21 سبتمبر، 2024 4:59 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (6).. الالتزام بالتصوّر الفني يمكن الرواية من تقديم صورة مرعبة للألم

الرواية والمعاناة (6).. الالتزام بالتصوّر الفني يمكن الرواية من تقديم صورة مرعبة للألم

خاص: إعداد- سماح عادل

حين يفكر كاتب الرواية في تصوير وتجسيد معاناة ما، سواء معاناته الشخصية ومعاناة حياته، أو معاناة مجتمعه، أو جماعته، أو طبقته، أو فئته، لابد له من أن يمتلك تصورا فنيا، وإلا تحولت روايته إلي توثيق بحت، تقرير، أو وثيقة أكثر من كونها سرد أدبي. وأيضا سيكون من المفيد أن يستطيع الروائي أن يقدم فهما للذات سواء لذاته كبطل داخل الرواية، أو للشخصيات الأخرى التي يرسمها، فهما يمكنه من تقديم المعاناة بصورة بارعة ومحترفة تحقق رد فعل قوي لدي القارئ.
هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:
. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟
. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟
. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟
4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟
قفزة فنية كبيرة..
يقول الكاتب المصري “أشرف البولاقي”: “الرواية العربية المعاصرة تصدر عن كل أشكال الصراع والمعاناة، سواءٌ أكان ذلك صراعًا شخصيًا ذاتيًا نفسيًا، أم كان ذلك صراعًا مجتمعيًا محليًا إقليميًا أو دوليًا عالميًا بسبب الحروب أو المجاعات أو مشكلات التهجير، أو حتى عن رصد ظاهرةٍ معيّنة في مجتمعٍ ما صغيرٍ أو كبير.
الرواية العربية في هذا الاتجاه تشبه تمامًا الرواية الأخرى الغربية أو الأوروبية تنطلق من أي ظرف أو من أي معاناة أو من أي سبب ذاتي، ويمكن القول إنّ ذلك اتجاه عرفته الرواية العربية بعد فترةٍ طويلة كانت فيها أسيرةً لتجربة الحكي بمعناه الضيق الذاتي المجتمعي، لكن بعد انفجار الترجمة وعمليات التواصل مع الثقافات الأخرى، وكثرة السفر والاحتكاك، انتقلت الرواية العربية لتصدر عن كل ما سبق أن أشرنا إليه، ويمكن رصد ذلك بسهولة في عدد من الروايات العربية التي تصل إلى بعض قوائم المسابقات والجوائز الكبرى في الثقافة العربية المعاصرة”.
وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال شكليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق، وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “يمكنني القول إنّ أهم مأخذٍ يمكن أن يلتقطه الناقد أو الراصد لطبيعة الشخصيات والأبطال في الروايات العربية المعاصرة أنهم شكليون بالمعنى الفني، وليس شكلانيين بالمعنى المشار إليه؛ وذلك لأن معظم الشخصيات عند معظم الروائيين يغلب عليها أنها شخصياتٌ مرسومة فنيًا، وليست شخصياتٍ حقيقية وواقعية، بعكس الشخصيات والأبطال في الرواية الأوروبية التي يمكنك فيها أن تراها في الشارع، أو في العمل. شخصيات حقيقية تتنفس وتخطئ وتصيب…
وربما كان السبب في ذلك هو طبيعة مفهومَي الفن والحرية في مجتمعاتنا العربية التي لا يستطيع الروائي فيها أن ينسى أنه يكتب عملاً خياليًا، وكلما اقتربت شخصيته من الواقع اضطر هو بنفسه إلى تعميتها وإعادة رسمها ليبتعد بها عن مشابهتها لشخصياتٍ حقيقية وواقعية!”.
وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحِب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “رغم أي مآخِذَ أو تحفظاتٍ على الرواية العربية المعاصرة إلا أنه يجب القول إنها شهدت في السنوات العشرين الأخيرة قفزةً كبيرة على المستوى الفني، ومن ثم فإنّ تصوير الصراع أو المعاناة داخل معظم الروايات العربية المعاصرة هو تصوير روائي فني يشبه غيره في الروايات الأخرى، بشرط الالتفات إلى أننا نتحدث عن الروايات/ الروايات الكبرى المتحققة، وليس روايات الناشئة، ويتم تصوير ذلك من خلال الآليات الفنية المختلفة أو التقنيات السردية المتعارف عليها.
موضوع المبالغة ليس سمةً غالبة، لكنه موجود في روايةٍ ما هنا أو هناك، وغير موجود في رواياتٍ أخرى، لا يمكن اعتبار المبالغة ملمحًا رئيسًا أو بارزًا”.
وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة، سواءٌ فردية أو جماعية، دون تقديم حلولٍ إيجابية للتخلص منها أو مَخارج يقول: “في ظني المتواضع الرواية، شأنها هنا شأن أي عمل فني، ليس مطلوبًا منها أن تقدم حلولاً للمعاناة التي ترصدها، أو للصراع الذي تقدمه، الرواية هنا تقدم فنًا، تطرح الأسئلةَ والأسباب والدوافع، لكنها لا تقدم أجوبةً ولا حلولاً بشكلٍ مباشر، وكلما دفعت القارئ للتفكير في المعاناة أو في الصراع كلما اعتُبِر ذلك نجاحًا لها”.
صورة مرعبة للألم..
ويقول الكاتب والشاعر الفلسطيني “سمير اليوسف”: “الرواية فن. العمل الروائي عمل فنيّ. الروائي فنّان بصرف النظر عن الموضوع الذي يختار الكتابة عنه أو الأسلوب أو حتى الغاية. الكاتب الذي لا ينطلق من تصوّر جمالي (فني) ما لن يكون أفضل من كاتب تقرير رسمي أو مدوّن سجلّ حكومي كل همّه تسجيل شهادات أو معلومات كما يسمعها أو يراها.
حتى الرواية التسجيلية أو الوثائقية لا بد وأن ينطلق كاتبها من تصوّر فنيّ ما، حتى وإن كان غرض المؤلف تسجيل شهادات ومعلومات وحقائق حول قضية فعليّة، وإلا فإنه لن يُفلح في كتابة أبعد مما هو تقريرٍ أو سجل وثائقي الطبيعة. التصوّر الفني المطلوب لكتابة رواية قد لا يتجاوز حدود عملية اختيار ما سيستبعده وما سيضمه في النص: استبعاد، أو إغفال، بعض الحقائق والمعلومات واختيار البعض الآخر منها وكيفية ادراجها في النصّ السردي، سواء من حيث الأولوية أو الحيز الذي يمنحها إياه”.
ويضيف: “هناك عدد كبير من الروايات العربية المهمة التي تناولت بشكل حصري موضوع المعاناة، سواء بالمعنى الفردي الشخصي أو العام، ولكن أفضلها تلك التي تربط المعاناة الشخصية بما هو عام، مجتمعي أو أخلاقي ووجودي كوني. سأُشير هنا إلى بعض هذه الروايات التي تركت عندي أثراً لا يُنسى: “العسكري الأسود” و”رجال في الشمس” و”شرق المتوسط” و”امرأة عند درجة الصفر” و”الخبز الحافي”.
هذه روايات تروي تجارب قاسية وفصول سوداء في حياة شخصياتها مما يؤدي إلى دمارها الفعلي، موتها، كما في رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس” أو سجنها كما في رواية نوال السعداوي “امرأة عند نقطة الصفر” أو دمارها النفسي كما في رواية يوسف إدريس “العسكري الأسود” أو رواية عبد الرحمن منيف “شرق المتوسط” أو “الخبز الحافي” لمحمد شكري. وعلى رغم أن مؤلفي هذه الروايات حرصوا على تسجيل معاناة شخصياتهم بطريقة صادمة ومرعبة أحياناً إلا أنهم انطلقوا من تصوّر فنيّ والتزموا به طوال الرواية. بل أن التزامهم بالتصوّر الفني هو الذي مكّنهم من تقديم صورة صادمة ومرعبة للألم والمعاناة”.
توليد فهم للذات..
ويقول الكاتب الليبي “أحمد تهامي”: “نعم تصور الرواية المعاناة ولكن أية معاناة؟! معاناة من وفي أي ظرف تاريخي وجدت وتكونت وتعقدت وتطورت؟! في ظني الرواية هي بنت للطبقة البرجوازية وأعلى شكل فني عبر في لحظة تاريخية ما هي نهايات القرن التاسع عشر الأوربي بالذات عبر عن لحظة التقاء هذه البرجوازية في أعلى مستويات تجسدها موظفي الامبراطورية البريطانية مع سكان المستعمرات الهندية، على سبيل المثال “د.ه .لورنس” ورواياته، ولهذا السبب بالذات ولدت الرواية العربية في أفضل تجسيداتها ولدت منتكسة، فصاحب براءة اختراعها “نجيب محفوظ” ابن قاهرة الأربعينات مجرد شاهد مبعد عن الحدث وعن مركزه وكل اجتهاداته، لم تصنع عالما ضخما حيا كعوالم بريطانيا ومستعمراتها ومع ذلك يولد الفن ضمن ظرف لكنه لاحقا ينشئ ظرفه هو الخاص ونحن في أول هذا الطريق”.
وعن الشخصيات يقول: “نعم لأسباب سبق وذكرت في السؤال الأول ولد أبطال الرواية العربية يعانون من مسافة عازلة تفصلهم عن مجتمعاتهم وتجعل حياتهم في هذه المجتمعات غربة تامة مكتملة، ذلك أن الشكل نفسه هو اعترافات مثقف عربي يريد أن يسجلها في شكل سيمر وقت طويل قبل أن تنضج مجتمعاتنا لفهم أسباب ولادته التاريخية، فكيف باستقباله وكيف بإنتاج أدب يناسبه ومتفاعل معه”.
ويضيف: “في ظني بعض ما قرأت من روايات عربية فشل تقريبا في تصوير المعاناة بل لربما لم يقارب بعد إمكانية الإشارة العابرة إليها، الكثير مما قرأت يصلح ليكون تقارير صحافية عن حياتنا المعاصرة لكنه لم يصل بعد إلى مستوى الفن ولا حتى لمقاربة إشكالياته”.
ويؤكد: “ليست الحلول عندي لأزمة أذ توفر الرواية فرصة لرؤية الذات من الخارج وهذا قد يكفي لتوليد فهم للذات، وهو أمل قد لا يتحقق لا اليوم ولا في الغد القريب، فوسائل وتقنيات الشبكة العنكبوتية تسهم يوما بعد آخر في تضييق مجال الخيال البشري وتنقله من عالم الأدب الى عالم الشأن اليومي المعتاد، حتى أن الخيال سيأتي عليه يوم ما لا يعود فيه له أي أثر خاص. إذ أن حياتنا تتحول إلى خيال كل لحظة نحن لم نعد نلتق إلا على صفحات مفترية، نحب أيقونات ونهجر أيقونات ونكره ايقونات السنا في غربة سارة؟! تمنعنا من رؤية أنفسنا؟! فكيف نسعى لرؤية مالا يرى؟!”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة