خاص: إعداد- سماح عادل
المعاناة تعد أحد المكونات الهامة للرواية العربية، وفق ما يعتقد البعض، بسبب كون المجتمعات العربية تعاني بالفعل، من عقود عديدة وربما زادت المعاناة في الوقت الحالي. مما انعكس علي الروح الجماعية، وعلي ذوات الأفراد. ويعتقد البعض أن الاغتراب مكون من شخصية الكتاب والروائيين، وأنه بمثابة وقود للرواية، التي من خلاله يستطيع الكاتب تصوير المعاناة بعمق وحرفية. كما يؤكد آخرون علي أن التجديد في تناول المعاناة هو ما يعطيها قيمتها الأدبية.
هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:
. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟
. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟
. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟
4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟
معاناة متجددة التناول..
يقول الكاتب العراقي “أحمد غانم عبد الجليل”: ” الكاتب ابن بيئته دومًا، لذا لا بد أن تكون كتاباته وليدة ما يعيش ويعايش، على المستوى العام والخاص، وما نشهده اليوم من حروب وصراعات على الساحة العربية والعالمية يطغى على كل عمل أدبي حقيقي، بالإضافة إلى ما تمر به مجتمعاتنا من اختناقات وأزمات اقتصادية واجتماعية، كل ذلك يعمل على تشكيل فكر ووجدان الكاتب ويعمل على صياغة مواضيعه بما يعكس صورة الوضع العام، وهذا ما يكسب النص مصداقيته لدى القارئ، أما من يستغرق تمامًا في معاناته الخاصة، دون الاهتمام بما يحصل من حوله فسوف يستنزف أفكاره سريعًا، ويؤول إلى التكرار، وإن كتب بأكثر من أسلوب وأكثر من تناول.
الكاتب يجب أن يتحرر من الذاتية المفرطة التي يمكن أن تحجب عنه تتبع إيقاع الحياة، فهو كائن مفكر، وليس فقط مدوِن لِما تجوب رأسه من تأملات، إنما عليه أن يعرف كيف يوجهها بشكل صحيح لتكون أكثر انفتاحًا على الآخرين”.
وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “الشخصية الإشكالية هي التي تثير الكثير من المفارقات والجدليات والتساؤلات في ذهن القارئ، وإن بدت تقليدية وبسيطة جدًا، مثل أغلب شخصيات نجيب محفوظ، وهذا هو السبب الأول في تميز كتاباته في رأيي.
مما أثارني عند الكتابة عن رواية “الخبز الحافي” للروائي المغربي محمد شكري، بالإضافة إلى كونها رواية سيرة ذاتية، أن الشخصية المحورية شخصية مهمشة وليس لها من هَم سوى إشباع رغباتها ومتطلباتها المادية، شخصية عادية جدًا، مع ذلك ظلت هذه الرواية حاضرة لحد الآن في ذهن القارئ، بما جسدته من واقعية في التناول، ضمن مرحلة مصيرية في بلادنا عمومًا، مثل هذه الشخصيات تكون أكثر قربًا من القارئ، تحاكي ما يواجه من انكسار وتشتت وإحباط على مستويات عدة، وما يمر به من أزمات وجودية تتعدى حدود الزمان والمكان”.
وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “حرفية الكاتب تكمن في طريقة تجسيد أفكاره برؤية جديدة ولا تثير السآم لدى القارئ، بحيث يمكن أن يخرج القارئ بأكثر من تأويل، فالواقعية لا تعني بعث القتامة في سياق العمل، فهناك من يعبر عن أكثر المواضيع واقعية ضمن قالب من السخرية، لكنها سخرية مدروسة، تسلط الضوء على أزمات كثيرة تواجه مجتمعاتنا.
من ناحيةٍ أخرى على الكاتب اختيار الشخصيات بناء على عوامل عدة تحقق ما يريده من كتابة أي نص جديد، وبما يقنع القارئ، فالخيال يجب أن يتم تطويعه وفق سياق يحترم عقلية القارئ الذي يستشعر عادة الافتعال والفبركة والمبالغة لمجرد الانتصار لقيمة أو مبدأ، لذا يميل الكتّاب عادة إلى النهاية المفتوحة، بعيدًا عن الانتصارات الوهمية في حياتنا.
أحيانًا أقرأ نصوصًا أشعر أن كتّابها لم يبالوا سوى بإيصال رسالة محددة للقارئ، كدأب المواعظ والخطب، ودور الكتابة البحث الدائم عن مفارقات جديدة وإثارة الساكن في دواخلنا ومناقشة الكثير من القناعات، حتى لو كانت لدى البعض من البديهيات، كل ذلك يخلق زخمًا خاصًا للكتابة، زخم يجعل للمعاناة الحياتية أبعادًا مختلفة ومتجددة التناول”.
وعن رصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: ” ليس من واجب الروائي تقديم الحلول من خلال النص، فلكل حالة خصوصيتها، مهما تشابهت التفاصيل، على سبيل المثال لو كتبتُ نصًا عن حلم الهجرة إلى الخارج، وأنه السبيل الوحيد إلى الخلاص من إحباط الماضي وانكسار الحاضر داخل الوطن، فهذا لا يعني أني أدعو إلى الرحيل عن الوطن، إنما أوجد من خلال ذلك القرار وسيلة للغور في تفاصيل كثيرة تتنازع داخل الإنسان العراقي والعربي عمومًا لدى اتخاذه مثل هذه الخطوة التي تضعه في خضم مواجهة جديدة مع ما تفرضه سبل الغربة.
من ناحية أخرى يمكن أن تهب النصوص الأدبية أفكارًا ذات دلالات يمكن أن تكون ضمن وسائل خلق رؤى جديدة تنتفض على التفكير التقليدي والأطر القديمة، لذا الثقافة دومًا كانت من ضمن دعائم نهضة الشعوب، على سبيل المثال أفكار جان جاك روسو وفولتير ساهمت في قيام الثورة الفرنسية، لكن ليس بشكل مباشر، ونصوص مكسيم غوركي لم تقدم حلولًا بقدر ما كانت وسيلة للتغيير عبر تجسيد الواقع الصعب الذي عاشه كواحد من أبناء الطبقة العاملة”.
المعاناة وضع ملائم للكتابة..
يقول الكاتب والروائي المصري “أحمد أبو درويش”: “بالطبع الكاتب ابن بيئته، يعبر عما يختلجه من أحاسيس وما يدور في بيئته من صراعات ومن معاناة على المستوى الجمعي وبالتأكيد على المستوى الشخصي. وعلى الرغم من الواقع السيء للكاتب العربي، إلا إنني أنظر لحاله بشكل مغاير حيث تمثل المعاناة والاغتراب على المستوى الشخصي للكاتب وكذلك واقعه الاجتماعي الرازح في غياهب الظلم والفساد كل ذلك يشكل وضعا ملائما للكتابة في موضوعات كثيرة بشكل أكثر عمقاً.
فأنا مقتنع تمام الاقتناع أن المأساة تشكل وعي الإنسان. ويقاس على ذلك الأدب المكتوب عن الحروب وخاصة إذا كان من تجربة شخصية، عاينت ما تكتب عنه. أو تلك الروايات التي تحدثت عن الفقر والحاجة. وبالعودة لسؤالك، نعم أرى أن المعاناة تشكل جزءً واضحا من الكتابات في الرواية العربية”.
ويضيف عن الشخصيات: “بشكل عام، غالبية الكتاب يعانون الاغتراب، بل ويعانون الجنون أيضا. فما الذي يجعل رجلا مسؤولا عن أسرة يبذل جهدا كبيرا بشكل يومي، بل إنه في بعض الأحيان يحترق داخليا ليكتب رواية لا يقرأها سوى مئات، إذا كنا متفائلين، ودون الحصول على أجر! بالطبع يعاني الاغتراب ويعاني من أن لا أحد من المحيطين به يفهمه. وهذا الاغتراب جزء أصيل من تكوين شخصية الكاتب وفن الرواية بشكل عام هو فن جاذب للكتابات الخجلى، عكس المسرح والشعر وما بهما من نبرة لغوية جهورية، باستثناءات طبعا، وأداء استعراضي”.
ويواصل: “في ظني أن الواقع أكثر غرابة من الخيال، وبالطبع فإن الكاتب لا يلتزم وليس له أن يلتزم أصلا بتقديم شخصيات واقعية بشكل متطابق مع الواقع، وإلا فلن يكون فنا. ومن الجميل أن يدمج الكاتب تصوراته وخيالاته مع ما يسجله من أحداث في عقله، وكيف لنا أن نحكم على عمل بالمبالغة وهو في الأصل ابن الخيال. لابد وأن نأخذ العمل الإبداعي كما هو ولا نربطه بالواقع، لأن الكاتب لا يقدم لنا درسا في التاريخ. حتى وإن كان بطل رواية ساراماجو اسمه يسوع المسيح، فهو ليس الشخص ذاته الذي يعرفه البشر، إنه كائن جديد من صنع الروائي”.
ويؤكد: “الكاتب لا يقدم إجابات، لأنه مشغول بطرح الأسئلة. وفي ظني هذا أهم، فالدعوة للتفكير والتدبر أهم من تقديم الإقرارات على أنها الحقيقة الثابتة”.
معالجة المعاناة صعبة..
يقول الكاتب السوري “نصار حسن” عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية: “نعم الرواية العربية الحالية هي مرآة لما يحدث في المنطقة العربية وبخاصة في المناطق التي تعاني من ويلات الحروب والصراعات الداخلية”.
وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “أغلب الشخصيات في الروايات العربية التي اطلعت عليها لديها ذات الهواجس التي تعاني منها الشخصيات الواقعية، شخصيات مركبة ومعقدة ومتنمرة حتى الشخصيات التي يتم طرحها بداية على أنها بسيطة أو ضعيفة كثيرا ماتتغير وتتبدل إلى النقيض تماما مجاراة للظروف التي ألمت بها”.
وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “اختلفت طريقة تصوير المعاناة من كاتب لآخر ومن دولة لأخرى.
يعتمد الكاتب على الخيال ولكن الواقع المأساوي تجاوز أحيانا الخيال ولولا أننا شهدنا ذلك أو أطلعنا عليه من المشاهد اليومية للأحداث اليومية عبر وسائل الإعلام لما صدقنا حقيقة مانقرأ في بعض الروايات، لذا فإننا نكاد نصدق حتى المبالغة التي يتم طرحها من قبل بعض الكتاب لتوجسنا الدائم مما هو قادم نتيجة مانعيشه من سوداوية الواقع والتشاؤم الذي لصق به “.
وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “نعم أغلب ما قرأت من روايات تطرح فقط المشاكل التي تحدث في المجتمعات العربية دون أي اقتراح للحلول.
لأن المعالجة صعبة وتحتاج لجهود جماعية ووطنية وهو مابات شبه مستحيل الطرح مع وجود الكم الكبير للشخصيات السلبية والانتهازية، والذي يطغى على سير الأحداث وفق ماسبق وأن طرحه الكاتب، ولا اعتقد أن الكاتب يستطيع حاليا التقدم بمقترحات جذرية لانعدام الرؤية الشاملة لطريقة الخروج من الأزمات الحالية.