14 نوفمبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (19).. ثمة اخفاقات ظاهرة في أفق الرواية العربية

الرواية والمعاناة (19).. ثمة اخفاقات ظاهرة في أفق الرواية العربية

خاص: إعداد- سماح عادل

تصوير المعاناة داخل الرواية، لا بد أن يتجاوز أن يكون تقارير مباشرة عن الحياة الواقعية، وأن تكون الكتابة تتمع بقدر عال من المتعة والإدهاش، وأن يمتلك الكاتب رؤية وفكر وقدرة علي عمل سرد محترف.

هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

1. هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

2. هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

3. كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

إخفاقات ظاهرة..

يقول الكاتب العراقي “داود السلمان”: “لا غرو، أن الرواية العربية بطابعها العام، وفلسفتها التي اقتضت أن تسير على نهجها؛ عليها أن تؤدي رسالتها على أجمل وأتم صورة، وبشكل يقتضي الحاجة الملحّة التي انطوت عليها، أو تبنت تأدية واجبها إزائها، وبلا مراوغة، ولا تردد، وهو من باب أولى بالرواية.

فإذا كان هذا الأمر قد تحقق، مثلما اقتضت الحاجة، وبشكل تام ليس عليه غبار؛ كان هو المطلوب. لذا نجد إن الرواية، أو بمعنىً أدق كتّاب الرواية، لم يعملوا بما هو مطلوب إلى حدٍ ما (بحسب معرفتي واطلاعي الدؤوب)، مثلما معمول به لدى الكثير من الكتاب العالميين، قديما وحديثا؛ بمعنىً آخر ثمة اخفاقات ظاهرة في أفق الرواية العربية ومعطى لا يشخص الحالات السلبية العديدة، في مجتمعاتنا العربية، والأسباب كثيرة ومتنوعة.

وطالما نحن في هذه العُجالة، لا نستطيع، أن نأتي بكل تلك الأسباب ونحصرها بين أقواس، فالأمر يتعذر. لكن ممكن أن نذكر سبب أو أكثر لكي نتم ما نحن بصدده، وليكون شاهدًا عما ندعي.

الكاتب الروائي العربي، تنقصه الجرأة في الطرح والموضوعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هو يشعر في داخل نفسه بقيود ومراقبة، وليس له ثقة كاملة بالنفس، ونستطيع أن نقول أنه مهزوم داخليا، إلّا القليل، والقليل جدا، أي الذين يعيشون خارج أوطانهم، فهؤلاء أستثنيهم من ذلك، بالعكس ثمة هالة قاموا بها وأضافوها للرواية العربية، يجب الوقوف عليها”.

ويؤكد: “وعليه، ولكي نجيب على السؤال اجابة كاملة، نرى أن الرواية العربية تعاني من إحباط وإرباك معًا، وهي بحاجة إلى إعادة نظر وترميم ذاتي، أي بناء خارجي يضفي عليها هالة، لتقوّمها، حتى تنهض من الأعباء الواقعة على عاتقها، وتزيح عن وجهها غبار التقوقع، والانعزالية، وأعني بالانعزالية بُعدها عن الطريق الذي تسير عليه الرواية العالمية، كذلك الصبغة التي أوجدها الكتاب العالميون، خصوصا في العقدين الأخيرين من الزمن، حيث نرى ثمة انطلاقة كبيرة ماراثونية حققت انجازا عظيما. فيا ليت كتابنا أن يعون ما تفوهنا به، كوجهة نظر لا ضير لو أنها أُخذت بالحسبان”.

المتعة والدهشة..

وتقول الكاتبة السودانية “آن الصافي”: ” عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية: “من الصعب التعميم والحكم على جميع الكتاب. ربما من الممكن تتبع المنتج الإبداعي للكاتب ومن ثم العودة إلى واقعه والبيئة التي ينتمي إليها. الإبداع هبة ربانية لا تنتظر إلا أن يقدمها المبدع إلى العالم. هناك من لا يستطيع القيام بهذا العمل في الظروف القاسية وحين وقت العمل على صياغة إبداعه يأتي بشيء ينم عن السلام وكأن ما حدث ربما خزن في عقله الباطن بينما محركه نحو إصدار ما يشاء من أعمال يعود لشيء يخصه فقط.

لأكون قريبة من السؤال المطروح بشكل أكثر دقة، المنتوج الأدبي لكتاب دولنا تقدم معاناة متشابكة بين العام والشخصي”.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون تقول: “هذا السؤال أشبه بالتعجب أمام مشهد النجوم والكواكب والشموس والأقمار التي في الفضاء ما هي ما طبيعتها ما تاريخ ميلادها وكذلك وقت فنائها!

الكتابات الإبداعية لجل مبدعي أوطانا تدور حول التاريخ والكولونيانية ومابعدها، تدور حول شخوص نتجت عن حقبة من الإحباطات المتعاقبة وهناك في خلفيتها الثقافية أساطير وحكايات عن شعوب تتسم بالثقافة الأصيلة، عاشت وتعايشت مع الطبيعة.

هل هذا أمر جيد أم لا؟! الحقيقة كل ما يصل إلى المكتبة سيجد له قراء من الصعب مع واقعنا الحالي أن نجزم بأية حاحال”

وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تقول: “عبقرية المبدع أن يقنع المتلقي أن ما يقرأه حقيقي ويستطيع أن يشعره بحواسه ويدركه واقع يعيش معه”.

وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “من سمات العمل السردي الناجح أن يرقى لمستوى أن يترك بصمته لدى المتلقي بعد أن ينتهي من القراءة ويعود إلى واقعه، متفكراً حول قضية العمل وأهمية المحاور التي تناولها أياً كانت النهاية، المهم ذلك الأثر فتح أبواب التفكر والتساؤل. الكثير من الأعمال العظيمة تنتهي مفتوحة النهاية كما توجد أعمال عظيمة تعطي الحلول بشكل واضح. لا ننسى جانب المتعة والدهشة والمبتكر الخادم للعمل من أهم الأدوات للكاتب”.

صاحب رؤية وفكر..

وتقول الكاتبة اللبنانية “حنين الصايغ”: “من وجهة نظري أن المدخل لإبداع أي عمل فني أو روائي هو الإحساس الفردي والمأزق الشخصي. في الماضي كانت القضايا الكبرى والسرديات العظمى تلعب الدور الرئيسي في المشهد الروائي، ولكن مع بداية الألفية الجديدة انتقلت الرواية لمعالجة الهموم الشخصية والرؤية الذاتية لكاتب الرواية. كما أصبح للفنتازيا والتجريب مكانا راسخا في عالم الكتابة.

الأدب بطبيعة الحال يعكس قضايا المجتمع ويحاول رصدها في قالب إبداعي معين كالرواية وهذا شيء جيد. ولكن ما يعيق تطور الرواية بنظري هو رواج الروايات الغارقة في المحلية دون أن تتجاوز هذه المحلية أو الهم الشخصي المحدود لتنال اهتمام عالمي.

في نواة كل قضية مجتمعية أو شخصية هناك فكرة عن الإنسان أينما وجد على هذه الأرض، وعلى الكاتب أن يستمر في الحفر كي يصل إلى تلك النواة ويستخدمها كجسر تواصل مع الآخر البعيد والقريب في آن معا”.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال إشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون: “شخوص الرواية العربية هي إما محاكاة للأشخاص في المجتمع أو محاولة للتمرد على أنماط هذه الشخصيات. فالروائية مثلا التي لا تجد التمرد والثورة عند النساء في محيطها تخلق هذا التمرد في شخوص ورقية، وهذه طريقة ذكية لمواجهة القراء باحتمالات من خارج الصندوق تكسر النمط التفكيري الذي يسيطر على حياة الأفراد في المجتمعات التي تفتقر إلى حرية الرأي والاختيار.

من الطبيعي أن يعاني شخوص الروايات العربية من الاغتراب وعدم التحقق لأن المجتمعات التي تحجب الحريات عن أفرادها تحتجزهم في دائرة الصراع مع هذه القيود ولكنه صراع سلمي عقيم لا يصمت تماماً ولا يواجه أبداً”.

وعن كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تقول: “ليس هناك مبالغة في الأدب طالما هو أدب جيد. القارئ أذكى مما يعتقد معظم الكتاب. هناك قراء يغريهم الاشتغال اللغوي وحبك العبارات وتنميقها ولكن القارئ الذكي أول ما يجذبه هو الصدق. تقول الروائية مارغريت أتوود أنه على الكاتب أن يبقى قارئه مصدقا للأحداث رغم معرفة الطرفين أن العمل خيالي. بإمكان الكاتب أن يعظم من شأن أي معاناة إذا كان متمكنا من أدوات سرده وبناء المشهدية ومعقولية تطور الأحداث ومنتبه للنقلات العاطفية والنفسية لشخوصه. إذا شعر القارئ بمبالغة فهذا يدل على إخفاق الكاتب”.

وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج: “بالفعل هناك روايات ترصد فقط ولا تترك للقارئ أي مخرج لا عملي ولا نفسي للتعامل مع قضايا الرواية. حين انتهي من قراءة رواية من هذا النوع أسأل نفسي: ماذا يريد كاتب هذا العمل من القراء؟ لماذا كتب الرواية؟ هل هدفه من الكتابة فقط أن ينعي حظه؟ وأنا كقارئة ماذا استفدت من هذا العمل الذي استهلك مني ساعات كي أنهي قراءته؟

أفهم أن هناك تعدد أذواق في الأدب كما في كل شيء آخر ولكني لم أعد أتسامح مع هذا النوع من الروايات لأن الكاتب يجب أن يكون صاحب رؤية وفكر ومهمته لا تقتصر على كتابة التقارير عن واقع البشر”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة