16 نوفمبر، 2024 12:50 م
Search
Close this search box.

“الزوجة الصامتة” .. فقدان الأمان يؤثر على سمات الشخصية !

“الزوجة الصامتة” .. فقدان الأمان يؤثر على سمات الشخصية !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (الزوجة الصامتة)؛ للكاتبة “أ. س. أ. هاريسون”، ترجمة “مروان سعدالدين”، تتناول علاقة الزواج حين تطول وما يحيط بها من أمور، كما تصور كيف تتحول امرأة هادئة تتحكم في إنفعالاتها إلى قاتلة محتملة.

الشخصيات..

“جودي بريت”: البطلة، تعمل معالجة نفسية، تبلغ من العمر 45 عاماً، هي زوجة منذ عشرون عاماً، تعيش حياة هادئة ومستقرة في شقة فاخرة تطل على منظر طبيعي ساحر، تكتشف أن زوجها تورط في علاقة أخرى ثم تتداعى الأحداث.

“تود غلبرت”: البطل الثاني للرواية.. زوج “جودي”، عمره 46 عاماً، يعمل مقاول، لم يكمل تعليمه الجامعي نتيجة لظروف عائلية، وبدأ من الصفر ليصبح رجل أعمال ناجح، لكنه يحب عمل علاقات عابرة بجانب زواجه من “جودي”، وفي إحدى علاقاته يتورط، حيث تصبح الفتاة التي أقام معها علاقة حاملاً، وهي ابنة لصديقه الحميم ثم تتطور الأمور نحو الأسوأ.

“ناتاشا دين”: فتاة في عمر الواحد والعشرين.. طالبة في الجامعة، توفت والدتها وهي صغيرة، تدخل مع “تود” في علاقة وتصر على الزواج منه، وتصبح حاملاً مما يضطره إلى هجر زوجته، تنزع إلى التسلط وهي سريعة الغضب.

“دين”: صديق لـ”تود” منذ عمر المراهقة، توفت زوجته، التي كان يحبها كثيراً ولم يتزوج بعدها أبداً، لكنه رغم ذلك يقيم علاقات عابرة، سريع الغضب والإنفعال، حين يعلم بعلاقة ابنته مع “تود” يتملكه الغضب لينتهي إلى نهاية مأساوية.

الراوي..

الراوي عليم.. الرواية مقسمة إلى جزأين، جزء للحكي عن “جودي” ومشاعرها وإنفعالاتها وتصوراتها وأفكارها حول علاقة الزواج، وجزء خاص بـ”تود” وأفكاره وانفعالاته ودواخله، يسمى كل جزء ب”هو” و”هي” ويحكي عنهما الراوي العليم بصيغة الغائب، ثم بعد موت “تود” تنتقل الرواية للقسم الثاني، لكن في جزء يبلغ حوالي ربع الرواية، التي تبلغ حوالي 320 صفحة من القطع المتوسط، ليتناول الراوي العليم “جودي” فقط.

السرد..

إيقاع السرد هادئ، والراوي العليم استبق الأحداث من بداية الرواية ليعلن أن “جودي” ستتحول إلى قاتلة، وكأنه بذلك أفسد التشويق الذي كان سيحظى به القارئ فأصبح القارئ مترقبا لحادثة القتل كيف ستحدث ومتى؟. تقسيم الحكي على البطلين كان ممتعا لأنه كشف جوانب خفية لدى البطلين، كما كان تطور الشخصيات ومواقفهم موفقا، حيث تم تحول “جودي” و”تود” من شخصيات هادئة أمنة إلى شخصيات تشعر بالفزع والقلق، كما أدير الصراع بين جودي وتود بشكل جيد.

مشاكل الزواج طويل المدة..

تهتم الكاتبة بالأساس بعرض مشكلات أحد أنماط الزواج طويل المدة الذي تصفح فيه الزوجة عن خيانات زوجها وتتجاهلها، ولا تقوم بأي رد فعل عدا بعض الانتقامات الصغيرة، لكنها في المجمل تحافظ على زواجها بثبات انفعالي كبير، ولا تبدي أية رغبة في عمل صراع مع زوجها وإنما تترك لها مساحة حرية كبيرة، وتوفر له كل وسائل الراحة والاستقرار في منزله وتتغاضى عن هفواته، حتى حين تعلم أنه في علاقة مع فتاة تصغرها في السن لا تفعل شيئا ولا تقل له أنها عرفت، وإنما تستمر في معاملتها الطبيعية معه اعتقادا منها أنها إحدى نزواته التي ستنتهي ولا شك ويعود إليها، لكنها تفاجأ بأن الأمور تخرج عن سيطرتها ويستأجر زوجها شقة ثانية لحبيبته، وتظل هي على أمل أنه لن يتركها لكنه يهجرها ويبدأ حياة جديدة مع “ناتاشا”.

حين ذلك تبدأ شخصية “جودي” في التحول، من امرأة هادئة ثابتة انفعاليا تعرف كيف تتعامل مع ذاتها بوصفها معالجة نفسية على خبرة بعلم النفس، إلى سيدة مكتئبة محبطة وتنهار لأنها تكتشف أن تحولها بدأ منذ زمن ولكن دون وعي منها، وأنها بتعاملها المتسامح مع زوجها فقدت أشياء كثيرة من ذاتها القوية.

على الجانب الآخر لا ينكر “تود” أنه يحب “جودي” ويريد أن يعيش معها باقي حياته لكن حمل “ناتاشا” أربكه، خاصة وأن “ناتاشا” هي من ورطته وأخبرت أبيها ثم أخبر “دين” “جودي” بالأمر، ووجد “تود” نفسه مفعول به في حين أن “ناتاشا” أصبحت هي المتحكمة في حياته، بالإضافة إلى حلم إنجاب طفل الذي راوده كثيرا طوال حياته مع “جودي”، والذي حرم منه ولا نعلم سبب ذلك بالتحديد، هل رفضت “جودي” إنجاب الأطفال أم أنهما لم يستطيعا الإنجاب نتيجة لمشكل جسدية؟، لكن حلم إنجاب طفل  أعطاه أملا جديدا في الحياة، وهو الذي حفزه على إنهاء حياته مع “جودي” وبدأ حياة جديدة مع “ناتاشا”، لكنه مع ذلك لم يتخلص من حبه ل”جودي” واشتياقه لها ولحياتهما المشتركة الهادئة المستقرة الطويلة معا، و”جودي” كذلك كانت تأمل أن يعود إليها وينهي كل ما حدث.

لم يكن “تود” شريرا أو متعجرفا أو متسلطا أثناء زواجه من “جودي” لكنه استمرأ مسامحتها له واستمرأ وجود مساحة حرية ولم يعبأ بها، وتناقش الكاتبة فكرة أن المرأة في الغالب هي من تكون المسئولة عن استمرار الزواج لأنها تقبل الرجل على علاته، وتستوعب عيوبه وتتسامح معها كما تعرض نماذج أخرى للزوجات، مثل أم “جودي” التي تقبلت خيانات زوجها رغما وظلت معه بسبب أنها لديها 3 أطفال، لكنها رغم ذلك كانت تخاصمه فترات طويلة ولا تتحدث معه، مما أثر على حياة أطفالها النفسية، ونموذج لأم “تو”د التي كان زوجها سكيرا وشريرا وعنيفا والتي تحملت كل ذلك لأجل ولدها، ورضت بتحمل العنف الجسدي دون تمرد وأثر ذلك بدوره على “تود” وحول حياته وجعله يشعر بفقدان القيمة لذاته يحاول تعويضه من خلال علاقات جنسية عابرة.

صراع مصالح..

حين تم انفصال “جودي” و”تود” ورغم أن الحب جمعهما طويلا إلا أن المصالح احتلت مكان الحب، بدأ الأمر أولا من ناحية “تود” الذي استغل أن زواجه من “جودي” لم يكن رسميا أو قانونيا وإنما زواج عرفي، لأنها كانت تخاف من الالتزام حتى لا تتحول إلى أمها التي رضت بالظلم بسبب زواجها وإنجابها الأطفال، وهذا الزواج العرفي كان مفيدا ل”تود” لأنه حرم “جودي” من كل حقوقها المالية عليه وأصبح بمقدوره أن يطردها من منزلهما المشترك ويتوقف عن إعالتها ماديا، رغم أنها شاركته طوال عشرين عاما حياته وساعدته في أن يحقق نجاحا ماديا.

حين تجد “جودي” نفسها ليست متروكة ومجروحة عاطفيا فقط وإنما مهددة بالطرد من منزلها وإعالة نفسها وهي لا تعمل عمل بداوم كامل، وافقت على أن تؤجر شخصا لقتل “تود” قبل أن يغير وصيته ويتزوج من “ناتاشا”، وبالفعل أتممت إجراءات الاتفاق من خلال صديقة لها تدعى “اليسون” وحين مات “تود” لم تحزن كثيرا رغم حبها الكبير له، وإنما اهتزت نفسيا ومرضت وكانت تلك الهزة النفسية والانهيار بسبب تغير حياتها المفاجئ وليس بسبب موت “تود” بطريقة مأساوية، ثم تكتشف الشرطة أن القاتل هو “دين” والد “ناتاشا” وأنه هو من أجر قاتلا لذلك ولا نعلم حقيقة من نفذ عملية القتل، لكن “جودي” فلتت بفعلتها واستمتعت بأموال “تود” وبحياة هادئة ومستقرة.

لا يملك القارئ إلا أن يتعاطف مع “جودي” رغم أنها سعت لقتل “تود” لكن “تود” هو من بدأ بالشر وهو من تخلى عنها رغم أنها ساعدته في بناء حياته، كما أنه لآخر لحظة كان أنانيا ولا يهمه سوى رغباته وحياته ونزواته، الرواية ممتعة لكن بها مداخلات كثيرة تشرح فيها الكاتبة بعض أفكار من علم النفس، خاصة نظريات “أدلر” الذي كان تلميذا ل”فرويد” وتعلن أنها رافضة لأفكار فرويد، كما تقدم الرواية تحليلا نفسيا جيدا لشخصية “جودي” وشخصية “تود”.

الكاتبة..

“سوزان أنجيلا آن هاريسون”، ولدت في 1948 في “تورونتو”، والدها “دوغلاس”، مهندس كيميائي، ووالدتها “أنجيلا”، ربة منزل ومصورة. عاشت في الضواحي شمال نيويورك في أسرة تقليدية، درست هاريسون الرسم في كلية أونتاريو للفنون.

صدرت رواية الزوجة الصامتة في عام 2013، ولاقت نجاحا باهرا في أمريكا، تزامنت المراحل الأخيرة من العمل على رواية “الزوجة الصامتة” مع إصابتها بمرض السرطان وتوفيت في 2013  في عمر65  قبل أن ترى روايتها منشورة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة