21 سبتمبر، 2024 2:39 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (15).. الشخصيات الإشكالية تضفي التشويق والغرابة على النص

الرواية والمعاناة (15).. الشخصيات الإشكالية تضفي التشويق والغرابة على النص

خاص: إعداد- سماح عادل

هل تصوير معاناة مجتمعاتنا، التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، في بعض يكون بهدف مصلحة خاصة للكاتب، بمعني أنه يسعي لرصد المعاناة ليحصل علي قبول القراء وقبول الجوائز، وليحوز الشهرة والقبول.

هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4 . هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

رصد المعاناة خطوة إيجابية..

يقول الكاتب والروائي الفلسطيني “خليل ناصيف”: “المعاناة بشكل عام هي حافز مهم لكتابة الرواية، ولكن لا يمكنني القول بأن الرواية تصدر من المعاناة وحدها، فكل كاتب لديه دوافعه الخاصة، في الآونة الاخيرة لاحظنا سيطرة الروايات النابعة من المعاناة الجمعية نتاج الحروب والصراعات، قسم مهم منها جاء من الأثر النفسي الذي تتركه تلك الصراعات في روح الكاتب، وقسم منها من أجل الجوائز وركوب (التريند). الخلاصة أن المعاناة حافز مهم للكتابة ولكنها ليست العامل الوحيد”.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال إشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “نسبيا نعم معظم أبطال الروايات العربية هم أشخاص يعانون من الاغتراب عن المجتمع أو الاستلاب، ووجود هذا النوع من الشخصيات في الرواية العربية قد تعود أسبابه لكون تلك الشخصيات انعكاس لنفسية الكاتب وحالته، كونه يعيش نفس المعاناة أو لأن وجود تلك الشخصيات يضفي نوعا من التشويق والغرابة على العمل الأدبي، أو لأن الكتابة عن شخصية إشكالية هو أمر أكثر سهولة بالنسبة للكاتب من خلق شخصية عادية ومتابعة تطورها التدريجي من خلال تفاعلها مع الأحداث”.

وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “لكل كاتب أسلوبه وتقنية سرده الخاصة، يمكن تصويرها من خلال وضع الشخصيات ضمن حدث إشكالي أو صادم والتركيز على المفارقات التي تواجهها مع تكبيرها وتضخيمها، توجد أحيانا مبالغة في تصوير المعاناة ولكن قد يرجع ذلك لنوعية الشخصية السيكوباتية أصلا، أو بسبب رغبة الكاتب بتسليط الضوء أكثر على نقطة معينة وربما أيضا لضعف القدرات السردية للكاتب وهو احتمال موجود دائما، لكن هل يؤثر ذلك على جودة العمل؟.

الأمر يتعلق بنوع العمل هل هو عمل واقعي الغرض منه كتابة قصة واقعية، أم هو عمل خيالي مقصود منه الدخول إلى ما تحت جلد الواقع. في الحالة الثانية يمكن فهم المبالغة بالتصوير على أنها عامل قوة”.

وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “ليس مطلوبا من الرواية تقديم الحلول ولكن الرواية التي تقدم فكرة للحل أو نماذج لشخصيات تمردت على واقعها هي رواية تروقني أكثر، نعم تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة دون تقديم حلول ولكن مجرد رصد المعاناة هو خطوة إيجابية بالذات، إذا نجحت الرواية في تسليط الضوء على جوانب خفية في المجتمع أو السياسة. برأيي الموضوع يعود الى شخصية الكاتب، هل هو جبان؟ هل هو متمرد؟ فالرواية نتاج فكر الكاتب وروحه في نهاية الأمر، وإذا كانت شخصية الكاتب ضعيفة فغالبا لن ينتج عنها سوى نصوص باهتة”.

الرواية متنفس للكاتب..

ويقول الكاتب الجزائري “حركاتي لعمامرة”: “بطبيعة الحال الرواية العربية كنوع من أنواع الأدب العربي أخذت منحى جديدا في الوقت الحالي، فهي تصدر من المعاناة بشتى أنواعها، بداية من الحروب والصراعات التي تملأ عدة أماكن من وطننا العربي، ومن ظروف المجتمعات العربية التي أصبحت مأزومة وقد توسع مصطلح الأزمة ليشمل حياتنا في كل معانيها من العائلة إلى الشارع إلى السوق إلى المؤسسات، ومن معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية، حيث أصبحت الرواية متنفسا للكاتب يصب من خلالها كل آلامه وأوجاعه على بياض الصفحات، تسانده في ذلك لغته وقلمه لتتحول تلك المعاناة إلى عمل سردي جميل”.

ويضيف: “بالنسبة للشخصيات والأبطال في الروايات العربية الذين صاروا أبطالا إشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون، والأمر الذي جعل منهم كذلك هو الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي أصبح يعيشه المواطن العربي، والتغيرات التي طرأت على يوميات المواطن العربي الذي أصبحت حياته ملأي بالانتظار والخوف من القادم المجهول، وقد لعبت المفاجآت الحياتية دورا كبيرا في هذا التحول إلى هذا الواقع المتذبذب والمجهول المعالم والنتيجة”.

ويواصل: “لكل كاتب طريقته وأسلوبه في تصوير المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، فبعض الكتاب يتخذ من الأسلوب الصريح والواقعي مسارا وقالبا يصب فيه أفكاره، وبعضهم يتخذ من الأسلوب النقدي للواقع فيمتزج أسلوبه بين الفكاهة والتهكم المليئين بكثير من التلميح والإشارة وبين هذا وذاك توزعت أغلب الأعمال التي وصل بعضها حد المبالغة في تصوير المعاناة، بينما يحيد بعضها عن ذلك ليهيم حول المشكلة دون أن يصل إلى لب القضية. ربما تخونه في ذلك لغته أو أدواته الفنية، وينجح البعض الآخر بكل سلاسة ويسر في إيصال الفكرة بدون بذل أدنى مجهود، أو اللجوء الى أبلغ الأساليب الأدبية وهذا مايسمى عند النقاد بالملكة الفنية التي يتقنها البعض دون غيرهم”.

ويؤكد: “بعض الروايات تكتفي برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية، بينما البعض الآخر يعرض حلولا ضمنية يحاول القارئ فك رموزها بين السطور، وقليل من الأعمال التي تعرض للحلول الصريحة، ويرجع السبب في اعتماد الكاتب على طريقة معينة في ذلك، من أجل إعطاء صورة جمالية للنص، وإشراك القارئ والناقد معا في إيجاد الحلول التي قد تغيب عن ذهن الكاتب”.

التوازن بين عناصر الرواية..

وتقول الكاتبة والروائية العراقية “زينب فاضل المرشدي” عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟: “نستطيع تشبيه الرواية بأنها التقاطات صورية للواقع الحياتي وتختلف دقة تلك صور بحسب تطور مخيلة الكاتب وأمانة ذاكرته في نقل الصور والمشاهدات، ولذلك نجد كاتباً يمر مرور الكرام وآخر يرسم الزوايا والتفصيلات ببراعة.

وعلى اختلاف الظروف التي تعصف بالرواية وتغير مساراتها تبقى الانقلابات والتغيرات في الأنظمة السياسية هي العامل الأول والأهم في تغيير مسار الروائيين وتعديل بوصلة اهتماماتهم، وذلك لما للسياسة من تأثير مباشر وانعكاسات على نمطية العيش وجوانب الحياة المختلفة، كالاقتصاد والتعليم والرفاهية. ولأن الوطن العربي شهد الكثير من التغيرات والأحداث التي أثقلت كاهل المواطن وجعلته في دوامه المعاناة، فلا بد أن تكون هذه المعاناة مادة روائية دسمة ينقلها الروائي بحسب موقفه والزاوية التي تنبثق منها كتاباته، وكلما غاص الروائي في المعاناة أكثر كلما انعكست على كتاباته وشخوص روايته”.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “عندما نقرأ للكاتب الكبير نجيب محفوظ فأننا نجد أن شخصياته ابنة واقعها، فهي من صلب الصعيد وليدة المعاناة والألم والواقع بكل اشكالياته، ومثله الكثير من الكتاب العرب جسدوا شخصيات وأبطال رواياتهم من الواقع.

خاصة مع تطور تيار الوعي الذي جعل الكاتب يغوص في عقل الشخصية ليعكس ٱلامها، غير أن تقنيات كتابة الرواية تتأثر كثيرا بما يصل إليه العالم من تطور في آليات الكتابة، بالتالي تشمل الشخصيات أيضا، فلم يعد بطل الرواية المحور الذي تدور حوله وتسخر له الأحداث والأشخاص، بل أصبحت الشخصيات متنوعة تتفاوت في أهميتها، فقد تغوص في قاع المجتمع وقد ترتقي إلى قمته، والغريب أيضاً أن البطولة لم تقتصر على الإنسان فحسب فقد يؤنسن الحيوان والجماد وحتى الشعور ولا مؤاخذة على الكاتب أن ينفتح على هذه الآفاق وأبعد من ذلك، ولكن التحدي يكمن في رسم هوية الشخصيات من صلب واقعها، وكما هي دون تشويه أو تحريف”.

وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تقول: “أن أولى مهمات الروائي هو خلق توازن بين عناصر روايته ولخلق هذا التوازن لا بد من تحديد مساحة الشخصيات في فضاءاته، بما يتناسب وسرعة الحياة ومتغيراتها التي أثرت على ذائقة المتلقي، فهو لا يطيق صبرا بقراءة عشرات الصفحات حول وصف معين، وهذا الفخ يقع فيه الكثير من الكتاب مما يجعلهم يطيلون وصف الشعور حتى يفقد السرد عنصر التشويق ويفقد المتلقي لذة المتابعة، في حين أن مهمته هي مسك العصى من المنتصف وتحقيق التوازن بين وصف المعاناة بما يمنحها مساحتها في الحضور والتصور وبين الانتقالات المشوقة ذات الإيقاعات السريعة التي تنسجم ومتطلبات العصر”.

وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: ” ليس من أولويات الكاتب إيجاد الحلول لمشاكلات المجتمع، ولكن غايته الأولى تسليط الضوء على مشكلات ومواضيع مطمورة أو بعيدة عن تفكير الناس وتصوراتهم، وبعبارة أخرى فإنه يرسم هموم الناس كيفما يراها، فيفكك أمام عيني المتلقي عقدها ويشير إلى مواضع العقد ليفهم المتلقي بإشارات رمزية أين تكمن المشكلة ومن أين تبدأ الحلول، وهو بذلك يعفي نفسه من زج الخاتمة أو النهاية قسرا في زاوية النهايات المثالية، التي قد لا تنسجم مع الواقع فتبدو بذلك غير واقعية كأنها في عالم من الأحلام”.

 

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة