21 سبتمبر، 2024 2:33 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (16).. الاستمتاع بالتلاعب بالتفاصيل الإنسانية والتعالي علي الانكسار

الرواية والمعاناة (16).. الاستمتاع بالتلاعب بالتفاصيل الإنسانية والتعالي علي الانكسار

خاص: إعداد- سماح عادل

ماذا لو كان تصوير المعاناة في الرواية بهدف التعالي علي الانكسار التي تحدثه الأزمات التي يعاني منها الكاتب ومجتمعه، بمعني أنها محاولة للتحرر منه والتعامل مع تلك المعاناة بحكمة، أو بهدف امتاع القارئ بحكاية محكمة فنيا وتقدم المعاناة في قالب فني احترافي، وأثناء ذلك يتلاعب الكاتب بالتفاصيل الإنسانية كشخص قادر علي اخراج تحفة فنية.

هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4 . هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

التلاعب بالتفاصيل الإنسانية..

تقول الكاتبة “سمية علي رهيف” من العراق: “مرّت الرواية العربيّة بالعديد من الصراعات مع السلطات، وتكميم أقلام بعض الكتّاب، وامتناع البعض الآخر بسبب الخوف من الظلم، مما أدى إلى خلق رغبة لدى الكاتب لاتخاذ أساليب تصويرية خيالية في سبيل قول ما لا يستطيع قوله بالخط العريض. ولما كان القارئ متعطش لمن يتحدث عنه، ويفهمه ويصف له حاله، وأحوال المحيطين به، نجد إن رغبة القراء في روايات عميقة ومعبّرة عن قضاياهم الكبيرة هي الدافع الأكبر للكثير من الكُتّاب على كتابة رواية، تناسب ذائقة القارئ في الشارع الأدبي، ففي النهاية نحن نكتب ليقرأ لنا الناس.

ولكثرة الحالات المأزومة في الواقع المُعاش، والتي يمكن أن يُجسدها الأدباء في روايات، انقسم الكُتّاب في ذلك عدّة اتجاهات، بعضهم من اتخذ من الرواية سجلاً يؤرخ بهِ ما عاشه شعبه في مدة معينة، أزمة، أو حرب، انتفاضة، أو حتى مرض، وهؤلاء الكُتّاب يتفاعلون مع المجتمع ويتخذون من شخوصه الحقيقية مادة لقصصهم، مع إضافة لمساتهم الروائية الخاصة في الكتابة. فالناس يمارسون عملية القص والرواية في حياتهم اليومية باستمرار، إذ يحكون قصصاً عن وقائع عاشوها أو شاهدوها أو سمعوا بها، فمعاناتهم الناتجة عن عدم حصولهم على أي من الحاجات اليومية وحديثهم عن تلك المعاناة ما هو إلا نوع من أنواع الرواية، ومادة خصبة لكثير من الروائيين.

وجماعة أخرى اتجهت إلى المواضيع الفردية الضيقة، حالة إنسانية، همٌ فردي، أو ربما تساؤل طرأ في ذهن شخصية ما تحول إلى رواية، تجرب فيها الشخصية صراع حلّ هذا التساؤل. واتجاهات أخرى في الكتابة. ما يهمنا هنا هو التقنية التي يمارسها الكاتب في روايته، أسلوبه الخاص وشخصياته السحرية التي تؤثر في القراء”.

وتضيف: “ولا نقصد بالسحرية هو خيالية الشخصيات بل إن شخصيات الرواية يجب أن تشبهنا، شخصيات مركبة يمكن النظر لها من أكثر من جانب، مزيج بين الخير والشر، الجمال والقبح، المعاناة والراحة، شخصية واقعية تأخذ لمحة المعاناة من حياة الناس العاديين وربما بعض الناس الاستثنائيين، ومجسدة لما يعيشه هؤلاء الناس وما يمرون به.

والمعاناة التي تعشيها الشخصيات تتخذ أشكالاً عدة في السرد الروائي، فبعضها قد يكون سببه الضغط النفسي، أو عدم الارتياح من الواقع، أو التطلع إلى القيم الاجتماعية غير المحققة، أو تعارض المصالح. معاناة شخصيات الرواية، يعيشها أغلب أفراد المجتمع، يتبناها الروائي كبذرة يشعل بها فتيل الرواية ويشحنها بجوٍّ من الدموع والمشاعر القوية، حب، بغض، إصرار، وغيرها، فالرواية محتاجة لإبراز الواقعية في بعض أنواعها، والخيال في أنواعها الأخرى؛ لذا هي تقوم على العواطف والتلاعب بالتفاصيل الإنسانية. فتكسب الرواية بذلك حبكة قوية مؤثرة في نفس القارئ، وتاركة فيه بصمة لا تُنسى. وإذا بالقارئ يقول عن فلان روائي (إنه قوي السرد يحكي عن الواقع، وكأنه يتكلم عما في داخلي) وآخر يقول (هذا الروائي ينطق بما لا يستطيع أحد النطق به في الواقع)”.

الاستمتاع بالمعاناة..

ويقول الروائي العراقي “علي الحديثي”: عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية: “برغم أن المتعة هي الأساس في الرواية، إلّا أنها عمومًا، وهذا كما أراه من الغرائب، أن نستمتع بالمعاناة، سواء كانت الرواية عربية أو غير عربية، فالمعاناة هي المحرك الأقوى لها، وبغض النظر عن تلك المعاناة إن كانت مجتمعية أو فردية، برغم التداخل بين المصطلحين، فمعاناة الفرد لا يمكن تجزئتها عن معاناة المجتمع.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “مشكلتنا نحن العرب رُبّينا بازدواجية، تربّينا على أفكار، وعشنا واقعًا يكاد يختلف كثيرًا عن تلك الأفكار، فنشأت تلك الغربة في داخلنا، ونَمَتْ معنا، ولا يقتصر الأمر علينا، نحن الكُتّابَ، فقط، فلطالما سمعنا كلامًا من أشخاص، ومن ثّم نرى منهم أفعالًا تناقص ما سمعناه منهم، لا سيّما في الأمور الدينية، مما زاد الازدواجية في داخلنا، وعمّق فينا روح الغربة ونحن بين مجتمعنا، فلا محالة سيكون أبطال الروايات إشكاليين، فالروايات هي نحن بأفرادنا أو مجتمعاتنا”.

وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “المبالغة صفة بشرية، لا ينجو منها أحد، فكلّ واحد يرى أنّ همّه أكبر من همّ الآخرين، وأنّ مصيبته تفوق كلّ المصائب، فلا محالة ستنعكس تلك المبالغات في الروايات التي نكتبها”.

وعن اكتفاء الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “نعم، فمهمة الروائي أن يطرح المعاناة، أمّا إيجاد الحلول فهي ليست من مهماته، فالمعاناة قد تكون اقتصادية أو مرضية أو سياسية أو.. أو.. فليس من المعقول أن يكون الروائي خبيرًا بكلّ هذه الحلول، ولكن لا ضير أن يضع روائي حلًا إيجابيًا في روايته، ولكنها ليست مهمّته”.

التعالي علي نبرة الانكسار..

ويقول الكاتب المصري “محمد فيض خالد”: “الكلمة ترجمة الإحساس وناقلة المشاعر، والكلمة إذا لم تصدر عن معاناة تدفعها وتأخذ بيدها بين الناس فلا أمل فيها ولا فائدة، والأدب في تاريخه ابن الحياة ورفيق بيئته، وابن شرعي لها، وهو وليد ظروف ومنشأ أحوال لابد وأن يتعايش أحداثها ويتأثر واقعه ويتمثلها، وهذا ضرورة لأن الأديب لا يمكنه، وتتفاوت درجات التأثير والتأثر بين كاتب وآخر ومدى الالتزام النفسي من الكاتب تجاه واقعه، لكن تظل الكلمة ويظل الأدب ناقلا للحياة مهما تباينت ماهية النقل، وتقاس فاعلية الأدب والأديب بمدى التصاقه بالواقع المعاش، ومقدار تجاوبه معه بطريق أو بآخر، وقد تكون الرواية اجترار لمعاناة اجتماعية ونفسية وسياسية وهذا لا مفر منه، وقد رأينا الكثير من الأعمال التي تصور واقع الحروب معاناتها على الإنسان، وآلام التهجير والغربة والنازحين والعالقين على الحدود، لكننا لم نعدم من هؤلاء الحنين والأمل في العودة للوطن”.

ويضيف: “من وجهة نظري فأبطال الروايات العربية وشخوصها في العموم هم من نبت هذه الأرض ومن حصادها، وبالتالي فهم يمثلون حالة مزاجية تتنوع مشاربها النفسية والاجتماعية، تكون في جملتها أشد التحاما بالواقع واقتحاما لآلام الناس والتعبير عنها بصورة أو بأخرى وهذا الدور الرسالي للأدب في المجتمع، والناس ومشاكلهم باعتبارهم نماذج تتحرك في محيطنا ومت هنا فالتأثر بمشاكلهم والانشغال بها طارئ، فهم يمشون على جانبنا في الأسواق والشوارع والحدائق والمقاهي والطرقات، تمتلئ بمعاناتهم الأزقة والحارات وتفيض بقصصهم الدروب والميادين، والكاتب يندفع في كثير من الأحيان إلى تصوير هذا الحراك النفسي والاجتماعي.

يقدم لنفسه وصفة خاصة يستفيق بها من آلام الغربة، ويحاول التشبث بعالمه الخاص الاجتماعي والنفسي والتاريخي، بعيدا عن آتون العزلة، فتصوير الواقع والاندساس فيه واقع الإنسان بين القوة والضعف الوارد، وهذا يحفظ الهوية من الذوبان في هويات أخرى، وحديثا ظهرت كثير من الأعمال التي تعبر عن مدى التجاوب مع المكان والجذور، والبحث عن الذات المشتتة بين الذوات والعودة إليها”.

ويواصل: “يجري هذا عبر نمط جاد من التوليف بين الشخوص والأحداث في صراع أزلي وجودي، فتتدخل في منحنيات تضيق وتوسع حسب الحالة ومضاعفاتها في ذاتية الكاتب، ومسألة الحلول ومخارج التأزيم تختلف من كاتب لآخر، استنادا إلى درجات التقارب أو التجاوب وحدوث التأثير، وهذا لا يمكن ثباته بحال من الأحوال وهذا من خصائص الأدب الذي يتعامل مع أشتات طباع ونفسيات، وبدرجة اندفاع الشخص وراء أحلامه وسيطرة تيار العاطفة فيه وعليه، فالإحساس بوقع الغربة وانغماس الشخص فيها أمر نسبي، ومثال ذلك جلي في رواية “ثرثرة فوق النيل” لخالد الذكر الأستاذ نجيب محفوظ، وتفاوت الشخوص في تقبل الاغتراب أو الانسلاخ عنه في مدد متفاوتة، وهذا أمر طبيعي”.

ويؤكد: “في الحقيقة لابد وأن نسلم بأن الكاتب يعبر عن حالة، عايشها وامتزج بها وسرت في تكوينه، فهو راصد لها بقلمه، ناشر لها بكلمته وحرفه، وهو في حل من التقيد بكل تفاصيل المشهد، من عرض المشكلة وطرح الحلول، فمسألة تسليط الضوء تشغله بدرجة كبيرة ابتداء، لكنه ليس من الالتزام في شيء، ليقدم لنا الحلول مثلما يقدم الطاهي طعامه لزبائنه، أو يصف الطبيب العلاج لمرضاه، فهذه الوصفات الجاهزة التي تخرج من الصندوق لتوضع في الأيدي شيء صعب، بيد أنه يعمد في مرات وتحت ضربات الأزمة ووقعها في نفسه، إلى فرض فرضيات وتقديم حلحلة، يراها هو كما اكتشفتها ذاته، لا يمكن تعميمها على كل الحالات المشابهة، حين يعطي شخوص روايته الحكمة والحرية لأن يعطوا الحلول، أو يشتبكوا مع الواقع الملتهب في عراك نفسي، والتعالي على نبرة الانكسار”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة