسية القائمة بين شخصين بالتراضي والمعروفة بالاختصار الإنجليزي بي دي إس إم (BDSM)، وبين أعمال العنف أو الاعتداء الجنسي غير القائمة بالتراضي باستخدام القوة أو الإكراه.
أصل التسمية..
أقرت الأبحاث الحديثة أن السادية- المازوخية ماهي إلا اهتمام جنسي وليست من الأعراض المرضية الدالة على تعرض الشخص للإساءة أو لمشكلة جنسية فلا يصيب الأشخاص الممارسين للسادية- المازوخية أي أذى أو ضرر وليسوا معرضين للخطر كما كان الاعتقاد سائدا.
كانت الكلمتان اللتان تم دمجهما في هذا المركب، «السادية» و«المازوخية»، مستمدة أصلاً من أسماء مؤلفين. يرجع أصل مصطلح «السادية» إلى اسم الماركيز دي ساد (1740- 1814)، الذي لم يُمارس السادية الجنسية فحسب، بل كتبَ روايات حول هذه الممارسات، ومن أشهرها جوستين. وسُميت «المازوخية» (الماسوشية) نسبةً إلى “ليوبولد فون ساشر- ماشوك”، الذي كتب الروايات معربا عن أوهامه وتخيلاته المازوخية. اختير هذان المصطلحان لأول مرة لتحديد الظواهر السلوكية البشرية وتصنيف الأمراض النفسية أو السلوك المنحرف. هذا وقد أدخل الطبيب النفسي الألماني “ريتشارد فون كرافت إيبينغ” مصطلحات «السادية» و «مازوخية» إلى المصطلحات الطبية في عمله على «بحث جديد في مجال علم الأمراض النفسية للجنس» في عام 1890.
وصف “سيغموند فرويد” “السادية- المازوخية” في كتابه «ثلاثة أبحاث حول النظرية الجنسية» في عام 1905، معتبرا بأنها تنبع من التطور النفسي الشاذ منذ الطفولة المبكرة. كما وضع الأساس للمنظور الطبي المقبول على نطاق واسع حول هذا الموضوع في العقود التالية. وقد أدى هذا إلى الاستخدام الأول لمصطلحات المصطلح السادية- المازوخية في “لوريرايون” من قبل المحلل النفسي الفيزيائي “اسيدور اسحق ساججر” في عمله الذي حمل عنوان «حول العقدة السادية-المازوخية» في عام 1913.
احتج ناشطو “البي دي إس إم” خلال أواخر القرن العشرين على هذه الأفكار، فجادلوا لأنه، وحسب رأيهم، يعتمدون على فلسفتين من الأطباء النفسيين، (فرويد وكرافت-إيبينغ)، اللذين أقيمت نظرياتهما على افتراض علم النفس المرضي وملاحظاتهما الأمراض النفسية على المرضى. وقد انتُقِدت تسمية الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية التي تشير إلى علم النفس المرضي الجنسي لأنها تفتقر إلى الصدق العلمي.
وعلى النقيض من الأطر التي تسعى إلى شرح السادية- المازوخية من خلال الأساليب النفسية، أو التحليلية النفسية، أو الطبية، أو الشرعية، والساعية إلى تصنيف السلوك والرغبات، وإيجاد سبب جذري، فإن “رومانا بيرن” يوحي بأن مثل هذه الممارسات يمكن اعتبارها أمثلة على «الجمالية الجنسية»، التي لا يكون لها دافع فيزيولوجي أو نفسي مؤسسي. بدلا من ذلك، فوفقا ل”بيرن”، يمكن ممارسة السادية-المازوخية من خلال الاختيار والمداولة، مدفوعةً بأهداف جمالية معينة مرتبطة بالأسلوب والمتعة والهوية، والتي تدعي في ظروف معينة أنها يمكن أن تقارن مع خلق الفن.
الألم الجسدي..
تم إدخال كلا المصطلحين إلى المجال الطبي من قبل “ريتشارد فون كرافت إيبنغ” الطبيب النفسي الألماني في مجموعة من دراسات الحالة الخاصة به عام 1886. الألم والعنف الجسدي ليسا ضروريين في مفهوم “كرافت إيبينغ”، وعرف «المازوخية» (الماسوشية) بالكامل من حيث إمكانية السيطرة. وقد أشار “سيغموند فرويد”، وهو محلل نفسي ومعاصر ل”كرافت إيبينغ”، إلى أنهما غالباً ما يوجدان في نفس الأفراد، ويجمع الاثنان في كيان واحد ثنائي التفرع غالباً ما يتم اختصاره كـ S&M أو S/M).
أضاف فرويد إلى «المازوخية» مصطلحات أساسية وثانوية. على الرغم من أن هذه الفكرة قد جاءت في سياق عدد من التفسيرات، ففي حالة المازوخية الابتدائية يكون الشخص المازوخي (الماسوشي) بحالة رفض كاملة لا جزئية، من قبل النموذج/ الشخص أو الشيء المدبر (أو السادي)، وربما يكون الأمر تنافسيا عندما يكون النموذج صاحب مفضل له مثلا. وطبقا للتحليل النفسي الفرويدي فقد يكون السبب وراء الرفض الكامل للممارسة لاعتقادهم أنها تؤدي للموت. أما في المازوخية الثانوية، على النقيض من ذلك، يواجه المازوخي رفضًا أقل جدية ولكن يكون الرفض الأكبر والعذاب المتكلف من قبل النموذج/ الشخص.
افترض “كرافت إيبينغ” و”فرويد” أن السادية لدى الرجال نتجت عن تشويه العنصر العدواني في غريزة الذكورة الجنسية. وكان يُنظر مع ذلك إلى المازوخية عند الرجال على أنها انحراف وشذوذ واضحين، وخلافا لطبيعة النشاط الجنسي الذكوري. شكك فرويد في أن المازوخية بالأصل كانت عند الرجال نزعة وميول بالدرجة الأولى، وتكهن بأنها قد تكون موجودة فقط كتحويل للسادية. أما السادية عند النساء فحصتها من المناقشات قليلة نسبيا، كما كان يُعتقد في السابق أنها أكثر شيوعا في الرجال منها عند الإناث ولكن أظهرت الأبحاث فيما بعد عدم دخول جنس الفرد كعامل في تحدد ميل الإنسان للسادية.
جادل “هافيلوك إليس”، في دراساته حول علم النفس في الجنس، بأنه لا يوجد تمييز واضح بين جوانب السادية- المازوخية، وأنه يمكن اعتبارها حالات عاطفية مكملة. كما أنه أشار إلى النقطة الهامة التي مفادها أن السادية (المازوخية) لا تعني سوى الألم فيما يتعلق بالمتعة الجنسية، وليس فيما يتعلق بالقسوة، كما اقترح فرويد. بعبارة أخرى، يرغب الساديونجيون عموما في أن يُلحق الألم أو يتلقاه بالحب، وليس في سوء المعاملة، وذلك من أجل متعة أحد المشاركين أو كليهما.
البرودة والقسوة..
رفض “جيليز ديلوز” مصطلح السادية المازوخية في مقالته «البرودة والقسوة» 1967 لأنه عده مصطنعا ولا سيما في سياق العمل الماسوشي المثلي الحديث ساشر – ماسوشس «فينوس في فورس». مقوله “ديلوز” المعاكسة ما هي إلا نزعة وميل للسادية وترتكز على رغبة مكثفة يتم استحضارها أو تعزيزها من خلال الإحباط بسبب تأجيل الإشباع. وإذا ما أخذنا إلى أقصى حد، فإن التأخير الذي لا يمكن احتماله إلى حد غير مسمى «يكافأ» بتأخير عقابي دائم، يتجلى في صورة برودة لا تتزعزع. والممارس للماسوشية تأتيه المتعة كما يقول ديلوز من «التعاقد والاتفاق» وبهذه العملية يسيطر طرف على الآخر ليجعله بنهاية المطاف شخص بارد وقاس.
يكون العكس في السادية حيث تستمد المتعة من «القانون والحزم»: حيث يتضمن ذلك قوة وحزم لا يمكن صده وبه يخضع طرف طرفا أخرا تحت قبضته. إن المحاولات السادية لتدمير الأنا في محاولة لتوحيد الهوية والأناوية الفائقة، في واقع الأمر يرضي معظم الرغبات الأساسية التي يستطيع السادي أن يعبر عنها بينما يتجاهل أو يثبط تماما إرادة الأنا، أو الضمير.
وهكذا، يحاول “ديلوز” أن يزعم أن المازوخية والسادية تنشأ من هذه الدوافع المختلفة التي تجعل الجمع بين المصطلحين بلا معنى ومضللاً. يتم التعامل مع تصور المازوخية لرغباتهم السادية الذاتية المخضبة من قبل ديليوز كردود فعل على التجربة السابقة من التجسيد السادي. (على سبيل المثال، فيما يتعلق بعلم النفس، استرضاء دفاعي قهري لمشاعر الشعور بالذنب المرضي على عكس الإرادة الحرة القوية).
قبل “ديلوز”، قدم “سارتر” نظريته الخاصة عن السادية والمازوخية، والتي كان من المحتمل أن تكون حجة ديلوز التفسيرية، التي استبعدت التناظر بين الدورين. لأن المتعة أو القوة تكون في النظر إلى الضحية بشكل بارز أثناء ممارسة السادية والمازوخية، وتمكن سارتر من ربط هذه الظاهرة بفلسفته الشهيرة «نظرة الآخر».
حيث جادل سارتر أن المازوخية هي محاولة تكون من قبل النفس ذاتها ولأجلها ويكون الشخص فيها بكامل إدراكه ووعيه من أجل التقليل من النفس والإذلال بها للعدم، وتصبح كائنا غارقا في «هاوية شخصية الآخرين». أما حسب معنى سارتر فإنه، نظرا لأن «المرء نفسه» يرغب في الوصول إلى وجهة نظر يكون فيها الفاعل وشيئا بنفس الوقت، لذلك إحدى الإستراتيجيات الممكنة هي جمع وتكثيف كل شعور وموضع يظهر فيه الذات كشيء ليتم رفضها واختبارها وإهانتها وبهذه الطريقة تسعى جاهدة من أجل نفسها إلى وجهة نظر يكون فيها موضوع واحد فقط في العلاقة، والذي سيكون على حد سواء الشخص المعتدي والمسيء.
على العكس من ذلك، عقد سارتر السادية لتكون محاولة للقضاء على الشخصية الذاتية من الضحية. قد تبدو هذه الحجة أقوى إذا كان من المفهوم أن نظرية «نظرة على الآخر» هي إما جانب من جوانب كليات الرغبة، أو بطريقة ما هي هيئة التدريس الأساسية فيها.
وأخيرًا، بعد رواية ديليوز، أدرج رينيه جيرار روايته للماسوشيون في «الأشياء المخفية» منذ بدء العالم، في الأصل ديس شوسيس، 1978، مما جعل الفصل المتعلق بالمازوخية جزءا متماسكا من نظريته في رغبة المحاكاة. في هذه النظرة للسادية المازوخية، يُعتبر عنف الممارسات تعبيراً عن تنافس طرفي تطوّر حول حب الجسد الفعلي.
علم النفس الحديث..
يوجد عدد من الأسباب التي تُعطي ممارسي السادية والمازوخية شعوراً بالمتعة، وتعتمد الإجابة اعتماداً كبيراً بالرجوع إلى الفرد. إن الأخذ بدور الامتثال أو العجز بالنسبة للبعض يقدمُ شكلاً من أشكالِ الهروب العلاجي من ضغوط الحياة أو المسؤولية أو من الشعور بالذنب. أما بالنسبة للآخرين، فإن الوقوع تحت سلطة ووجود جهة قوية ومسيطرة عليه/ عليها قد تثير مشاعر السلامة والحماية المرتبطة بمرحلة الطفولة، فهم أيضاً قد يستمدون الرضا من الحصول على الموافقة. وبالنظر للأمر من ناحية أخرى، فإن ممارس السادية قد يعطي شعور التمتع بالسلطة والسلطة التي تأتي من لعب الدور المسيطر والمهيمن، أو قد يستجلب السادي المتعة استجلاباً غير مباشر من المعاناة التي تقع على الشخص المازوخي.